السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائهٍ قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين .
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فإنَّ واجب الدعوة إلى الله من أولى الواجبات ، ومن أفرض الطاعات ، وقد قال الله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } فصلت : 33 .
فوجب على كل مسلم أن يقوم بهذا الواجب الديني اتجاه المجتمع وقد قال تعالى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ
اتَّبَعَنِي } يوسف : 108 .
و قال سبحانه { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } آل عمران 110
إلا أن بعض الناس يحسدون من آتاهم الله من فضله في العلم و الدعوة ، فيغمزونهم بأنظارهم ، و يسلقونهم بألسنتهم ، و يحطون من أقدارهم ، و يا ليتهم حطوا عليهم بما هو جدير بالحط ، أو نالوا منهم بما هو مسوغ للنيل ، و أطلقوا اللسان فيهم بما يجيز إطلاقه ، فيكونوا محمودين بذلك ، مأجورين عليه !! .
بل فعلوا دون مسوغ شرعي لذلك ، و حملهم عليه الحسد أو الغيرة ، أو الجهل و العصبية ، أو الغلو و التعالمية ، و كلها صفات مذمومة ، و خلال موصومة ، و لله الأمر من قبل و من بعد .
فأقول لأولئك الشباب اتقوا الله في أنفسكم ، و في دعاتكم المستقيمين على المنهج ، و شيوخكم الذابين عنه في دروسهم و خطبهم و كتاباتهم ، بما يشهد لسلامة معتقدهم ، و نقاء منهجهم ، و حسن سريرتهم ، و اعلموا أنكم موقوفون بين يدي الله غدا فسائلكم عما قدمت أيديكم ، قال تعالى " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) البقرة .
و الواجب على الشباب السلفي أن يلتف حول علماء السنة و طلبة العلم منهم و الدعاة على سبيلهم ، لا أن يكون عوناً للشيطان عليهم ، و الواجب أيضا التناصح لا التناطح بما أن الكل على سبيل واحدة و طريق واحدة ، سبيل و طريق أهل السنة و الجماعة .
أيها الشباب لا تتقدموا بين يدي علماءكم و كبراءكم لا بقول و لا بفعل ، حتى يكون لكم منهم سلف ، أما أن تتقدموا بين أيديهم بجرح الناس أو تعديلهم فهذا هو الشر بعينه و الفساد ذاته ، و الله تعالى يقول " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا(36) الإسراء .
و قد نجم عن هذا الأسلوب المنحرف شر عظيم في ساحة الدعوة السلفية الصحيحة ، و تنكر كثير من الشباب لبعض أهل السنة ، ممن هم أهل سنة عند العلماء الكبار و طلبة العلم المبرزين ، فاستبيحت أعراضهم بغير مبيح ، و جرحهم الشباب في حين أنهم عدول على الجادة ، و ذلك بسبب أن كثيرا من الشباب ظن نفسه أهلا للطعن في الرجال زاعما أنه عارف بالأصول ملم بالمنهج ، و الحقيقة أنه لم يزل بعد صبيا يحبو في أول طريق الطلب و المنهج ، و هكذا يصنع التعالم بأهله ، و صدق بن حزم إذ يقول " لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون . الأخلاق و السير .
و يقول الشيخ الرسلان حفظه الله " و لو أن كل صنعة زاحم شيوخها فيها كل صعلوك مفلوك ما صحت للناس حياة "في إحدى خطبه المنبرية .
فالرجرح و التعديل له أصوله و قواعده و ضوابطه ، فلا يحسنه كل أحد ، و ليس لكل أحد أن يتعاطاه ، و ينزل الأحكام على الناس دون أن يرجع لأهل العلم فيه ، فضلا عن حرمة عرض المسلم إلا بمسوغ ، يقول النبي صلى الله عليه و سلم " لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " أخرجه مسلم و غيره .
و من هنا أقول للذين ينالون من الشيخ أبي بكر يوسف لعويسي ، و يصفونه بما ليس فيه " و يحكم ، ما الذي أخذتموه على الرجل ؟ ، و ماذا تنقمون عليه ؟
أخرجوا لنا ما في جعابكم ، و ما انطوت عليه أنفسكم ، فإما أن تتكلموا بعلم ، أو تسكتوا بحلم .
أقلوا عليهم لا أبا لكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
الرجل معروف عندنا بسلامة المنهج و صحة المعتقد ، و تشهد له جهوده في الدعوة على منهج أهل السنة ، فضلا عن إشرافه على شبكة سلفية معروفة بالاستقامة ( شبكة الأمين السلفية ) .
و قد زكاه بعض المعتبرين في هذا الشأن كالعلامة / محمد المدخلي ، و الشيخ أسامة عطايا ، و غيرهما .
فما الذي عندكم أنتم سوى إطلاق الكلام بلا تروٍ ، و الجرأة على عرض المسلم دون خوف من الله و دون مراقبة ؟!!
فاتقوا الله أيها الشباب ، و راجعوا أنفسكم قبل يوم الحساب ، و أمسكوا ألسنتكم عن أهل العلم و طلبته ، فمن يجتريء على طلبة العلم يجتريء ْ على العلماء يوما و لابد !!.
لذا أنصح للإخوة و الأخوات أن لا يلتفتوا إلى تلك الترهات ، و لا يسمحوا لها أن تؤثر عليهم ، و لا بد أن يتثبتوا في الأخبار قبل إذاعتها و العمل على أساسها و مقتضاها ، قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(6) الحجرات .
و أقول لشيخنا المفضال أبي بكر يوسف لعويسي " صبراً شيخنا و امضِ قُدُماً إلى الأمام ، و لا يصدنكم جهل جاهل ، أو سفاهة سفيه ، و امتثلوا قول القائل :
و لقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمة قلت لا يعنيني
فلا يكاد يخلو أهل السنة ( علماء - طلبة علم - دعاة - عامة ) من غمز غامز أو قدح قادح أو سفاهة أحمق جاهل ، و صدق ابن القيم رحمه الله حينما وصف الطريق بقوله " طريق تعب فيه آدم وناح لاجله نوح ورمى في النار الخليل واضجع للذبح اسماعيل وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ونشر بالمنشار زكريا وذبح السيد الحصور يحيى وقاسى الضر أيوب وزاد على المقدار بكاء داود وسار مع الوحش عيسي وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد " الفوائد .
فبارك الله فيك و في عملك و علمك و جهدك ، و ثبتنا الله و إياك على الحق ، و أحيانا على الإسلام و السنة و توفانا على الإسلام و السنة ، إنه على كل شيء قدير .
و آخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين .
و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
و كتب
أبو عبد الله قرة العين
صلاح بن عبد الوهاب أمين
السلفي المصري