النفاق: تعريفه .... .. أنواعه (*)

أ- تعريفه :

النفاق لغة: مصدر نافق , يقُال : نافق نفاقاً و منافقته , وهو مأخوذ من النافقاء : أحد مخارج اليربوع من جحره , فإذا طلب من مخرج هرب من الآخر ، و خرج منه , و قيل : هو من النفق و من السِّربُ الذي يستتر فيه (1) .

و أما النفاق في الشرع : فمعناه إظهار الإسلام و الخير , و إبطان الكفر و الشر , سمي بذلك لأنه يدخل في الشرع من باب , و يخرج منه من باب آخر و على ذلك نبه الله تعالى بقوله (( إن المنافقين هم الفاسقون )) [ التوبة:67 ] , أي : الخارجون من الشرع.
و جعل الله المنافقين شراً من الكافرين فقال {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}

وقال تعالى ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)) [ النساء: 132 ]

و قال تعالى : ((يخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ(9)

فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)) [ البقرة 9-10]


ب ـ أنواع النفاق : النفاق نوعان :

النوع الأول : النفاق الاعتقادي : و هو النفاق الأكبر الذي يظهر صاحبه الإسلام , و يبطن الكفر ، و هذا النوع مخرج من الدين بالكلية , و صاحبه في الدرك الأسفل من النار , و قد وصف الله من أهله بصفات الشر كلها : من الكفرو عدم الإيمان , و الاستهزاء بالدين و أهله ، و السخرية منهم , و الميل بالكلية إلى أعداء الدين , لمشاركتهم لهم في عداوة الإسلام . و هؤلاء موجودون في كل زمان , و لا سيما عندما تظهر قوة الإسلام و لا يستطيعون مقاومته في الظاهر , فإنهم يظهرون الدخول فيه , لأجل الكيد له و لأهله في الباطن , و لأجل أن يعيشوا مع المسلمين و يأمنوا على دمائهم و أموالهم , فيظهر المنافق إيمانه بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر , و هو الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به , لا يؤمن بالله , و لا يؤمن بأن الله تكلم بكلام أنزله على بشر جعله رسولاً للناس يهديهم بإذنه , و ينذرهم بأسه و يخوفهم عقابه , و قد هتك الله أستار هؤلاء المنافقين , و كشف أسرارهم في القرأن الكريم , و جلى لعباده أمورهم ’ ليكونوا منها و من أهلها على حذر . و ذكر طوائف العالم الثلاثة في أول البقرة : المؤمنين , الكافرين , و المنافقين , فذكر في المؤمنين أربع آيات , و في الكفار آيتين و في المنافقين ثلاث عشر آية , لكثرتهم و عموم الابتلاء بهم , وشدة فتنتهم على الإسلام و أهله , وفإن بلية الإسلام بهم شديدة جداً , لأنهم منسوبون إليه و إلى نصرته و موالاته و هم أعداؤه في الحقيقة , يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم و إصلاح , و هو غاية الجهل و الإفساد (2)

و هذا النفاق ستة أنواع (3) :

1- تكذيب الرسول - صلى الله عليه و سلم
2- تكذيب بعض ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم -
3- بغض الرسول - صلى الله عليه وسلم -
4- بُغض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه و سلم -
5- المسرة بانخفاض دين الرسول - صلى الله عليه و سلم -
6- الكراهية لانتصار دين الرسول - صلى الله عليه و سلم -


النوع الثاني : النفاق العملي :


هو عمل شيىء من أعمال المنافقين , مع بقاء الإيمان في القلب , و هذا لا يخرج من الملة , و لكنه وسيلة إلى ذلك , و صاحبه يكون فيه إيمان و نفاق ,و إذا كثر , صار بسببه مناققاً خالصا ً , و الدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (( أربعٌ من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً , و من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا أؤتمن خان , و إذا حدث كذب , و إذا عاهد غدر , و إذا خاصم فجر )) [ متفق عليه ]

فمن اجتمعت فيه هذه الخصال الأربع فقد اجتمع فيه الشر , و خلصت فيه فيه نعوت المنافقين , و من كانت فيه واحد صار فيه خصلة من نفاق , فإنه قد يجتمع في العبد خصال خير , و خصال شر , و خصال إيمان , و خصال كفر و نفاق , و يستحق من الثواب و العقاب بحسب ما قام به من موجبات ذلك .

و منه : التكاسل عن الصلاة مع الجماعة في المسجد , فإنه من صفات المنافقين , فالنفاق شر و خطير جداً , و كان الصاحبة يتخوفون من الوقوع فيه , قال ابن أبي مليكة : (( أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه و سلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه ))

الفروق بين النفاق الأكبر و النفاق الأصغر :

1- أن النفاق الأكبر يخرج من الملة , و النفاق الأصغر لا يخرج من الملة .

2- أن النفاق الأكبر اختلاف السر و العلانية في الاعتقاد , و النفاق الأصغر اختلاف السر و العلانية في الأعمال دون الاعتقاد .

3- أن النفاق الأكبر لا يصدر من مؤمن , و أما النفاق الأصغر قد يصدر من مؤمن .

4- أن النفاق الأكبر في الغالب لا يتوب صاحبه , و لو تاب فقد اختلف في قبول توبته عند الحاكم , بخلاف النفاق الأصغر , فإن صاحبه قد يتوب إلى الله , فيتوب عليه .

قال شيه الاسلام ابن تيمية - رحمه الله - : (( و كثيراً ما تعرض للمؤمن شعبة من شعب النفاق , ثم يتوب الله عليه , و قد يرد على قلبه بعض ما يوجب النفاق , و يدفع الله عنه , و المؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره , كما قال الصحابة : يا رسول الله , إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض , أحب إليه من أن يتكلم به , فقال (( ذلك صريح الإيمان )) [ رواه أحمد و مسلم ] و في رواية يتعاظم ان يتكلم به , قال (( الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة )) أي : حصول هذا الوسواس , و مع هذه الكراهية العظيمة , و دفعه عن الثلب , و هو من صريح الايمان )) انتهى .

و أما أهل النفاق الأكبر فقال الله فيهم : (( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ))[البقرة:18]

أي : الاسلام في الباطن , و قال تعالى فيهم : {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ }التوبة126

قال شيخ الاسلام بن تيميم - رحمه الله - (( و قد اختلف العلماء في قبول توبتهم في الظاهر , لكون ذلك لا يُلعم , إذ هم دائماً يظهرون الإسلام )) [ مجموع الفتاوى 28 /435-434 ]

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
(*) : منقول من كتاب التوحيد للفضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله -

(1) : النهاية لابن الأثير ( 98/5) بمعناه .

(2) : من رسالة لابن القيم في في بينا صفات المنافقين

(3) : مجموعة التوحيد النجدية ص (9)