"قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 389 :


و قد روى حديث عائشة موقوفا عليها ، أخرجه البيهقي من طريق أبي حنيفة

قال . حدثني علي بن الأقمر عن مسروق قال :

" دخلت على عائشة يوم عرفة فقالت : اسقوا مسروقا سويقا ، و أكثروا حلواه ،

قال : فقلت : إني لم يمنعني أن أصوم اليوم إلا أني خفت أن يكون يوم النحر ،

فقالت عائشة : النحر يوم ينحر الناس ، و الفطر يوم يفطر الناس " .

قلت : و هذا سند جيد بما قبله .

فقه الحديث

-----------

قال الترمذي عقب الحديث :

" و فسر بعض أهل العلم هذا الحديث ، فقال : إنما معنى هذا الصوم و الفطر مع

الجماعة و عظم الناس " . و قال الصنعاني في " سبل السلام " ( 2 / 72 ) :

" فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس ، و أن المتفرد بمعرفة

يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره ، و يلزمه حكمهم في الصلاة و الإفطار

و الأضحية " .

و ذكر معنى هذا ابن القيم رحمه الله في " تهذيب السنن " ( 3 / 214 ) ، و قال :

" و قيل : فيه الرد على من يقول إن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل جاز

له أن يصوم و يفطر ، دون من لم يعلم ، و قيل : إن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال

و لم يحكم القاضي بشهادته أنه لا يكون هذا له صوما ، كما لم يكن للناس " .و قال أبو الحسن السندي في " حاشيته على ابن ماجه " بعد أن ذكر حديث أبي هريرة

عند الترمذي :

" و الظاهر أن معناه أن هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل ، و ليس لهم التفرد

فيها ، بل الأمر فيها إلى الإمام و الجماعة ، و يجب على الآحاد اتباعهم للإمام

و الجماعة ، و على هذا ، فإذا رأى أحد الهلال ، و رد الإمام شهادته ينبغي أن لا

يثبت في حقه شيء من هذه الأمور ، و يجب عليه أن يتبع الجماعة في ذلك " .

قلت : و هذا المعنى هو المتبادر من الحديث ، و يؤيده احتجاج عائشة به على مسروق

حين امتنع من صيام يوم عرفة خشية أن يكون يوم النحر ، فبينت له أنه لا عبرة

برأيه و أن عليه اتباع الجماعة فقالت :

" النحر يوم ينحر الناس ، و الفطر يوم يفطر الناس " .

قلت : و هذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس و توحيد

صفوفهم ، و إبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية ، فلا تعتبر الشريعة

رأي الفرد - و لو كان صوابا في وجهة نظره - في عبادة جماعية كالصوم و التعبيد

و صلاة الجماعة ، ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم كان يصلي بعضهم وراء بعض

و فيهم من يرى أن مس المرأة و العضو و خروج الدم من نواقض الوضوء ، و منهم من

لا يرى ذلك ، و منهم من يتم في السفر ، و منهم من يقصر ، فلم يكن اختلافهم هذا

و غيره ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإمام الواحد ، و الاعتداد بها ،

و ذلك لعلمهم بأن التفرق في الدين شر من الاختلاف في بعض الآراء ، و لقد بلغ

الأمر ببعضهم في عدم الإعتداد بالرأي المخالف لرأى الإمام الأعظم في المجتمع

الأكبر كمنى ، إلى حد ترك العمل برأيه إطلاقا في ذلك المجتمع فرارا مما قد ينتج

من الشر بسبب العمل برأيه ، فروى أبو داود ( 1 / 307 ) أن عثمان رضي الله عنه

صلى بمنى أربعا ، فقال عبد الله بن مسعود منكرا عليه : صليت مع النبي صلى الله

عليه وسلم ركعتين ، و مع أبي بكر ركعتين ، و مع عمر ركعتين ، و مع عثمان صدرا

من إمارته ثم أتمها ، ثم تفرقت بكم الطرق فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين

متقبلتين ، ثم إن ابن مسعود صلى أربعا ! فقيل له : عبت على عثمان ثم صليت

أربعا ؟ ! قال : الخلاف شر . و سنده صحيح . و روى أحمد ( 5 / 155 ) نحو هذا عن

أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين .

فليتأمل في هذا الحديث و في الأثر المذكور أولئك الذين لا يزالون يتفرقون في

صلواتهم ، و لا يقتدون ببعض أئمة المساجد ، و خاصة في صلاة الوتر في رمضان ،

بحجة كونهم على خلاف مذهبهم ! و بعض أولئك الذين يدعون العلم بالفلك ، ممن يصوم

و يفطر وحده متقدما أو متأخرا عن جماعة المسلمين ، معتدا برأيه و علمه ، غير

مبال بالخروج عنهم ، فليتأمل هؤلاء جميعا فيما ذكرناه من العلم ، لعلهم يجدون

شفاء لما في نفوسهم من جهل و غرور ، فيكونوا صفا واحدا مع إخوانهم المسلمين فإن يد الله مع الجماعة .