"صل وأرفد صباطك" والله عجيب وغريب من بعض الأئمة ، ولكن لا غرابة ولا عجب لما تعرف أن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب والغرائب كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ...
فكيف لو رأى رحمه الله أو سمع من يأتي بالغرائب والعجائب في فنه ؟!
-------------------
الحمد لله ...
قال صاحبنا : هناك من يذهب للمساجد للصلاة وهناك من يذهب لينتقد التوقيت والإطالة والتجويد والمصلين و.. و .. اذهب مصلياً متخشعاً لا ناقداً متصيداً ، أو مراقباً متذمراً أو معجباً مُتطاولاً ، وادخل وأنت على يقين أن كل من بالداخل هو أتقى وأصوب منك وأقرب إلى الله .. انتهى كلامه .
-----
التعليق :
=====
الحمد لله حمدا يليق بحلاله وعظمته ، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين وعلى آله وصحبه .
وبعد :
فإن هذا الكلام في هذا المنشور غير متجه ، ولا سديد بل هو كلام باطل، وتوجيه عاطل، وفيه من الظلم والتهم الناتج عن التذمر الذي يشتكي منه شيخنا الفاضل ، ويريد أن يوجه رسالة شديدة اللهجة لبعض الناس من شيوخ العلم وطلبته الافاضل ممن ينتقدون عليه وعلى غيره ما يجري من المخالفات في المساجد ، والعجيب الغريب أنه يتذمر من هؤلاء ، وبالقابل يثني على جميع من في المسجد من رواده وهو لا يعرفهم جميعا ولا يعرف معتقدهم ومناهجهم بأنهم اتقى وأصوب وأقرب إلى الله من ذلك المنتقد ...
يا شيخ هل تريد أن تقول : اتركونا نعمل ونقول ما نشاء ... أو اتركوا الناس وشأنهم يفعلون ما شاءوا ... في بيوت الله ؟!؟!
أو تريد أن تقول وهي أشد وأنكى على العلماء وشيوخ العلم وطلبته إذا ذهبوا إلى المساجد أن لا يلتفتوا يمينا وشمالا ، ولا يحركوا ساكنا ولا يستنكرون المنكرات والمخالفات التي تعج بها المساجد ، ولا يرشدون رواد المساجد إلى السنة وآداب الصلاة وآداب المساجد ولا ينصحون المسيئين في صلاتهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم غير ما مرة مع بعض الصحابة رضوان الله عليهم ومنهم المسيء في صلاته ، ولا يؤمرون بمعروف ولا ينهون عن المنكر ويتركون دار لقمان على حالها والحال على الغالب والغارب ..
ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في المسجد وينظر في أحوال الناس ولا يفوت فرصة تعليم أو توجيه من أخل بشيء من الأخلاق أو الآداب أو أساء في الصلاة أو في حق المسجد ، وما قصة الأعرابي الذي بال في المسجد وأراد الصحابة نهره ، وزجره صلى الله عليه وسلم لهم .. وبيانه للأعرابي ما يجب عليه في بيت الله ، وكذلك قصة المسيء في صلاته ، وقصة أبي ذر رضي الله عن الصحابة لما دخل وجلس دون تحية المجلس ، وقصة جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كذلك وغير ذلك كثير حتى كان يراقبهم من وراء ظهره ، ويقول : ( ... وإنِّي لَأراكم مِن وراءِ ظَهري ). رواه الشيخان.
وهكذا ينبغي أن يكون الإمام يراقب المصلين والصفوف وكذلك ينبغي أن يكون حال العلماء والشيوخ وطلبة العلم في تعاون دائم ومستمر مع الإمام وفيما بينهم حتى تستقيم الحال في بيوت الله سبحانه ...
ويا شيخ أتريد أن تحقق المقولة التي تقول : صلوا وخذوا أحذيتكم وانصرفوا ... بالمعنى المختصر ..
أين أنت يا شيخ من الآيات والأحاديث التي جاءت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
وأين أنت من الآيات والأحاديث التي جاءت في النصح من مثل قوله تعالى : (( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( الدين النصيحة .. ) وقوله : (( ومن رآى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ...) الحديث وهو ليس خاصا بمكان دون مكان أو زمان دون زمان ، وما أخبرتك به آنفا من حال النبي صلى الله عليه وسلم وجلوسه في المسجد ... كيف كان ..
