النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    تلمسان - الجزائر
    المشاركات
    350

    افتراضي الصبر على البلاء للإمام ابن القيم رحمه الله

    بسم الله الرحمن الرحيم

    جاء في
    طريق الهجرتين وباب السعادتين
    للإمام ابن القيم رحمه الله

    الصبر على البلاء



    ينشأ من أسباب عديدة

    أحدها :

    شهود جزائها وثوابها.

    الثاني :

    شهود تكفيرها للسيئات ومحوها لها.

    الثالث :

    شهود القدر السابق الجاري بها، وأنّها مقدّرة في أمّ الكتاب قبل أن تخلق،

    فلا بدّ منها؛ فجزعه لا يزيده إلا بلاءً.

    الرابع :

    شهوده حقِّ الله عليه في تلك البلوى، وواجبه فيها الصبرُ بلا خلاف بين الأمة،

    أو الصبر والرضا على أحد القولين. فهو مأمور بأداء حقِّ الله وعبوديته عليه في تلك البلوى،

    فلا بدَّ له منه، وإلا تضاعفت عليه.

    الخامس :

    شهود ترتّبها عليه بذنبه، كما قال الله تعالى:

    ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ

    فهذا عامٌّ في كلّ مصيبة دقيقة وجليلة،

    فشغله شهود هذا السبب بالاستغفار الذي هو أعظم الأسباب في رفع تلك المصيبة.

    قال علي بن أبي طالب:

    ( ما نزل بلاءٌ إلاّ بذنب، ولا رُفِع بلاءٌ إلاّ بتوبة ).

    السادس :

    أن يعلم أنّ الله قد ارتضاها له واختارها وقسَمها،

    وأنّ العبودية تقتضي رضاه بما رضي له به سيّدُه ومولاه.

    فإن لم يُوفِ قدر هذا المقام حقَّه، فهو لضعفه؛ فلينزل إلى مقام الصبر عليها.

    فإن نزل عنه نزل إلى مقام الظلم وتعدّى لحق.

    السابع :

    أن يعلم أنّ هذه المصيبة هي دواءٌ نافع ساقه إليه الطبيبُ العليمُ بمصلحته الرحيمُ به،

    فليصبرْ على تجرعه، ولا يتقيأْه بتسخّطه وشكواه، فيذهبَ نفعه باطلاً.

    الثامن :

    أن يعلم أنّ في عُقبى هذا الدواءِ من الشفاءِ والعافية والصحة وزوال الألم ما لا تحصل بدونه.

    فإذا طالعت نفسه كراهية هذا الداءِ ومرارته فلينظر إلى عاقبته وحسن تأثيره.

    قال تعالى:

    ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

    وقال الله تعالى:

    ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا

    وفي مثل هذا القائل:

    لعلَ عتَبك محمودٌ عواقبُه ... وربّما صحّت الأجسامُ بالعِلَلِ

    التاسع :

    أن يعلم أنّ المصيبة ما جاءَت لِتُهلِكَه وتقتلَه،

    وإنما جاءَت لتمتحن صبره وتبتليه،

    فيتبيّن حينئذ هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه أم لا؟ فإن ثبت اصطفاه واجتباه،

    وخلع عليه خِلَع الإكرام، وألبسه ملابس الفضل، وجعل أولياءَه وحزبه خدَماً له وعوناً له.

    وإن انقلب على وجهه ونكص على عقبيه طُرِدَ، وصُفِع قفاه، وأُقصي، وتضاعفت عليه المصيبة.

    وهو لا يشعر في الحال بتضاعفها وزيادتها، ولكن سيعلم بعد ذلك بأن المصيبة في حقه صارت مصائب،

    كما يعلم الصابر أن المصيبة في حقه صارت نعماً عديدة.

    وما بين هاتين المنزلتين المتباينتين إلا صبر ساعة، وتشجيع القلب في تلك الساعة.

    والمصيبة لا بد أن تقلع عن هذا وهذا، ولكن تقلع عن هذا بأنواع الكرامات والخيرات،

    وعن الآخر بالحرمان والخذلان.

    لأن ذلك تقدير العزيز العليم، وفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

    العاشر :

    أن يعلم أنّ الله يربي عبده على السرّاءِ والضرّاءِ، والنعمة والبلاءِ؛

    فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال،

    فإنّ العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال.

    وأما عبد السراء والعافية الذي يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأنّ به،

    وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه؛ فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته.

    فلا ريب أن الإيمان الذي يثبت على محكّ الابتلاءِ والعافية هو الأيمان النافع وقت الحاجة،

    وأما إيمان العافية فلا يكاد يصحب العبدَ ويبلّغه منازلَ المؤمنين، وإنّما يصحبه إيمانٌ يثبت على البلاء والعافية.

    فالابتلاء كيرُ العبد ومحكّ إيمانه:

    فإمَّا أن يخرج تِبراً أحمر،

    وإما أن يخرج زَغَلاً محضاً،

    وإما أن يخرج فيه مادتان ذهبية ونحاسية،

    فلا يزال به البلاءُ حتى يخرج المادة النحاسية من ذهبه، ويبقى ذهبا خالصا.

    فلو علم العبد أن نعمة الله عليه في البلاء ليست بدون نعمة الله عليه في العافية لشغلَ قلبه بشكره،

    ولسانه بقوله:

    ( اللّهم أعنِّي على ذكرك وشكر وحسن عبادتك ).

    وكيف لا يشكر مَن قيَّضَ له ما يستخرج به خَبَثه ونحاسه،

    ويُصيّره تِبراً خالصاً يصلح لمجاورته والنظر إليه في داره؟.

    فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبرَ على البلاءِ، فإنْ قويت أثمرت الرضا والشكر.



    فنسأل الله أن يسترنا بعافيته، ولا يفضحنا بابتلائه بمنه وكرمه.


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    65

    افتراضي رد: الصبر على البلاء للإمام ابن القيم رحمه الله

    جزاكم الله خيرا و بارك فيكم
    منتديات الدعوة إلى منهج السلف الصالح

    http://www.mnhj.net/vb


    قال الطحاوي رحمه الله تعالي
    ونتبع السنة والجماعة ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة ، ونحب أهل العدل والأمانة ونبغض أهل الجور والخيانة ، ونقول الله أعلم فيما اشتبه علينا علمه.

    قال الإمام الاوزاعي رحمه الله تعالي

    اصبر نفسك على السنة ، وقف حيث وقف القوم ، وقل بما قالوا ، وكف عما كفوا عنه ، واسلك سبيل سلفك الصالح ، فإنه يسعك ماوسعهم.


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. فصل في تحقيق نعت الفقير للإمام ابن القيم رحمه الله
    بواسطة أم عمير السنية السلفية في المنتدى مـنــبر الأســـرة المـــســلـــمـــة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 22-Nov-2014, 02:00 PM
  2. [مطوية] مطوية بعنوان أسباب الصبر على المعاصي لابن القيم رحمه الله
    بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16-Jan-2014, 12:27 AM
  3. أفضل الأقلام-كلام ماتع للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى
    بواسطة أبو ريحانة عصام الليبي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 29-Aug-2013, 09:55 PM
  4. المؤمن .. والنخلة للإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله
    بواسطة أم دعاء السلفية الفلسطينية في المنتدى مـنــبر الأســـرة المـــســلـــمـــة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30-Jan-2011, 01:16 PM
  5. المؤمن .. والنخلة للإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله
    بواسطة أم الرميصاء السلفية في المنتدى مـنــبر الأســـرة المـــســلـــمـــة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-Jan-2011, 01:57 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •