النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    في إحدى الدول
    المشاركات
    4,888

    افتراضي الفوزان : العقل ومدى حرية الرأي

    العقل ومدى حرية الرأي


    الحمد لله الذي خلق الإنسان وميَّزه بالعقل من بين سائر المخلوقات ليميّز به بين الحق والباطل. وبين الضار والنافع.
    فالعقل نعمة من الله منّ بها على هذا الإنسان. وسُمي عقلاً لأنه يعقل الإنسان عمَّا يضره مما لا يليق به، وسُمي حجراً كذلك قال تعالى: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ). أي ذي عقل يعرف عظمة هذا القسم الذي أقسم الله به في سورة الفجر.
    ولكن هذا العقل محدود لا يدرك كل شيء. ولو كان العقل يدرك كل شيء لما احتجنا إلى بعثة الرسل وإنزال الكتب. وإنما العقل يدرك المضار والمنافع في الجملة. كما أن علم الإنسان محدود فهو لا يعلم إلا ما علّمه الله: (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً)، وقال لنبيـــه: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)، وقالت الملائكة: (سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)، ويقول الأنبياء إذا جمعهم الله يوم القيامة وسألهم (مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ). ثم علم الإنسان قليل بالنسبة لما لا يعلمه قال تعالى: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)، (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)، وقال لنبيه: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً).
    ثم علم الإنسان على قلته مهدد بالزوال إما للعوارض التي تعرض له من الإعاقات المرضية وإما الخرف في نهاية العمر قال تعالى: (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً). فعلم الإنسان له بداية ونهاية وله نهاية وهو فيما بين ذلك محدود قليل وهناك أشياء كثيرة في هذا الكون لا يعلمها الإنسان مهما أوتي من القدرة على الاكتشافات والاختراعات فهو لا يعلم ما في البر والبحر والجو والسماوات والأرض لا يعلمها إلا علاَّم الغيوب سبحانه وتعالى.
    وأقرب شيء إلى الإنسان روحه التي يحيى بها ويتحرك ما دامت فيه، فإذا خرجت منه أصبح جثة هامدة لا حراك بها ولا إدراك فلا يعلم الإنسان حقيقة هذه الروح قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً). فالله هو الذي خلقها وهو الذي يوجدها في جسم الإنسان وهو الذي يقبضها في النوم وفي الموت، قال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَليْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)، ولا يستطيع مخلوق مهما أوتي من العلم بالطب أن يبقيها في الإنسان إذا حان أجله قال تعالى: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ). فتقبض من بينهم ولا يستطيعون إرجاعها
    واليوم نسمع من يعظّم من شأن ما يسمونه بالعلم الحديث ومنهم من يقدّمه على الوحي فما وافق العلم الحديث من الوحي صدقه وما خالفه كذبه أو أوّله بغير معناه الصحيح.
    ومنهم من لا يؤمن من الأمور الغيبية إلا ما يصدّقه العلم الحديث وقد قال تعالى عن الأمم السابقة: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون)،
    وقد وجد الآن من يقدسون الرأي ويقولون بحرية الرأي ولم يعلموا أن هناك أشياء يجب فيها التسليم إذا جاء بها آية من القرآن أو حديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو مقتضى الإيمان كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً). وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ). وقال عمر رضي الله عنه يا أيها الناس اتهموا الرأي في الدين فلو رأيتني يوم أبي جندل أن أرد أمر رسول الله وأجتهد ولا آلوا. وقال الإمام أحمد رحمه الله: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان. والله تعالى يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
    وهناك أشياء لا مجال للرأي فيها مثل أمور العقائد وأمور العبادات وأمور الغيبيات وهناك أشياء يكون للرأي فيها مجال وذلك في أمور الأحكام الفقهية التي لا نص فيها بشرط أن يكون الرأي منطلقاً من ضوابط أصولية وضوابط اجتهادية ويكون صاحب الرأي مؤهلاً بها بشرط أن لا يخرج الرأي عن دائرة ما تحمله الأدلة من الكتاب والسنة. ومن لم يكن مؤهلاً بتلك الضوابط فلا مجال لرأيه ولا اعتبار له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران. وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد”، والمراد بالحاكم الفقيه المؤهل. ولا يقبل من اجتهاده إلا ما أصاب فيه وهو ما يوافق الدليل وما أخطأ فيه لا يقبل ولو كان مأجوراً على اجتهاده ما دام ذلك في محيط الأدلة فما بالك بالرأي الذي يخترق الأدلة ويخترق مجالات الاجتهاد الشرعي ويُسمى بالرأي الحر، بل هناك آراء اخترقت جانب الرب سبحانه ونازعته في تدبيره وتشريعه. وهناك آراء اخترقت جانب النبي صلى الله عليه وسلم فعارضت أحاديثه التي لا توافق أهواءها. وقد قال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ). وقد قرأنا وسمعنا في هذه الأيام من ذلك الشيء الكثير من كتَّاب وكاتبات تبنوا الحرية في هذا المجال وعارضوا حد الردة محتجين بقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وعارضوا بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “من بدل دينه فاقتلوه”، وغيره من الأحاديث الصحيحة ولم يعلموا أن قوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، المراد به الإكراه على الدخول في الدين. وأما الخروج منه فهو فساد يجب منعه لأن المرتد عرف الحق وقبله ثم تركه بعد معرفة فاستحق العقوبة لئلا يقتدى به غيره فيصبح الدين ملعبة للكفار كما قال تعالى: (وَقَالَت طَّآنئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وقتل المرتد حد من حدود الله لا بد أن يُنفذ إذا توفرت شروط لا يجوز تعطيله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” وحد الردة أعظم من حد السرقة.

    إن الإنسان عبد لله، فليس هناك حرية مطلقة إلا عند الملاحدة، ثم هم ليسوا أحراراً لأنهم يكونون عبيداً لأهوائهم وشهواتهم، فمن لم يكن عبداً لله صار عبداً للشيطان، كما قال ابن القيم رحمه الله:

    هربوا من الرق الذي خلقوا له فبلوا برق النفس والشيطان

    هدانا الله صراط المستقيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.



    كتبه

    صالح بن فوزان الفوزان

    عضو هيئة كبار العلماء

    13-07-1433هـ
    قال أبو الدرداء -رضي الله عنه - : إني لآمركم بالأمر و ما أفعله ، ولكن لعلّ الله يأجرني فيه .
    سير أعلام النبلاء4/19.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2011
    الدولة
    تيارت - الجزائر
    المشاركات
    542

    افتراضي رد: الفوزان : العقل ومدى حرية الرأي

    بارك الله فيك
    قال ابن القيم - رحمه الله -

    " وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه لا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق ولو أتى الناس من كل طريق واستفتحوا من كل باب فالطرق عليهم مسدودة والأبواب عليهم مغلقة إلا من هذا الطريق الواحد فإنه متصل بالله موصل إلى الله "

    [ التفسير القيم صـ 14-15 ]





معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. يا أخي ....يا بني ...يا ولدي ....يا شيخ
    بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-Nov-2014, 03:22 PM
  2. من حذق الإمام الشافعي في الرد على أهل الرأي ...
    بواسطة أبو يوسف عبدالله الصبحي في المنتدى منبر العلوم الشرعية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 22-Sep-2014, 09:34 PM
  3. حرية الرأي ـ للشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي
    بواسطة أبو الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 28-Aug-2013, 11:17 PM
  4. الفوزان: الرد على مقولة (لو رأيناك خرجت عن الحق لخرجنا عليك بهذا وأشار إلى سيفه)
    بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-Feb-2013, 06:34 AM
  5. الشيخ الفوزان/ قول بعضهم أن الإنسان له حرية الاعتقاد .. باطل وكفر بالله -عز وجل-
    بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-Jun-2010, 05:40 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •