النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: فتنة العيّاب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    1,203

    افتراضي فتنة العيّاب

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
    أما بعد :
    بوب البخاري رحمه الله في الأدب المفرد (ح327) باب العيَّاب ثم سرد بسنده إلى الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : << لا تَكُونُوا عُجُلاً مَذاييعَ بُذُرَاً فَإن مِن وَرائِكُم بَلاءً مُبْرَحَاً مُكلحاً. وأموراً متماحِلةً رُدُحاً >>.قال الشيخ العلامة الألباني - رحمه الله - صحيح - الإسناد .
    وهذا الأثر الصحيح من أمير المؤمنين رضي الله عنه في حكم المرفوع ، لأن فيه إخبار عن أمور لا يمكن أن تقال من قبل الرأي .
    قال الزبيدي في تاج العروس (6/306) قال شيخُنا : قد تقَرَّرَ أن ما يقولُه الصّحابيُّ ولا سِيَّما ممّا لا مَجالَ للرأيِ فيه من قَبيلِ الحديثِ المَرْفوع ، وكلامُ الصحابةِ رَضِيَ الله تَعالى عنهم داخلٌ في الحديثِ كما عُلِمَ في علومِ الاصْطِلاح.

    ولما قرأت هذا الأثر عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، ثم رأيت صنيع البخاري في التبويب عليه ، علمت حقيقة قول بعض العلماء فقه البخاري في تراجم أبوابه ، إذ لم يظهر لي ما أراد بهذا التبويب " العيّاب " من أول قراءته وما مناسبة تبويبه بهذا العنوان على هذا الأثر؛ وما فيه من جمل قد لا تكن لها علاقة بعنوان الباب " العياب " ، لكن لما عدت إلى شرح تلك الجمل وما فيها من كلمات عرفت العلاقة بين التبويب والأثر وأتركك أخي القارئ مع هذا المقال طيب –حتى تقف على حقيقة ما ذكرت لك والذي أرجو من الله أن ينفعني به وجميع من اطلع عليه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    وأول ما ابتدأ به هو معنى " العيّاب " الذي هو عنوان الباب ، روى الطبراني بسنده إلى عبد بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تكنف المساجد، وأن تعلو المنابر، وإن من أعلام الساعة وأشراطها: أن تكثر الشرط، والهمازون، والغمازون، واللمازون، وأن تكثر أولاد الزنى » .المعجم الكبير (10/228 ، رقم 10556) .
    وأخرجه أيضًا: في الأوسط(5/127)رقم(4861).قال الهيثمى (7/323): فيه سيف بن مسكين وهو ضعيف .
    قال الشيخ حمود بن عبد الله التويجري -رحمه الله- في إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة (2/19).
    قوله: "ويكثر الهمازون والغمازون واللمازون": قال الجوهري : "الهمز مثل اللمز، والهامز والهماز: العيّاب، والهمزة مثله، يقال: رجل همزة وامرأة همزة".
    وقال ابن الأثير : "الهمز: الغيبة والوقيعة في الناس وذكر عيوبهم، وقد همز يهمز فهو هماز، وهمزة للمبالغة".
    وقد ذكر ابن منظور في "لسان العرب" نحو هذا عن الليث؛ قال: "والهمزة: الذي يخلف الناس من ورائهم ويأكل لحومهم، وهو مثل الغيبة، ويكون ذلك بالشدق والعين والرأس". انتهى.
    وأما الغمز؛ فقال الراغب الأصفهاني : "أصله الإشارة بالجفن أو اليد طلبًا إلى ما فيه معاب، ومنه قيل: ما في فلان غميزة؛ أي: نقيصة مشار بها إليه".
    وقال ابن منظور : "الغمز: الإشارة بالعين والحاجب والجفن". قال: "والمغموز المتهم ". انتهى.
    وقال الجوهري : "اللمز: العيب، وأصله الإشارة بالعين ونحوها، ورجل لماز ولمزة؛ أي: عياب". وقال ابن منظور : "اللمز كالغمز في الوجه، تلمزه بفيك بكلام خفي، ورجل لمزة: يعيبك في وجهك، ورجل همزة: يعيبك بالغيب".
    وفي غريب الحديث لابن الجوزي (2/403) قال أبو الدَّرداءِ:" الأولياءُ لَيْسُوا بِنَزَّاكين " والنَّزَّاك العَيَّابُ للنَّاسِ يقال نَزَكْتُ الرَّجُل كما يقالُ طَعَنْتُ عَلَيْهِ وأصله من النّيْزَك وهو رمحٌ قصيرٌ ومنه أن عيسى يَقْتُلُ الدَّجَّال بالنَّيزكِ .
    قلت : وفي كتاب ربنا سبحانه :{{ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ }} الهمزة (1) .
    قال أبو القاسم الطبراني في التفسير المنسوب إليه(ص601) (والْهُمَزَةُ : الطاعنُ على غيرهِ بغير حقِّ بالسَّفَهِ والجهلِ ، واللُّمَزَةُ : الْمُغتَابُ الْمِعيَابُ ، وعن أبي العاليةِ قال : ((الْهُمَزَةُ : الَّذِي يَلْمِزُ مِنْ خَلْفٍ ، وَاللُّمَزُ : هُوَ الْعَيْبُ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : { وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ }[الحجرات : 11] أي لا يعيبَنَّ بعضُكم على بعضٍ)). وقال ابنُ عبَّاس : ((الْهُمَزَةُ اللُّمَزَةُ : هُمُ الْمَشَّاءُونَ بالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ)).
    وفي تفسير ابن كثير رحمه الله (8/481)عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ابن عباس: { هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } طعان معياب.
    قال أبو القاسم الطبراني في تفسير قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ } ؛ أي لا تُعِيبُوا إخوانَكم الذين هم كأَنفُسكم.
    وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسيرها (1/801): وسمي الأخ المؤمن نفسًا لأخيه، لأن المؤمنين ينبغي أن يكون هكذا حالهم كالجسد الواحد، ولأنه إذا همز غيره، أوجب للغير أن يهمزه، فيكون هو المتسبب لذلك.
    وبعد أن عرفت أخي معنى العيّاب ، وهو النّزّاك للناس الطعان لهم الهماز بالغيب اللماز في الوجه فإليك الآن معاني ما جاء في جمل هذا الأثر عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه :
    الجملة الأولى قال : لا تَكُونُوا عُجُلاً مَذاييعَ بُذُرَاً...
    قال في لسان العرب : (11/425)مفرده عجل ، والعَجُول من النساء والإِبل الوالِه التي فَقَدَتْ وَلَدَها الثَّكْلَى لَعَجَلِتها في جَيْئَتِها وذَهَابها جَزَعاً قالت الخنساء فما عجُولٌ على بَوٍّ تُطِيفُ به ... لها حَنِينانِ إِعْلانٌ وإِسرار.
    والجمع عُجُل وعَجائل ومَعاجِيل الأَخيرة على غير قياس قال الأَعشى يَدْفَع بالرَّاح عنه نِسْوَةٌ عُجُلُ .
    جاء في المصباح المنير (6/53) عَجِلَ عَجَلًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَعَجَلَةً أَسْرَعَ وَحَضَرَ فَهُوَ عَاجِلٌ ، وَعَجِلْتُ إلَى الشَّيْءِ سَبَقْتُ إلَيْهِ فَأَنَا عَجِلٌ . قلت : من قوله تعالى :{{ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }} طه :84.وقوله تعالى : {{ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ}}الأعراف :150.لأن الإنسان خلق من عجل كما قال تعالى :{{ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ }}.
    وقوله : مَذاييعَ...
    قال في المعجم الوسيط (1/318): أذاعه ، وبه أفشاه ونشره ، وفي التنزيل العزيز :{{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا }} النساء :(83) وذهب به واستنفده ،و المذياع : الذي لا يكتم السر أو لا يستطيع كتمه وآلة الإذاعة ، والجمع :مذاييع ، و المذيع من يتولى النشر في دور الإذاعة .
    وقال في تهذيب اللغة (3/94) ورجل مِذْياع : لا يستطيع كتمان خبر . وقوم مذاييع .وهكذا في كتاب العين (2/230) وقال الله جلّ وعزّ : {{ وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الاَْمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ }} وقال أبو إسحاق : يعني بهذا جماعة من المنافقين ، وضعفةً من المسلمين . قال : ومعنى ( أذاعوا به ) أي أظهروه ونادَوا به في الناس وأنشد : أذاع به في الناس حتى كأنه **بعلياءَ نارٌ أُوقدت بثَقُوب.
    وكان النبي : صلى الله عليه وسلم ، إذا أُعلِم أنه ظاهر على قومٍ آمنٌ منهم ، أو أُعلم بتجمّع قوم يخاف من جمع مثلهم ، أذاع المنافقون ذلك ليحذر من ينبغي أن يحذر من الكفار ، وليقوى قلبُ من ينبغي أن يقوى قلبه على ما أذاع . وكان ضَعَفة المسلمين يُشيعون ذلك معهم عن غير علم بالضرر في ذلك ، فقال الله جلّ وعزّ : لو ردّوا ذلك إلى أن يأخذوه من قِبَل الرسول ومن قبل أولي الأمر منهم لعلم الذين أذاعوا به من المسلمين ما ينبغي أن يذاع أو لا يذاع .
    قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية (1/190) :وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لا فيحجم عنه؟
    وقوله بذرا : ففي المعجم الوسيط (1/45) الحب بذرا ألقاه في الأرض للزراعة ويقال بذر الأرض إذا زرعها والشيء نثره وفرقه وماله أسرف في إنفاقه والحديث أفشاه ونشره.وبذر الزرع بذرا زكا ونما ، وفلان تجاوز الحد في النفقة وأكثر القول وأفشى السر فهو بذرٌ وهي ( بتاء ) ومنه حديث فاطمة أن عائشة سألتها عن أمر تكتمه فقالت : << .. إني إذا لبذرة .. >> .
    قلت وهذا جزء من حديث طويل في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو عيسى الترمذي (ج 5/ ص 701 )حديث رقم:( 3872 )هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عائشة .
    وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (ج 1/ ص 327) حديث رقم:( 947) والنسائي في سننه الكبرى (ج 5/ ص 392) حديث رقم: (9237)
    وقال الشيخ الألباني في التعليقات على الأدب المفرد (1/223) صحيح ـ ((تخريج المشكاة )) (4689) .
    و في تاج العروس (10/ 146) البَذُورُ والبَذِيرُ : مَن لا يَستطيع كَتْمَ سِرِّه ، بل يُذِيعُه . يقال : بَذَرْتُ الكلامَ بين الناسِ كما تُبْذَرُ الحُبُوبُ ، أَي أَفْشَيْتُه وفَرَّقْتُه .
    ورَجلٌ بَذِرٌ ككَتِفٍ : يُفْشِي السِّرَّ ويُظْهِرُ ما يَسمعُه .
    وفي حديث عليَ رضي الله عنه في صِفَةِ الأَولياءِ : لَيْسُوا بالمَذايِيعِ البُذْرِ .
    موسوعة أطراف الحديث وعزاه لكتاب " التواضع والخمول:ج1/ص32/ ح10 ) عبد الله بن محمد أبو بكر القرشي . تحقيق محمد عبد القادر أحمد عطا
    وقوله : فإن من ورائكم بلاء مبرحا ...
    قال في المعجم الوسيط (1/47) البرح : الشدة والعذاب الشديد والأذى يقال لقي منه برحا بارحا وبرحا مبرحا ولقي منه بنات برح الشدائد والدواهي .
    وقوله : مُكلحاً وفي رواية: مملحا .. وفي أخرى : مبلحا بَلَحَ الرَّجلُ بُلُوحاً ، بالضّمّ : أَعْيَا . وقد أَبْلَحَه السَّيرُ فانْقُطِع به . قال الأَعشى :
    واشْتَكَى الأَوصالَ منه وبَلَحْ ... كبَلَّحَ تَبْليحاً . جاء في الحديث : ( لا يزال المُؤْمِن . مُعْنِقاً صالحاً ما لم يُصِبْ دَماً حَراماً ، فإِذا أَصابَ دَماً حرَاماً بَلَّحَ .
    يريد وُقُوعه في الهلاك بإِصابةِ الدَّمِ الحَرامِ ؛ وقد يُخفَّف اللاَّمُ . النهاية في غريب الحديث (1/111).
    قلت :والحديث أخرجه أبو داود (4270)و الطبراني في معجمه الأوسط ج 9/ ص 95 حديث رقم: 9229 والبيهقي في سننه الكبرى ج 8/ ص 22 حديث رقم: 5640.
    قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 7693 في صحيح الجامع .

    ويقال : حَمَلَ على البَعير حتى بَلَحَ . قال أَبو عُبيد : إِذا انقطعَ من الإِعياءِ فلم يَقدِر على التّحرُّك .
    وفي تاج العروس (30/390) وفي كلامِ عليٍّ رَضِيَ الله تَعالى عنه : إنّ من ورائِكُم أُموراً مُتَماحِلَةً رُدُحاً ، وبَلاءً مُكْلِحاً مُبْلِحاً أي فِتَناً طويلةَ المُدّة ، وقيل : يَطولُ شَرْحُها وأيّامُها ويَعظُمُ خطَرُها ، ويشتَدُّ كلَبُها ، وقيل : يطولُ أَمْرُها.
    وقوله : متماحلة ..
    قال الزبيدي في تاج العروس (6/390)فالمُتَماحِلةُ : المُتطاوِلةُ . والرُّدُحُ : الفِتَنُ العَظيمةُ . وفي رواية أُخرَى عنه : ( إِنّ من ورائكم فِتَناً مُرْدِحَةً ) المردح ُ، أَي المُثْقِل أَو المُغَطِّي على القُلُوب ، من أَرْدَحْتُ البَيْتَ ، ( ويُرْوَى : رُدَّحاً ) ، بضمّ فتشديد ، فهي إِذن جمعُ الرَّادِحةِ ، وهي الثِّقالُ الّتي لا تكاد تَبْرَح .
    فهذا مجموع ما جاء في وصفه فهو النّزّاك للناس الطعان لهم الهماز بالغيب اللماز في الوجه ،وهو العَجُول ، والعَجِل ، والبَذُورُ والبَذِيرُ : أي مَن لا يَستطيع كَتْمَ سِرِّه ، بل يُذِيعُه . يقال : بَذَرْتُ الكلامَ بين الناسِ كما تُبْذَرُ الحُبُوبُ ، أَي أَفْشَيْتُه وفَرَّقْتُه . ورَجلٌ بَذِرٌ ككَتِفٍ : يُفْشِي السِّرَّ ويُظْهِرُ ما يَسمعُه . وهو الفتان بذلك فلا تكونوا كذلك لأنّ من ورائِكُم أُموراً مُتَماحِلَةً رُدُحاً ، وبَلاءً مُكْلِحاً مُبْلِحاً أي فِتَناً طويلةَ المُدّة ، وقيل : يَطولُ شَرْحُها وأيّامُها ويَعظُمُ خطَرُها ، ويشتَدُّ كلَبُها ، وقيل : يطولُ أَمْرُها.
    والمعنى لا تستعجلوا في إذاعة الأشياء والفواحش ولا تفشوا الأسرار التي تكون سببا في الفتن والمحن ، فإن من ورائكم بلاء شديد شاق ينتظركم ، وفتن عظيمة ثقيلة طويلة تترقبكم ، فاحذروا أن تكونوا نزّاكين همازين بذارين للأسرار التي تكون سببا للرزايا والفتن التي يصعب الرجوع عنها ، وتزداد الفتن توقدا واشتعالا بها .
    وخلاصة القول ؛ فإن قصد البخاري بعقد هذا الباب هو أن العيّاب هو الذي جمع هذه الصفات التي جاءت في هذا الأثر من ذم الناس وتنقصهم في وجوههم أو في غيبتهم عَجِلاً في ذلك كالولهان تعلوه الدهشة كيف غاب عنه ذلك العيب ، والسر، ولما وجده واطلع عليه ، لم يستطع كتمه حتى سارع إلى إذاعته وإشاعته ، وبذره في الناس كما يزرع الفلاح البذر في الأرض، لا يترك مجلسا ولا محفلا ، لا مخرجا ولا مدخلا إلا أشاعه ..
    بل يعيب الناس في وجوههم ، دأبه الفحش والتفحش ولذلك ذكر البخاري رحمه الله تحت هذا الباب حديثين آخرين في عيب الناس ، أحدهم في التنابز بالألقاب ،
    فعن أبي جبيرة بن الضحاك قال : فينا نَزلتْ - في بنى سلمة - ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) قال : قَدِمَ عَلينَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وليسَ مِنَّا رَجُلٌ إلا لَه اسمَانِ ، فَجَعَل النَّبيُ صلى الله عليه وسلم يَقولُ : ( يَا فُلان ) فَيقولُونَ يا رسول الله إِنَّهُ يَغضَبُ مِنهُ .
    قال الشيخ الألباني - رحمه الله - صحيح - (3741) : ] أبو داود : 40 ت : 44 / 49/ح 3).
    والثاني برقم (331) عن عكرمة رضي الله عنه قال : لا أَدْرِي أَيهُمَا جَعَل لِصَاحِبهِ طَعاماً ابن عَباسٍ أَو ابن عُمر فَبينَا الجَاريةُ تَعمَلُ بَين أَيدِيهِمْ ، إذْ قَال أحَدُهم لها: يَا زَانِيةَ . فَقال مَهْ ؟ إِن لَم تَحُدك فِي الدُّنَيا تَحُدك فِي الآخِرة . قال : أَفرأَيتَ إِن كَان كَذاك ؟ قَال : إنَّ الله لا يُحِبُ الفَاحِشَ المُتَفَحِشَ ) - ابن عباس الذي قال : إن الله لا يحب الفاحش المتفحش .قال الشيخ الألباني : حسن الإسناد .

    إن التسرع في نشر القالة بين الناس ، ونشر عيوبهم والطعن فيهم في غفلتهم من ورائهم أو في وجههم يسبب فتن عظيمة شديدة ثقيلة طويلة المدى يعيا عن حملها أو مجابهتها أولوا النهي والألباب ، ويصعب إطفاؤها حتى على العلماء فإن فتنة اللسان فتنة عظيمة ، فرب كلمة أشعلت نار الحرب ، ورب كلمة طُلقت بسببها امرأة وتمزقت العائلة والأسرة بكاملها ، ورب كلمة شتت شمل الأمة، وربما فرقت بين أخوين ، إن النار من مستسغر الشرر ، لذلكم جاء النهي : لا تكونوا عُجُلا مذاييع بُذرا .. للعاقبة المرة السيئة في الدنيا ، والوخيمة في الآخرة ، فرب كلمة يتكلم بها الرجل تكون سببا في فتنة لا يلقي لها بالا يهوي بها سبعين خريفا في النار كما جاء في الحديث . نعوذ بالله من ذلك ، فأرفق بنسفك أخي ولا تكن عيابا مفتاحا للشر مغلاقا للخير ، بل كن على العكس من ذلك ...
    وأختم هذا المقال بهذه التحف ، أهديها لكل متبع لمنهج السلف .
    قال أبو حاتم البستي رحمه الله :روضة العقلاء ونزهة الفضلاء [ص125].
    الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس وسوء الظن بهم مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه ، وتحسين الظن بإخوانه ، فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره ، أراح بدنه ، ولم يتعب قلبه ، فكلما اطّلع على عيب نفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه ، وأن من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه واتعب بدنه ، وتعذر عليه ترك عيوب نفسه ، وأن من أعجز الناس من عاب الناس بما فيهم ، وأعجز منه من عابهم بما فيه ، ومن عاب الناس عابوه ، وقد أحسن الذي قال :
    إذا أنت عبت الناس عابوا وأكثروا عليك وأبدوا منك ما كان يستر

    وقد قال في بعض الأقاويل قائل له منطق فيه كلام محبر
    إذا ما ذكرت الناس فاترك عيوبهم فلا عيب إلا دون ما منك يذكر
    فإن عبت قوما بالذي ليس فيهم فذاك عند الله والناس أكبر
    وإن عبت قوما بالذي فيك مثله فكيف يعيب العور من هو أعور
    وكيف يعيب الناس من عيب نفسه أشد إذا عد العيوب وأنكر ؟
    متى تلتمس للناس عيبا تجد لهم عيوبا ، ولكن الذي فيك أكثر
    فسالمهم بالكف عنهم فإنهم بعيبك من عينيك أهدى وأبصر
    وقال رحمه الله : روضة العقلاء ونزهة الفضلاء [ص126].
    والعاقل يحسن الظن بالناس وينفرد بغمومه وهمومه ، وأحزانه ، كما أن الجاهل يسيء الظن بإخوانه ولا يفكر في جناياته وأشجانه ، وقد أحسن القائل :
    ما يستريح المسيء ظنا من طول غم وما يريح .
    وقال الشافعي رحمه الله :في ديوانه .
    إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى وحظك موفور وعرضك صين
    لسانك لا تذكر به عورة أمريء فكلك عورات وللناس أعين
    وعينك إن أبدت إليك معايبا فصنها وقل يا عين للناس أعين
    وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى وفارق ولكن بالتي هي أحسن .
    اللهم انفعني بها ، واغفر لي ما كان مني في غابر أيامي ، واعف ، وعمن ظلمني برحمتك يا أرحم الراحمين ، وفقني الله وإياك أخي القارئ لما يحبه ويرضاه . ورجاء منك أن تؤمن على دعائي . والحمد لله رب العالمين
    3/ مضان /1432هـ


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    المشاركات
    271

    افتراضي رد: فتنة العيّاب

    بارك الله فيكم شيخنا وحفظكم الله
    روى اللالكائي عن أوس الربعي أنّه كان يقول: " لأن يجاورني القردة و الخنازير في دار، أحب إليّ من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء".أ.هـ شرح أصول اعتقاد أهل السنةوالجماعة ص 131

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    الدولة
    مـصـر EgYpT
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: فتنة العيّاب

    جزاك الله خيراً يا شيخ يوسف, وبارك الله فيك.

    والله أسأل الهداية والرشاد لإخواننا السلفيين.

    وصلِّ اللهم على محمدٍ وعلى آله وسلِّم.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    شرق بلاد الجزائر الحبيبة
    المشاركات
    1,851

    افتراضي رد: فتنة العيّاب

    بارك الله فيك وجزاك الله خيرا.

    أميـــــــــــــــــــــــــن.......

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,285

    افتراضي رد: فتنة العيّاب

    جزاكم الله خيرا
    الصور المرفقة الصور المرفقة
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,285

    افتراضي رد: فتنة العيّاب

    يرفع للفائدة

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser




معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. ((علي الحلبي يقرر أنَّ فتنة الشيخ ربيع أشد من فتنة جهيمان وسفر وسلمان!!!)) الشيخ رائد آل طاهر .
    بواسطة أبو هنيدة ياسين الطارفي في المنتدى منبر الرد على أهل الفتن والبدع والفكر الإرهابي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-Nov-2013, 12:36 PM
  2. فتنة العيّاب من أعظم عوائق التربية. للشيخ ابي بكر يوسف لعويسي -رعاه الله -
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى مقالات ورسائل الشيخ أبو بكر يوسف لعويسي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 18-Sep-2013, 02:48 PM
  3. سؤالاتٌ مهمةٌ عن فتنة مصر المدلهمة
    بواسطة أبو همام أحمد إيهاب في المنتدى منبر الفتاوى الشرعية الخاصة بالشيخ أبو بكر يوسف لعويسي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-Jul-2013, 01:57 AM
  4. «تعوَّذوا بالله من فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإنَّ فتنتهما فتنة لكل مفتون!»
    بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 24-Feb-2013, 12:20 AM
  5. (التحذير من فتنة علي بن حسن الحلبي)
    بواسطة أبو هنيدة ياسين الطارفي في المنتدى منبر الرد على أهل الفتن والبدع والفكر الإرهابي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 20-Jan-2013, 02:39 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •