السؤال الرابع: يقال: إن شرط النسائي أقوى من شرط البخاري فلما لم يكن سنن النسائي بمستوى الصحيح؟
الجواب: لعل هذا السؤال مبعثه ما قرأه السائل في (شروط الأئمة الستة) لابن طاهر (ص26) قوله: سألت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني بمكة عن حال رجلٍ من الرواة، فقلتُ: إنَّ أبا عبدالرحمن النسائي ضعفه؟ فقال:" يا بُنيَّ إنَّ لأبي عبدالرحمن في الرجال شرطاً أشد من شرط البخاري ومسلم".
و هذا النصُّ لا يُفهم منه تقديم (السنن) للنسائي على الصحيحين أو أحدهما أو مساواةٍ لهما أو لأحدهما، وبيانه:
أولاً: أنَّ الإمام النسائي لم يشترط الصِّحة في كتابه، فضلاً عن أن يصفه بالصَّحيح، ومما يدلُّ على ذلك أنَّ المأثور في ذلك قوله:" لما عزمتُ على جمع كتاب السُّنن، استخرت الله تعالى في الرِّواية عن شيوخٍ كان في القلبِ منهم بعض الشيء، فوقعت الخِيَرةُ على تركهم، فتركتُ جملةً من الحديث كنتُ أعلو فيه عنهم" أخرجه ابن طاهر في (شروط الأئمة الستة)(ص 26) بإسناد صحيح.
ومن هؤلاء الشيوخ الذين ترك الحديث عنهم عبدالله بن لهيعة، كما في (سؤالات السلمي للدارقطني)(رقم 33/ص114).
ينظر: (برنامج التجيبي)(ص116) و (بغية الراغب المتمني في ختم النسائي) للسخاوي (ص49) و(زهر الربى) للسيوطي(1/ص4).
فأنت ترى أنَّّه لم يصف كتابه بـ(الصحيح) وإنما وصفه بـ(السنن)، وفرقٌ بينهما، وكذا وصفه به جماعة من الحفاظ كالحافظ أبي عبدالله الحاكم في (معرفة علوم الحديث)(ص 82-83) حيث قال:"و من نظرَ في كتاب (السنن) له تحيَّرَ في حُسن كلامه"، و ابن الصلاح في (علوم الحديث)(ص37 و40) و المزيِّ في (تهذيب الكمال)(1/328) و ابن كثير في (اختصار علوم الحديث)(1/116)، وسبط ابن العجمي في (حاشيته على الكاشف)(1/ص195) و ابن حجر في (تهذيب التهذيب)(1/ 36) و السَّخاوي في (فتح المغيث)(1/98)، وغيرهم.
ثانياً: أنَّ هذا القول لم يُسلِّم به بعض الحفاظ، كالحافظ ابن كثير، حيث قال في (اختصار علوم الحديث)(1/116-117):" وقول..أنَّ له شرطاً في الرجال أشد من شرط مسلمٍ، غيرُ مُسَلَّمٍ؛ فإنَّ فيه رجالاً مجهولين إما عيناً أو حالاً، وفيهم المجروح، وفيه أحاديث: ضعيفةٌ و مُعلَّلة ومنكرةٌ، كما نبهنا عليه في (الأحكام الكبير)".
ثالثاً: أنَّ كتاب (السنن) للحافظ النسائي جمع الصَّحيح وغيره، وإن كان هو أقل الكتب بعد الصحيحين حديثاً ضعيفاً، قال الحافظ ابن رشيد:" فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثاً ضعيفاً و رجلاً مجروحاً، ويقاربه كتاب أبي داود وكتاب الترمذي، ويقابله في الطرف الآخر كتاب ابن ماجه، فإنه تفرد فيه بإخراج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث" من (النكت على كتاب ابن الصلاح)(1/484)، و ينظر: (البحر الذي زخر)(3/1159-1164).
ونحوه قال الحافظ السخاوي في (بغية الراغب)(ص90).
ولهذا قال الحافظ ابن الصَّلاح في (علوم الحديث)(ص21) لما تكلم عن الزيادات على الصحيحين قال: " و لا يكفي في ذلك مجرد كونه موجوداً في كتاب أبي داود وكتاب الترمذي، وكتاب النسائي، وسائر مَنْ جمعَ في كتابه بين الصحيح وغيره".
رابعاًً: لا يوجد أحدٌ من أهل العلم- حسب علمي- جعلَه في منزلة الصحيحين أو أحدهما أو مساوٍ لهما، قال النَّاظم السيوطي في (ألفيته)(ص 10- بشرح أحمد شاكر):
( وليس في الكتبُ أصحُّ منهما ... بعدَ القُرآن ولهذا قُدِّما ).
و أما قول أبي عبدالله بن رُشيد:" إنه أبدع الكتب المصنَّفة في السُّنن تصنيفاً وأحسنها توصيفاً، وهو جامع بين طريقتي البخاري و مسلم مع حظٍّ كبير من بيان العلل التي كأنها كِهانة من المتكلِّم" نقله الحافظ السخاوي في (بغية الراغب)(ص48).
وينظر (النكت على كتاب ابن الصلاح)(1/484) و(البحر الذي زخر) للسيوطي (3/1159).
فإنَّ هذا منه لا يدلُّ على مساواتهما فضلاً عن كونه أعلى منهما! غاية ما فيه بيان مزية كتاب السُّنن من كونه جمع هذه الطرائق البديعة في التأليف، وتفصيل ذلك وبيانه في كتاب الحافظ السخاوي (بغية الراغب) من (ص27) وما بعده.
خامساً: قال الحافظ ابن منده قال: سمعت محمد بن سعد البارودي يقول:" كان من مذهب أبي عبدالرحمن النسائي أن يخرج عن كلِّ مَن لم يجمع على تركه" ثم قال ابن منده:" وكذلك أبو داود السجستاني يأخذ مأخذه ويخرِّج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره؛ لأنه أقوى عنده من رأي الرجال".
ينظر: (علوم الحديث) لابن الصلاح (ص37) و (شروط الأئمة الستة) لابن طاهر (ص19) و(مختصر سنن أبي داود) للمنذري (1/8) و(شرح الألفية) للعراقي (1/103) و (النكت) (1/482) و (فتح المغيث) (1/98-99) و(بغية الراغب)(ص54-55).
قال الحافظ السخاوي في (بغية الراغب)(ص55) و(فتح المغيث) (1/99) معلقاًً على قول ابن منده :" يعني في عدم التقيُّد بالثقة، والتخريج لمن ضُعف في الجملة، وإن اختلف صنيعهما".
قال الحافظ العراقي عن هذا المذهب:" مذهب مُتَّسعٌ". (شرح الألفية)(1/103).
وقال السخاوي:" هو مذهب متسعٌ إن حُملَ على ظاهره، لاقتضائه التخريج لجُلِّ الضعفاء وليس الواقع كذلك، بل الحق إرادته إجماعاً خاصاً، وذلك أن كل طبقة من المتكلمين في الجرح والتعديل لا لا تخلو من متشدد ومتوسط، فمتى اتفق الفريقان على ترك واحد تجنَّبه النسائي، بخلاف ما إذا ضعَّفه المتشدد ووثقه الآخر". وهو توجيه الحافظ ابن حجر لكلام البارودي ينظر (النكت)(1/482-483)، وينظر (فتح المغيث)(1/98).
فبالتأمل فيما سبق هنا يظهر لك جلياً الفرق بين السنن و الصحيحين أو أحدهما، إذ ليس فيهما مثل أو نحو هذا الشرط!!
سادساً: قال الحافظ ابن طاهر في (شروط الأئمة الستة)(ص17-18):" فاعلم أنَّ شرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلاً غير مقطوع، فإن كان للصحابي راويان فصاعداً فحسن وإن لم يكن له إلا راو واحد إذا صح الطريق إلى ذلك الراوي أخرجاه، إلا أن مسلماً أخرج أحاديث أقوام ترك البخاري حديثهم لشبهة وقعت في نفسه،و أخرج مسلم أحاديثهم بإزالة الشبهة.." إلى آخر كلامه.
علَّق الحافظ العراقي على هذا القول معترضاً في (شرح الألفية)(1/66) بقوله:" ما قاله ليس بجيد؛ لأن النسائي ضعَّف جماعة أخرج لهم الشيخان أو أحدهما".
و أجيب عن اعتراض الحافظ العراقي:" بأنهما أخرجا من أُجمع على ثقته إلى حين تصنيفهما، فلا يقدحُ في ذلك تضعيف النسائي بعد وجود الكتابين" من (البحر الذي زخر)(2/699).
وقال الحافظ ابن حجر:" تضعيف النسائي إن كان باجتهاده أو نقله عن معاصرٍ، فالجواب ذلك- أي ما تقدم قبلُ- وإن نقله عن متقدِّمٍ، قال: ويمكن أن يجاب: بأنَّ ما قاله ابن طاهر هو الأصل الذي بنيا عليه أمرهما، وقد يخرجان عنه لمرجح يقوم مقامه". نقله عنه الحافظ السيوطي في (البحر الذي زخر) (2/700).
سابعاً: قد يقال: ما القول إذن في وصف بعض أهل العلم من الحفاظ لكتاب (السنن) للنسائي بـ(الصحيح) كأبي علي النسابوري و ابن السكن وأبي أحمد بن عدي والدارقطني والخطيب وأبي طاهر السِّلَفي والذهبي في بعض المواضع، وفي (تذكرة الحفاظ) و(السير) قال:" صاحب السنن"!.
وقال فيه الحافظ أبو طاهر السِّلفي لما ذكر الكتب الخمسة ومنها السنن للنسائي قال:" اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب".
ينظر: (تاريخ بغداد)(11/397) و (التقييد لمعرفة السنن والمسانيد)(1/152) و (علوم الحديث) لابن الصلاح (ص40) و(الكاشف) ترجمة(النسائي)(1/ رقم 39/195) و (الموقظة)(ص 55- فصل آداب المحدث) و (تذكرة الحفاظ)(2/698) و(سير أعلام النبلاء)(14/125) و (البدر المنير) لابن الملقن (1/ص 306-307) و (النكت على كتاب ابن الصلاح) (1/480) و(فتح المغيث)(1/100) و(بغية الراغب المتمني)(ص 50) و(البحر الذي زخر)(3/1171).
فالجواب: أنَّ هذا القول لَم يسلم من الاعتراض والرَّدِّ، فقد عارضه أئمة غيرهم، فقد قال الحافظ ابن الصلاح (علوم الحديث)(ص 40):" هذا تساهلٌ؛ لأنَّ فيها ما صرَّحوا بكونه ضعيفاً أو منكراً أو نحو ذلك من أوصاف الضعف".
وقال الحافظ العراقي في (ألفيته) (1/87- مع شرحها فتح المغيث):
" ومَنْ عليها أطلق الصحيحا... فقد أتى تساهلاً صريحاً".
و بنحو قول ابن الصلاح قال السخاوي في (فتح المغيث)(1/100) وكذا الحافظ السيوطي في (البحر الذي زخر)(3/1171)، وقال الحافظ ابن كثير في (اختصار علوم الحديث)(1/116):" فيه نظرٌ.." ثم ذكر العبارة التي تقدَّمت في (ثانياً)، وقال في (1/ص120) راداً قول السلفي السابق بأنَّه:"تساهلٌ منه، وقد أنكره ابن الصلاح وغيره"، وعلَّق الحافظ ابن الملقن في (البدر المنير)(1/ص307-ط دار الهجرة) على كلام السِّلفي:" لا يخلو من نزاعٍ".
فالأمر كما سبق أنَّه لم يسم كتابه بالصحيح، ومع هذا فهو أقل الكتب بعد الصحيحين حديثاً ضعيفاً، والله أعلم.
تنبيهات:
التنبيه الأول: قد يقول قائل: ورد في (رابعاً) قولك: أنَّك لم تجد أحداً من أهل العلم جعل (السنن) للنسائي في منزلة الصحيحين أو أحدهما أو مساوٍ لهما أو لأحدهما، مع العلم بأنَّ بعض المغاربة قد صرَّح بتفضيل كتاب النسائي على صحيح البخاري، وقال:" إن مَنْ شَرَطَ الصِّحَّة فقد جعل لمن لم يستكمل في الإدراك سبباً إلى الطعن على ما لم يُدْخِلْ، وجعل للجدال موضعاً فيما أَدْخَلَ" نقله الحافظ السخاوي في (فتح المغيث)(1/34) و(بغية الراغب)(ص48).
فالجواب:
أ/ لا يُعرف قائل هذا القول، فإنَّه محكي عن بعض المغاربة! و لا تُعلم منزلته في العلم وبخاصة في علم الحديث، و القول لا يعتبر إلا بعد أن يعرف قائله ودليله، وهذا مفقود هنا، ومما يدلُّ على هذا، ما يرد في فقرة:
ب/ حيث قال الحافظ السخاوي عقب نقله لهذا القول في (فتح المغيث)(1/35):" هو قولٌ شاذٌّ، لا يُعوَّلُ عليه حكماً ولا تعليلاً، والحقُّ أنهما لم يلتزما حصر الصَّحيح فيما أودعاه كتابيهما".
وقال في (بغية الراغب)(ص48):" هو كلامٌ ساقطٌ حكماً وتعليلاً، وإن اعتمده المجد البرماوي فيما بلغني عنه".
ج/ حتى من نصَّ على ذكره في كلامه السابق ممن اعتمد القول السابق، عاد فعلَّق فيما نسب إلى البرماوي مشككاً في صحته عنه:" وأستغفر الله من حكاية كلِّ هذا، بل كان علامة.." (الضوء اللامع)(2/297).
وعليه فهذا القول لا يمكن التعويل عليه، فضلاً عن الاعتماد عليه، والله أعلم.
التنبيه الثاني:
قد يقول قائل أيضاً: ألم يُرجِّح الحافظ الذهبي والتقي السُّبكي الإمامَ النسائي على الإمام مسلم، حيث قال الذهبي في (السير)(14/133):" هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلمٍ ومن أبي داود و من أبي عيسى، وهو جارٍ في مضمار البخاري وأبي زرعة".
وقال التاج السبكي:" سألت شيخنا الذهبي: أيهما أحفظ مسلمٌ أو النسائي؟ فقال: النسائي. ثم ذكرتُ ذلك لوالدي فوافق عليه" (طبقات الشافعية الكبرى)(3/14).
فالجواب: كما قاله الحافظ السخاوي في (بغية الراغب)(ص49):" وإن رجَّح كلٌّ من الذهبي والتقي السبكي..الإمام النسائي على الإمام مسلم: فترجيح العالِم وإن كان ظاهراً في ترجيح مصنًَّفه، فذاك في الغالب، و إلا فرب مرجوحٍ يكون مصنَّفه أرجح".
التنبيه الثالث:
قد يقول قائل: نفيت أنْ يكون الإمام النسائي قد سمى كتابه بـ(الصحيح) أو شرط الصحة، فكيف التوفيق بين هذا النفي، وبين ما يلي:
أ/ ما ذكره الحافظ ابن الأثير في (مقدمة جامع الأصول)(1/ص197) حيث قال:" سأل بعض الأمراء أبا عبدالرحمن عن كتابه (السنن) أكله صحيحٌ؟ فقال: لا، قال: فاكتب لنا الصحيح منه مجرداً" ثم قال ابن الأثير:" فصنع المجتبى فهو المجتبى من السنن، تركَ كل حديث أورده في السنن مما تكلم في إسناده بالتعليل". ينظر (البحر الذي زخر)(3/1168-1169) و(بغية الراغب)(ص53) وسلَّم بها!!.
ب/ ما قاله تلميذ الإمام النسائي محمد بن معاوية بن الأحمر:" كتاب النسائي كلُّه صحيح، وبعضه معلولٌ، إلا أنَّه لم يُبين علته، والمنتخب منه المسمى بالمجتبى صحيحٌ كله" من (النكت على كتاب ابن الصلاح)(1/484).
الجواب: يجاب عما ذُكر بما يلي، أما:
عن الفقرة (أ)، فمن وجوه:
الأول: أنَّ القصة لم يذكر لها الإمام ابن الأثير سنداً يمكن الرجوع والنظر فيه، ولم أجد مَن أسندها!.
الثاني: أنَّ هذه الحكاية غير صحيحة، و قد بيَّن ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله، بعد أن ذكرها عن ابن الأثير قال:" قلتُ: هذا لم يصح، بل المجتبى اختيار ابن السُّنِّي".
الثالث: قال العلاَّمة عبدالصمد شرف الدين في مقدمة تحقيقه لـ(السنن الكبرى) للنسائي (1/19) :"هكذا ذكر ابن الأثير هذه الواقعة المزعومة بين أمير مجهول، وبين إمام من حفاظ الحديث، وحامليه في عصره بدون أي إسناد في إثباتها..".
عن الفقرة (ب) فمن وجوه أيضاً:
الأول: أنَّ القول ذكره الحافظ ابن حجر بغير إسناد يمكن الرجوع إليه والنظر فيه، فبين الحافظ ابن حجر و ابن الأحمر مفاوز، وهو- أي ابن حجر- لم يشترط الصحة فيمن علَّق عنه النقل في كتابه (النكت) حتى يطمئن إلى القول!
الثاني: أنَّ قول ابن الأحمر يصف كتاب (السنن) في بدء كلامه، ويريد به (الكبرى)، وأنَّ بعض أحاديثه معلولة، لكن الإمام النسائي " لم يبين علته"، وهذه العبارة تستوقف الباحث الجاد كثيراً؛ ذلك أنَّ المتأمل في كتاب (السنن الكبرى) للإمام النسائي يظهر بجلاء مدى عنايته رحمه الله ببيان علل الأحاديث، وهذا الأمر أكثر من أن يُذكر في مثل هذا المقام، فمثلاً: أسند الإمام النسائي في (الكبرى) (كتاب الطهارة/ باب المسح على العمامة مع الناصية) (1/ رقم 109/ص115-ط شعيب) حديثاً من طريق بكر بن عبدالله المزني عن حمزة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال: (تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلفت معه...- وفيه- فغسل ذراعيه ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه).
قال عقبه:" قال أبو عبدالرحمن: وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن محمد بن سعد عن حمزة بن المغيرة، ولم يذكر العمامة".
وينظر: (1/رقم 129/124) و1/ رقم 155/135) و(1/ رقم 312/201) و(1/رقم 329/209) و غيرها كثير جداً.
الثالث: قد نصَّ جمع من الحفاظ على عناية الإمام النسائي ببيان العلل، ومن ذلك قول الحافظ ابن رشيد:" وهو جامع بين طريقتي البخاري ومسلم مع حظٍّ كبير من بيان العلل التي كأنها كهانة"، (بغية الراغب)(ص48).
