النتائج 1 إلى 6 من 6
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,287

    افتراضي أمسك عليك لسانك لا يهلكنك الشيخ عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد

    أمسك عليك لسانك لا يهلكنك


    الحمد لله العالم بالبواطن والظواهر، المحيط بكل خفي وجلي، المطلع على مكنون الصدور وخبايا الأمور، القائم على نفوس العالَم بآجالها، والعالِم بتقلبها وأحوالها، المان عليهم بتواتر آلائه، المتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي أمر العباد بكل ما فيه خير لهم وصلاح، ونهاهم عن جميع المضار والقباح، ومن على من شاء منهم بفعل الخيرات، وترك المنكرات، وجعل شغلهم بتحقيق الإيمان والعمل الصالح يرجون تجارة لن تبور، ويخشون يوماً لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
    وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، المتفرد بالألوهية والوحدانية، المتوحد في العظمة والكبرياء والمجد والربوبية.
    وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أكمل البريات، وأفضل الخلق في كل الخلال، وأعلاهم في كل خصلة حميدة، وسجية جميله، فاللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آل بيته الأكارم، وعلى أصحابه أولي المقامات العالية، والرشد والتقى، والفعال الملاح، وعلى كل من بهديه اقتدى واعتلى، إلى يوم الحشر والجزاء، والخلود الذي لا موت بعده.
    أما بعد، فيا أيها الإخوة ويا أيها الأخوات:
    اتقوا الله الجليل العظيم ربكم، تقوى تزيدكم قرباً منه، ومسارعة إلى ما يرضيه، وتدخلكم في حزبه المفلحين، وعباده المخلصين، ولا تغتروا بإمهاله لكم، وحلمه عليكم، وأصلحوا أقوالكم وأفعالكم، فإنها محصاة عليكم، وإنكم لمجازون عليها، وقد قال ربكم ـ جل وعلا ـ مخوفاً لكم ومحذراً:
    { ما يلفظ من قول إلّا لديه رقيب عتيد }.
    { رقيب عتيد }(( يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر، حتى إنه ليكتب قوله: أكل ت وشربت وذهبت وجئت ورأيت )).
    هكذا قال ابن عباس رضي الله عنه.
    وثبتً عن مجاهد بن جبر ـ رحمه الله ـ أنه قال:
    (( ما من شيء يتكلم به العبد إلا أحصي عليه، حتى أنينه في مرضه )).
    ثم يوم القيامة تحضر كتب الأعمال التي كتبتها الملائكة الكرام، فتطير لها القلوب، وتعظم من وقعها الكروب، وتكاد لها الصم الصلاب تذوب، ويشفق منها المجرمون، فإذا رأوها مُسطِرة عليهم أعمالهم، محصى عليهم فيها أقوالهم وأفعالهم، قالوا:
    { يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها }.
    أي: لا يترك خطيئة صغيرة ولا كبيرة إلا وهي مكتوبة فيه محفوظة، لم ينس منها عمل سر ولا علانية، ولا ليل ولا نهار.
    { أحصاه اللّه ونسوه واللّه على كلّ شيء شهيد }.
    شهيد على الظواهر والسرائر، والخبايا والخفايا، والأقوال والأفعال، والحركات والسكنات.
    أيها الخائفون على أنفسهم والخائفات:
    يقول الله ـ عز وجل ـ لكم في أواخر سورة الحشر:
    { يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه ولتنظر نفس ما قدّمت لغد واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبير بما تعملون }.
    وهذه الآية الجلية:
    أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللاً تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح منه، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصراً في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه وإتقانه.
    ولقد كانت المحاسبة للنفس، المحاسبة لأقوالها وأفعالها من دأب الصالحين، وصنيع الملأ الغر الأولين، من الصحابة الأكرمين، والتابعين لهم في الدين.
    صح عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:
    (( سمعت عمر بن الخطّاب وخرجت معه حتّى دخل حائطًاً فسمعته وهو يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط :عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين بخ بخ واللّه لتتّقينّ اللّه أو ليعذّبنّك )).
    وهذا أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ يحاسب نفسه فيقول وهو على المنبر:
    (( إني لخائف يوم ينادي مناد فيقول: يا عويمر، فأقول: لبيك رب لبيك، فيقول: أما علمت؟ فأقول: نعم، فيقال: كيف عملت فيما علمت؟ فتأتي كل آية في كتاب الله زاجرة وآمرة تسألني فريضتها، فتشهد علي الآمرة بأني لم أفعل، وتشهد علي الزاجرة بأني لم أنته أو أترك، فأعوذ بالله من قلب لا يخشع، ومن عمل لا ينفع، ومن صوت لا يسمع، وأعوذ بالله من دعاء لا يجاب )).
    وثبت عن ميمون بن مهران ـ رحمه الله ـ أنه قال:
    (( لا يكون الرجل تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبةً من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه )).
    ومن كلام الحسن البصري ـ رحمه الله ـ:
    (( فإنّه لا يزال العبد بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همّته )).
    فرحم الله عبداً، ورحم الله أمةً حاسبا نفسيهما:
    ألست صاحبة كذا وكذا، ألم تفعل كذا وكذا، أما ستر الله عليك كذا وكذا، ثم ذكراها بإحسان الله إليها، وإنعامه عليها، وإمهاله لها، ثم ذماها على تقصيرها في جنب الله، وألزماها بطاعته، وجنباها ما يسخطه.
    أيها الإخوة والأخوات:
    إن السلامة من غضب الله، ومن أليم عقابه، وشديد بأسه، وسرعة انتقامه، لها أثمان جميلة ترفع من قدر العبد، وتعليه بين الخلق، وتجعله في رقي مستمر، ولها أسباب بينة لا تخفى، ألا وإن من أعظم أثمانها وأظهر أسبابها:
    حفظ اللسان.
    حفظ اللسان عن ماذا؟.
    حفظه عن صنوف اللغو من الكذب والنميمة والغيبة والسباب والشتائم واللعن والقذف والبهتان وشهادة الزور وعيب الناس وهجائهم وإلقاء النكت المضحكة عليهم.
    وإن اللسان إن لم يحفظ ويصان ويضبط أكب صاحبه على وجهه في نار جهنم، أكبه في نار تلظى، في نار شديدة الهول، كثيرة النكال، بعيدة القعر، بشعة المنظر.
    وقد ثبت عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:
    (( كنت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في سفر فأصبحت يومًا قريبًا منه ونحن نسير فقلت: يا نبيّ اللّه أخبرني بعمل يدخلني الجنّة، ويباعدني من النّار، فقال لي: لقد سألت عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره اللّه عليه )).
    ثم ذكر صلى الله عليه وسلم له جملةً من أعمال البر والخير وقال له بعدها:
    (( ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟ فقلت له: بلى يا نبيّ اللّه، فأخذ بلسانه فقال: كفّ عليك هذا، فقلت: يا رسول اللّه وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ فقال: ثكلتك أمّك يا معاذ وهل يكبّ النّاس على وجوههم في النّار أو قال على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم )).
    بل إن اللسان قد يلقي صاحبه في أسحق المنازل وأرداها وأشينها من النار، بسبب كلمة سوء ينطق بها دون أن يتدبرها أو يتفكر في قبحها، وما يترتب عليها، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    (( إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة ما يتبيّن فيها يزلّ بها في النّار أبعد ممّا بين المشرق والمغرب )).
    وثبت عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:
    (( إن الرجل ليتكلم بالكلمة في الرفاهية ليضحك بها جلساءه ترديه أبعد ما بين السماء والأرض )).
    وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن يريد الجنة ويريد نعيمها والسؤدد فيها:
    (( من يضمن لي ما بين لحييهــ وهو اللسان ــ وما بين رجليه ــ وهو الفرج ــ أضمن له الجنّة )).
    (( من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنّة )).
    ألا فالخوف الخوف، والفزع الفزع، والنجاة النجاة، من هذا اللسان، قبل ساعة السياق، وبلوغ الروح التراقي، وقبل أن يقال:
    أين المفر؟ يوم يفر المرء من أعز الناس عليه، وأقربهم إليه، وأشفقهم لديه، وأكرمهم عنده، وأجلهم وأحبهم وارفعهم:
    { يوم يفرّ المرء من أخيه وأمّه وأبيه وصاحبته وبنيه لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة }.
    وثبت عن سفيان بن عبد اللّه الثّقفي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:
    (( قلت يا رسول اللّه: حدّثني بأمر أعتصم به، قال: قل ربّي اللّه ثمّ استقم، قال: قلت: يا رسول اللّه ما أخوف ما تخاف عليّ؟ قال: فأخذ بلسان نفسه ثمّ قال: هذا )).
    وثبت عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:
    (( إن البلاء موكل بالقول )).
    فيا لله ما أكثر من ندم إذا نطق، وأقل من يندم إذا سكت.
    أيها الإخوة والأخوات:
    لقد أدرك الصالحون الخائفون من ربهم الوجلون، أهل القلوب الخاشعة المنكسرة اللينة، أدركوا خطر هذه الجارحة، خطر هذه المضغة الصغيرة، خطر هذا اللسان على صاحبه الناطق به، لما أدركوا هذا، رأيت من حالهم عجباً، وسمعت عنهم رهباً، وقرأت في سيرهم رشداً.
    ثبت عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه ارتقى على الصفا فأخذ بلسانه ثم قال:
    (( يا لسان، قل خيرًا تغنم، واسكت عن شرّ تسلم، من قبل أن تندم، ثمّ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: أكثر خطايا ابن آدم في لسانه )).
    وثبت عنه ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:
    (( واللّه الّذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان )).
    وثبت أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ دخل على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه، فقال له:
    (( مه غفر اللّه لك، فقال أبو بكر: إنّ هذا أوردني الموارد )).
    فإذا كان صديق الأمة الذي موضعه من الدين والفضل والسابقة أعلى المواضع، يخاف على نفسه من لسانه، يخاف أن يورده موارد الهلاك والعطب، فما ظنك بغيره، ولكن على قدر علم الإنسان يكون خوفه ووجله وإشفاقه، ولهذا قال الله تعالى في شأن الصديق ـ رضي الله عنه ـ وأمثاله:
    { إنما يخشى الله من عباده العلماء }.
    وثبت عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:
    (( أحق ما طهر المسلم لسانه )).
    وثبت عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:
    (( طوبى لمن خزن لسانه، ـ أي: أحرزه وجعله في خزانة حفظاً له عن ما يضر ــ وقعد في بيته، وبكى على خطيئته )).
    وثبت عن أبي الأشهب عن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ أنه قال:
    (( كانوا يقولون: لسان الحكيم من وراء قلبه، فإذا أراد أن يقول رجع إلى قلبه، فإن كان له قال، وإن كان عليه أمسك، وإن الجاهل قلبه في طرف لسانه لا يرجع إلى قلبه، ما أتى على لسانه تكلم به )).
    قال أبو الأشهب:
    (( وكانوا يقولون: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه )).
    وثبت عن عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أنه قال:
    (( من عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه )).
    وأعلى من هذا كله وأجل، وأرغب وأفزع، وأروى وأشفى، وأهدى وأبين، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت الصحيح:
    (( ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت )).
    أيها الإخوة والأخوات:
    صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأمته مبيناً ومحذراً:
    (( كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )).
    وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    (( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )).
    فاتقوا الله في إخوانكم من المسلمين والمسلمات، ومن أي جنس أو بلد، ومن عرب وعجم، وذلك بحفظ ألسنتكم عن غيبتهم والوقيعة في أعراضهم، فإن ذلك من الذنوب الخطيرة، والسيئات الكريهة، والمناكر المبغضة، ومن مكثرات الأوزار، وسيئ الخصال، وقبيح الخلال، وشنيع الفعال، ورديء الطباع.
    فقد حرم ربكم ذلكم عليكم، وكرهه وقبحه، وبين بشاعته، وأظهر شناعته، وأعظم القول فيه وأغلظه فقال في سورة الحجرات:
    { ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه }.
    قال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ في "تفسيره":
    وهذه الآية دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأن الغيبة من الكبائر، لأن الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر.اهـ
    ولحم هذا الميت قد اجتمعت فيه ثلاث صفات: كونه لحم إنسان، وكون هذا الإنسان مسلماً، وكونه ميتاً.
    قال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ:
    فهل تجدون أقبح وأبشع من شخص يجلس إلى أخيه الميت فيقطع جيفته قطعة قطعة ويأكلها؟ هل تجدون أحداً يمكن أن يطيق ذلك؟ ألا إن الذي يغتاب الناس هو الذي يطيق ذلك.اهـ
    وقال ـ رحمه الله ـ أيضاً:
    الغيبة من كبائر الذنوب التي لا تكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الصدقة ولا الحج ولا غيرها من الأعمال الصالحة، بل تبقى على الموازنة بين السيئات والحسنات كغيرها من الكبائر.اهـ
    وثبت عن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أنه مر على بغل ميت، فقال لبعض من معه:
    (( لأن يأكل أحدكم من لحم هذا البغل حتى يملأ بطنه خير له من أن يأكل من لحم أخيه المسلم )).
    وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه مبيناً ما الغيبة:
    (( أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتّه )).
    هذه هي الغيبة، وهذا معناها، إنه واضح جلي، بين ليس بخفي، ظاهر ليس بخافت، معروف مشهور، إنها:
    أن تذكر أخاك المسلم بما يكره سواء في خلقته أو خُلقه أو فعاله أو في أحواله أو في عقله أو في ذكائه أو غير ذلك.اهـ
    قاله العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ.
    هذه هي الغيبة: أن تذكر أخاك المسلم بما يكره مما هو موجود فيه، وواقع منه وصادر.
    أيها الإخوة والأخوات:
    إن بعض الألسنة لا تكتفي بالاستطالة في عرض رجل واحد من المسلمين، بل تستطيل إلى مئات وألوف وملايين، فتسمع هذا يقول عن أهل بلاد أو عن قبيلة أو عن أهل جهة وناحية: هؤلاء خبثاء.
    وتسمع آخر يقول عن أهل بلاد أو عن قبيلة أو عن أهل جهة وناحية ثانية: هؤلاء كلاب.
    وتسمع هذا يقول: هؤلاء مجرمون.
    وتسمع هذا يقول: هؤلاء حمير.
    وتسمع هذا يقول: هؤلاء حساد.
    وتسمع هذا يقول: هؤلاء خونة.
    وتسمع هذا يقول: هؤلاء مرتزقة.
    إلى غير ذلك من الألفاظ التي تختلف من إنسان إلى إنسان، ومن قبيلة إلى قبيلة، ومن جهة إلى جهة، ومن بلد إلى بلد.
    ولأن كانت هذه الصفات موجودة في بعض، فلا يجوز أن يعين بها أهل بلد، وتعمم عليهم.
    أما كفى هذا المسكين في جر الويل إلى نفسه أن يكون خصمه عند الله فرد واحد، حتى تعدى على أفواج، بل أمم، أأطلعه الله على غيب خلقه وعرفه بهم واحداً بعد واحد، حتى حكم عليهم ووصفهم بهذه الأوصاف، أم هانت عليه حسناته فأصبح يهدرها سدى، أم أنه جبن وأصابه الخور والضعف فعجز عن كبح شطط لسانه.
    ثبت عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت:
    (( قلت للنّبىي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفيّة كذا وكذا، ـ تعنى قصيرة ـ فقال: لقد قلت كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته )).
    وثبت عن إبراهيم النخعي ـ رحمه الله ـ أنه قال:
    (( كانوا يقولون: إذا قال الرجل للرجل يا كلب يا حمار يا خنزير، قال الله تعالى له يوم القيامة: أتراني خلقته كلباً أو حماراً أو خنزيراً )).
    وثبت عن المسيب بن رافع ـ رحمه الله ـ أنه قال لولده:
    (( لا تقل لصاحبك: يا حمار يا كلب يا خنزير، فيقول الله لك يوم القيامة: أتراني خلقت كلباً أو حماراً أو خنزيراً )).
    وثبت عن جرير بن حازم ـ رحمه الله ـ أنه قال:
    (( سمعت محمد بن سيرين يحدث رجلاً فقال: ما رأيت الرجل الأسود، ثم قال: أستغفر الله ما أراني إلا قد اغتبت الرجل )).
    وقال البخاري ـ رحمه الله ـ سمعت أبا عاصم يقول:
    (( منذ عقلت أن الغيبة حرام ما اغتبت أحداً قط )).
    وقال بكر بن منير ـ رحمه الله ـ: سمعت أبا عبد الله البخاري يقول:
    (( أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً )).
    أيها الإخوة والأخوات:

    إن بعض النفوس إذا دخلت في باب الغيبة خرجت منه بقدر كبير من الذنوب والآثام، حيث تستطيل وتتوسع في شأن من اغتابته، فتراها تسرد تاريخه لسامعيها أو مجالسيها أو مصاحبيها أو مسامريها، تسرد ما يشين من تاريخ حاضره وماضيه، وتُشرحه لهم تشريحاً شديداً، وتمزق لحمه بينهم تمزيقاً شنيعاً، بأنه عندما كان في شبابه فعل كذا وكذا، وأجرم بكذا وكذا، وأخطأ وأساء بكذا، وفعل مع أخيه أو صاحبه كذا وكذا، وكان يعمل ويعمل، ويقول ويقول، وهكذا.
    وبعض هذه النفوس إذا تكلمت عن مسلم له بشرة سوداء، تقلل من شأنه وتنقص من قدره، فتقول: دعك من هذا العبد، أو هذا عبد كور أسود.
    وهؤلاء قد جمعوا شراً على شر، وسوء إلى سوء، وقبحاً مع قبح، حيث آذوا هذا المسلم فقالوا فيه ما يكرهه، بل وقعوا فيما هو أشد وأخطر وأجرم وأشنع وأبشع ألا وهو البهتان حيث وصفوه بغير وصفه، وذلك لأن هذا الوصف لا يقال إلا في الرقيق المملوك حال رقه، لا فرق في ذلك بين صاحب بشرة سوداء أو بيضاء أو حنطيةً أو سمراء، وبين العربي وغيره، فإن زال عنه رقه وعبوديته بأن أعتق وحرر فلا يجوز لأحد أن يصفه بذلك.
    أما من يوصف بالعبودية في أيامنا هذه لأجل سواد بشرته، فهم ليسوا كذلك، إنهم أحرار لا فرق بينهم وبين من تكلم فيهم، قد ولدت الجميع أمهاتهم أحراراً.
    وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه:
    (( أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتّه )).
    أيها المغتاب للناس ويا أيتها المغتابة:
    إنكم لمشئومون على أنفسكم، ومشئومون على جلسائكم، مشئومون على أنفسكم حيث قدتموها إلى الشر والبغي، ومشئومون على جلسائكم لأنهم إذا لم ينكروا عليكم صاروا شركاءً لكم في الإثم، وإن لم يقولوا شيئاً.
    إنكم لن تضروا بالغيبة إلا أنفسكم، ولن تسودوا بها إلا صحائف أعمالكم، ولن تنقصوا بها إلا من أقداركم بين الخلق ومكانتكم، فاتقوا الله ـ جل وعلا ـ في هذه النفس، وكونوا رحمة بها، لا شقاء عليها، وهواناً وصغاراً لها، فإن الراحمين يرحمهم الله يوم القيامة.
    إنكم إنما ترفعون بهذه الغيبة في الآخرة من حال من تغتابونهم، وتزيدون في حسناتهم، أو تخففون من آثامهم، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوماً لأصحابه:
    (( أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إنّ المفلس من أمّتي يأتي من يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثمّ طرح في النّار )).
    هذا والله هو المفلس الشديد الإفلاس، إنه من ذهبت حسناته للناس، وطُرح من سيئاتهم وأوزارهم عليه، بسبب قيله وكلامه فيهم، واعتدائه عليهم.
    قال إمام أهل الحجاز سفيان بن عيينة ـ رحمه الله ـ:
    (( الغيبة أشد من الدين، الدين يقضى، والغيبة لا تقضى )).
    وقال الإمام عبد الرحمن بن مهدي ـ رحمه الله ـ:
    (( لولا أني أكره أن يعصى الله لتمنيت أن لا يبقى في هذا المصر أحد إلا وقع في واغتابني، وأي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته يوم القيامة لم يعملها، ولم يعلم بها )).
    وقال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ:
    إن غيبة إخوانكم إهداء أعمالكم الصالحة إليهم، فإنهم إن لم ينتصروا في الدنيا، أو يحللوكم أخذوا من أعمالكم الصالحة في الآخرة، فإن فنيت أعمالكم الصالحة أخذ من أعمالهم السيئة، فطرحت عليكم، ثم طرحتم في النار.اهـ
    وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    (( لمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الّذين يأكلون لحوم النّاس، ويقعون في أعراضهم )).
    وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه حذر ناشر عيوب الناس ومتبع عوراتهم بأن يسلط الله عليه من ينشر عيبته ويتتبع عورته فقال:
    ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من يتّبع عورة أخيه، يتّبع اللّه عورته حتّى يفضحه في بيته )).
    أوَ يهنأ المغتابون والمغتابات بعيش، أوَ تطيب لهم نفوس، أوَ تهدأ لهم خواطر، أوَ تسكن لهم جفون، وهم متوعدون بهذا العذاب، ومهددون بهذا النكال، ومخوفون بهذا الخزي والبوار.
    أيها الإخوة والأخوات:
    لعل ولاة أمور المسلمين وحكامهم وأمراءهم من أكثر الخلق حصولاً على الأجور، وذلك لكثرة من يغتابهم، وكثرة من يسبهم، وكثرة من يطلق العنان للسانه فيهم، حتى إنه لا يكاد يسلم من ذلك إلا قليل، ألا وإن الحق أحق أن يتبع، وأولى أن يعمل به، وأجدر أن يدعى إليه، حتى ولو شق على النفوس، وصعبت مجاهدتها عليه، وقل المعين فيه.
    وقد ثبت عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:
    (( نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب )).
    وثبت عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لرجل حين سأله: هل آمر إمامي بالمعروف؟:
    (( فإن كنت فاعلاً ففيما بينك وبينه، ولا تعب إمامك )).
    وقال العلامة الفوزان ـ سلمه الله ـ:
    الكلام في ولاة الأمور من الغيبة والنميمة، وهما من أشد المحرمات، وغيبتهم أشد من غيرهم، لما يترتب عليها من المفاسد، من تفريق الكلمة، وسوء الظن، وبعث اليأس في نفوس الناس والقنوط.اهـ
    وقال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ:
    والعجب أن بعض الناس من أهل الدين لو أردت أن تتكلم في شخص عادي من الناس قالوا: لا تغتبه، هذا حرام، لكن لو تكلمت في واحد من ولاة الأمور تكيف، مع إنه في غير ولاة الأمور ما يرضى أن يتكلم أحد في عرض أحد عنده، لكن في ولاة الأمور يرى أن هذا لا بأس به، وهذه مسألة مرض بها كثير من الناس، وأنا أعتبرها مرض، نسأل الله أن يعافينا وإياكم من هذا الداء، ابتلى به كثير من الناس.اهـ
    وقال ـ رحمه الله ـ أيضاً:
    كذلك الأمراء إذا اغتبت أميراً أو ملكاً أو رئيسًا أو ما أشبه ذلك، فليست هذه غيبة شخصية له فقط، بل هي غيبة له، وفساد لولاية أمره، لأنك إذا اغتبت الأمير أو الوزير أو الملك معناها أنك تشحن قلوب الرعية على ولاتهم، وإذا شحنت قلوب الرعية على ولاة أمورهم فإنك في هذه الحال أسأت إلى الرعية إساءةً كبيرة، إذ أن هذا سبب لنشر الفوضى بين الناس، وتمزق الناس وتفرقهم، واليوم يكون رمياً بالكلام، وغداً يكون رميًا بالسهام، لأن القلوب إذا شحنت وكرهت ولاة أمورها، فإنها لا يمكن أن تنقاد لأوامرهم، إذا أمرت بخير رأته شراً، ولهذا قال الشاعر كلمةً صادقةً، قال:
    وعين الرضا عن كل عيب كليلة ...
    كما أن عين السخط تبدي المساوئ
    فأنت مثلاً إذا اغتبت أحداً من الكبار الذين لهم ولاية أمر على المسلمين، قيادةً دينيةً، أو قيادةً تنفيذيةً وسلطةً، فإنك تسيء إلى المسلمين عموماً من حيث لا تشعر، قد يظن بعض الناس أن هذا يشفي من غليله وغليانه، لكن كيف يصب جامه على أمن مستقر ليقلب هذا الأمن إلى خوف، وهذا الاستقرار إلى قلق،... إذا كنت ذا غليان، أو إذا كان صدرك مملوءاً غيظاً، فصبه على نفسك قبل أن تصبه على غيرك، انظر مساوئك أنت، هل أنت ناج من المساوئ؟ هل أنت سالم؟ أول عيب فيك أنك تسب ولاة الأمور وتغتاب ولاة الأمور، قد يقول: أنا أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، نقول: حسناً ما قصدت، ولكن البيوت تؤتى من أبوابها، فليس طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنشر معايب ولاة أمورك، لأن هذا مما يزيد المنكر.اهـ
    أيها الإخوة والأخوات:
    إن تحذير الناس من أهل البدع ودعاتها وذمهم والقدح فيهم وعيبهم، وبيان ما هم عليه من البدع والضلالات، لا يدخل في الغيبة باتفاق أهل العلم، لا خلاف بينهم في ذلك، بل هو من الأمور المطلوبة في الشريعة، ومن الأعمال التي يؤجر عليها الإنسان، إن قصد بذلك نصيحة المسلمين، وإبعادهم عن هذا الذي يدعو إلى البدع، وما هو عليه من بدع، وذلك لأن التحذير من الشر وأهله في أمر الدنيا مطلوب، بل ومن النصيحة، ومن حب الخير للناس لا يختلف في ذلك عاقل، فكيف بتحذيرهم من الشر الذي يضر بالدين، ويضر بالآخرة، لا شك أنه أولى وآكد.
    وعلى هذا الطريق المستقيم سار أهل السنة منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى اليوم، حتى قال الإمام محمد بن أبي عبد الله الشهير بابن أبي زمنين ـ رحمه الله ـ في كتابه "أصول السنة":
    ولم يزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة، وينهون عن مجالستهم، ويخوفون فتنتهم، ويخبرون بخلافهم، ولا يرون ذلك غيبة لهم، ولا طعناً عليهم.اهـ
    وقال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في "جامع الرسائل والمسائل":
    ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل.
    فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبل الله ودينه ومناهجه
    وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء.اهـ
    وقد ثبت عن غير واحد من أئمة التابعين ـ رحمهم الله ـ فمن بعدهم أنهم كانوا يقولون:
    (( لا غيبة لمبتدع )).
    ومعنى ذلك أن عيب أهل البدع وذمهم والقدح فيهم والتحذير منهم ومن مجالستهم وكتبهم وأشرطتهم لا يدخل في باب الغيبة المحرمة.
    بل إن في تحذير الناس منهم، ومن ضلالاتهم، مصالح جمة، مصالح لهذا المبتدع المحذر منه، حيث يجعله هذا التحذير يترك البدع، ولا ينشرها بين الناس، أو يتسبب في أن يقلل منها، فتقل بذلك السيئات في صحائف أعماله، وتخف أوزاره لتناقص أعداد متابعيه على البدع.
    وفيه مصالح لعموم الناس حيث يحذرونهم ولا يتابعونهم على بدعهم، فيسلم لهم دينهم، وتسلم لهم آخرتهم.
    وخلاصة ذلك:
    أن الكلام في هذا المبتدع والتحذير منه، رحمة شديد، رحمة بالناس، ورحمة بالمبتدع، لو كان المبتدع ومن يستمع إليه يعقل.
    أيها الإخوة والأخوات:
    إن من الناس من درج لسانه على السباب والشتم، وعلى اللعن والفحش، حتى إنك لتسمع من بعضهم شديد السب واللعن وأنكره وأغلظه وأبشعه، وقد يكون خروج هذا منه حتى على أبنائه وبناته، وإخوانه وأخواته، وأصحابه وجلسائه، بل قد يظن السامع أن النطق بهذا قد أصبح على بعض من يراهم ويسمعهم ويخالطهم من أسهل الكلام وأيسره، يخرج منه مراراً، وفي أوقات كثيرة، وعلى يسير الأمور وسهلها.
    أما طرق أسماع هؤلاء؟ أما قرأت عيونهم؟ أما أفزع قلوبهم ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من الأحاديث.
    أما كفاهم أنه نفى هذه الخلال عن المؤمن، حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    (( ليس المؤمن بطعّان ولا بلعّان ولا الفاحش البذيء )).
    أما ردعهم أن سباب إخوانهم في الدين فسوق، حيث صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    (( سباب المسلم فسوق )).
    أيرضى عاقل لنفسه بأن يدخل بهذا الباب في سلك الفاسقين.
    أما أيقظهم أن هذا اللعن من أسباب حرمانهم أن يكونوا شفعاء وشهداء عند الله يوم القيامة.
    فقد صح عن زيد بن أسلم أن عبد الملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بأنجاد من عنده، فلما أن كان ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه فلعنه، فلما أصبح قالت له أم الدرداء: سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته، فقالت سمعت أبا الدّرداء يقول: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:
    (( لا يكون اللّعّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة )).
    وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    (( إنّ العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللّعنة إلى السّماء فتغلق أبواب السّماء دونها، ثمّ تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثمّ تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغًاً رجعت إلى الّذي لُعن، فإن كان لذلك أهلاً وإلاّ رجعت إلى قائلها )).
    وثبت عن سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:
    (( كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى باباً من الكبائر )).
    أما أسكتهم أن الله لا يحب الفحش من القول، وأنه يبغض صاحبه، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    (( إياكم والفحش، فإن الله لا يحب الفحش، ولا التفحش )).
    وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    (( إنّ اللّه عزّ وجلّ يبغض الفاحش البذيء )).
    أيها الإخوة والأخوات:
    إن النميمة لمن كبائر الذنوب وشدادها، ومن أكثرها فساداً وشرارها، وأعظمها كدراً وبؤساً، صاحبها مهدد بالعذاب في القبر، ومتوعد بالنار ونكالها.
    وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأن صاحبها:
    (( لا يدخل الجنّة نمّام )).
    فيا لله ما أشد هذا الوعيد، وما أكبره وأغلظه، وما أقواه من زجر وأمنعه لمن عقل وتدبر، وأبصر فلم يتهور.
    وصح عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:
    (( مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بحائط من حيطان المدينة أو مكّة فسمع صوت إنسانين يعذّبان في قبورهما فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يعذّبان وما يعذّبان في كبير، ثمّ قال: بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنّميمة )).
    قال العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ في بيان معنى النميمة:
    النميمة هي:
    نقل الكلام من شخص إلى آخر، أو من جماعة إلى جماعة، أو من قبيلة إلى قبيلة، لقصد الإفساد، والوقيعة بينهم وسواء أكان ذلك الكشف بالقول أو الكتابة أو الرمز أو بالإيماء، وسواء أكان المنقول من الأقوال أو الأعمال، وسواء كان ذلك عيباً أو نقصاً في المنقول عنه أو لم يكن، فيجب أن يسكت الإنسان عن كل ما يراه من أحوال الناس إلا ما في حكايته منفعة لمسلم أو دفع لشر، والباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه أو إظهار الحب للمحكي عليه، أو الاستمتاع بالحديث والخوض في الفضول والباطل، وكل هذا حرام، وكل من حملت إليه النميمة بأي نوع من أنواعها يجب عليه عدم التصديق، لأن النمام يعتبر فاسقاً مردود الشهادة قال الله تعالى: { يا أيّها الّذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا أن تصيبوا قومًا بجهالة }.
    وعليه أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله لقوله تعالى: { وأمر بالمعروف وانه عن المنكر }.
    وأن يبغضه في الله وألا يظن بأخيه المنقول عنه السوء، بل يظن به خيراً، لقوله تعالى: { يا أيّها الّذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظّنّ إنّ بعض الظّنّ إثم }.
    ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث )) متفق على صحته.اهـ
    ألا فالحذر الحذر والبعد البعد عن النميمة، فإن بها فساد الدين والدنيا، وتفكك المجتمع، وإلقاء العداوة والبغضاء بين أهله وأفراده، وحلول النقم والبلاء، وهي بضاعة كل بطال، خسيس النفس أو جبان، ثقيل طبعه على الناس، خفيف عمله في الميزان، يخاف منه الكريم كما يخاف من الثعبان، ويطمئن إليه اللئيم لأنه تابع للشيطان في التفريق بين الإخوان، ويفعل بين الأصدقاء والخلان فعل النار في الهشيم.
    ويا لله كم فرق النمامون بين أب وابنه، وبين أخ وأخيه، وبين صاحب وصاحبه، وبين شيخ وتلميذه، وبين شيخ وشيخ، وبين رجل وامرأته، وبين جار وجاره، كان الود والوئام قائماً، والألفة والمحبة ظاهرة، والتزاور والتهادي مستمراً، فحل البغض والكراهية، وسرت الأحقاد والضغائن، ووقع التدابر والتهاجر والتقاطع، وسلط الذم والغمز واللمز.
    وفي الختام:
    أسأل الله أن يطهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد، وأن يطهر ألسنتنا من الغيبة والنميمة، ومن السب والشتم، ومن الكذب واللعن، ومن فحش القول ورديء الكلام.
    اللهم احفظ علينا أسماعنا وألسنتنا عن كل قول أو فعل لا يرضيك عنا، ويسخطك علينا، اللهم اغفر لنا ولمن أسأنا إليه من المسلمين بقول أو فعل، وتجاوز عنها وعنه، واجعلنا وإياه ممن يعفو ويصفح إنك سميع الدعاء.
    وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
    تنبيه:
    كانت هذه التذكرة محاضرة عبر إذاعة الدروس السلفية للأخ: عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.


    نقله ابو عبد المصور مصطفى
    منقول

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    شرق بلاد الجزائر الحبيبة
    المشاركات
    1,851

    افتراضي رد: أمسك عليك لسانك لا يهلكنك الشيخ عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد

    ـ جزاك الله خيرا أخي أبا عبد المصور .
    {أسأل الله أن يطهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد، وأن يطهر ألسنتنا من الغيبة والنميمة، ومن السب والشتم، ومن الكذب واللعن، ومن فحش القول ورديء الكلام.
    اللهم احفظ علينا أسماعنا وألسنتنا عن كل قول أو فعل لا يرضيك عنا، ويسخطك علينا، اللهم اغفر لنا ولمن أسأنا إليه من المسلمين بقول أو فعل، وتجاوز عنها وعنه، واجعلنا وإياه ممن يعفو ويصفح إنك سميع الدعاء.}

    ـ اللهم أمين ...اللهم أمين.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,287

    افتراضي رد: أمسك عليك لسانك لا يهلكنك الشيخ عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد

    اللهم أمين ...اللهم أمين.
    وفيك يبارك الله ونفع بك

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    المشاركات
    271

    افتراضي رد: أمسك عليك لسانك لا يهلكنك الشيخ عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد

    بارك الله فيك اخي مصطفى
    روى اللالكائي عن أوس الربعي أنّه كان يقول: " لأن يجاورني القردة و الخنازير في دار، أحب إليّ من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء".أ.هـ شرح أصول اعتقاد أهل السنةوالجماعة ص 131

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,287

    افتراضي رد: أمسك عليك لسانك لا يهلكنك الشيخ عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد

    وفيك يبارك الله ونفع بك أخي ابو طلحة

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,287

    افتراضي رد: أمسك عليك لسانك لا يهلكنك الشيخ عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد

    للرفع

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser




معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 22-May-2016, 06:54 PM
  2. شهر الله المحرم وتخصيص آخر العام ببعض العبادات والاحتفالات والرسائل..عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-Nov-2013, 11:30 PM
  3. الفوائد المستنبطة من آية الوضوء في سورة المائدة..الشيخ عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى منبر العلوم الشرعية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-Nov-2013, 05:26 AM
  4. في الفتن الزم بيتك واملك عليك لسانك.......
    بواسطة ام عبد العزيز السلفية في المنتدى مـنــبر الأســـرة المـــســلـــمـــة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 03-Jul-2013, 11:41 PM
  5. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-Jan-2013, 01:11 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •