لشهادة ان لا اله الا الله عند الموت تأثير عظيم
~~~~~~~~~~~~~~~~~~

لشهادة ان لا اله الا الله عند الموت تأثير عظيم فى تكفير السيئات واحباطهالانها شهادة من عبد موقن بها عارف بمضمونها قد ماتت منه الشهوات ولانت نفسه المتمردة وانقادت بعد إبائها واستعصائها واقبلت بعد اعراضها وذلت بعد عزها وخرج منها حرصا على الدنيا وفضولها واستخذت بين يدى ربها وفاطرها ومولاها الحق اذل ما كانت له وارجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورحمته وتجرد
منها التوحيد بانقطاع اسباب الشرك وتحقق بطلانه فزالت منها تلك المنازعات التى كانت مشغولة بها واجتمع همها علي من ايقنت بالقدوم عليه والمصير اليه فوجه العبد وجهه بكليته اليه واقبل بقلبه وروحه وهمه عليه فاستسلم وحده ظاهرا وباطنا واستوى سره وعلانيته فقال لا اله الا الله مخلصا من قلبه وقد تخلص قلبه من التعلق بغيره والالتفات الي ما سواه قد خرجت الدنيا كلها من قلبه وشارف القدوم على ربه وخمدت نيران شهوته وامتلأ قلبه من الآخره فصارت نصب عينيه وصارت الدنيا وراء ظهره فكانت تلك الشهادة الخالصة خاتمة عمله فطهرته من ذنوبه وادخلته علي ربه لانه لقى ربه بشهادة صادقة خالصة وافق ظاهرها باطنها وسرها علانيتها فلو حصلت له الشهادة علي هذا الوجه فى أيام الصحة لاستوحش من الدنيا واهلها وفر الى الله من الناس وانس به دون ما سواه لكنه شهد بها بقلب مشحون بالشهوات وحب الحياه واسبابها ونفس مملوءه بطلب الحظوظ والالتفات الى غير الله فلو تجردت كتجردها عند الموت لكان لها نبا آخر وعيش آخر سوى عيشها البهيمى والله المستعان
ماذا يملك من أمره من ناصيته بيد الله ونفسه بيده وقلبه بين أصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء وحياته بيده وموته بيده وسعادته بيده وشقاوته بيده وحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله بأذنه ومشيئته فلا يتحرك الا باذنه ولا يفعل الا بمشيئته ان وكله الى نفسه وكله الي عجز وضيعه وتفريط وذنب وخطيئة وان وكله الى غيره وكله الى من لا يملك له ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وان تخلى عنه استولى عليه عدوه وجعله اسيرا له فهو لا غنى له عنه طرفة عين بل هو مضطر اليه علي مدى الأنفاس فى كل ذرة من ذراته باطنا وظاهرا فاقته تامة اليه ومع ذلك فهو متخلف عنه معرض عنه يتبغض اليه بمعصيته مع شدة الضرورة اليه من كل وجه قد صار لذكره نسيا واتخذه وراءه ظهريا هذا واليه مرجعه وبين يديه موقفه
فرغ خاطرك للهم بما أمرت به ولا تشغله بما ضمن لك فان الرزق والأجل قرينان مضمونان فما دام الأجل باقيا كان الرزق آتيا واذا سد عليك بحكمته طريقا من طرقه فتح لك برحمته طريقا أنفع لك منه فتأمل حال الجنين يأتيه غذاؤه وهو الدم من طريق واحدة وهو السرة فلما خرج من بطن الأم وانقطعت تلك الطريق فتح له طريقين اثنين وأجرى له فيهما رزقا اطيب والذ من الأول لبنا خالصا سائغا فاذا تمت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام فتح طرقا اربعة أكمل منها طعامان وشرابان فالطعامان من الحيوان والنبات والشرابان من المياه والألبان وما يضاف اليهما من المنافع والملاذ فاذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة لكنه سبحانه فتح له إن كان سعيدا طرقا ثمانية وهى ابواب الجنة الثمانية يدخل من ايها شاء فهكذا الرب سبحانه لا يمنع عبده المؤمن شيئا من الدنيا الا ويؤتيه أفضل منه وأنفع له وليس ذلك لغير المؤمن فأنه يمنعه الحظ الأدني الخسيس ولا يرضي له به ليعطيه الحظ الأعلى النفيس والعبد لجهله بمصالح نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له بل هو مولع بحب العاجل وان كان دنيئا وبقلة الرغبة في الآجل وان كان عليا ولو انصف العبد ربه وانى له بذلك لعلم أن فضله عليه فيما منعه من الدنيا ولذاتها ونعيمها أعظم من فضله عليه فيما آتاه من ذلك فما منعه الا ليعطيه ولا ابتلاه الا ليعافيه ولا امتحنه الا ليصافيه ولا أماته الا ليحييه ولا أخرجه الي هذه الدار الا ليتأهب منها للقدوم عليه وليسلك الطريق الموصلة اليه فجعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر او أراد شكورا وأبى الظالمون الا كفورا والله المستعان من عرف نفسه اشتغل باصلاحها عن عيوب الناس من عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالاخلاص وعن نفسك بشهود المنة فلا ترى فيه نفسك ولا ترى الخلق دخل الناس النار من ثلاثة أبواب باب شبهة اورثت شكا في دين الله وباب شهوة اورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته وباب غضب أورث العدوان على خلقه
أصول الخطايا كلها ثلاثة الكبر وهو الذى أصار ابليس الي ما أصاره والحرص وهو الذى أخرج آدم من الجنة والحسد وهو الذى جرأ أحدا بني آدم علي أخيه فمن وقى شر هذه الثلاثة فقد وقى الشر فالكفر من الكبر والمعاصى من الحرص والبغى والظلم من الحسد
جعل الله بحكمته كل جزء من أجزاء ابن آدم ظاهرة وباطنة آلة لشيء اذا استعمل فيه فهو كماله فالعين آلة للنظر والاذن آلة للسماع والأنف آلة للشم واللسان آلة للنطق والفرج للنكاح واليد للبطش والرجل للمشى والقلب للتوحيد والمعرفة والروح للمحبه والعقل آلة للتفكر والتدبر لعواقب الامور الدينية والدنيويه وايثار ما ينبغى ايثاره وأهمال ما ينبغى اهماله
أخسر الناس صفقة من اشتغل عن الله بنفسه بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس فى السنن من حديث أبي سعيد يرفعه اذا أصبح ابن آدم فان الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول اتق الله فأنما نحن بك فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا قوله تكفر اللسان قيل معناه تخضع له وفى الحديث ان الصحابة لما دخلوا علي النجاشي لم يكفروا له أى لم يسجدوا ولم يخضعوا ولذلك قال له عمرو بن العاص أيها الملك انهم لا يكفرون لك وانما خضعت للسان لانه بريد القلب وترجمانه والواسطة بينه وبين الأعضاء وقولها انما نحن بك أي نجاتنا بك وهلاكنا بك ولهذا قالت فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا

الفوائد ـــــ لابن القيم رحمه الله تعالي