وقال الحافظ الذهبي في (السير)(14/125):" الإمام الحافظ الثبتُ شيخ الإسلام، ناقدُ الحديث.." وقال :" كان من بحور العلم، مع الفهم والإتقان، والبَصر، ونقد الرجال، وحسن التأليف" (المصدر السابق)(14/127). وسبق النقل عنه أيضاً في بيان تقدّمه على مسلم في علل الحديث ورجاله!
فإذا كانت هذه هي مكانته في معرفة العلل والعناية بها، كيف لا يبين ما يقف عليه من علةٍ، وفي كتابه أيضاً؟! هذا أمرٌ مستبعدٌ جداً، و لك أنْ تتأمل في قول ابن الأحمر:"كتاب النسائي كلُّه صحيح، وبعضه معلول.." فكيف الجمع بين قوله (كلُّه صحيح) و(بعضه معلول إلا أنه لم يبين علته)! فبين العبارتين عدم توافق، أو قل إن شئت: بينهما تناقض، فإنَّ بين (الصِّحة) و (العلة) تضاد؛ إذ من شروط الحديث الصحيح: سلامته من العلل!! ولو قال:" كتاب النسائي: فيه الصحيح والمعلول" لكان قريباً من الصواب، لكن تبقى عبارة: (لم يبين علته) مشكلة!
وعليه فالذي يظهر أنَّ القول بصحة هذه المقولة فيه نظر، والحكم عن الشيء فرعٌ عن تصوره، والله أعلم.
السؤال الخامس: هل تنصحون بحفظ نخبة الفكر أم بحفظ نظمها قصب السكر للصنعاني؟
الجواب:
الأصل لمن أراد أن يحفظ متناً لعالم من علماء فنٍّ معينٍ أنْ يحفظَ ما كتبه ذلك العالم، لا ما نظمه غيره لمتنه، وهذا إنْ
وجدَ المرء منْ نفسهِ قدرةً على حفظ النَّثر- إن كان منثوراً-، وإنْ لم يجد من نفسه تلك القدرة فله أن يحفظ النَّظمَ، لكن
بشرط: إنْ أراد الاستدلال بقول العالم، فإنَّه يقول: قال الناظم فلان كذا، و لا يقول: قال العالم أو الحافظ فلان صاحب
النثر؛ لأنَّ صاحب المتن لم ينظمه، وعبارات العلماء قد تختلف، وقد يأتي الناظم بأمر لا يريده صاحب المتن، وهكذا، فلا
يُحمل الناثر تبعات و أخطاء الناظم!
وهذا ينطبق على ما ذَكره السَّائل في سؤاله، فمَن وجدَ من نفسه قدرة و تمكناً حفظ متن (نخبة الفكر) للحافظ ابن حجر
فهذا أفضل، ومن لم يجد في نفسه قدرة على حفظ النثر، فله أن يحفظ النظم، بالشرط المذكور آنفاً، فلا يذكر بيتاً من
(قصب السكر) ويقول في بدايته: قال الحافظ ابن حجر..، فهذا غلط؛ لأنَّ الحافظ ابن حجر لم ينظم النظم، وإنَّما كتب
النثر، فالأمانة العلمية تقتضي ما ذكرته، والله أعلم.
السُّؤال السَّادس: ما الفرق بين الشاذِّ وزيادة الثِّقة؟
الجواب: هذا السؤال يحتاج جوابه إلى بحثٍ كاملٍ متكاملٍ؛ إذ تتعلَّق به أمور كثيرة، ولكن سأجيب بشيء من الاختصار غير المخل بإذن الله تعالى، فأقول، الكلام جواباً عن السُّؤال مِنْ وُجوه:
الأوَّل: صُورة زيادة الثِّقة:قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في (شرح العلل)(2/ص635- ط همام):" أنْ يروي جماعة حديثاً واحداً بإسنادٍ واحدٍ، ومتنٍ واحدٍ، فيزيدَ بعضُ الرُّواة فيه زيادة لم يذكرها بقيَّة الرُّواة".
قوله (رحمه الله): ( فيزيد بعض الرواة فيه زيادة) لم يذكر أين وقعت هذه الزيادة، أهي في المتن أم في السَّند أم في كليهما؟
والصَّحيح أنَّ الزيادة تشمل ذلك كلَّه، فتارة تقع في المتن وتارة في الإسناد وتارة فيهما، فكلُّ ذلك داخل في (زيادة الثِّقة).
الثَّاني: إذا تقرَّر ما سبقَ من أنَّ الزيادة تقع في المواطن المتقدِّمة، فهذا يعني أنَّ دخول بعض المسائل المهمة في هذا الصُّورة، وهي- باختصار-:
1/مسألة: تعارض الوصل والإرسال، ينظر: (علوم الحديث)لابن الصَّلاح (ص71-72) و(النكت على كتاب ابن الصلاح) لابن حجر (2/612) و (فتح المغيث) للسخاوي (1/ ص200-207- ط على حسين) و (توضيح الأفكار) للصنعاني(1/339).
2/ مسألة: تعارض الوقف والرَّفع، ينظر: المصادر السَّابقة.
3/ مسألة: المزيد في متَّصل الأسانيد، ينظر مثلاً: (علوم الحديث)لابن الصلاح (ص 278) و(شرح علل الترمذي) لابن رجب (2/ص638).
4/ الشَّاذ و المنكر، وهذا ظاهر؛ حيث توجد زيادةٌ أو نقص سنداً أو متناً.
5/ الإدارج، وهو يقع في الإسناد والمتن، وله صورٌ عدَّة؛ ينظر (علوم الحديث)(ص95-98) و(المقنع) لابن الملقن (1/227) و(النكت)(2/811-837)، وغيرها.
فكلُّ هذه المسائل وما يتفرَّع عنها تدخلُ في مسألة (زيادة الثِّقة)! لكن الذي يظهرُ مِن سؤال السَّائل أنَّه لم يُرد أيَّاً من هذه المسائل وكيفية دخولها في مسألة (زيادة الثِّقة) وإنَّما أراد:
اللفظة التي زادها الثِّقة في متنٍ ما، متى يحكمُ عليها بالشُّذوذ ومتى يُحكمُ عليها بأنَّها زيادة ثقة؟.
و للجواب عن هذه النقطة- وهي من المسائل المتعلِّقة بمسألة زيادة الثقة- أقول، الجواب عنها تأمَّله في الوجه التَّالي، وهو:
الثَّالثُ: لا يصحُّ أنْ يطلقَ القول: بقبول زيادة الثِّقة أو ردِّها، و إنَّما الْمَرَدُّ في ذلك إلى القرائن المحتَّفة بِهَا؛ فمتى رُجِّحَ بالقرائن قبولها؛ فحينئذٍ هي زيادة ثقة مقبولة، ومتى رجح بالقرائن ردَّها فإنَّها معلولة لا تقبل، فتكون شاذَّةً مردودة، وسيأتي نقل عن بعض الحفاظ من المحدِّثين ما يدلُّ على هذا.
الرَّابع: بعض النقول عن أهل العلم فيما تقدَّم تقريره في الوجه السَّابق:
1/ قال الحافظ ابن الصَّلاح في مبحث (الحديث المعل)- من كتابه (علوم الحديث)(ص90)- مبيناً معناه وكيف يُعرف، وأنَّه:"الحديثُ الَّذي اطُّلع فيه على علَّة تقدحُ في صحَّته مع أنَّ الظَّاهر السَّلامة منها، ويَتطرَّق ذلك إلى الإسناد الَّذي رجاله ثقات، الجامع شروط الصِّحة من حيث الظَّاهر.
ويُستعانُ على إدراكها بتفرّد الرَّاوي، وبمخالفةِ غيرهِ لهُ مع قرائنَ تَنضمُّ إلى ذلك، تُنبِّهُ العارف بهذا الشأن على إرسالٍ في الموصول، أو وقفٍ في المرفوع، أو دخولُ حديث في حديثٍ أو وهمِ واهمٍ بغير ذلك، بحيثُ يغلبُ على ظنِّه ذلك، فيُحكمُ به أو يُتردّد فيُتَوقَّف فيه، وكلُّ ذلك مانعٌ من الحكم بصحَّة ما وجدَ ذلك فيه".
إشكال: قد يَستشكلُ بعض الإخوة فيقولُ: كَلامُ الحافظ ابن الصَّلاح عن الحديث المعلِّ، لاَ عن زيادة الثِّقَة، و قد أفردَ مبحث زيادة الثِّقة بمبحثٍ مُستقلٍّ، فالَّذي يظهر أن لا ترابطَ بينهما؟
فيُجَابُ: بأنَّه لا انفكاك بينهما؛ إذ العلَّة تشملُ مسألة (زيادة الثقة) و بينهما صلة وثيقة، ذلك أنَّ ما ذكره (رحمه الله) مِنْ: وَصْلِ الْمُرْسَلِ أو رَفْعِ الْمَوقوفِ أو تَداخل حديثٍ في حديثٍ، وغير ذلك من الأوهام، قَد سبقَ بَيان أنَّ هذه المذكورة كلُّها متَّصلة بمسألة: ( زيادة الثقة)، إذ قد يصل الثقة المرسلَ، أو يرفع الموقوف أو يدخلُ حديث في حديث- وهذا من صور الإدارج-، فظهرَ بذلك انِّضَمام المسألة إلى مبحث الحديث المعلّ و لابدَّ!.
2/ قال الحافظ ابن دقيق العيد فيما نقله عنه العلاَّمة الصَّنعاني في (توضيح الأفكار)(1/308) قوله تحت مبحث تعارض الوصل والإرسال:" مَنْ حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنَّهم، إذا تعارض رواية مسنِدٍ و مُرْسِلٍ أو رافعٍ وواقفٍ أو ناقصٍ وزائدٍ؛ إنَّ الحكم للزَّائد، لم يُصب في هذا الإطلاقِ، فإنَّ ذلك ليس قانوناً مطَّرداً، والمراجعةُ لأحكامهم الجزئية تعرف صواب ما نقولُ".
وكلامه رحمه الله في غاية الظهور والوضوح.
3/ قال الحافظ العلائي في (نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد)(ص 376) :" وأما أئمة الحديث فالمتقدمون منهم كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومن بعدهما كعلي بن المديني و أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وهذه الطَّبقة وكذلك من بعدهم كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة الرازي ومسلم والنسائي و الترمذي وأمثالهم ثم الدارقطني والخليلي كلُّ هؤلاء يقتضي تصرفهم مِنَ الزيادة قبولاً وردَّاً التَّرجيح بالنِّسبة إلى ما يَقوى عند الواحد منهم في كلِّ حديثٍ، و لا يحكمون في المسألة بحكمٍ كُلِّي يَعم جميع الأحاديث وهذا هو الحقُّ الصَّواب ".
و نقل عنه الحافظ ابن حجر نحوه في (النكت)(2/604)، وهو كلامٌ واضح الدِّلالة.
4/ قد قرَّر نحوه الحافظ ابن رجب الحنبلي في كلام مطوَّل في كتابه (شرح علل الترمذي)(2/ص 631-643).
5/ الحافظ الزيلعي في (نصب الرَّاية) ( 1 / 336 ـ 337 ) حيث قال معلِّقاً في نقلٍ عن الحافظ ابن عبد الهادي قوله ( والزيادة من الثقة مقبولة) في تفصيل جميلٍ قال:
" قلنا : ليس ذلك مجمعاً عليه , بل فيه خلاف مشهور:
فمنَ النَّاس مَنْ يَقبلُ زيادة الثِّقَة مطلقاً. و مِنهم مَنْ لا يَقبلها.
وَالصَّحيحُ التَّفْصيل,؛ وهو أنَّهَا تُقبلُ في مَوضعٍ دُونَ موضعٍ:
فتقبلُ: إذَا كان الرَّاوي الَّذي رواها ثقةً حافظاً ثبتاً , والَّذي لم يذكرْها مثلُهُ أَو دُونَهُ فِي الثِّقَةِ، كَما قَبلَ النَّاسُ زيادةَ مالكِ بنِ أنسٍ قولَه ( منَ المسلمين ) في صدَقة الفِطْرِ، واحتجَّ بِهَا أكثرُ العُلماء.
وَتُقْبَلُ: في موضعٍ آخرَ لِقَرائنَ تَخُصُّها.
وَ مَنْ حَكَمَ في ذلك حُكماً عامَّاً فَقد غَلِطَ، بَل كُلُّ زيادةٍ لها حُكمٌ يَخُصُّها، ففي موضعٍ يُجزم بصحِّتها؛ كزيادة مالكٍ.
وفي موضعٍ يَغلُبُ على الظَّن صِحَّتُها، كزيادة سعد بن طارق في حديث ( جُعلت الأرضُ مسجداً , وجُعلتْ تُربتُها لنَا طَهُوراً )، وَ كزيادة سُليمان التَّيمي في حديث أبي موسى ( و إذا قَرأَ فَأنْصِتُوا ).
و في موضعٍ يُجزمُ بخطأِ الزِّيادة، كزيادة معمرٍ وَ مَن وَافقه , قوله ( وإنْ كَان مائعاً فلا تَقْربوه ), وكزيادة عبد الله بن زيادٍ ذكرَ البسملة في حديث ( قَسمتُ الصَّلاةَ بَيني وبين عَبْدي نصِفين)، و إنْ كانَ مَعمرٌ ثقةً، وعبدالله بن زياد ضعيفاً , فإنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَغلَطُ.
وفي موضعٍ يغلبُ على الظَّنِّ خَطؤها، كزيادة معمرٍ في حديثِ مَاعزٍ ( الصَّلاةَ عليه) , رواها البُخاريُّ في( صحيحه), وسُئلَ: هل رواها غيرُ معمرٍ ؟ فقالَ : لا. وقد رواه أصحاب السُّنن الأربعة عن معمرٍ , وقالَ فيه ( ولم يُصَلِّ عَليه), فقد اختُلِف على معمرٍ في ذلك، والرَّاوي عن معمرٍ هو عبد الرزاق وقد اختُلِفَ عليه أيضاً , والصَّواب أنَّه قال ( ولم يُصل عليه).
وفي موضعٍ يُتَوقَّفُ في الزِّيَادة ، كما في أحاديثَ كثيرةٍ، وزيادةُ نُعيم المْجُمْرِ التَّسميةَ في هذا الحديث مِمَّا يُتَوقَّفُ فيه, بَلْ يَغلُب على الظَّنِّ ضعفُهُ".
6/ الحافظ ابن حجر العسقلاني، حيث قال في (نزهة النظر)(ص95-96):" اشتهر عن جمعٍ من العلماء القولُ: بقبولِ الزِّيادةِ مطلقاً من غير تفصيلٍ، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدِّثين الذين يشترطونَ في الصَّحيحِ: أنْ لا يكونَ شاذَّاً، ثم يُفسِّرونَ الشّذوذ: بمخالفة الثِّقة من هو أوثق منه.
و العجبُ ممن أغفلَ ذلك منهم مع اعترافه باشتراطِ انتفاء الشُّذوذ في حدِّ الحديث الصَّحيح وكذا الحسن!.
والمنقولُ عن أئمَّة الحديث المتقدِّمين كعبدالرحمن بن مهدي، ويحيى القطان وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة وأبي حاتم، والنسائي والدارقطني وغيرهم: اعتبارُ التَّرجيح فيما يتعلًّقُ بالزِّيادةِ وغيرها، ولا يُعرفُ عن أحدٍ منهم إطلاق قبولِ الزِّيادة".
و قال أيضاً في (النكت على كتاب ابن الصلاح)(2/687) معلِّقاً على القسم الثَّالث من الأقسام التي ذكرها ابن الصلاح في مبحث (زيادات الثقات):" قلتُ: لم يحكم ابنُ الصَّلاح على هذا الثَّالث بشيءٍ.
والذي يجري على قواعد المحدِّثين: أنَّهم لا يحكمونَ عليه بحُكمٍ مُسْتَقلٍّ من القبولِ والرَّدِّ، بل يُرجِّحونَ بالقرائن كما قدَّمناه في مسألة تعارض الوصل والإرسال".
وهذا الأخير يبين و يظهرُ لكَ دُخُول مسألة: تعارض الوصل والإرسال تحت مبحث (زيادة الثقة) كما قدَّمتُ لكَ في (الوجه الثَّاني) من الجواب، و إذا ما ضممتَ كلام الحافظ ابن حجر هنا إلى جوابي عن الإشكال الوارد على قول ابن الصلاح المذكور أولاً في أقوال العلماء، يظهرُ لك جلياً دخولُ مسألة (زيادة الثقة) تحت (العلَّة) كما سبقَ، والله أعلم.
السُّؤال السَّابع: ما المرادُ بعلمِ العِلَل، و مَا أهميَّته، و أين يبحث، وهل لكلِّ أحدٍ أن يتكلَّم فيه؟
الجواب: الكلامُ عن علم العلل كلامٌ مطوَّلٌ، ويُستحسنُ في مثل هذا المقام أنْ يكون الكلام على نقاطٍ، يتبين للناظر فيها بتأمِّل،ماهِيَّتُه و أهمِّيتُه، ومَنْ هم أهله، وهي كالتالي:
الأولى: ما المرادُ بالعلَّة؟
العلَّة في اللغة: قَال ابنُ فارس في (معجم مقاييس اللغة)(4/13-14):" عَلَّ:العين واللام أصول ثلاثة صحيحة: أحدها:تكرُّرٌ أو تكرير.
والآخر:عائق يعوق.
والثَّالث: ضعف الشَّيء،000-إلى أن قال-: والأصل الثَّالث: العِلَّةُ: المرضُ، وصاحبها مُعْتَلٌ، قال ابن الأعرابي: عَلَّ المريضُ يَعِلُّ عِلَّةً فهو عَلِيلٌ. ورجلٌ عُلَلَة أي كثير العِلَل".
والعلَّة تنقسم إلى قسمين: علَّة ظاهرة، كالتَّعليل بالانقطاع الظَّاهر أو الإرسال أو الجهالة أو ضعفه بعض الرُّواة و نحو ذلك من العلل الظَّاهرة. وعلَّة خفية غير ظاهرة، وهي المعنية هنا في هذا المبحث، لذا يمكننا القول بأنَّ:
العلَّة في الاصطلاح: تَقَارَبت عباراتُ الحفَّاظ في حَدِّهَا، لذا يُمكنُ القَول بأنَّ العِلَّةَ اصطلاحاً:
هي عبارة عنْ: أَسَباب خَفيِّة غَامضة تَقْدحُ في الحديثِ مَعَ أنَّ ظاهره الصِّحَّة و السَّلامة.
فالحديثُ المعلول: هو الحديث الذي اطُّلع فيه على علَّة تقدحُ في صحَّته مع أنَّ ظاهره السَّلامة.
ينظر مثلاً: (علوم الحديث) لابن الصلاح(90) و( التَّقييد والإيضاح)للعراقي(96) و(شرح الألفية) له (1: 224) و(المقنع) لابن الملقن(1: 211) و(النكت على كتاب ابن الصلاح) لابن حجر (1: 710) و (فتح المغيث بشرح ألفية الحديث) للسَّخاوي(1: 260).
الثَّانية: محلُّ علم العلل.مَحَلُّ و ميدانُ علمِ العِلل هو: حَديثُ الثِّقَات؛ ذلكَ أنَّ الأصلَ في أَخْبارِ الثِّقَاتِ القَبول و الاحتِجَاج؛ لِذَا تخفى عللُ أحاديِثهم عَلى كثيرٍ مِمَّن يَشتغلُ بالحديثِ و لا يَظهرُ لَه خَلل تلك الأحاديث، قَال الحافظ أبو عبدالله الحاكم في كتابه ( معرفة علوم الحديث)(ص112-113) :"وَ إِنَّمَا يُعلَّلُ الحديث مِنْ أوجهٍ لَيس للجرْحِ فِيها مَدْخَلٌ، فَإنَّ حَديثَ الْمَجْرُوحِ سَاقطٌ وَاهٍ، و عِلَّةُ الحديثِ يَكثرُ فِي أحاديث الثِّقاتِ، أنْ يُحدِّثوا بحديثٍ له عِلَّةٌ، فَيَخْفَى عَليهم عِلمهُ فَيصير الحديثُ مَعلولاً.
والحجَّةُ فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير" انتهى كلامه رحمه الله.
فهو يبحثُ في أحاديثهم لكشفِ ما قد يَعْتَري حديثَهم مِنَ الخطأ والوَهم، وَهُو يُعْنى بسبرِ مَرْوِيَّاتِهم مع النَّظر و التَّدْقيق فيها، يدلُّ على ذلك ما قَاله الإمام مسلم في كتابه العظيم (التمييز)(169-170):" فإنَّك يَرحَمُك اللهُ ذَكرتَ أنَّ قِبَلك قَوماً يُنْكِرونَ قَولَ القَائِل مِنْ أهلِ العِلْمِ إذَا قَال: هَذا حَديثٌ خَطأٌ، وَ هَذا حديثٌ صحيحٌ، وَفُلانٌ يُخطئُ في روايتِهِ حَديثَ كَذا، والصَّوابُ مَا روى فُلانٌ بِخِلافِهِ، وذَكرتَ أنَّهم استَعْظَمُوا ذَلكَ مِنْ قَولِ مَنْ قَالَهُ، وَ نَسبوهُ إلى اغْتِيَابِ الصَّالحين مِنَ السَّلف الماضين، وحتَّى قَالوا: إنَّ مِنَ ادَّعى تَمْييز خَطأ رِوايتهم مِنْ صَوابها مُتَخَرِّصٌ بِمَا لا عِلَمَ لَهُ بِهِ، و مُدَّعٍ عِلَمَ غَيبٍ لا يُوصل إليه. اعْلَم وفَّقنا الله وإيِّاك:
أنَّ لولا كَثْرة جَهَلة العَوامِّ مُسْتَنْكِري الحقّ و رَايِهِ بِالْجَهَالَةِ؛ لما بَانَ فَضل عَالِمٍ عَلى جَاهلٍ، وَلا تَبيَّن عِلْمٌ مِنْ جَهْلٍ، و لكنَّ الْجَاهل يُنكرُ العِلْمَ لِتَركيبِ الْجَهْلِ فِيْهِ.
وَضِدُّ العِلمِ هُو الْجهلُ، فكُلٌّ ضِدٍّ نَافٍّ لِضِدِّهِ، دِافعٌ لَه لاَ مَحالَةَ، فَلا يَهُولَنَّكَ استنكارُ الْجُهَّالِ وَ كَثْرَة الرّعاع لِمَا خُصَّ بِه قَومٌ وحُرموهُ؛ فِإنَّ اعْتِداد العِلْم دَائرٌ إلى مَعدنهِ، وَ الْجَهْلِ وَاقفٌ عَلَى أهْلِهِ.
وسألتَ أنْ أذكرَ لَك في كِتابِي رِوَايَةَ أَحاديثَ مِمَّا وَهِمَ قَومٌ فِي روايَتِهِا، فَصَارت تلكَ الأحَاديث عِنْدَ أهل العلمِ في عِدَاد الغَلَط وَ الخطأ000
فمنْهُم الحافظُ المتْقِنِ الحفْظَ، المتوقِّي لما يلزمُ تَوقِّيه فيهِ.
ومنْهُم المتَسَاهِلُ المشيب حِفْظه بِتَوهُّمٍ يَتَوهَّمهُ، أو تلقينٍ يُلقنه مِنْ غيرهِ فَيخلطهُ بحفظهِ، ثُمَّ لا يُميزه عَن أدائه إلى غيرهِ.
ومنهُم مَنْ هَمُّهُ حُفظُ مُتونِ الأحَاديث دونَ أَسانيدها، فيتهاونُ بحفظِ الأَثرِ، يَتَخَرَّصُها من بَعدُ فَيحيلُها بالتَّوهُّمِ عَلَى قومٍ غَير الذين أدَّي إليه عَنهم.
وكُلُّ مَا قُلنا مِنْ هَذا في رواة الحدِيثِ وَ نقَّال الأخبارِ، فهو مَوجودٌ مُستفيضٌ.
وِ مِمَّا ذكرتُ لَك مِنْ منازلهم، ومراتبهم فيهِ، فَليس مِنْ نَاقلِ خَبرٍ وَ حَاملِ أثرٍ مِنَ السَّلف الماضين إلى زماننا- وإنْ كَانَ مِنْ أحفظِ النَّاس وأشدهم توقياً واتقاناً لِمَا يَحْفظُ وَينْقُل- إلاَّ الغَلط والسَّهو مُمْكن في حفظهِ وَنقلهِ، فَكيفَ بِمنْ وَصفتُ لكَ مِمَّن طريقُة الغَفلة والسُّهولة في ذلك".
ففي هذا النَّقل عن الإمامِ مُسلمٍ يكشفُ لنَا بوضوحٍ وجلاءٍ عن مجالِ هذا النَّوع من النَّقد، وهو أحاديثُ الثِّقات لتنقيتها من الأوهام والأخطاء، لذا النَّاظُر في كتابهِ المنقول عنهُ آنفاً يجدُ تطبيقه لهذا النَّقد والإعلال من أحاديث الثِّقات، وسيأتي نقلٌ عن الحافظ ابن الصَّلاح يفيدُ ذلك، والله أعلم.
الثالثة: أهمية علم العلل.إنَّ الأئمَّة منْ حفَّاظ الدِّين وحرَّاسه قَد أَوْلَو هَذا العِلم عِنَايةً فائقةً ومهمَّةً؛ لِعِلْمهمِ بِأهمِّيَتِهِ وَ خَطر التَّهاون فيهِ؛ إذْ قَد يُقال عَلَى رَسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ما لم يَقُلْ، وهنا تَقعُ المصيبة، فيتعبدُ النَّاس بما لَمْ يَثْبت عَن نبيهم!! و لا يَخْفَى عَلى مَنْ لَه عناية ودِرَاية ما يَجُرُّ ذلك من تَبِعِاتٍ عَلى الدِّين والدُّنيا.
فحفاظاً على السُّنَّة الغرَّاء نقيةً كمَا تركها نبيِّنُا صلَّى الله عليه وسلَّم اجتهدَ جَهابذة الفنِّ ونقَّادهِ فَنَظروا وتأمَّلوا وَ صَحَّحوا وضعَّفوا وأعلُّوا، ولاغَرو في ذلك فقد قَال الإمام النَّاقد عبد الرَّحمن بن مهدي:" لأنْ أعرف علَّةَ حديثٍ هو عندي أحب إليَّ من أن أكتب حديثاً ليس عندي" (العلل) لابن أبي حاتم (1: 10).
وقال الحافظ الحاكم:"معرفة علل الحديث، وهو علمٌ برأسهِ غير الصَّحيح والسَّقيم والجرْحِ والتَّعديل" (معرفة علوم الحديث)(112).
و المتمعِّنُ في هذا القول وفي صنيع الأئمة في تعليل الأحاديث يظهر له صدق قول الحاكم (رحمه الله). وحَقَّاً إنَّ هذا العلم مِنْ أجَلِّ علوم الحديث علماً، وأدقِّها فَهماً، وأخفاها نَظماً، وأرفعها مكانةً، قَال الحافظ أبوعمرو ابن الصَّلاح:" اعلم أنَّ معرفةَ علل الحديثِ مْن أجلِّ علوم الحديثِ وأدقِّهِا وأشْرَفِهِا، وَ إنَّمَا يَضطلعُ بِذلك أهلُ الحفظ والخبرة والفَهم الثَّاقبِ" (معرفة أنواع علم الحديث)(90).
