قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
إن «لام العاقبة» التي لم يقصد فيها الفعل لأجل العاقبة إنما تكون من جاهل أو عاجز:
1-فالجاهل: كقوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ﴾ [القصص: 8]، لم يعلم فرعون بهذه العاقبة، أي أنه لم يكن يدري ما ينتهي إليه أمر موسى عليه السلام.
2-والعاجز أي العاجز عن رد عاقبة فعله كقولهم: لِدُوا للموتِ وابْنُوا للخرابِ فكلُّكم يصير إلى تبابِ فإنّهم يعلمون هذه العاقبة لكنهم عاجزون عن دفعها(انظر مجموع الفتاوى 8/ 44).
أي: أن بني آدم عاجزون عن دفع الموت عن أنفسهم والخراب عن ديارهم. والجهمية الغلاة أنكروا حكمة الله ورحمته وقالوا: لم يخلق لحكمة ولم يأمر بحكمة وليس في القرآن لام كي، لا في خلقه، ولا في أمره، وزعموا أن قوله تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ﴾[الجاثية : 13] ﴿ خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ﴾[البقرة : 29] ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾[النجم : 31]﴿ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾[النساء : 165] وأمثال ذلك إنما اللام فيه لام العاقبة كقوله تعالى السابق: ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ﴾ ولم يعلموا، لام العاقبة إنما تصح ممن يكون جاهلا بعاقبة فعله، أو ممن يكون عاجزا عن رد عاقبة فعله على النحو الذي سبق ذكره أولا، وأما من هو بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وهو مريد لكل ما خلق فيمتنع في حقه لام العاقبة التي تتضمن نفي العلم أو نفي القدرة.
قال ابن القيم رحمه الله:
وأما لام العاقبة ويسمونها لام الصيرورة في نحو قوله تعالى :﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا [ القصص: 8 ] فهي في الحقيقة لام كي، ولكنها لم تتعلق بالخبر لقصد المخبر عنه وإرادته، ولكنها تعلقت بإرادة فاعل الفعل على الحقيقة وهو الله سبحانه أي فعل الله ليكون كذا وكذا وكذلك قولهم: أعتق ليموت لم يعتق لقصد الموت، ولم يتعلق «اللام» بالفعل، وإنما المعنى قدّر الله أنه يعتق ليموت فهي متعلقة بالمقدور وفعل الله، ونظيره (إني أنسى لأسن)[ولكنه حديث ضعيف] ومن رواه أنسّى بالتشديد فقد كشف قناع المعنى، وسمعت شيخنا أبا العباس بن تيميةيقول: يستحيل دخول لام العاقبة في فعل الله، فإنها حيث وردت في الكلام فهي لجهل الفاعل لعاقبة فعله، كالتقاط آل فرعون لموسى فإنهم لم يعلموا عاقبته، أو لعجز الفاعل عن دفع العاقبة نحو لدوا للموت وابنوا للخراب، فأما في فعل من لا يعزب عنه مثقال ذرة، ومن هو على كل شيء قدير، فلا يكون قط إلا لام كي وهي لام التعليل، ولمثل هذه الفوائد التي لا تكاد توجد في الكتب يحتاج إلى مجالسة الشيوخ والعلماء (بدائع الفوائد: 1/100)
[«اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية في النحو والصرف» لناصر الفهد: (218)]