مقدمّة الطبعة الثانيّة


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فالحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه على كل نعمة أنعمها عليّ وأشكره تعالى وأثني عليه ولا أحصي ثناءً عليه ولا يستطيع ذلك أحد.
وإنّ من نعم الله عليّ وإفضاله أن وفّقني – على ضعفي – أن أصدع بقولة الحق في حدود طاقتي كتابةً أو مواجهةً، فأشكره وأحمده حمداً يملأ السموات والأرض وما بينهما، وأسأله الثبات على ذلك إلى أن ألقاه وهو راضٍ عني كما أسأله المزيد من التوفيق والحفظ والرعاية ولا أنسى – ولله الحمد – أنّه حينما صدر كتابي (( منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل )) أنّه قد استقبله الشباب المسلم الحق في كل مكان بفرح وحفاوة بالغة؛ لأنّه وضح لهم دعوة الأنبياء حتى جعلها لهم كالشمس في رابعة النهار وأزال عنها اللبس والتّحريف والتلبيس من كتّابٍ قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس، لا يهمّهم إلا حشد النّاس حولهم وحول شعاراتهم المزيّفة، لا يهمهم أن تكون هذه الحشود من الروافض والمنافقين أو الخوارج المارقين أو غلاة الصوفيّة الملحدة من العوام وأشباههم من عباد القبور، أو من الأصناف التعيسة المنكودة، لا يهمهم أن تحتشد حولهم وحول شعاراتهم هذه ولو ترتّب على ذلك ما ترتّب من النتائج الوخيمة في الدنيا والآخرة.
لأنّهم كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( دعاة على أبواب جهنّم من أجابهم قذفوه فيها ))، ولأنّهم كما وصفهم الرسول الناصح الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم: (( شياطين في جثمان إنس))، وإلا فما الذي يحملهم ومن دار في فلكهم على النفور والشذوذ عن منهج الأنبياء الواضح النيّر الذي وضّحه القرآن وبيَّن أنّه شرعتهم ومنهجهم، ألا وهو الدين الخالص توحيد الله في أسمائه وصفاته وتوحيده في ربوبيّته وتوحيده في ألوهيّته والكفر بالطواغيت.
قال تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.
وقال: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون}.
ابحث أي دعوة من دعوات الفرق والأحزاب – غير السلفيّة – هل ترى فيها عيناً أو أثراً لهذا المنهج في مدارسهم أو أفرادهم أو جماعاتهم ثمّ دلني عليه إن كنت صادقاً، أمّا أنا فلا أجد عند هذه الفرق والأحزاب إلا حرباً مستعرة على هذا المنهج وعلى أهله ولا أرى إلا الاستخفاف والسخرية بهذا المنهج وبأهله ولا أرى إلا العداوة والبغضاء لهذا المنهج ولأهله، ولا أرى إلاّ الحفاوة والاحترام للدعوات المنحرفة الضالّة وأهلها، وهذا الأخير قد تراه وتسمعه كثيراً ممن يلبس لباس السلفيّة وهم إلى خصومها أقرب رحماً تربط بينهم وشائج لا يعلمها إلا الله.
لقد ظنّ بعض عشاق دولة الخرافات والبدع والضلال – وبئس ما ظنّوا وساء ما اقترفوا – أنني أفصل بين الدين والدولة وأنني أنازع في الحاكمية {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً}.
لقد ساءهم هذا الكتاب وبيّن زيف دعواتهم وما انطوت عليه من تحريف للإسلام ونصوص التوحيد، لا سيما دعوات الرسل عليهم الصلاة والسلام.
ولم يجارهم في الترحيب بدولة الروافض، ولم يجارهم في إقامة دويلات تقوم على تشييد القبور واعتقاد أنَّ الأولياء يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون، ولم يجارهم على إقامة دويلات تقوم على ما سبق، وتضيف ضلالات وشركيات علمانيّة جديدة تلبسها لباس الإسلام.
إن الكتاب - والحمد لله - قد وضّح أن الدعوة الصادقة الأمينة هي التي تترسم منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، والدولة التي تقوم على هذا المنهج الصحيح هي الدولة الإسلامية ومع أن الكتاب يعالج موضوعاً خاصاً ألا وهو بيان منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فقد عني بذكر الدولة الإسلامية فكررها مراراً وركّز عليها تكراراً.
وعقد لها عنواناً خاصاً هو (( نظرة علماء الإسلام إلى الإمامة وأدلتهم على وجوبها ))، ثم ساق أقوال العلماء في ذلك وذكر أدلتهم والذي غاظ أهل الأهواء ودعاة الباطل أنني وضعت الإمامة والدولة في موضعها الذي وضعها الله فيه ودان به علماء الإسلام، ولم أجار أهل الأهواء في إلغاء منهج الأنبياء في الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك والبدع وسائر أنواع الضلال والانحراف ومحاربة الأوثان وعبادة القبور.
ولم أجارهم في اعتبار الإمامة: مسألة المسائل وأصل الأصول الأمر الذي جرّ إلى التنكر لمنهج الأنبياء ومحاربته، وجرّ إلى الارتماء في أحضان الروافض والتعاطف معهم وموالاتهم والذبّ عنهم وتزيين مذاهبهم المحاربة للإسلام قرآناً وسنّةً، والمحاربة لأصحاب رسول الله وزوجاته الطاهرات وسائر المسلمين وأئمتهم، بل تجاوزت ذلك إلى تكفير هؤلاء العظماء وطعنهم بأخبث الطعون.
لم أجارهم في هذا الضلال والغلو البغيض فاستاءوا من الكتاب ومن مؤلفه فقالوا ما قالوا من الأباطيل ليحولوا بين الشباب المتعطش للحق وبين الحق الدامغ في هذا الكتاب الذي صدع بالحق ووضع كلاً من العقيدة والدولة في موضعها الذي وضعه الله فيه بلا إفراط ولا تفريط ولا تحريف ولا تلبيس.
ومن اللازم بيانه أن أوضح للشباب الفرق بين الدولة وحاكميّة الله: أما الدولة فهي مجموعة من أفراد البشر قد تكون كافرة، وقد تكون ضالة منحرفة، وقد تكون مؤمنة، في خلافة راشدة، أو ملوكية مقصِّرة، كما هو واقع دول الإسلام بعد الخلافة الراشدة، فهؤلاء الأفراد من البشر الذين تكونت منهم الدولة المؤمنة لا يعدون أن يكونوا وسائل لتنفيذ شريعة الله من القيام بالجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، والقصاص، وحماية الأمّة من مكائد الأعداء واعتداؤهم على أراضي المسلمين، وأرواحهم، وأموالهم، وأعراضهم.
فلابدّ للمسلمين من إقامة دولة للقيام بهذه الواجبات العظيمة إما بمبايعة خليفة يجتمع عليه كل المسلمين، أو يتغلب أحد أفراد الأمة فيكون له شوكة وجيوش وسلطة فتقضي مصلحة الأمّة التسليم له؛ ما دام يعلن الإسلام ويلتزم تنفيذ شرائعه وعقائده وحماية الأمّة من أعدائها إلى آخر التفصيلات المعروفة والمذكورة في مواطنها من دواوين الإسلام، أو بتغلب بعض الأفراد على بعض الأقطار كما حصل في الأقطار الإسلاميّة بعد ضعف الخلافة فتقتضي المصلحة التسليم بهذا الوضع، أما الحاكمية والحكم فهي من صفات الله ومن خصائصه التي انفرد بها كما قال تعالى: { إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم}، فلا ينكر هذه الحاكميّة ولا يجحدها إلا كافر بالله شديد العداوة لله ولرسوله وكتبه، بل حتى من يجحد حاكميّة الله في جزئيّة من الجزئيات الفروعيّة فضلاً عن الأصول يكون كافراً بالله خارجاً عن دائرة الإسلام إذا كان جحده لها عن علم، أمّا الجاهل فيعذر حتى تقام عليه الحجة.
هذا الذي أقوله يجري في حق الحكام والمحكومين والأفراد والجماعات.
وقد قرّر ذلك علماء الإسلام المعتبرون، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-([1]) وتلميذه ابن القيم([2]).
فمن يلتزم بهذه الحاكميّة في أصول الدين وفروعه في العقائد والعبادات والمعاملات، وفي السياسة والاقتصاد والأخلاق والاجتماع فهو المؤمن، ومن لا يلتزمها في الكل أو في البعض فهو الكافر فرداً كان أو جماعة حاكماً أو محكوماً داعية أو مدعواً، ووالله إنني أخشى على كثير من الفرق والأحزاب والأفراد من الوقوع في الكفر حيث لا تلتزم بحاكميّة الله في أصول الدين بل وفي فروعه، أخشى على كثير منهم ممن قامت عليه الحجّة وتبين له الحق ثمّ يصرّ على مناهضة الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك والبدع، وإلى مناهضة أهلها ومنابذتهم وتأليب الناس عليهم وتنفير الناس منهم ومن دعوتهم دعوة الأنبياء والرسل والمصلحين المخلصين الصادقين فيقع بعد قيام الحجّة عليه في هوّة الكفر.
وإنني لأدعو الأمّة جميعها حكامها ومحكوميها، أفرادها وفرقها وأحزابها أن يؤمنوا جميعاً حق الإيمان بحاكميّة الله العامّة الشاملة لأصول الدين وفروعه، وأن يلتزموا بها كل الالتزام في أصول الدين وفروعه، وأدعو رؤساء الدول مَن كان منهم ملتزماً بحاكميَّة الله وقصّر ولو في شيء من التطبيق أن يلتزم بالتطبيق الكامل في كلّ الميادين في العقائد والعبادات والمعاملات في الاقتصاد والسياسة وفي باب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وأن يجدّوا في محاربة الشرك والبدع وفي محاربة المعاصي والمنكرات وخصوصاً الربا وسائر الكبائر التي تضرّ الأمّة وأخلاقها، فإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وليستشعروا أن الله سائلهـم عن كلِّ صغيرة وكبيرة تقع تحت مسؤليّتهم ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيّته )).
وأذكرهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (( ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاشٌ لهم إلا حرّم الله عليه الجنّة ))([3]).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (( ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيّة، فلم يحطها بنصحـه لم يجد رائحة الجنّة )) (2).
ومن النصيحة للأمّة حملهم على الالتزام بحكم الله وشرائعه بالتعليم والتوجيه والترغيب والترهيب والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وإقامة الحدود والأخذ بكلّ التدابير التي تدعوهم إلى احترام شرع الله عقيدة وعبادة وسياسة وأخلاقاً.
وأدعو رؤساء الدول في البلاد الإسلاميّة الذين لم يلتزموا شريعة الله أن يرجعوا إلى الله وأن يحترموا دينه المتمثل في الكتاب والسنّة، وأن يلتزموا بعقائد هذا الدين وأحكامه، وأن يعتزوا بذلك فإنّ فيه العزة والكرامة.
وإنّ الذلّ كلّ الذلّ والهوان في الخضوع لقوانين يضعها أحط البشر من أعداء هذه الأمّة يهوداً كانوا أو نصارى أو مجوساً أو ملحدين، وأن يحترموا مشاعر الأمّة الإسلاميّة التي جاهدت وناضلت وضحّت بالملايين من أبنائها لتحقيق غاية نبيلة هي أن يحكمها الإسلام، والإسلام فقط دين الله خالق هذا الكون وخالق الجنّ والإنس لعبادته وحده وللخضوع لشرائعه وحدها فيلتزموا شريعة الله ويُلزموا بها الأمّة عقيدة وأخلاقاً وتعليماً ومناهج إسلاميّة يقوم عليها التعليم والتربية.
وإني أُهيب بعلماء الأمّة ودعاتها وأحزابها وفرقها أن ينصحوا للأمّة جميعها شيبها وشبابها ذكورها وإناثها فيجمعوهم على كتاب الله وسنّة رسوله وعلى منهج وفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان من أئمة الهدى من فقهاء ومحدثين ومفسرين في العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات والاقتصاد وسائر أمور الإسلام والإيمان، وأن يدركوا حق الإدراك أنّ قول الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافـرون}، {… فأولئـك هـم الظـالمـون}، {…فأولئك هم الفاسقون}، يتناول الأفراد والجماعات والحكام والمحكومين، وأن قصرها على الحكام فقط دون أهل الأهواء والضلال الذين لم يحكّموا شريعة الله في عقائدهم وعبادتهم وأخلاقهم، من الجهل والضلال والغباء؛ فقد أنزلها الله في اليهود يوم أنزلها وليس لهم دولة من قرون، أنزلها فيهم وقد ضربت عليهم الذلّة والمسكنة.
وقد بينت أنّ حاكميّة الله بهذه السعة وهذا الشمول في كتابي الذي أقدم له، انظر فيه (ص:133-وما بعدها) و (ص:196) من هذه الطبعة.
ولا يفوتني أن أنبّه على خطأ وقع فيه صاحب كتاب (( ميزان الاعتدال لتقييم كتاب المورد الزلال في التنبيه على أخطاء الظلال )) عصام بن محمد بن طاهر البرقاوي حيث نسب إليّ شيئاً لم أقله في لحظة من اللحظات بلساني، ولم أعتقده لحظـة من اللحظات بجناني، ولم يسطر منه حرفاً قلمي وبناني، وأعوذ بالله مما قال وأبرأ إلى الله منه وأسأل الله أن يعصمني منه ويعصم منه جميع المسلمين.
قال البرقاوي في حاشيـة (ص:15) من كتابه المذكور: (( وهذا يذكرني – أيضاً – بصنيع الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى في كتابه (( منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل )) عندما أخذ يناقش الأستاذ المودودي – رحمه الله تعالى – في أهميّة قضيّة الإمامة والخلافة والحكم بما أنزل الله حيث استشهد بقول شيخ الإسلام ابن تيمية أيضـاً في قضيّة الإمامة عند الرافضة فسـرد ست صفحات من (ص:108–وما بعدها) من نقاش شيخ الإسلام مع بعض هؤلاء الرافضة ومعلومة الفوارق الكثيرة والكبيرة بين عقيدة الرافضة في الإمامة وعصمة الأئمة والاثني عشر إماماً وغير ذلك، وبين ما ينادي به المودودي وغيره من ضرورة وأهميّة العمل وبذل الجهد لإعادة تحكيم شرع الله بالخلافة ونصب إمام قوام على أهل الإسلام وإن كان في كلام شيخ الإسلام شيء مما يناسب ذلك المقام، ولكن أكثره إذا دقق فيه المنصف لا يناسبه بل هو منصب على قضيّة الإمامة عند الرافضة بتفاصيلها المعروفة فما كان له أن يسرده كله خشية التلبيس )).
والجواب:
أنّ ميزان البرقاوي قد اضطرب ولم يحكم بالعدل فيما بيني وبين المودودي.
ولعله غاب عنه قول الله:{وزنوا بالقسطاس المستقيم}، وقوله: {ويل للمطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظنّ أولئك أنّهم مبعوثون، ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين}.
يا أخ برقاوي أنا أناقش المودودي في أهميّة قضيّة الإمامة! والخلافة! والحكم بما أنزل الله!
إنّ هذه القضايا لا يناقش في أهميّتها مؤمن شم رائحة الإيمان، لقد عجزت أيّها الأخ عن تحرير موضع الخلاف بيني وبين المودودي.
أنا ناقشت المودودي في غلوّه في الإمامة إلى درجة لا يسع مسلماً يحترم الإسلام أن يسكت على هذا الغلو و إلى درجة لم يحتملها الخرافيون، فضلاً عن أهل الحديث والسلفيين، وقد تصدى للردّ عليه الكثير والكثير من علماء بلاده من السلفيين وغيرهم ولقد سرى غلوّه هذا وامتد إلى كثير من البلاد العربيّة والإسلاميّة وخدع به كثرة ساحقة من الكُتّاب والشباب، مما أدى إلى ضياع عقيدة التوحيد بل إلى الاستهانة بها وبأهلها وأدى إلى الاستهانة بالشرك والبدع مما دفع المودودي وأمثاله إلى موالاة وتولي أهل القبور بل والروافض وحشدهم تحت رايتهم ومؤاخاتهم ومحبتهم والذبّ عنهم وعن عقائدهم وهو أمر واقع واضح لكل ذي عقل ودين.
ولما وصل الأمر إلى هذا الحدّ المخيف رددت على المودودي بعض غلوّه تبصيراً للناس عامّة ولأهل الجزيرة العربيّة التي ركّز عليها أتباع المودودي وأنصارهم فسحقوا عقيدة التوحيد وعقيدة الولاء والبراء.
أترى هذا كثيراً في الردّ على المودودي حتى ذهبت تدافع بالباطل وتنسى ميزانك المعتدل؟؟!، فتحمّل كلامي ما لم أقله وما لا يحتمل.
استمع إلى المودودي يقول:
(( إنّ مسألة القيادة والزعامة، إنّما هي مسألة المسائل في الحياة الإنسانيّة وأصل أصولها )).
ودافع عنه بنصوص واضحة صريحة من كتاب الله وسنّة رسوله وكلام الصحابة وأئمة الإسلام.
فإن لم تجد فيجب أن تعيد ميزانك للقيام بمهمة العدل والإنصاف والاعتدال وترك الغلو الذي أدى بالمودودي وأتباعه إلى الاستهانة بدعوة الأنبياء والغاية من دعوتهم وقلب الأمور في ذلك رأساً على عقب.
واستمع إليه يقول:
(( إنّ غاية الدين الحقيقيّة إقامة نظام الإمامة الصالحة الراشدة )).
هذه غاية الدين الحقيقيّة، فالتوحيد والصلاة والزكاة والجهاد وغيرها من أمور الدين تصبح وسائل لتحقيق هذه الغاية عند المودودي، وهات الأدلّة الواضحة من كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم نيابة عن المودودي فإن عجزت فلا تخجل من أن تقول: صدق هذا المسكين الضعيف ربيع بن هادي ونصح للإسلام والمسلمين ووضع الأمور في نصابها.
واستمع إلى المودودي يقول:
(( هذا هو الغرض الذي من أجله فرضت الصلاة والصوم والزكاة والحج في الإسلام وليس معنى تسميتها بالعبادات أنّها هي العبادات، بـل معناه أنّها تعدّ الإنسان للعبادة الأصليّة، وهذه دورة تدريبيّة لازمة لها )).
ويقول أيضاً:
(( إنّكم تظنون أنّ الوقوف متوجّهاً إلى القبلة واضعاً اليد اليمنى على اليسرى والركوع معتمداً على الركبة والسجود على الأرض وقراءة الكلمات المعدودة وهذه الأفعال والحركات هي العبادة في ذاتها وتظنّون أنّ الصوم من أول رمضان إلى أوّل شوال والجوع والعطش من الصباح إلى المساء هو العبادة، وتظنون أنَّ تلاوة عدّة آيات من القرآن هي العبادة، وتظنّون أنّ الطواف حول الكعبة عبادة، وبالجملة: فإنّكم قد سميتم ظواهر بعض الأعمال عبادة عندما يقوم شخص بأداء هذه الأفعال بأشكالها وصورها تظنّون أنّه قد عبد الله والحق أنّ العبادة التي خلقكم الله من أجلها والتي أمركم بأدائها هي شيء آخر ))([4])
أيسرك هذا الأسلوب الساخر من أركان الإسلام العظام ومن المتعبدين بها؟!
هذه ليست عبادات خلق الناس من أجلها في نظر المودودي بل العبادة التي خلقوا من أجلها وأمروا بأدائها شيءٌ آخر.
أتدين الله بهذا أيها البرقاوي؟ أنّ العبادات عبارة عن دورة تدريبيّة إن احترمها إلخ.
أهذا شيء نص عليه القرآن والسنّة وجاء به الأنبياء ودان به سادة الأمّة.
إن كنت توافق المودودي فهات الأدلة نيابة عنه وإلا فعليك أن تعضّ على أناملك ندماً وحسرة إذ خذلت الحق وتجنيت على أهله ونصرت الباطل.
ذلك يا أخي ما ناقشت فيه المودودي ونقلت فيه كلام شيخ الإسلام فيما يتعلّق بغلوّ الروافض في الإمامة وما نقلته عنه كله مناسب لا بعضه كما ادّعى البرقاوي، فإن كنت أيها البرقاوي محقاً فلماذا لم تبين المناسب من كلام شيخ الإسلام من غير المناسب.
فأما العصمة لأئمة الاثنى عشر فلم أنسبها للمودودي ولم أناقشه فيها.
ولم أنقل شيئاً في ذلك من كلام شيخ الإسلام فكلامك يتنافى تماماً مع ميزانك المعتدل؟!!
وإنصافك الذي نصبت نفسك للقيام به بين سيد قطب والدويش ولا أدري ماذا فعلت؟
فلقد أخفقت غاية الإخفاق في الإنصاف بيني وبين المودودي وماذا عليك وماذا يضرك لو كنت قلت كلمة الحق.
وأما الخلافة فما أدري أقرأت ما كتبته فيها ونقلته عن علماء الإسلام أو تناولت الموضوع بأطراف أناملك وأنت مغمض عينيك ظاناً أن العدل والإنصاف يأتي بمثل هذه السهولة، فاقرأ هذا وذاك من جديد وقل كلمة الحق مدعماً بالأدلة لا بالتهويل! ولا بالتهويش!
وأما الحكم بما أنزل الله فكيف تتصوّر أنني أناقش فيه المودودي – أو غيره – وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة لا ينازع فيه حتى الفرق الضالّة المنحرفة فأعوذ بالله مما نسبه إليّ صاحب (( الميزان ))، واقرأ مرّة أخرى ما كتبته في الحاكميّة وشمولها لكلّ أبواب الدين لترى مدى الخطأ الذي وقع فيه البرقاوي هداه الله.
وأخيراً فالمآخذات على المودودي وأمثاله كثيرة لا تتسع هذه المقدّمة لسردها لكثرتها.
وخلاصتها أنّه من أبعد الناس عن التزام حاكميّة الله في عقيدته وفقهه وفي موقفه من سنّة رسل الله -r- وفي موقفه من صحابة رسول الله -r- ومن أعدائهم من الروافض حيث يتولّى هؤلاء الروافض هو وأتباعه وينصرهم ويمدح طاغوتهم الخميني وتلاميذه من الآيات الرافضية فاعرف هذا أيّها القارئ الكريم واعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال، وإيّاك والتردّي في هوّة الغلو في الأشخاص فيدفعك ذلك إلى ردّ الحق ومخاصمة أهله، وفق الله الأمّة لحبّ الحق واتباعه إنّ ربي لسمع الدعاء.

كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
في 13/6/1413هـ