ولأجلِ هَذا الدِّقة و الغموض والوعورة لَم يَتَكَلَّم فيه إلاَّ الجهابذة من النُّقَّاد أهلِ الحفظ والخبرة والفهم الثَّاقب، و إنَّ من المنَاسب أنْ أذكر في هذا المقام بعض النُّصوص الواردة عن بعض علماءِ الفنِّ الدَّالة على أهميَّة هذا العِلْمِ وَ شَرفهِ وعزَّته وخفائه، ومَنْ يَقُومُ بِهِ:
1/ قال الإمام النَّاقد عبد الرحمن بن مهدي:"إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة"(العلل) لابن أبي حاتم(1: 10)، و سبق له قولٌ في أهمية علم العلل في بدء هذا الوجه فانظره.
2/ قال الحافظ أبو عبدالله الحاكم في (معرفة علوم الحديث)(112-113):" وَ إِنَّمَا يُعلَّلُ الحديث مِنْ أوجهٍ لَيس للجرْحِ فِيها مَدْخَلٌ، فَإنَّ حَديثَ الْمَجْرُوحِ سَاقطٌ وَاهٍ، و عِلَّةُ الحديثِ يَكثرُ فِي أحاديث الثِّقاتِ، أنْ يُحدِّثوا بحديثٍ له عِلَّةٌ، فَيَخْفَى عَليهم عِلمهُ فَيصير الحديثُ مَعلولاً.
والحجَّةُ فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير".
3/ قال الحافظ ابن الصلاح في كتابه (علوم الحديث) (ص 90) :"الحديث المعلل: هو الَّذي اطُّلِعَ فيه على علَّةٍ تَقدحُ في صِحَّتِهِ مَع أنَّ ظَاهره السَّلامة منها.
ويتطرَّقُ ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر، ويُسْتعانُ على إدراكها بتفرُّد الرَّاوي، و بمخالفة غيره له مع قرائن تنضمُّ إلى ذلك، تُنَبِّهُ العارف بهذا الشَّأن على إرسالٍ في الموصول، أو وقفٍ في المرفوع، أو دخول حديثٍ في حديثٍ، أو وهم واهمٍ بغير ذلك، بحيث يغلبُ على ظنِّه ذلك، فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه، وكلُّ ذلك مانعٌ من الحكمِ بصحَّة ما وجدَ ذلك فيه ".
4/ قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في (شرح علل الترمذي)(1: 339-340).:" وقد ذكرناَ فيمَا تقدَّمَ، في كتابِ العِلْم: شرَف عِلم العِلَلِ وعِزَّتهِ، و أنَّ أهلَه المتَحقِّقين بهِ أَفْرادٌ يَسيرةٌ مِنْ بِين الحفَّاظ وَ أهلِ الحديثِ، وَقد قَال أبو عبدالله بن مندة الحافظ: إنَّما خَصَّ اللهُ بمعرفةِ هَذهِ الأخبارِ نَفَراً يسيراً في كَمٍّ كَثيرٍ مِمَّنْ يَدَّعي عِلْمَ الحديثِ، فَأمَّا سَائر النَّاس مَنْ يَدَّعي كَثرةَ كِتَابة الحديث، أوْ مُتفقِّهٍ في عِلم الشَّافعي وأبي حنيفة، أو مُتَّبعٍ لكلام الحارث المحاسبي، و الجنيد و ذي النَّون، وأهلِ الخواطِر، فَليسَ لَهم أنْ يَتَكَلَّمُوا في شيءٍ مِنْ عِلْمِ الحديثِ، إلاَّ مَنْ أخذه عَنْ أهْلِهِ وَأهلِ المعْرِفةِ بِه، فَحينئذٍ يَتكلَّم بمعرفتِهِ، انتهى".
وقال أيضاً في (شرح علل الترمذي)(1: 346):" الكَلاَمُ في العِلَلِ والتَّواريخ قد دوَّنه الأئمة، وقَد هُجِرَ فِي هَذا الزَّمَان ودُرِسَ حِفظهُ وَ فَهمهُ؛ فَلولا التَّصَانيف المتقدِّمة فيهِ لَمَا عُرفَ هَذا العِلْم اليَوم بالكُلِّيَّةِ، فَفي التَّصنيفِ فيه ونقْل كلامِ الأئمَّةِ المتقدِّمين مَصْلَحةٌ عظيمةٌ جِدَّاً، وقد كانَ السَّلف الصَّالح مَع سِعَةِ حِفْظهمِ، وكَثرةِ الحفظِ فِي زَمانهم، يَأْمُرونَ بالكتَابِةِ لِلحفظِ ، فكيفَ بِزَمانِنا هَذا الَّذي هُجرتْ فِيه عُلُوم سَلفِ الأُمَّةِ وأئمتها، ولم يبقَ منها إلاّ مَا كانَ مُدوَّناً في الكتُبِ؛ لِتَشَاغُل أهلِ هَذا الزَّمانِ بِمُدَارَسَةِ الآراءِ وَحْفِظها؟".
وقال أيضاً (2: 894):" أمَّا أهْلُ العِلْمِ وَالمعْرِفَةِ وَ السُّنَّة وَالجماعَة، فِإنَّمَا يَذْكُرونَ عِلَل الْحَديث نَصِيحةً للدِّيْنِ وَحِفْظَاً لِسُنَّة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وَ صِيَانةً لَهَا، وَ تَمْييزاً مِمَّا يَدْخُلُ عَلَى رُواتِهَا مِنَ الغَلَطِ وَ السَّهْو وَ الوَهم، وَ لاَ يُوجِبُ ذَلكَ عِنْدَهم طَعْنَاً فِي غَير الأَحَادِيث الْمُعْلَنَةِ، بَلْ تَقَوى بِذَلِكَ الأحاديث السَّليمة عِنْدهم؛ لِبَرَاءَتِهَا مِنَ العِلَل وَسَلامتِهَا مِنَ الآفات.
فَهَؤلاء العَارِفُونَ بِسُنًّة رَسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حَقَّاً، وَهُم النُّقَّادُ الْجَهَابِذة الَّذين يَنْتَقِدُون انْتِقَادَ الصَّيرفي الْحَاذِق للنَّقْد البهرج مِنَ الْخَالِص، وانْتِقَادَ الْجَوهَريِّ الحاذِق لِلجَوْهَرِ مِمَّا لَيس بهِ".
5/ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في (النكت)(2/711):" وهذا الفنُّ أغمضُ أنواع الحديث وأدقِّها مَسلكاً، و لا يَقُومُ به إلاَّ مَنْ منَحهُ الله تعالى فَهماً غَايِصَاً وَ اطِّلاعاً حَاوياً، وإدْرَاكاً لمراتب الرُّواة وَ مَعْرفةً ثاقبةً.
ولهذا لم يَتكلَّم فيه إلاَّ أفْرَاد أئمَّة هَذا الشَّأْن وحذَّاقهمْ، وَ إليهم المرجِعُ في ذلِك؛ لِمَا جَعلَ الله فيهم منْ مَعرفةِ ذَلك، والاطِّلاع عَلى غَوامضهِ دُونَ غَيْرِهم مِمَّن لَمْ يُمَارِس ذلك.
وقَدْ تَقصرُ عبارة الْمُعَلِّلِ مِنْهُم، فَلا يُفصحُ بما استقرَّ في نفسهِ مِنْ تَرجيحِ إحْدى الرِّوَايتين عَلَى الأُخْرى، كمَا في نَقد الصَّيرفي سَواء، فمتى وجدْنا حديثاً قد حكمَ إمامٌ من الأئمَّة المرجوعِ إليهم بتَعليلهِ، فَالأولى اتِّباعهُ في ذلكَ كما نَتَّبعهُ في تَصحيحِ الحديث إذا صَحَّحه... وهذا حيثُ لا يُوجَدُ مُخَالِفٌ منْهم لِذَلك الْمُعَلِّل، وحيثُ يُصرِّحُ بإثْبَات العِلَّة، فأمَّا إنْ وُجِدَ غيرهُ صَحَّحه فَينبغي حِيْنئذٍ تَوجه النَّظر إلى التَّرجيحِ بَيْنَ كَلاميهما.
وَكذلكَ إذَا أشَار المُعلِّلُ إلى العلَّة إشارةً، وَلَمْ يَتَبيَّن منْهُ ترجيحٌ لإحدى الرِّوَايتين، فَإنَّ ذلك يَحْتَاج إلى تَرجيحٍ، والله أعلم"، و ينظر أيضاً (نزهة النظر)(ص45-46).
6/ قال الحافظ السَّخاوي في (فتح المغيث)(1: 274).:" فالله تَعالى بِلَطيف عنايته أقامَ لِعْلِم الحديثِ رِجَالاً نُقَّاداً تَفرَّغوا له، وأَفْنَوا أعْمَارهم في تَحْصيلهِ وَالبحْثِ عَن غَوامضهِ وَعِلَلهِ وَرِجَالهِ وَمْعَرفةِ مَراتبهمْ في القُّوَّةِ والِّلين، فَتَقْليدُهُم وَالمشي وَرَاءهم وَ إِمْعَان النَّظر في تَوآلِيْفهم، وَكَثْرة مُجَالَسَةِ حُفَّاظ الوَقْتِ، مَع الفَهْم وَ جَوْدَة التَّصَور، وَمُدَاومة الاشْتِغَالِ، وَمُلازَمَةِ التَّقْوى والتَّواضِع، يُوجبُ لَكَ إْنْ شَاء الله مَعْرفةَ السُّنَن النَّبويِّة، ولا قوة إلاَّ بالله".
ولعلَّ في هذا القدر كفاية، والله أعلم.
السُّؤال الثَّامنُ: ما هي وَسائل الكشف عن العلَّة؟هذا السُّؤال في غاية من الأهمية، وهو متعلِّق بما سبق في السؤال السَّابق، ويظهرُ للمتأمِّل فيما سبق منْ كلامِ مَنْ تقدَّم من أهل العلم: أنَّ هذا الفنّ من أغمضِ أنواع علوم الحديثِ وأدقِّها، و أنَّه لا يتكلَّم فيه إلاَّ مَنْ رَزقه الله بصيرةً وَ عِلْماً وفهماً ثاقباً؛ لذا نجدُ أنَّ المتكلِّمين فيه مِن أهل الحديث قلَّة، وهم نقَّاده وجهابذة الفنِّ، كعلي بن المديني و أحمد بن حنبل والبخاري ويعقوب بن شيبة و مسلم وغيرهم، لهم في الكشف عن العلل طرائق ومسالك، قال الحافظ ابن الصَّلاح لما تكلَّم عن الحديث المعلِّ والعلَّة قال:"..و يُسْتعانُ على إدراكها بتفرُّد الرَّاوي، و بمخالفة غيره له مع قرائن تنضمُّ إلى ذلك، تُنَبِّهُ العارف بهذا الشَّأن على إرسالٍ في الموصول، أو وقفٍ في المرفوع، أو دخول حديثٍ في حديثٍ، أو وهم واهمٍ بغير ذلك، بحيث يغلبُ على ظنِّه ذلك، فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه، وكلُّ ذلك مانعٌ من الحكمِ بصحَّة ما وجدَ ذلك فيه ".
فمن الوسائل لكشف العلِّة- وهي كثيرة، و نجملها فيما يلي-:
1/ جمعُ طرق أحاديث الباب الواحد؛ قال الإمام علي بن المديني :" الباب إذا لم تُجمع طرقه لم يتبين خطؤه" (علوم الحديث) لابن الصلاح (ص91).
وقال الإمام عبدالله بن المبارك:" إذا أردتَ أن يصحَّ لك الحديث فاضرب بعضه ببعض" (الجامع لأخلاق الراوي)(2/ص452).
وقال الحافظ إبراهيم بن سعيد الجوهري:" كلُّ حديثٍ لا يكونُ عندي من مائة وجهٍ فأنا فيه يتيم" (تهذيب الكمال)(2/97).
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب في (الجامع لأخلاق الراوي)(2/452):" والسبيل إلى معرفة علَّة الحديث: أنْ يُجمع بين طرقهِ، وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانتهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط".
2/ معرفة مراتب الرُّواة الثقات الذين يدور عليهم الإسناد، وتمييزها.
بحيث يعرف مراتب الرواة الذين تدور عليهم الأسانيد في مختلف البلدان، وتمييزها عن غيرها، ومَن أوثق النَّاس فيهم، كتمييز أصحاب نافع والزهري وقتادة وغيرهما من الحفاظ.
قال الإمام علي بن المديني في كتابه (العلل)(ص 17) وما بعدها :" نظرتُ فإذا الإسنادُ يدورُ على ستَّةٍ، فلأهل المدينة: ابنُ شهابٍ.... ولأهل مكَّة: عمرو بن دينار... ولأهل البصرة: قتادة بن دعامة السدوسي... ويحيى بن أبي كثير... ولأهل الكوفة: أبو إسحاق، واسمه عمرو بن عبدالله ... و سليمان بن مهران ... ثم صارَ علمُ هؤلاء السِّتَّة إلى أصحاب الأصناف ممَّن صنَّف... – وعدَّد اثنا عشر علماً ثم قال- ثم انتهى.. وعلمُ الإثني عشر إلى ستَّة....".
3/ معرفة طبقات أصحاب أولئك الرُّواة الثِّقات المكثرين ممن تدور عليهم الأسانيد، وهذه الوسيلة يُدركُ بها تفاوت الرُّواة الثِّقات- فضلاً عن غيرهم- في بعض شيوخهم، وتقديم رواية بعضهم على بعض-عند التعارض- في الشَّيخ الواحد!! فمثلاً: قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في (شرح علل الترمذي)(2/ص613-614) لما تكلم عن شروط الأئمة:" ونذكر لذلك مثالاً:
وهو أصحاب الزهري خمس طبقات:
الطبقة الأولى: جمعت الحفظ و الإتقان، وطول الصحبة للزهري، والعلم بحديثه والضَّبط له، كمالك وابن عيينة وعبيدالله بن عمر... وغيرهم،وهؤلاء متفق على تخريج حديثهم عن الزهري.
الطبقة الثانية: أهل حفظ واتقان، لكن لم تطل صحبتهم للزهري، وإنما صحبوه مدَّة يسيرة، ولم يُمارسوا حديثه، وهم في اتقانه دون الطبقة الأولى، كالأوزاعي والليث وعبدالرحمن بن خالد...ونحوهم. وهؤلاء يخرِّج لهم مسلمٌ عن الزهري.
الطبقة الثالثة: لازموا الزهري، وصحبوه، ورووا عنه، ولكن تُكلم في حفظهم، كسفيان بن حسين ومحمد بن إسحاق وصحالح بن أبي الأخضر..ونحوهم.
وهؤلاء يخرج لهم أبوداود والترمذي والنسائي، وقد يخرج لهم مسلم لبعضهم متابعةً.
الطبقة الرابعة: قومٌ رووا عن الزهري من غير ملازمةٍ و لا طولِ صحبةٍ، ومع ذلك تُكلم فيهم، مثل إسحاق بن يحيى الكلبي، ومعاوية بن يحيى الصدفي، وإسحاق بن أبي فروة... ونحوهم.
وهؤلاء قد يخرج الترمذي لبعضهم.
الطبقة الخامسة: قومٌ من المتروكين والمجهولين كالحكم الأيلي وعبدالقدوس بن حبيب، ومحمد بن سعيد المصلوب.. ونحوهم.
فلم يخرج لهم الترمذي ولا أبوداود ولا النسائي، و يخرِّج ابن ماجه لبعضهم..".
و نحوه قاله قبله الحازمي في (شروط الأئمة الخمسة)(ص56-58)، وينظر (التمييز) للإمام مسلم (ص 172) ففيه مثالٌ يُظهر المقام أيضاً، وينظر أيضاً (شرح علل الترمذي)(2/ص 665- وما بعدها).
4/ معرفة الرواة الثقات المضَّعف حديثهم في وقتٍ دونَ وقتٍ، أي الرواة المختلطين.
فمثلاً: تكلَّم الإمام أحمد في عبدالرحمن بن عبدالله المسعودي- وهو ثقة- فقال:" إنَّما اختلط ببغدادَ، ومَنْ سمعَ منه بالكوفة والبصرة فسماعه جيِّدٌ" (العلل) رواية ابنه عبدالله (1/رقم 575/325).
و ممن سمع منه قبل الاختلاط: معاذ العنبري، فهو عنه صحيح، ومثله أيضاً الفضل بن دكين. ينظر (الكواكب النيرات)(ص291).
مثال آخر: عارم أبو النعمان، أحد الثقات، قال الإمام أبو حاتم:".. وبالجملة فمن سمعَ منه قبل سنة عشرين ومائتين فسماعه جيِّدٌ" (الجرح والتعديل)(8/58).
وقال الحافظ الدارقطني:" ثقة، وتغيَّر بأخرةٍ، و مَا ظَهَرَ عنه بعد اختلاطهِ حَديثٌ منكرٌ " (سؤالات السُّلمي للدارقطني)(رقم 349/316).
مثالٌ ثالث: إبراهيم بن أبي العباس السامري الكوفي، قال الحافظ ابن سعد:" كان قد اختلطَ في آخر عمره، فحجبهُ أهله في منزله حتى ماتَ" (الطبقات الكبرى)(7/346).
فهذا يعني أنَّه لم يُحمل عنه بعد اختلاطه!!.
5/ معرفة الرواة الثقات المضعَّف حديثهم في مكانٍ دون مكان، فإنْ حدَّث عن أهل بلدٍ فلا يحفظ حديثهم، وإن حدَّث عن غيرهم حفظ حديثهم.مثل: إسماعيل بن عياش، فإذا حدَّث عن الشَّاميين فحديثه صحيح، وإذا حدَّث عن الحجازيين والعراقيين فحديثه غير صحيح، مضطرب. ينظر (الجرح والتعديل)(2/191) و(شرح العلل)(2/773).
مثال آخر: سفيان بن عيينة، قال الإمام أحمد:" كان ابن عيينة حافظاً إلا أنَّه في حديث الكوفيين له غلطٌ كثير" (شرح علل الترمذي)(2/776).
6/ معرفة الرُّواة الثقات المضعَّفة أحاديثهم إنْ روى عنهم أهل بلدٍ ما؛ لأنَّهم لم يحفظوا حديثه، وإنْ روى عنه غيرهم أقَاموا حديثه.مثلاً: زهير بن محمد الخراساني، ما روى عنه أهل العراق فأحاديثه مستقيمة، و ما روى عنه أهل الشَّام فمنكرة، وما خُرِّج في الصَّحيح عنه فمن رواية العراقيين عنه. (شرح العلل)(2/777).
مثال آخر: محمد بن عبدالرحمن بن أبي ذئب، رواية الحجازيين عنه صحيحة، بخلاف العراقيين عنه، فيها وهم كبير. ينظر (التمييز)(ص191) و(شرح العلل)(2/780).
7/ معرفة الرواة الثقات الضَّابطين لحديث بعض شيوخهم دون بعض.
فمثلاً: قال الحافظ الدارقطني: " المسعودي إذا حدَّث عن أبي إسحاق وعمرو بن مرة و الأعمش فإنَّه يغلطُ، وإذا حدَّث عن معنٍ والقاسم وعون فهو صحيحٌ، وهؤلاء هم أهل بيته" (سؤالات السلمي للدارقطني (رقم 255/262).
مثال آخر: جعفر بن برقان الجزري، قال الإمام أحمد:" جعفر بن بُرقان، ثقةٌ ضابطٌ لحديث ميمون، وحديث يزيد بن الأصم، وهو في حديثِ الزهري يضطرب ويختلف فيه" (العلل) للإمام أحمد رواية المروذي (رقم 355/200)، وينظر (شرح العلل)(2/791).
مثال ثالث: قال الحافظ ابن رجب في (فتح الباري) له (3/29):" أبو معاوية ليس بالحافظ المتقن لحديث هشام بن عروة، إنَّما هو متقنٌ لحديث الأعمش".
مثال رابع: قال الحافظ ابن رجب في (فتح الباري) له (2/313):" روايات جرير بن حازم عن قتادة خاصَّة فيها منكرات كثيرة لا يُتابعُ عليها..".
8/ معرفة الرواة الثقات الضابطين ضبط كتابٍ دون ضبط صدر.مثل: همام بن يحيى العَوذي البصري، الثقة المشهور، قال الحافظ ابن رجب:" قال يزيد بن زريع و عبدالرحمن بن مهدي: كتابه صحيحٌ، وحفظهُ ليس بشيءٍ" (شرح العلل)(2/758).
لكنَّه في آخر عمره قلَّما يخطئُ إنْ حدَّث من حفظه؛ لأنَّه قريب عهد بكتبه، قال الإمام أحمد:" من سمع من همام بأخرة فهو أجود؛ لأنَّ هماما كان في آخر عمره أصابته زمانة، فكان يقرب عهده بالكتاب، فقلَّ ما كانَ يُخطئُ" (العلل) برواية عبدالله بن أحمد (1/ رقم 683/357)، و ينظر (شرح العلل)(2/759).
مثالٌ آخر: يونس بن يزيد الأيلي، من أصحاب الزهري، قال الإمام أحمد:" إذا حدَّث من حفظه يخطئُ" (شرح العلل)(2/765)، وقال الإمام أبو زرعة الرازي:" كان صاحب كتابٍ، فإذا أخذ من حفظهِ لم يكن عند شيء" (أسئلة البرذعي لأبي زرعة)(2/684-685).
وينظر: (الجرح والتعديل)(9/ رقم 1042/247) و(تهذيب الكمال)(32/551) و(شرح العلل)(2/765).
9/ معرفة الرواة الثقات المضعَّف حديثهم إذا جمعوا الشيوخ دون ما إذا أفردوهم.فمثلاً: قال الإمام شعبة بن الحجاج لابن علية:" إذا حدَّثكَ عطاء بن السَّائب عن رجلٍ واحدٍ؛ فهو ثقةٌ، وإذا جمعَ فقال: زاذان وميسرة وأبو البختري، فاتَّقه، كان الشَّيخ قد تغير" (شرح العلل)(2/813).
مثالٌ آخر: ليث بن أبي سليم، قال الحافظ الدارقطني:" صاحبُ سنَّة يُخرَّج حديثه، إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاووس ومجاهد، حسبُ" (سؤالات البرقاني)(رقم421/58)، وينظر (شرح العلل)(2/814).
مثالٌ ثالثٌ: قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتابه (الإرشاد)(1/417-418/ المنتخب):" ذاكرتُ يوماً بعض الحفَّاظ فقلتُ: البخاريُّ لم يُخرِّج حماد بن سلمة في الصَّحيح، وهو زاهدٌ ثقة؟.
فقال: لأنَّه جمعَ بين جماعةٍ من أصحاب أنسٍ، فيقولُ: حدثنا قتادة وثابت وعبدالعزيز بن صهيب، وربَّما يُخالف في بعض ذلك.
فقلتُ: أليس ابنُ وهبٍ اتفقوا عليه، وهو يَجمعُ بين أسانيدَ، فيقولُ: حدثنا مالكٌ، وعمرو بن الحارث والليث بن سعد و الأوزاعي بأحاديث، ويجمعُ بين جماعة غيرهم؟.
فقال: ابنُ وهبٍ أتقنُ لما يرويه، و أحفظُ له".
قال الحافظ ابن رجب في (شرح العلل)(2/816) معلقاً على الكلام السَّابق:" و معنى هذا أنَّ الرجل إذا جمعَ بين حديث جماعةٍ، وساق الحديث سياقة واحدةً، فالظاهر أنَّ لفظهم لم يتفق، فلا يقبلُ هذا الجمع إلا من حافظٍ مُتقنٍ لحديثه، يَعرفُ اتفاق شيوخه واختلافهم كما كان الزهري يجمعُ بين شيوخ له في حديث الإفك وغيره.
وكان الجمعُ بين الشيوخ يُنكرُ على الواقدي وغيره ممن لا يضبطُ هذا، كما أُنكر على ابن إسحاق وغيره، وقد أنكر شعبة أيضاً على عوف الأعرابي..".
10/ معرفة المتشابه من الأسماء و الكنى والألقاب، إذ قد يُحدِّثُ الراوي الثقة عن رجلٍ ضعيف ويسميه باسم الثِّقة!!فمثلاً: روى زهير بن معاوية الحافظ الثِّقة، قال الحافظ ابن أبي حاتم في (العلل)(3/رقم 2182/ص7- ط الدباسي):" سألت أبي عن حديثٍ رواه زهير بن معاوية قال: حدثنا واصل بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكمأة والحبَّة السَّوداء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (عرضت علي الجنة...)؟.
فقال: أخطأ زهيرٌ مع إتقانه، هذا هو صالح بن حيان، وليس هو واصلاً، وصالح بن حيان ليس بالقوي، هو شيخٌ، ولم يُدرك زهيرٌ واصلاً".
وقال الإمام أبوداود كما في (سؤالات الآجري له)(1/ رقم 509/308):" سمعتُ يحيى بن معين يقول: أخطأ زهير في اسمه، فقال: واصل بن حيان، يعني عن ابن بريدة، وهو صالح بن حيان. قال أبوداود: سمعت يحيى يقول: هو ضعيفٌ".
وقال الحافظ الدارقطني في (الضعفاء) له(رقم 289/ص246):" صالح بن حيان، كوفي عن ابن بريدة، روى عنه زهير وسماه (واصلاً) وهمَ في اسمه، ليس بالقوي"، وينظر (شرح العلل)(2/819-821).
وواصل بن حيان الأسدي، قال ابن حجر في (التقريب)(رقم7382- ط عوامة):" ثقة ثبت..ع".
11/ معرفة ما قيل فيه أصح الأسانيد، وما قيل فيه أوهى الأسانيد.والناظر في كتب علوم الحديث يجد عدداً منها، وكذا يجدها مفرَّقة في كتب (العلل)، فمثلاً: قال الإمام علي بن المديني في (العلل)(ص 87-88):" لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة، ثم بعده سليمان بن المغيرة ثم بعده حماد بن زيد، وهي صحاحٌ. وروى عنه حميد شيئاً، فأما جعفر فأكثرَ عن ثابتٍ وكتب مراسيل، وكان فيها أحاديث مناكير...وفي أحاديث معمر عن ثابت أحاديثُ غرائب ومنكرة، جعل: ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كان كذا، شيءٌ يذكره، وإنما هذا حديث أبان بن أبي عياش عن أنس".
12/ معرفة وتمييز المراسيل، وبخاصة الخفية منها، وكذا التدليس والمدلسين.لأنَّ في تحقيق ذلك وتمييزه تحقيقٌ لأحد شروط الصِّحة الواجب توفرها ألا وهو (الاتصال)، وقد سبق في جواب متقدِّم بيان لبعض ما يتعلق بالتدليس والمدلسين.
ومن المهم في هذا المقام أن يفرِّق النَّاظر وبدقَّة بين التَّدليس والإرسال الخفي، وقد أبنت ذلك و أوضحته في كتابي (مرويات أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود عن أبيه جمعاً ودراسة)- وهو يُعدُّ للطبع بإذن الله تعالى- بياناً كافياً بأدلة- أحسبها إن شاء الله- ظاهرة الدلالة في التفرقة، والله الموفق.
ولعل في هذا القدر كفاية في بيان ما يمكن أنْ يعين على كشف العلَّة، مع العلم بأنَّ هناك وسائل أخرى غيرها، تظهر لمن استجمع الآلية والأهلية في النظر في كتب أهل العلم وبخاصة كتب العلل والسؤالات والتراجم المطوَّلة، أسأل الله التوفيق والسَّداد للجميع.
و ختاماً أقول: بهذا يتم الجواب عن بعض الأسئلة التي وردت إليَّ من الإخوة، وأعتذر عمن لم أجب عن أسئلته؛ و أعدهم بأنْ أزودهم بما أتمكن من الإجابة عنه في أقرب وقتٍ ممكنٍ، والله يعفو عنا وعن الجميع، وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وجعلنا من حُماة دينه وأنصار سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وآله وسلَّم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقل من شبكة سحاب