أم ترى أن ذلك موقوف على الإمام حصري عليه فقط ؟
فلماذا لا نتحمل من ينتقدنا كما كان الصحابة رضوان الله عليهم فقد كانوا والله نصحة لبعضهم البعض وكانوا يتحملون بعضهم بعض حتى قال الفاروق عمر رضي الله عنه: لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نقبلها .. ذكره ابن أبي شيبة في قصة ، وابن رجب في الحكم الجديرة ...
وهذا من باب التعاون على الخير والبر ؛ لأن الإمام لا يستطيع لوحده أن يرى كل المخالفات التي تجري من ورائه وبعيدا عن عينه ؛ بل بعض الائمة يرى بعض المخالفات أمامه ولا يحرك ساكنا ، المهم عنده المسجد يمتلئ ، ويرضى عنه الناس ...
أما قولك : " اذهب مصلياً متخشعاً لا ناقداً متصيداً... "
أولا : تشكر على التوجيه .. الذي تستنكره على غيرك ... وأنت واقع فيه ... فها أن تتصيد هذا الذي توجه له الخطاب ... وتتهمه بأنه أحط من جميع من في المسجد ..
كان المفروض أن تشكره وتتعاون معه ..
ثانيا : يا شيخ هذا اتهام للنيات والمقاصد ، وليس بالضرورة أن يكون الذاهب لبيت الله من الطلبة وشيوخ العلم أنهم يذهبون إلى المساجد بقصد التصيد ، و .. و... فالمقاصد لا يعلمها إلا الله ، وهذه تهمة كبيرة وخطيرة لحراس الدين والمرابطين على ثغوره ؛ لأن النقد للمخالف من منهج السلف ، وقد يكون واجبا عليهم على قدر استطاعتهم بالعلم والحكمة ، ولا ينبغي السكوت عن مخالفة الحق ، فالساكت عن الحق شيطان أخرس .. والناطق بالباطل شيطان ناطق .
وقال الشافعي : " لولا المحابر ، لخطبت الزنادقة على المنابر "
قال الذهبي في السير: (١٢/ ٨٢): نحن لاَ نَدَّعِي العِصْمَةَ فِي أَئِمَّةِ الجَرحِ وَالتَّعدِيلِ، لَكِنْ هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ صَوَاباً، وَأَنْدَرُهُمْ خَطَأً، وَأَشَدُّهُم إِنصَافاً، وَأَبْعَدُهُمْ عَنِ التَّحَامُلِ، فَخَلِّ عَنْكَ العَنَاءَ، وَأَعطِ القَوسَ بَارِيَهَا، فَوَاللهِ لَوْلاَ الحُفَّاظُ الأَكَابِرُ، لَخَطَبَتِ الزَّنَادِقَةُ عَلَى المَنَابِرِ، وَلَئِنْ خَطَبَ خَاطِبٌ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ، فَإِنَّمَا هُوَ بِسَيفِ الإِسْلاَمِ، وَبِلِسَانِ الشَّرِيعَةِ، وَبِجَاهِ السُّنَّةِ، وَبِإِظهَارِ مُتَابَعَةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُوْلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ الخذلان.
فالعلماء الحفاظ والنقاد الأكابر هم حراس ما ينشر في الكتب والدفاتر وما يقال على المنابر ، والمجاهدون بمداد المحابر لصفاء الدين والمآثر ، بعد التحقيق والتدقيق للقول المخالف والموافق للحق ، فيثبتون حسن المآثر ، وينفون الدخائل والمخاطر ؛ فكم من ملبس زجروه ، ومعاند كسروه ، ومريد للحق نصروه، فاللهم احفظهم وأيدهم وأيد بهم.
ومن يقرأ مقدمة الرد على الجهمية للإمام أحمد يعرف قدر النقاد المرابطين على ثغور السنة ..
أما المخالف للحق المميع للدين والمتنكب نهج الحق فإنه يود لو سكت أهل العلم ليتسلط بالهوى ، ويخلو له الجو فيفرخ ويبيض حيث شاء ما شاء ، ولكن يأبى الله إلا أن يقيم الحجة ويبين المحجة بمن رفع الله ذكرهم و خلد فكرهم و لله الحمد و المنة.
قال محمود شاكر رحمه الله :
" فإنّ جَودةَ العلمِ لا تتكوَّنُ إلا بجودةِ النّقــد، ولولا النَّقدُ لبطلَ كثيرُ عِلم، ولاختلطَ الجهلُ بالعلمِ اختِلاطا لا خلاص منهُ ولا حيلة فيه "
من كتاب المتنبي .
أما قولك : " وادخل وأنت على يقين أن كل من بالداخل هو أتقى وأصوب منك وأقرب إلى الله .. "
وهذا كلام خطير ، ومخالف لمعتقد السلف ، ولعلك تقصد شخصا بعينه اجتمعت فيه تلك الصفات التي ذكرتها من تصيد ، أو مراقبة الإمام والمصلين والتذمر من الحال التي يراها ، والإعجاب بنفسه والتطاول على أهل المسجد الذين هم في حقيقة الحال كلهم اتقى (وانقى ؛ فلا يكون اتقى إلا إذا كان أنقى ) منه وأفضل ...
وهذه جملة من التهم خطيرة ، ويقال لك : أوحي بعد رسول الله ، ؟! كيف اطلعت بيقين وتوصلت إلى أن كل من في المسجد أنهم أتقى وأصوب وأقرب إلى الله وأفضل من هذا الشخص الذي تنتقده ؟!
وليس من شك أنه طالب علم إن لم يكن من شيوخ العلم ..
وهذه تهم ودعوة تحتاج إلى أدلة ، وستحاسب عليها ... فأعد الجواب .
ثم ماذا كنت قائلا لو قلبها المدعى عليه عليك فماذا ستقول، فها أنت تتصيد لعيوبه وعثراته ، منتقدا له ومراقبا ومتذمرا منه ... فهل ترى أن ذلك حلال عليك حرام عليه؟!
وأما قولك : وادخل وأنت على يقين أن كل من بالداخل هو أتقى وأصوب منك وأقرب إلى الله ..
الله أكبر ، فكيف عرفت بأن كل من بالداخل هم أتقى وأنقى وأصوب وأقرب إلى الله ؟!
وكيف تحكم بهذا الحكم العام وتشهد للكل بأنهم اتقى وأصوب وأقرب إلى الله، وفيهم من أهل الأهواء والبدع والمخالفات، وأهل المعاصي الكثير والكثير ، فالمساجد يرتادها من كل الفرق والطوائف ، ففيهم من يرى رأي الخوارج من الخوارج القاعدية ، والروافض .. والإرجاء والاعتزال .. والقبوري ، والطرقي ، وفيهم الحليق والمتشبه بالكفار في تحليقاتهم ولباسهم ، وفيهم المسبل ، ومن يصلي في ثياب لا تستر عورته ، وثياب حازقة ومقطعة وبعضهم يحمل صورا على ثيابه وكتابات مخلة بالحياء وفيهم الذي لا يحسن الصلاة ، ومنهم من يستهين بالسنة ويهزأ من أصحابها وفيهم.. وفيهم .. هؤلاء كلهم أتقى وأصوب وأقرب إلى الله من ذلك الناصح ..
ومن باب العدل .
وبالمقابل فيهم الكثير من الصالحين والصديقين والمخلصين والتائبين والمحبين للسنة وأهلها ، والحريصين عليها ، والمحبين للعلماء وشيوخ العلم وأئمة الدين الناصحين ، ولا شك في ذلك ..
ثم تأتي لتسوي بهم أولئك وتجعلهم جميعا في سلة واحدة وفي ميزان واحد وتحكم لهم جميعا بحكم واحد أنهم أتقى وأنقى وأصواب وأقرب إلى الله من ذلك الشخص الذي توجه له كلامك ، أليس هذا من التآلي على الله بدعوى الاطلاع على ما غيب عليك أن الكل الذي في المسجد أتقى وأصوب وأقرب إلى الله إلا هذا الشخص ..
أليس هذا من الظلم للصالحين الذين في المسجد أن تسويهم بمن ذكرت لك ..؟!
أما قولك : " وادخل وأنت على يقين أن كل من بالداخل هو أتقى وأصوب منك وأقرب إلى الله .. "
فلعلك تقصد شخصا بعينه اجتمعت فيه تلك الصفات التي ذكرتها من تصيد ، أو مراقبة الإمام والمصلين والتذمر من الحال التي يراها والإعجاب بنفسه والتطاول على أهل المسجد الذين هم في حقيقة الحال اتقى منه وافضل ... وهذه جملة من التهم خطيرة ، ستسأل عنها ودعوة تحتاج إلى أدلة ، ولو قلبها المدعى عليه عليك فماذا ستقول فها أنت متصيد له منتقدا ومراقبا ومتذمرا منه ...
اسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا ، وأن يرينا الحق حق ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .