الاعتصام بالله من الشيطان
~~~~~~~~~~~~~~
الحمد لله الذي جعل لنا من الإيمان والتوكل السبب العاصم الأقوى ، ومن الأوراد الشرعية حصنا حصينا نستدفع به الأعداء ، وحذرنا مسالك الشيطان وطرقه ، فهو نعم النصير ونعم المولى .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ذو العظمة والكبرياء ، وذو الفضل العظيم والرحمة الواسعة والنعماء .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، سيد الرسل وإمام الأصفياء ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه النجباء ، وعلى التابعين لهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء .
أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله بامتثال الأوامر واجتناب النواهي ، واستعدوا كل وقت لمحاربة عدوكم مستعينين بالملك الكافي ، فقد أخبركم بما توعدكم به عدوكم الملازم لكم في كل وقت وحين ، {
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ }{ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } ، وقال : { يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ } ، { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ }. فحققوا رحمكم الله الإيمان بالله والتوكل عليه لتعتصموا به من هذا العدو المبين، فـ { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }{ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } . فمن صدق الله ورسوله وأطاعهما فقد حقق الإيمان ، ومن قوي اعتماده وثقته بالله فقد حقق التوكل عليه ، والله نعم العون لمن به استعان. وقال تعالى
آمرا بهذين الأصلين : { قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } ، { قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ } . فالزموا هذين الأمرين ظاهرا وباطنا ، فما خاب من توكل عليه وإليه أناب . وحافظوا على قراءة المعوذتين عند المساء والصباح ، وأكثروا من ذكر الله ، فإنه دافع للأعداء ومحصل للفلاح ، وليقل أحدكم:{ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ }{ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ } أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق ، وذرأ وبرأ ، ومن طوارق الليل وطوارق النهار ، إلا طارقا يطرق بخير يا رب " . فلقد سعد من اعتصم وتوكل على الرحمن ، فسلم بحفظ الله من نزغات الشيطان ، ولقد خاب من أعرض عن ربه فافترسته الأعداء .{ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } .
كتاب الفواكه الشهية في الخطب المنبرية
للعلامه السعدي رحمه الله تعالي