حوادث التفجير في ميزان الإسلام
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره ونتوب إليه ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرور أنُفْسِنَا وسَيئاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلّم تسليماً كثيرا ، أما بعد: أيّها الإخوة في الله : إنّ نِعَم الله عز وجل علينا كثيرة لا تعدّ ولا تحصى ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا[إبراهيم:34] ، وإنّ أجلَّ نعم الله على عباده الهداية إلى هذا الدّين الحنيف ، وشرح الصدر للإسلام ، والالتزام بأوامره ، والتمسّك بهديه ، ولزوم نهجه القويم ؛ والواجب على من هداه الله لهذا الدّين ومنَّ عليه بهذه النّعمة أنْ يحمَدَ الله عزّ وجلّ وأن يشكره ، وأن يسأله الثبات على دينه القويم ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء [إبراهيم:27] . فالهداية بيد الله ، والثبات من الله ، وصلاح الأمور كلّه من الله عزّ وجلّ ؛ ولهذا لزم كلَّ مسلم أن يفوِّض أموره إلى الله عزّ وجلّ ، وأن يسأل ربَّه دائماً وأبداً صلاح أمره والتوفيق والإعانة لكل خير ، وأن يصرف عنه الشُّرُورَ والآفات ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[هود:88] ، وصلاح المرء في دينه أو دنياه أو آخرته إنما هو من الله عز وجل ، والعبد فقيرٌ إلى الله جل وعلا من كل وجه بأن يُصلح له دينه، وأن يصلح له دنياه ، وأن يصلح له آخرته . ومن الدّعوات العظيمة الثّابتة عن نبينا الكريم عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قوله : (( اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي ، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي ، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي ، وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ )) . وتأمّل قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الدعوة العظيمة « أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » ؛ فهو عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يسأل ربّه جلّ وعلا صلاح دينه، صَلاَحُ دينك منَّة من الله وتوفيق ، فاطلبه من الله ، والجأ إلى الله عز وجل في تكميله وتتميمه وحفْظِه والثّبات عليه . وتأمل قوله « الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » ؛ فالدّين عصمة الأمر ، ولا يكون للعبد في هذه الحياة ولا في الحياة الآخرة رَشَادٌ وسَلامَةٌ واسْتِقَامَةٌ وراحةٌ ونعيم إلا بهذا الدّين ، فالدّين هو عصمة الأمر من كل آفة ، فيه انضباطٌ للأمور ، وصلاحٌ للأحوال، وبُعْدٌ عن الشُّرُورِ والآفات ، وأما من ضيَّع دينه فإن أمره يكون فُرُطاً ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28] ، أيّ انْفَرَطَ عليه أمره وانفلت منه الزّمام فأخذ يمشي في هذه الحياة بلا خِطَامٍ ولا زِمَام ، ليس هناك قواعد شرعية ، ولا توجيهاتٌ إلهية ، ولا أحكامٌ مرْعِيّةٌ، تضْبِطُ أموره وتُسَيَّرُ شُؤونه ، فالدَّين عصمة الأمر من كل آفة وشر ؛ ولهذا لزم كلُّ مُسْلِمٍ منَّ الله عليه بهذا الدين أن يجتهد كُلَّ الاجْتِهاد في أن يضبط أموره على وفق أصول الشريعة وقواعدها المعلومة ، ويَنْهَجَ هذا النَّهْجَ القويم ، مُسْتَمِدًّا تعاليمه وتوجيهاته من كتاب ربَّه وسنّة نبيَّه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ، قال الله تعالى : ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[الإسراء:9] ، فمن كانت أموره كذلك فهي منْضَبِطةٌ، وهو من خيْر إلى خيْر، ومن سلامةٍ إلى سلامة، ومن رِفعةٍ إلى رفعة ، أما من تخلّى عن تعاليم هذا الدين فإنه يضُرُّ نفْسَهُ ويَضُرُّ غيّره. ولهذا نحمد الله عزّ وجلّ على نعمة الهداية لهذا الدين ، ونسأله جلّ وعلا أن يثبِّت قلوبنا عليه ، وأن يجعلنا من عباده المتقين ، وأن يزيِّننا بزينة الإيمان ، وأن يجعلنا هداة مهتدين ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وأن يُعيذنا من شُرُور أنْفُسنا وسَيّئات أعمالنا ، وأن يتولانا بمنِّه وكرمه بما تولى به عباده الصالحين . والإسلام ميزانٌ عَدْلٌ ، لا ظُلْمَ فيْهِ ولا جَوْر، ميزانٌ مُنْصِف ، والله عز وجل أمر بالقسط وأمر بالعدل ، ولم يأمر عباده بشيء إلا وفيه خيرٌ لهم ورفعة في الدنيا والآخرة ، ولم ينهاهم عن شيء إلا وفيه ضررٌ ووبالٌ عليهم في الدنيا والآخرة ، لم يأمر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بشيءٍ وقال ذووا العقول الرصينة ليته لم يأمر به ، ولا نهى عن شيءٍ وقال ذووا العقول الرصينة ليته لم ينهَ عنه ؛ فالأوامر والنواهي كاملةً مكمَّلة ، وكيف لا تكون كذلك وهي وحيُ رب العالمين، وتنزيل أحسن الحاكمين !! البصير بعباده ، العليم بخلقه جلّ وعلا . فالشريعة ميزان ؛ ميزانٌ توزن به الأمور ، توزن به الحركات والسكنات والأقوال والأفعال والقيام والقعود ، كل هذه الأمور يجب أن توزن بميزان الشريعة ، وكل أمرٍ يُرِيدُ العبد أن يُقدِم عليه لابد أن يزنَه بميزان الشريعة ، وينظر : هل هو موافق للإسلام ؟ هل هو من هدى هذا الدين ؟ هل هو مما أمر به رب العالمين ؟ فإن كان كذلك أقدم عليه ، وإن لم يكن كذلك الواجب عليه أن يُحْجِم ، وأن يمنع نفسه من أيِّ أمرٍ يُخالف دين الله عز وجل ، حتى وإن كان يريد بعمله نوايا حسنة أو مقاصد طيبة أو نحو ذلك ، الواجب عليه أن يعرض أموره كلَّها على ميزان الشريعة وعلى قواعد دين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، ولا يُتِيحُ لفهمه وعقله وفكره ورأيه المجال بأن يَتَخَوَّضَ في هذا الأمر ، فإذا كان كذلك في أفعاله وحركاته منطلِقاً من أحكام الإسلام ومن قواعد هذا الدين وتعاليمه فإن أمره كلّه إلى رشاد وفلاحٍ في الدنيا والآخرة. ولهذا رأيتُ أن يكون هذا اللقاء تحت عنوان:
حكم التفجير في ميزان الإسلام» ]
ولا يخفى على الإخوة ما قد حصل في الآونة الأخيرة في مدينة الرياض وكذلك ما حصل بعد ذلك في المغرب من تفجيرات اُستُهدِفت فيها أماكنُ سكنية آهلة بالسكان ومليئة بالناس ، اسّتُهْدفَتْ في وقت متأخر من الليل، وفُجِّرت تفجيراً أودى بحياة كثير من الناس ، وأضرّ بكثيرين ، وعددٌ من المستشفيات مُلئت وزُحمت بأعداد المرضى والجرحى والمصابين جرّاء تلك التفجيرات ، وربما أنّ فاعلي هذه التفجيرات يريدون أو يقصدون أموراً يُخَيَّل إليهم بعقولهم القاصرة وأفهامهم المنحرفة أنها باب إصلاحٍ أو باب نفعٍ أو نحو ذلك ؛ فقاموا بهذا الأمر ، وفجّروا أنفسَهم مع غيرهم ، وأهلكوا أنفسَهم مع غيرهم ، وربما يظنّون أنّ هذا العمل من دين الله وأنه أمر يُتَقَرَّبُ به إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . ولهذا رأيتُ -أيها الإخوة- عرض هذا الأمر على ميزان الإسلام ؛ الذي توزن به كل الأعمال وكل الأقوال وكل الحركات والسكنات ؛ لننظر ماذا يكون هذا الأمر في ميزان الإسلام وشريعة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى المباركة . ومن يعلم الإسلام ويعرف هذا الدين بقواعده العظيمة، وأُسُسِهِ المتينة، وتوجيهاته الحكيمة، وإرشاداته القويمة، وآدابه الرفيعة، وأخلاقه المباركة ، يعلم علم يقينٍ لا شك فيه أن هذا العمل ليس من الإسلام في شيء ، وليس من دين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ؛ بل هو مخالفٌ للإسلام ، مبَاين لدين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، ومن يطالع أحكام الله وأوامره ونواهيه يعلم أن هذه في الإسلام تعدُّ جريمةً عظيمة ؛ فهؤلاء أجرموا في حق أنفسهم ، وأجرموا في حق أناس آخرين كثيرين ، وأجرموا في حق أموالٍ معصومة ، جرائم متعددة جناها هؤلاء على أنفسهم وعلى غيرهم ، فهي أعمال ليست من دين الله جلّ وعلا ، وليست نابعة من الدين ، وليس في الدين ما يدعو إلى مثل هذا الإجرام وإلى مثل هذه الأعمال الإجرامية ، ليس في دين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ما