ترك صلاة الجمعة من أجل العمل
الشيخ فركوس حفظه الله.

السؤال: بعض المصالح الخاصّة توجب على عمالها البقاء يوم الجمعة للمداومة في مؤسّستها فهل يصلّون ظهرا أم جمعة؟ وإن كان الأول فهل يجب أن يصلّوها جماعة؟

الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ صلاة الجمعة فرض عين على المسلم الحرّ العاقل البالغ المقيم القادر على السعي إليها الخالي من الأعذار المبيحة للتخلف عنها باتّفاق، لقوله تعالى: }يَاأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُوْدِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا البَيْعَ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[الجمعة 9] ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لينتهينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجمعات، أو ليختمنَّ الله على قلوبهم ثمّ ليكونُنَّ من الغافلين"(1) ولقوله صلى الله عليه وسلم:"من ترك ثلاث جُمَعٍ تهاونا بها طبع الله على قلبه"(2) هذا، والجمعة تصلح تأديتها في جميع الأماكن سواء في مصر أو قرية أو مسجد أو أبنية بلد، أو الفضاء التابع لها، فالجمعة من جنس الصلوات إجماعا، فهي لا تختص بحكم غيرها إلاّ ما استثناه الدليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"(3)، وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أهل البحرين :"أن جمعوا حيثما كنتم"(4) وهو شامل لكلّ الأماكن حتى أهل المياه على نحو ما صحّ الأثر عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن تعذّر إقامتها لسبب أو لآخر، فقد تقدّم أنّ من شرط وجوب الجمعة أن يكون الساعي لها خاليا من الأعذار المبيحة للتخلّف عنها، وفي الجملة كلّ من تلحقه مفسدة أو مضرة عند السعي إليها فهو معدود من أهل الأعذار عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:"من سمع النداء ولم يجبه، فلا صلاة له إلا من عذر"(5) والعذر المتمثل في المشقة والحاجة والضرورة الذي هو سبب الرخصة أمر إضافيّ نسبيّ لا أَصْلِي يرجع تقديره إلى اجتهاده الشخصي ووسعه وطاقته الخاصّة وهو موكول إلى دينه وإيمانه وورعه وتقواه في اعتباره، فكلّ مكلّف فقيه نفسه في الأخذ بالرخصة ما لم يجد فيها حدًّا شرعيا فيقف عنده.
وتتميماً للفائدة فإنّ الحديث السابق يفيد –أيضا- أنَّ من شرط وجوب الجمعة والجماعة سماع النداء، وهو شامل بالضرورة المتواجد خارج البلد فضلا عمن بداخله، والاعتبار في سماع النداء أن يكون المؤذن صيتاً، والأصوات هادئة والرياح ساكنة، والعوارض منتفية.
هذا، وممّا تقرر فقهاً، أنَّ من لا تجب عليه الجمعة ولم يحضرها يصلّيها ظهرا.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.


1- أخرجه مسلم كتاب الجمعة: باب التغليظ في ترك الجمعة، والدارمي كتاب الصلاة: باب في من يترك الجمعة من غير عذر، والبغوي في شرح السنة كتاب الجمعة: باب وعيد من ترك الجمعة بغير عذر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

2- أخرجه أبوداود كتاب الصلاة :باب تفريع أبواب الجمعة: باب التشديد في ترك الجمعة، والترمذي كتاب الجمعة: باب ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر، وابن ماجة كتاب إقامة الصلاة و السنة فيها، باب فيمن ترك الجمعة من غير عذر، وأحمد (3/424-425)، وابن حبان كتاب الصلاة: باب صلاة الجمعة رقم (2775) من حديث أبي الجعد الضمري رضي الله عنه، والحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (727).

3- أخرجه البخاري كتاب الصلاة: باب جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة عن جابر رضي الله عنه.
4- أخرجه ابن أبي شيبة : باب من كان يرى الجمعة في القرى وغيرها، قال الألباني في الضعيفة (2/318): إسناده صحيح على شرط الشيخين

5- أخرجه ابن ماجة كتاب المساجد والجماعة: باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، وابن حبان كتب الصلاة: باب فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها، والحاكم كتاب الصلاة(1/363)، وانظر الإرواء (2/337)، تمام المنة (367)، صحيح الترغيب والترهيب (1/301) رقم (436).

منقول موقع ىالشيخ فركوس حفظه الله.