بسم الله الرحمن الرحيم

الإخـوان المسلمون

في ميـزان الشـريعة
عـــرض ونقـــــد

قال علي عشماوي في "التاريخ السري للإخوان المسلمين" (ص13):

(أُصبت بإحباط شديد وغضب وثورة داخلية تكاد تقتلع قلبي من مكانه، حزناً على عمري الذي أضعته كله مع هذه الجماعة) أ.هـ





الحلقة الأولى


مقدمـة:

الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

فهذه رسالة خاصة في بيان ما عليه فرقة "الإخوان المسلمين"، قد أبنت فيها عن بعض حقائق هذه الجماعة وبينت شيئا من أصولها وأهدافها ووسائلها التي تستعملها في الوصول إلى هذه الأهداف، وذكرت في هذه الرسالة صور الانحرافات عند هذه الفرقة، وبيان أسباب كلام العلماء فيها، وسميت هذه الرسالة: "الإخوان المسلمون في ميزان الشريعة".

وتتكون هذه الرسالة من تمهيد وعدة فصول:

الفصل الأول: تعريف بجماعة الإخوان المسلمين.

الفصل الثاني: نشأة الجماعة.

الفصل الثالث: أثر الظروف وتأثير المؤسس على الجماعة.

الفصل الرابع: أهداف الجماعة.

الفصل الخامس: تنظيم الجماعة.

الفصل السادس: أفكار الجماعة ومعتقداتها.

الفصل السابع: وسائل الدعوة عند الجماعة.

الفصل الثامن: صور التربية عندهم.

الفصل التاسع: قادة الجماعة وكبار شخصياتها.

الفصل العاشر: الانحرافات.

الفصل الحادي عشر: خروج الإخوان المسلمين على الحكام.

الفصل الثاني عشر: المواقف السياسية المضطربة.

الفصل الثالث عشر: مداهنة الإخوان المسلمين للحكام.

الفصل الرابع عشر: تحالف الإخوان المسلمين مع أهل الزيغ والضلال.

الفصل الخامس عشر: تحالف الإخوان المسلمين مع الصليبين والشيوعيين وغيرهم.

الفصل السادس عشر: أثر هذه الجماعة على واقع المجتمع الإسلامي.

الفصل السابع عشر: دعاية هذه الجماعة لنفسها.

الفصل الثامن عشر: مناقب الإخوان المسلمين.

الفصل التاسع عشر: إثبات حزبية الإخوان المسلمين وانحرافهم.

الفصل العشرون: تضجر بعض أعضاء جماعة الإخوان من جماعته.

وسيجد القارئ أشياء كثيرة مفرقة، ومناقشات لكثير من شبهاتهم، نسأل الله أن ينفع بها وأن يكتب الأجر والثواب لقارئها وكاتبها.

هذا وبعد أن نشرت هذه الرسالة – النسخة الأولى - في مواقع "الانترنت"، وبعد أن تناقلها أكثر من عشرين موقعا، وبعد ما يقارب السنة من هذا الانتشار زدت في رسالتي القديمة أشياء كثيرة وفصول جديدة، وتفاصيل لم تكن موجودة من قبل.

وكذلك - بعد صدور النسخة السابقة - وجدتُ رسالة "الإخوان المسلمون بين الابتداع الديني والإفلاس السياسي" وهي رسالة جيدة وفق صاحبها في تأليفها، وقد استفدت منها في مواضع ليست قليلة، أحلت فيها إلى الرسالة المشار إليها، جزى الله صاحبها خيرا فقد بذل فيها جهدا مشكورا.

نسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

كتبه:
أبو عمار علي الحذيفي
عدن / اليمن
وكان الانتهاء من أصل هذه الرسالة
في 1427هـ




تمهيد:

فرقة "الإخوان المسلمين"، صنع لها كبارها صيتاً كبيراً يغطي على حقائقها وانحرافاتها، وروجوا لها على أنها هي الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، وأنها الحركة التي حملت راية الإسلام في هذا العصر، وهملت همومه ومسئولية نشره ودعوة الناس إليه، جاهلين أو متجاهلين أن منهجها مخالف تماماً ومصادم كل المصادمة بل يسير بـ "الاتجاه المعاكس" للطائفة الناجية والفرقة المنصورة، ومع هذا فـ "الإخوان المسلمون" يصنعون لأنفسهم زخماً إعلامياً كبيراً وهالة عجيبة، وكأنهم الذين حفظ الله بهم دينه وشريعته.

وهذه التغطية الإعلامية العالمية دفعت كثيرا من الناصحين إلى كتابة شيء مختصر عن حقيقتها كما فعل العلماء، وإنما فعلوا ذلك ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة.

وسيجد القارئ في هذه الرسالة المختصرة صراحة ووضوحاً، وهما أعظم ما يحتاجه "الإخوان المسلمون" اليوم، ولاسيما مع كثرة المغترين بهذه الجماعة وهم كثير.

ألا وإن من هؤلاء المغترين بهذه الجماعة أصحاب "الموسوعة الميسرة" التي سووا فيها دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب بدعوة حسن البنا وجعلوهما من حركات الإصلاح سواء بسواء، فالفرق بين الدعوتين كبير، فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قائمة على التوحيد والنصح للحاكم والمحوم بالتي هي أحسن فهي موافقة لدعوة الرسل، ودعوة الإخوان المسلمين لا تقيم للتوحيد وزنا، وإنما هي قائمة على الثورات والانقلابات على المجتمعات الإسلامية، ولو بالتقارب مع أهل الضلال.

و"الموسوعة الميسرة" رغم ما فيها من الفوائد الكثيرة التي لا يستغني عنها طالب العلم، إلا أن عليها ملاحظات أخرى سنتعرض لبعضها في هذه الرسالة.





الغرض من

الكلام على "الإخوان المسلمين":
وكانت كتابتي لهذه الرسالة لها أسباب كغيري ممن كتب عن "الإخوان المسلمين وغيرهم"، وأهمها أمور:

الأول:

الابتداع الذي تسلكه هذه الجماعة، والإنحراف الذي تسير عليه، فإن جماعة الإخوان المسلمين" أصبحت مصدرا من مصادر البدع، وقاموسا من قواميسها، فكل فترة نفاجأ فيها ببدع جديدة تصدره لنا جماعة "الإخوان المسلمين"، فكان من اللائق الكلام على الجماعة كلها جملة وتفصيلا لا على بدعها فإنها لا تنتهي ولا تتوقف.

الثاني:

الفتاوى المخالفة للشريعة، والاستحسانات الغريبة التي ملأت جماعة الإخوان المسلمين بها مجتمعاتنا الإسلامية حتى أثرت عليها تأثيرا سلبيا، وأضرت المجتمعات ضررا بالغا لا يعرفه إلا أهل العلم.

الثالث: ما تحدثه هذه الجماعة من فتن وقلاقل وصدامات لا تنقطع ولا تهدأ، وهذه الفتن والقلاقل لا تقر إلا أعين أعداء الإسلام من الغرب وغيرهم ممن يفرحون بالفوضى في مجتمعات المسلمين.

الرابع: ما تقوم به هذه الجماعة من تغرير الشباب وصرفهم عن الوجهة القويمة، والطريقة المستقيمة.


في "الإخوان المسلمين" شباب مخلص:

ولهذه الأسباب المذكورة آنفا قمت بالكتابة في انحرافات "الإخوان المسلمين" نصحا للشباب، فإنني أعلم أن في "جماعة الإخوان المسلمين" كثيرا من الشباب المخلص لله عز وجل، والذين يحبون الله ورسوله، ويحبون دين الإسلام العظيم، وربما رأى هؤلاء الشباب أن في الإنضمام إلى "جماعة الإخوان المسلمين" ما يروي عطشهم ويشبع رغبتهم في نصرة الإسلام، ولكنّ هؤلاء الطيبين - وللأسف الشديد - لا يعرفون حقيقة تاريخ "جماعة الإخوان المسلمين" ولا ما عليه قيادتهم السابقة والحالية، فكان من الضروري كشف هذه الانحرافات نصحا لهؤلاء الطيبين، ولاسيما وأن رؤوس هذه الجماعة يظهرون للآخرين شعارات جميلة ينخدع بها ضعفاء العلم، من مثل زعمها أنها تنادي بعودة الناس إلى تحكيم الشريعة، وتنادي بالدعوة إلى جمع الكلمة ونحو ذلك.

فهذه الحقائق تعتبر وجهاً آخر لا يراه الكثير من المغترين بهم، فلو تأمل المسلم في حقيقتها وتاريخها وطريقة ما تدعو إليه لوجد أن شعاراتها في جهة وطريقتها في جهة أخرى، وهذا أمر لا يعرفه إلا من عرف الجماعة على حقيقتها، وتتبع أخبارها وعاش واقعها بين الناس.

قال علي عشماوي في "التاريخ السري للإخوان المسلمين" (ص13):

(أُصبت بإحباط شديد وغضب وثورة داخلية تكاد تقتلع قلبي من مكانه، حزناً على عمري الذي أضعته كله مع هذه الجماعة) أ.هـ

فنحن نريد من الشباب أن يعرفوا حقيقة هذه الجماعة قبل أن تضيع أعمارهم، فيندموا ولات ساعة مندم، ونريد منهم أن يعتبروا بغيرهم.

القدح في الشريعة أعظم
من القدح في "الإخوان المسلمين":


وهناك من الناس – من الإخوان المسلمين أو من يتعاطف معهم - من يغضب ويحمر وجهه إذا بلغه أن قوما يتكلمون في جماعة "الإخوان المسلمين" أو ينتقدونهم ولو كان انتقادهم بعلم وبينة وحجة، في الوقت الذي لا يغضب لعبث "الإخوان المسلمين" بالشريعة، ولا يغضب لاضطرابهم لفتاوى الإخوان المسلمين المنحرفة، ولا يغضب لتفسيراتهم الباطلة للنصوص، ولا لتأصيلاتهم الفاسدة، حتى غيّر "الإخوان المسلمون" صورة الإسلام الجميلة في أذهان كثير من الناس، وأبرزوه على أنه دين التلاعب والعبث والفوضى والعنف ؟!

ونحن نقول لهؤلاء: كيف تغضبون للكلام على بدع "الإخوان المسلمين"، ولا تغضبون لعبث "الإخوان المسلمين" بالإسلام وتشويههم بصورته الجميله، فهل أفراد "الإخوان المسلمين" ومناهجهم أعز عليكم من الإسلام الذي جاء من عند الله ؟!

وكيف تغضبون للتحذير من كتب سيد قطب، ولا تغصبون لتطاول سيد قطب على موسى عليه السلام، وعثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان وأبيه أبي سفيان، وعمرو بن العاص وغيرهم، فهل سيد قطب أعز عليكم من هؤلاء ؟!

فأقول لهؤلاء الذين يتحسسون من الانتقاد على الإخوان المسلمين: اتقوا الله فالإسلام أحق أن تتعاطفوا معه وله، من تعاطفكم مع "الإخوان المسلمين" الذين ينخرون فيه.



مقارنة الإخوان المسلمين
لسيد قطب وحسن البنا بالعملاقين شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم:

بل أعرف أن "الإخوان المسلمين" يقارنون دعوة حسن البنا وسيد قطب وأمثالهما بالإمام الكبير والعملاق الحقيقي ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والذي لو أقسم أحد أنه لن يأتي شخص بعده يقاربه فضلاً عن أن يكن مثله لما حنث كما قال ابن عبد الهادي ووافقه الشوكاني في "البدر الطالع".

بل إنهم يرون أفضلية دعوة البنا على دعوة شيخ الإسلام، فهذا المرشد العام الثالث عمر التلمساني يقول في رسالته: "بعض ما علمني الإخوان المسلمون":

(ولئن كان الإمام المجاهد ابن تيمية وتلامذته، قد أدوا إلى الفقه الإسلامي وتوضيح مناهج السلف ما يعد غرة في جبين الفقه الإسلامي، ولئن كانوا قد سجنوا وعذبوا في سبيل التمسك برأيهم الصحيح، ولئن كانوا قد جاهدوا في سبيل الله بالسيف والمزراق فعلا، ولئن كانت لهم مدرستهم التي لا تنكر، ولئن كنا نحن "الإخوان المسلمون" نعتبرهم أساتذة لنا، إلا أنني أقرر وأنا كامل الإيمان والصدق، أن مدرسة الإمام الشهيد حسن البنا كانت أعمق أثرا وأبعد فاعلية في نفوس شباب المسلمين، ذلك لأن مدرسة الإمام ابن تيمية أخرجت فقهاء وعلماء حقا، ولكن مدرسة البنا أخرجت مجاهدين في ميادين القتال، ومثلا في مواقف النضال، كما أن مدرسة ابن تيمية أقتصرت على المحيط الإسلامي في منطقة الشرق الأوسط وبعض البلاد الإسلامية المتنائية، بينما بسطت مدرسة البنا تعاليمها على أرض القارات الخمس التي تكون هذه البسيطة التي يحيا عليها البشر أيامنا هذه) أ.هـ

وذكر مميزات أخرى عجيبة !! نقلا من موقع: "الشبكة الدعوية".

ومن هؤلاء الذين يقارنون دعوة حسن البنا وأمثاله بشيخ الإسلام ابن تيمية القطبيون وهم المتأثرون بآل قطب وأفكارهم التكفيرية، ومنهم محمد سعيد القحطاني حيث ذكر كما في كتابه "الولاء والبراء" حيث قال (ص215): (وقد كتب علماء فضلاء من علماء المسلمين حول هذا الموضوع ما يكفي ويشفي ويغني)، ثم قال في حاشية الكتاب: (أذكر منهم شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه، ومن المعاصرين الأستاذين الجليلين أبو الأعلى المودودي وسيد قطب) أ.هـ

لم يجد الدكتور أحدا من المعاصرين سوى هذين الرجلين، ولا يدري هذا الدكتور – هداه الله - أنه يحيل على أناس امتلأت المكتبات العلمية بالردود عليهم ونقد طرائقهم وبيان ما فيها من مخالفات وانحرافات ؟!

وستعرف في رسالتنا هذه - بإذن الله - من هم هؤلاء الفضلاء الذي أشار إليهم الدكتور المذكور.

وهناك آخرون ممن سلك مسلك الدكتور/ محمد بن سعيد القحطاني وهم كثير ونكتفي بهذه الأمثلة ليعرف ما وراءها.

ولهذا كله فأنا حريص على ذكر شطحاتهم ثم أعقد مقارنة بينها وبين كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ومن بعده أو من قبله من الأئمة، لأبين الفروق العظيمة بين الإمام شيخ الإسلام وبين رؤوس "الإخوان المسلمين".



سيد قطب
والحافظان النووي وابن حجر

ومن عجائب القطبيين أنهم يعقدون مقارنة بين سيد قطب من جهة، والحافظين النووي وابن حجر من جهة أخرى، فإذا قيل لهم: إن سيد قطب له أخطاء كثيرة وعظيمة ومتنوعة تستوجب الحذر من كتاباته، قال القطبيون: (خطأ العالم يحذر منه ولا ينبغي أن يزهد في كتاباته، فالحافظان النووي وابن حجر عندهما أخطاء في "الأسماء والصفات" وغيرهما، ولكن لا نزهد في كتبهما ومنها شرحهما على الصحيحين).

كذا قال القطبيون، ومن هؤلاء القطبيين علي بارويس فقد سمعته بنفسي في شوال عام 1416 هـ يجيب على سؤال سألته امرأة، وكلامه في شريط مسجل بصوته.

وجوابنا على هذا أن يقال:

أولا: إن الحافظين النووي وابن حجر عالمان جليلان خدما السنة ولهما عناية عظيمة بالعلم وقد تربيا على مائدة أهل الحديث والفقه، وكونهما قد وقعا في بعض الزلات لا يوجب إهدار مكانتهما ولا علمهما، بل الإنصاف يقضي بالاستفادة من علمهما والحذر من أخطائهما وهذه طريقة الوسطيين أهل الحق، بخلاف سيد قطب فإنه لم يكن من أهل العلم ولا تربى على مائدة أهله، وإنما تربى على مائدة الأدباء من أمثال العقاد وغيره، وِان الأدباء أن يجمعوا ثقافتهم من جميع الجهات دون أن ينحاز إلى جهة أهل الحديث، وهذا دأب أغلب الأدباء، وسيد قطب منهم، فكونه يحشر في زمرة العلماء يعتبر جناية على العلم وأهله، ويعتبر خيانة للمسلمين.

وثانيا: سيد قطب قد بلغه بعض أهل العلم الحق وردوا عليه في أخطائه، وأخبروه بما عنده من التجاوز على خير القرون، ولكنه عاند وقابل النصيحة بما سيراه القارئ في موضعه إن شاء الله تعالى.

وثالثا: أن ما وقع فيه الحافظان النووي وابن حجر كانت من جنس الأخطاء لأن تأويل الصفات كانت منتشرة في زمنهم وبيئتهم وظننا فيهم أنهم لم يهتدوا إلى مذهب السلف عن خطأ لا عن معاندة، بخلاف ما وقع فيه سيد قطب فإنه كانت من نوع التطاول والتجاوز لا من جنس الأخطاء، فهل فهم القطبيون الفرق بين الطرفين ؟!.

ورابعا: أن هناك فرقا بين صواب الحافظين النووي وابن حجر وخطأهما، فصوابهما كثير وخطأهما قليل بالنسبة إلى صوابهما، وأما سيد قطب فما يثني عليه القطبيون إلا لتقريراته المنحرفة في باب الحاكمية والإيمان والجاهلية، وهي أغلب مباحثه العقدية وأشهرها، فما هو الصواب الذي عنده وإن وجد فكيف يفرق القارئ بين صوابه وخطأه – إن كان هناك صواب -؟!





لماذا الأخطاء فقط ؟
أحد هؤلاء يقول:

(هناك قوم اشتغلوا ببعض الأموات، مثل: سيد قطب، وحسن البنا، الواجب أنهم يُلخصون أخطاءهم ويحذرون منها، وأما حسناتهم فلا يدفنوها، ولا يَقدح فيهم لأجل تلك الأخطاء أو تلك الزلات، لأن لهم حسنات، إذا كانوا يذكرون السيئات، وينسون الحسنات؛ صدق عليهم قول الشاعر:

ينسى من المعروف طوداً شامخاً... وليس ينسى ذرة ممن أساء

فيجب أ ن تُلخَّص الأخطاء، وأن يحذَّر منها، وبقية علومهم يُستفاد منهم) أ.هـ

أقول: ولي مع هذا الكلام وقفات:

الأولى: قوله: (هناك قوم اشتغلوا ببعض الأموات).

أقول: فما رأيكم فيمن اشتغل بأموات الصحابة بل بأموات الأنبياء بل بأولي العزم من الرسل مثل موسى عليه السلام ؟ فكيف تغضبون لمن تكلم في حسن البنا وسيد قطب ناصحاً للمسلمين ومحذراً من أخطائهما، ولا تغضبون للتنقص من الأنبياء والصحابة ووصفهم بأوصاف قبيحة ؟

الثاني: قوله: (يُلخّصون أخطاءهم ويحذِّرون منها، وأما حسناتهم فلا يدفنوها، ولا يَقدح فيهم لأجل تلك الأخطاء أو تلك الزلات، لأن لهم حسنات، إذا كانوا يذكرون السيئات، وينسون الحسنات).

وقوله: (يلخصون أخطاءهم) أقول: لو كانوا مجتهدين لقلنا هي أخطاء ولهان الأمر كثيراً، ولكنها ضلالات وانحرافات.

وقوله: (وأما حسناتهم فلا يدفنوها) أقول: أين هي حسناتهم حتى نذكرها للناس ؟ أهي الطريقة الحصافية الشاذلية ؟ أم التفويض في الصفات ؟ أم شد الرحال إلى القبور والبيتوتة عندها ؟ أم التهوين من أمر العقيدة ؟ أم التطاول على الأنبياء ؟ أم تكفير المجتمعات ؟ أم الخروج على ولاة أمور المسلمين وزرع القلاقل والفتن ؟ أم الاغتيالات أم التفجير والتلغيم وسفك الدماء بغير حق ؟ أم ماذا ؟

ثم إنني إذا قمت بالنصيحة فقد قمت بما أوجب الله علي من النصح، ولا يلزمني أن أذكر حسنات المردود عليه بل ذكر محاسنهم من الغش للمسلمين، ولاسيما عند نقد طائفة مثل هذه الطائفة التي روج لها أتباعها على حساب الحق والدين.

والعجيب أن هؤلاء يطلبون من أهل السنة الانصاف بذكر محاسنهم، مع أن أهل السنة لا ينقلون إلا من كتبهم، أما هم فإذا أرادوا أن يكتبوا عن أهل السنة لا تجد الردود العلمية بل تجد الكذب والبهتان والسب والشتم والاحتقار والازدراء، فأين حسنات أهل السنة يا معاشر المنصفين ؟

وإن محاسن الإخوان المسلمين إن وجدت فهي مغمورة في انحرافاتهم كما سيرى القارئ الكريم.

وقوله: (وبقية علومهم يُستفاد منهم) ما هي هذه العلوم التي يستفاد منها إذا كان قد أقروا على أنفسهم أنهم ليسوا من العلماء ؟!

وما هي هذه العلوم التي يستفاد منها؟ وهم إنما اشتهروا وعرفوا بشيء واحد فقط وهي دعوتهم الحركية، والتي تبين لنا أنهم حادوا فيها عن الصراط المستقيم ؟! فماذا عسى أن يؤخذ عنهم ؟!

ثم ليتهم كانوا يقولون عن أهل السنة مثل هذا القول، لكننا نراهم يحذرون من أهل السنة جملة وتفصيلا، بدون ذكر محاسن، ولا إرشاد إلى الاستفادة من علومهم التي شهد لهم فيها البر والفاجر، والقريب والبعيد ؟!

ثالثاً: إن مهمة الناصح تحديد موضع الداء لأنه موضع البحث المكان المسئول عنه، فالسائل يسأل عن هذه الطائفة هل تصلح لأن يلزمها الشخص أو لا تصلح؟!

فيجيب المسئول عما يحتاجه السائل ويضع له من النقاط على الحروف بما يثبت له أن المسئول عنه في المستوى المطلوب أو ليس كذلك.

أخرج مسلم في "صحيحه" عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: (ليس لك عليه نفقة)، فأمرها أن تعتد فى بيت أم شريك ثم قال: (تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدى عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني). قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبى سفيان وأبا جهم خطباني. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له أنكحي أسامة بن زيد)، فكرهته ثم قال: (أنكحي أسامة). فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به).

وتأمل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد) فهذا تحديد للموضع الذي يسأل عنه، وقد أجابها عما يتعلق بزواجها، فأما الأول فصعلوك أي: فقير ولا شك أن مثل هذا لا يقدر على النفقة، وأما الثاني: فيضرب النساء ولا شك أن ضرب النساء منافي للعشرة بالمعروف، وقيل: كثير الأسفار، وهذا منافي للقيام على مصالح الزوجة ورعايتها والعناية بالأسرة.

فلم ينظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك، ولم يلتفت إلى رصيد الأعمال الصالحة من الجهاد والنصرة والاتباع لأنه لا تعلق له بموضوع فاطمة بنت قيس لا من بعيد ولا من قريب، لأن فاطمة كانت تحتاج إلى شيء واحد هو: هل هذا يصلح زوجا أو لا يصلح، فأجاب الناصح صلى الله عليه وسلم أن هذا لا يصلح – على الأقل في ذلك الوقت – وأخبرها عن السبب في ذلك.

وإنك لترى الطبيب إذا طلب منه المريض تشخيص الداء حدد له موضع الداء دون التعرض للمواضع السليمة التي لا حاجة لذكرها لأن الموضع المبحوث فيه هو أين الداء ؟!


انتهت الحلقة الأولى
وتليها إن شاء الله الحلقة الثانية
الفصل الأول: تعريف
بجماعة الإخوان المسلمين



منقول من سحاب