يدعو إلى ذلك . ولعلّي أعرض عليكم نقاطاً سريعة ننظر فيها أمر الإسلام من جهة ، وما وقع فيه هؤلاء من مخالفة ومخالفات لدين الإسلام من جهة أخرى . فأقول: أولاً : الإسلام فيه أمرٌ بالعدل والإحسان ، ونهيٌ عن المنكر والبغي . كما قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل:90] ، فيه أمر بالعدل وأمرٌ بالإحسان ، وأيُّ عدلٍ في فَعلة هؤلاء، وأي إحسان فيه !! بل إنّ هذا العمل منكرٌ وبغيٌ ولا عدل فيه ولا رحمة ، ولو طبَّق فاعلوا هذا العمل هذه الآية الكريمة لحجزتهم ومنعتهم من جريمتهم تلك . ثم ثانياً : في الإسلام تحريمٌ للعدوان ونهيٌ عن الظلم. قال الله تعالى : ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ[البقرة:190] ، والآيات والأحاديث في النهي عن العدوان لا تُعد ، وكذلك النهي عن الظلم يقول الله عز وجل: (( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا )) والظلم ظلمات يوم القيامة ، وهذا العمل الذي قام به هؤلاء هو عدوانٌ وظلم لا يحبه الله عز وجل ونهى عباده عنه وحذَّرهم منه. ثم ثالثاً : إن الله عز وجل حرَّم على عباده الفساد في الأرض . قال جل وعلا : ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ[البقرة:205]، ويقول الله جل وعلا: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ[البقرة:11] ، وقال تعالى: ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ[البقرة:220] ، ولا يشك عاقل رأى هذا الأمر أو سمع به أو بلغته أخباره أنّه من الإفساد في الأرض ومما حرمه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى على عباده ونهاهم عنه . رابعاً : من قواعد الإسلام العظيمة دفع الضَّرَرِ . ويشهد لهذه القاعدة نصوص كثيرة ، منها قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الجامع (( لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ )) هو حديثٌ مرويّ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير وجه عن غير واحد من الصحابة ، « لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ » فالإسلام جاء بدفع الضرر قبل أن يقع وبرفعه إن وقع ؛ وهذا العمل الذي فعَله هؤلاء قائم على الإضرار ، وهو إضرارٌ بَيَّنٌ بالأنفس والأرواح والأموال والممتلكات ، وقد جاء في سنن أبي داوود عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (( مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّاللَّهُ عَلَيْهِ )) ؛ من ضارّ بالآخرين ضارّ الله به ، ومن شقّ على غيره شقّ الله عليه ، وهذا الحديث وإن كان في سنده كلام إلا أن معناه صحيح تشهد له عمومات كثيرة ، فإن الجزاء من جنس العمل ، وكما تَدِينُ تُدَان ، ولهذا قال الله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ[الرحمن:60] ، وقال تعالى:﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى[الروم:10] . فمن ضارّ ضار الله به ؛ وهذا فيه إضرار بيّن وإجرام وتعدّي وإلحاق الضرر بالأرواح والممتلكات . ثم خامساً من قواعد هذا الدين العظيمة ومقاصده الكريمة : جلب المصالح ، ودفع المفاسد . ومن يتأمل هذا العمل الذي يقوم به هؤلاء لا يرى فيه أي مصلحة ، ويرى فيه من المفاسد ما لا يُعَدّ . ثم سادساً : في الإسلام تحريمٌ لقتل النفس : أن يقتل الإنسان نفسه وأن يزهق روح نفسه، وهو ما يسمى بالانتحار ، وهؤلاء عصوا الله عز وجل وخالفوه وقاموا بما نهاهم عنه ، قال الله جل وعلا: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا[النساء:29-30] نهى جل وعلا عباده أن يقتلوا أنفسهم ، وهؤلاء أقدموا على قتل أنفسهم ، وفجّروا بأنفسهم وغيرهم . قد ثبت في الصحيحين عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا )) ، وهذا فيه وعيدٌ شديد لمن يُقدِم على قتل نفسه. وقد ثبت في حديث صحيح أن رجلاً في بعض غزوات النبي أبلى في القتال والنكاية بالكفار بلاءً عظيما ، حتى إنّ الصحابة لما رأوا بلاءه قالوا: هو من أهل الجنة . فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «بل هو من أهل النار» ، ودُهش الصحابة من ذلك!! رجل بهذا البلاء بهذه النكاية بالعدو ثم يقول النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «هو من أهل النار»!! فأحد الصحابة أراد أن يعرف خبره ، فأخذ يتابعه ، فأصابه في القتال جرح آلمه واشتد عليه ألمه، فأخذ ذؤابة سيفه ووضعها في نحره وقتل نفسه ، فرجع ذلك الصحابي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر له خبر هذا الرجل ، قال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقتل النفس لا يجوز ، وهؤلاء الجناة أقدموا على قتل أنفسهم وفجّروا بأنفسهم وبمن حولهم في تلك المجمّعات السكنية . سابعاً : في الإسلام تحريمٌ لقتل النفس المعصومة بغير حق. قال الله تعالى ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ[الإسراء:33] ، وجاء في هذا المعنى آيات كثيرة ، وفي الصحيح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : الثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ )) ، وذكر جلّ وعلا من صفات المؤمنين عباد الرحمن : عدم قتلهم للنفس بغير حق ، قـال جـلّ وعلا : ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا[الفرقان:68-69] ، وقد ثبت في الترمذي بإسناد صحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (( لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ )) ، وكم من مسلم قُتل في هذه الجريمة . ثامناً : الإسلام جاء بالرحمة وحثَّ عليها ، وأن الراحمين يرحمهم الرحمن . وفي الحديث : ((ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) ، ورحمة الإسلام شاملة ليست خاصة بالناس؛ بل حتى للبهائم والدواب ، فقد جاء في الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ)) ، ونَزْعُ الرحمة من الإنسان علامةُ على شقائه والعياذ بالله . وجاء في الإسلام أحاديث عديدة في رحمة بهيمة الأنعام ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَحِمَ وَلَوْ ذَبِيحَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ)) ، وجاء في الأدب المفرد للإمام البخاري رحمه الله أن رجلاً قال: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِني لأَذبَح الشَاةَ فَأرحَمُهَا أَوْ قَالَ: إِني لأَرحَمُ الشَاةَ أنْ أَذبَحَهَا"- عندما أذبح الشاة يقع في قلبي رحمة لها- قَالَ: (( والشاةُ إنْ رَحِمتَها رَحِمَك الله)) ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح : ((إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ )) أنظر هذه الرحمة التي دعا إليها الإسلام !! . ثبت في الصحيح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رجلاً غُفر له بكلب ؛ رحم ذلك الكلب فغفر الله له برحمته للكلب ، رأى كلباً يأكل الثرى من شدّة العطش ، فيه عطش شديد، ولم يكن مع ذلك الرجل وعاء يحمل فيه الماء، فنزل في بئر وملأ خفَّه ماءً وأمسك خفه بفمه وصعد ، وسقى ذلك الكلب، فشكر الله عمله فغفر له. وثبت في الحديث الصحيح ((أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ مَنْزِلًا فَأَخَذَ رَجُلٌ بَيْضَ حُمَّرَةٍ ، فَجَاءَتْ تَرِفُّ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ بِبَيْضَتِهَا ؟ فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا أَخَذْتُ بَيْضَتَهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ارْدُدْ ، رَحْمَةً لَهَا)). رحمة للحمَّرة، ورحمة للطيور ، ورحمة للكلاب ، ورحمة للحيوانات، رحمة شاملة في دين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى «والراحمون يرحهم الرحمن». سمعنا قصة الرجل: يا رسول الله إني أذبح الشاة فيقع في قلبي رحمة لها. قال: « والشاةُ إنْ رَحِمتَها رَحِمَك الله ». إذا تأملت هذه الأحاديث ونظائرها كثيرة جداً ؛ ولكن هذه أمثلة ، وتأملت في مقابل ذلك ما وقع من هؤلاء الجناة، تجد المفارقة لهدي الإسلام وتعاليمه ، أين الرحمة ؟ أين رحمة الإسلام لو كان يعقل هؤلاء ؟ أين الرحمة التي دعا إليها الإسلام ؟ أطفالٌ يُتِّموا، ونساءٌ رمِّلت ، وأرواحٌ أزهِقت، وأموالٌ أتلفت ؛ أين رحمة الإسلام؟ تاسعاً : أنَّ الإسلام فيه نهيٌ عن ترويع المسلمين وإرعاب المؤمنين وإخافتهم . جاء في سنن أبي داوود أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ كان مرة في بعض أسفاره، فنام أحد الصحابة وكان عنده حبل فذهب بعض الصحابة وجرّ الحبل ، فقام الرجل مرتاعاً ، فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ (( لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا )) ، كم من مسلم رُوَّعَ في تلك الليلة وفُجِع ، إلى كيلومترات بعيدة من مكان التفجير دوّى صوت التفجير، وقام الأطفال والنساء والصغار والكبار من نومهم في غاية الفزع ، أين هؤلاء من قول النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ « لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا » ؟ وكان هذا الترويع وهذه الفاجعة في الليل ؛ وقت السكون ووقت الراحة والهدوء ، وقد ثبت في المسند وغيره بإسناد ثابت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : (( مَنْ رَمَانَا بِاللَّيْلِ فَلَيْسَ مِنَّا )) رمي المسلمين لا بالليل ولا بالنهار لا يجوز ؛ لكنه في الليل أشدّ نكاية وأعظم إضرار وأشدّ في الإرعاب ، ولهذا خصّه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ بالذكر «مَنْ رَمَانَا بِاللَّيْلِ فَلَيْسَ مِنَّا ». عاشراً : نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حمل السلاح على المؤمنين . وثبت أنه قال: (( مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا )) رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عنْهُما. وروى البخاري ومسلم في صححيهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (( إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ )) يعني ومعه نبل في يده (( فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا أَوْ قَالَ فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ )) يعني فليضع يده على مقدمة النَّبل، المكان الحاد، المكان الذي يكون به الطعن ، (( فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا)) وهو يمشي في السوق يضع يده على أنصالها لئلاّ يؤذي مسلما ، يمشي وسط الناس وهو في غاية الاحتياط ، وهذا كله من المحافظة على الناس وعدم تعريضهم لأي أذى، حتى ولو خطأ غير مقصود، حتى ولو إضرار غير مقصود غير متعمد، فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ (( فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا)) أين هذه التوجيهات المباركة والتوجيهات العظيمة من أولئك الذين جاءوا في الليل وفجّروا تلك المتفجرات الضّخمة التي تُهلك من حولهم أو من هو قريب من المكان ومن هو أيضاً بعيد عنه!! . الأمر الحادي عشر : الإسلام جاء فيه النّهي عن الإشارة إلى المسلم بسلاحٍ أو نحوه ، سواءً كان مازحا أو غير ذلك لا يشير إلى أخيه بالسلاح . في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ )) ، وفي رواية لمسلم : (( مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ )) ، أحياناً في البيوت الأخ مع أخيه يمزح ؛ يحمل سكين مازحاً ، يحمل حديدة مازحاً ، من فعل ذلك يقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ (( فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ )) حال فعله لهذا الأمر ؛ هذا جانب. والجانب الآخر : الشيطان قد ينزِع في يده فيجعل المزاح يتحول إلى جِد فيطعن من أمامه ، فالإسلام فيه نهي عن الإشارة بالسلاح ولو على سبيل المزاح ، بل جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عليه الصلاة والسلام أن يُتَعاطى السيف مسلولاً ؛ يعني ما يمُد السيف إلى صاحبه وهو مسلول ؛ ومثله السكين ، السكين لا يصلح أن تمد عندما تعطيها للآخر تمدها مشهرة إليه وإنّما تعطيه السكين من المقبض ، كل هذا محافظة لئلا يقع إضرار غير مقصود أو إخافة غير مقصودة أو حتى لا أيضاً ينزغ الشيطان فيتحول المزاح إلى جِد . أنظر هذه التوجيهات التي دعا إليها الإسلام وقارنها بتلك الجريمة تعلم عظم المفارقة وشدة المباينة. الأمر الثاني عشر: جاء في الإسلام تحريم الخيانة والغدر. قال الله تعالى : ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ[الأنفال:58] ، وقال تعالى : ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا[النساء:107] . وجاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ )) ، وثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عنْهُما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) ، وكان عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ إذا جهّز الجيوش أوصاهم ، ومن ذلك ما جاء في حديث بُريدة قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ : ((اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا)) ، فنهى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عن الغدر ونهى عن الخيانة ، والله جل وعلا لا يحب الخائنين ؛ وهذا العمل فيه خيانة وفيه غدر ، وهذا أمر واضح لا يخفى. الأمر الثالث عشر : أنّ الإسلام فيه نهيٌ عن قتل الصغار والنساء والشيوخ الكبار. عندما يقاتل المسلمون أعداء الدين لا يجوز لهم قتل الصبي الصغير ولا المرأة ولا الشيخ الفاني ، قد مرت معنا الآية ﴿قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم﴾ فالصبي ما يُقتل ، والمرأة ما تُقتل إلا إذا قاتلت ، والشيخ الفاني لا يُقتل. وقد جاء في هذا أحاديث عديدة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها : ما ثبت في صحيح مسلم عن بريدة رَضِيَ اللهُ عنْهُ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ((لَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا)) ، وجاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عنْهُما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى في بعض الغزوات امرأة مقتولة ، فأنكر عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قتل النساء والصبيان ، وجاء في سنن أبي داوود عن أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عنْهُ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم: «انطلقوا بسم الله» هم متوجهين للغزو قال: ((انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً))؛ فانظر هذه التوجيهات ثم انظر إلى فعلة هؤلاء وجريمتهم الشنعاء !! لم يفرّقوا في هذه الجريمة بين صغير وكبير ، ورجل وامرأة ؛ بل دمّروا الجميع. ورأيتُ في بعض الصور التي نُشرت في الجرائد أطفالاً صغاراً من أبناء المسلمين أعمارهم في حدود خمس سنوات ست سنوات تفحّموا تماماً ، حتى أنّ أخَوَان ضمَّ بعضهما بعضاً وماتا متعانقين وتفحما تماماً ؛ ست سنوات وسبع سنوات من أبناء المسلمين ، وهنا في الأحاديث أبناء الكفار «لا تقتلوا وليدا» يعني من أبناء الكفار، «لا تقتلوا امرأة» من نساء الكفار، «لا تقتلوا شيخا فانيا» من شيوخ الكفار ؛ وهؤلاء قتلوا من أبناء المسلمين !! وقتلوا من نساء المسلمين !! ولم يفرِّقوا بين شيخ، طفل، صغير،كبير، امرأة، رجل ، دمَّروا الجميع . هؤلاء الصغار بأي ذنبٍ قُتلوا ؟ وبأي ذنب يُفجع أبوه وأمه ؟ والآباء الذين قتلوا بأيِّ ذنب ؟ والأطفال الذين يُتَّموا بأيِّ ذنب يُيتَّم ويفقد أباه ؟ والمرأة التي رمَّلت بأي ذنب ؟ أين تعاليم الإسلام ؟ أين الانطلاق بتوجيهات الدين. الأمر الرابع عشر: أن الإسلام فيه تحريمٌ لقتل المعاهَدين والمستأمَنين ، وفيه أمرٌ بحفظ العهود والمواثيق. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة منها قول الله تعالى : ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً[الإسراء:34] ، وقول الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ[المائدة:1] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة . وقد ثبت في صحيح البخاري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا )) نهي صريح عن قتل المعاهَدين. وروى الطبراني في معجمه الكبير أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ((مَنْ أَمَّنَ رَجُلا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ، فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا )) إذا أعطي الأمان لا يجوز أن يُقتل ؛ ولهذا ولي الأمر إذا أذِن لبعض الكفار دخول ديار المسلمين وأعطاهم الأمان وأعطاهم العهد لا يجوز الاعتداء عليهم لا في أموالهم ولا في أنفسهم ، ومن كان عنده شيء في هذا فليناصح كما قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ )) قَالُوا لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : (( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )) ، إذا كان عنده ملاحظة أو شيء من هذا القبيل يسلك المسلك الشرعي، لا يحل قتل الذَّمّي أو المعاهَد الذي أعطي العهد أو أعطي الأمان. وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ((الْمُسْلِمُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ)) ، ولهذا لما جاءت أمُّ هانئ إلى النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ تشتكي ، استجار بها أحد المشركين طلب أن تجيره، فأتى أحد الصحابة يريد أن يقتله فذهبت إلى النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ تشتكي ، فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ((قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ )) . فالْمُسْلِمُونَ تتكافأ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ، إذا كان هناك ذمّة وهناك عهد وهناك أمان فالواجب المحافظة على العهود والتزام المواثيق ، ولا يحِل قتل المعاهَد ، وقد مر معنا الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّ « مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ » ؛ وهؤلاء استهدفوا عدداً من المعاهدين والمستأمَنين وقتلوا عدداً منهم !! وقد ثبت في حديثٍ صحيح رواه البخاري في الأدب وغيره أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ - أَوِ النَّاسَ- عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا )) قلنا: مَا بُهْمًا ؟ قَالَ: (لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ) فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ - أَحْسَبُهُ قَالَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ - أَنَا الْمَلِكُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَدْخُلُ النَّارَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ )). ولاشك أنّ في هذا ظلم وعدوان والله جل وعلا قال : ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة:190]. الخامس عشر: الإسلام فيه تحريمٌ للاعتداء على أموال الآخرين . ولما خطب الناس عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في حجة الوداع قال: ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا )) ثم قال ((أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ؟ قَالُوا نَعَمْ ، قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ)) ؛ بلّغ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ البلاغ المبين. فالأموال محرم الاعتداء عليها ، وكم من أموالٍ أُتلِفت وممتلكاتٍ دمِّرت وبيوت خُرَّبت سواء كانت في مكان الجريمة أو بعيد عنها ، حتى إلى مسافة كيلوات تأثرت كثير من البيوت؛ تحطم الزجاج وتلفت كثير من الممتلكات ، غير الرعب الذي حصل والفزع والخوف . فأين هذا من توجيهات الإسلام ؟! لعلنا نكتفي بهذه النقاط ؛ فيها كفاية ، لأنه ليس المقصود بسط هذا الأمر واستيفاء مدى المخالفة ومعرفة حجم هذه الجريمة من خلال بعض أدلة النصوص، ولهذا أيها الإخوة من يتأمل هذه النصوص والقواعد والأدلة والتوجيهات المباركة المعلومة من دين الله عز وجل يعلم علم يقين براءة الإسلام من هذه الأعمال ، وأن هذه الأعمال تُعدُّ في الإسلام جريمةً عظيمة ، وتعدُّ نوعاً من الفساد في الأرض ، تعدّ بغياً وعدواناً وظلماً ، والإسلام لا يقِرّ ذلك؛ بل يحرمه وهو معدود في الإسلام من الجرائم العظام ، والإسلام بريء من ذلك كله . ولا يحل لأحدٍ كائن من كان أن ينسب مثل هذه الأعمال للإسلام ؛ فهي ليست نابعة منه ، وليست منطلقةً من أحكامه وحِكمه وغاياته وتوجيهاته ؛ بل هي أفعال شاذة، وتصرفات تمثل أصحابها والجُناة والفاعلين لهذه الجريمة، ولا تمثِّل الإسلام لا من قريب ولا من بعيد . ولا يحِلُّ لأحدٍ أن يحاول من خلال مثل هذه الأعمال من خلال هذه الجرائم أن يُلصق شيئاً بالإسلام أو بأحكام الإسلام ؛ كأن يتكلّم بعض الناس عن مناهج التعليم في الكتاب والسنة، في العقيدة والأحكام ، مناهج التعليم في المدارس والجامعات قائمة على الاعتدال والاتزان والانطلاق من توجيهات الإسلام الحكيمة وإرشاداته المباركة ، وقد اطَّلعنا على جانب منها. ولا يحل أن تُلصق هذه الأعمال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له ضوابطه وله توجيهاته وله قيود بكتاب الله وسنة نبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ. ولهذا من الظلم أن تُلصق مثل هذه الأعمال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو بمناهج التعليم ، أو بالكتاب والسنة ، أو بأهل السنة. هذه الأعمال عرفنا ما فيها . ولا يجوز أن تُلصق بالملتحين المحافظين على سنة النبي الكريم عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ؛ كل هذه الأعمال لا تمثّل هؤلاء، ولهذا العلماء والدعاة والخطباء والمربّون والموجَّهون والمعلِّمون في المدارس ، الكل قابَل هذه الأعمال بالاستنكار الشديد وتحجيم هذا العمل وعدِّه من الجرائم ، فلا تُلصق ، وإلصاقها بالإسلام أو بتعاليم الإسلام أو بالمناهج الإسلامية أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو بالمتديِّنين كل ذلك تعدًّ وظلم ، والإسلام براءٌ من ذلك . ونسأل الله عز وجل أن يُعِزَّ دينه، وأن يُعليَ كلمته، وأن يحفظ على المسلمين أمْنهم وأمانهم ، وأن يجنِّبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يصلح لنا جميعاً ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأن يصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، وأن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر. ونسأله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعزُّ فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل الإضاعة. ونسأله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أن يوفّق ولاة أمرنا لكل خير وأن يأخذ بنواصيهم للخير وأن يعِينهم على طاعته وما يقرب إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل. ونسأله جل وعلا أن يثبِّت قلوبنا على الإيمان، وأن يسدِّد أقوالنا وأعمالنا ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وأن يحفظنا جميعاً من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن بمنِّه وكرمه إنه سميع مجيب. ونسأله جل وعلا أن يوفقنا لكل خير يحبه ويرضاه في الدنيا والآخرة . نسأله من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم. ونعوذ به تبارك وتعالى من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ، وأن يجعل كل قضاء قضاه لنا خيراً بمنِّه وكرمه وجوده وإحسانه . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين