بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته



«الرُّدود مَنْ منهج السَّلف»



قالَ فضيلة الشَّيخ العلاَّمة / أحمد بن يحيى النَّجميّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ: الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام عَلَى رسُول الله، وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وبَعْدُ:

باسْتقراء أحوال النَّاس وُجِدَ أنَّ هناك أقوامٌ ينتمون إلى المنهج السَّلفيِّ حسب زعمهم، ولكنَّهم يكرهون الرُّدود، ويرونَ أنَّها سببٌ في التَّفرُّق، ونشر الضَّغائن بين النَّاس، وبثِّ العداوات، وغرس بذور الفرقة!،

وهذا يدلُّ على قلَّة تعمُّق هؤلاء فيما يترتَّب على كلِّ من الأمرين الرَّد وتركه؛ مِنْ نتائج حسنة أو سيِّئة؛ حلوةً أو مرَّةً.

والحقيقةُ: أنَّ الرَّد على المخالف يعتبر إنكارًا لمنكر فشا، وردًّا لباطلٍ روِّج؛ وقد قرن الله عزَّ وجلَّ الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر بالإيمان؛ فجعل الثَّلاثة سببًا لخيريَّة هذِه الأُمَّة؛ حيثُ قالَ تَعَالَى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴿آل عمران: 110﴾.

قالَ ابن كثير رحمهُ اللهُ في تفسير هذِه الآية:" يُخبر تَعَالَى عَنْ هذهِ الأمَّة المحمَّديَّة بأنَّها خير الأُمم، فقالَ: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾.

قالَ البُخاريُّ: حدَّثنا محمد بن يوسف، عن سفيان، عن أبي ميسرة، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، قالَ: خير النَّاس للنَّاس تأتون بهم في السَّلاسل بأعناقهم حتَّى يدخلوا في الإسلام؛ وهكذا قالَ ابن عبَّاس، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء، والرَّبيع بن أنس، وعطيَّة العوفي: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، يعني: خير النَّاس للنَّاس، والمعنى أنَّهم خير الأُمم ، وأنفع النَّاس للنَّاس ، ولهذا قالَ: ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾".

ثمَّ قالَ: " قالَ الإمام أحمد حدَّثنا أحمد بن عبد الملك حدَّثنا شريكٌ عن سماك عن عبد الله بن عَمِيرة عن زوج دُرَّة بنت أبي لهب عن دُرَّة بنت أبي لهب قالت: قام رجلٌ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهُوَ على المنبر؛ فقالَ: يا رسُول الله! أيُّ النَّاس خير؟ فقالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خير النَّاس أقرأهم، وأتقاهم لله، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عَنِ المنكر، وأوصلهم للرَّحم))"اهـ. (وقد تتبعت سند هذا الحديث فوجدتهم كلُّهم ثقات، وشريكٌ سيءُ الحفظ، وعبد الله بن عميرة كوفيٌّ مقبولٌ من الثَّانية، وزوج دُرَّة بنت أبي لهب لم أعرفه، ولعلَّه كان صحابيًّا، وقد ساقَ ابن كثيرٍ أحاديث كثيرةٌ في خيرية هذه الأُمَّة).

ثمَّ قالَ: "فهَذهِ الأحاديث في معنى قولهِ تَعَالَى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾.

فمَنْ اِتَّصف من هذه الأُمَّة بهذه الصِّفات دخل معهم في هذا الثَّناء عليهم، والمدح لهم.
كما قال قتادة: بلغنا أنَّ عُمر بن الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في حجَّة حجَّها رأى من النَّاس سُرعة فقرأ هذه الآية: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾".

ثمَّ قالَ: "مَنْ سرَّه أنْ يكون مِنْ تلك الأُمَّة فليؤد شرط الله فيها". (رواهُ ابن جرير)".

قالَ ابن كثير: "ومَنْ لم يتَّصف بذلك أشبه أهل الكتاب؛ الَّذين ذمَّهم الله بقوله: ﴿كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾. اهـ.

وأقولُ: إنَّ الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر واجبٌ حتميٌّ على الأُمَّة جمعاء لا يجوز لأحدٍ ترك ما يقدر عليه منه، وإنْ ترك شيئًا يقدر عليه نالهُ مِنْ جرَّاء ذلكَ مِنَ الإثم ما نالهُ لا محالة، وقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلايستجاب لكم )) (رواهُ ابن ماجه، وحسَّنه الألبانيُّ).

وعَنْ أبي سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : ((إيَّاكم والجلوس على الطُّرقات؛ قالوا: مالنا بدٌّ إنَّما هي مجالسنا نتحدَّثُ فيها؛ قالَ: فإذا أتيتم المجالس فأعطوا الطَّريق حقَّه؛ قالوا: وما حقُّ الطَّريق؟ قالَ: غضُّ البصر، وردُّ السَّلام، وأمرٌ بالمعروف، ونهي عن المنكر)) (رواه البُخاريُّ ومسلم).

ومِنْ هذه الأدلَّة مِنَ الكتاب، والسُّنَّة، وإجماع الأُمَّة على وجُوب الأمر بالمعروف، والنَّهي عَنِ المنكر؛ نأخذ وجوب الرُّدود.

والرُّدود لا تكون إلاَّ على أخطاء، فهل يجوز أنْ نسكت على الخطـأ؛ فلا ننكره ؟

الجواب: لا؛ إنَّ الَّذين ينكرون الرُّدود إنَّما يريدون أنْ يفشوا المنكر فلا يُنكر؛ ويفشوا المنكر فلا يُنكر حتى يستفحل الباطل وأهله ، ويضعف الحقّ وأهله؛ فإذا خلت الأرض مِنْ آمرٍ بمعروف، وناهٍ عَنْ منكر؛ اِسْتحق أهلها اللَّعنة كما لعن بنو إسرائيل؛ قالَ تَعَالَى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴿المائدة: 78، 79﴾.

إنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل خيرية هذه الأُمَّة مبينةً على ثلاث قواعد؛ وهي:

الأمر بالمعروف.

النَّهي عَنِ المنكر.

الإيمان بالله.

والخلاصةُ: أنَّ مَنْ أنكر الرُّدود فقد أنكرَ «الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر» ، ومَنْ أنكر الأمر بالمعروف، والنَّهي عَنِ المنكر فقد أضاعَ اثنتين مِنْ تلك القواعد، وإذا ضاعت منه اثنتين فقد ضاعت منه الثَّالثة؛ وهي الإيمان بالله؛ لأنَّ الإيمان بالله هو الباعث على الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وبفقدهما يفقد، قالَ تَعَالى: ﴿فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ﴿هود: 116﴾. وصَلَّى اللهُ عَلَى نَبيِّنا محمَّدٍ، وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ.اهـ.


كتبهُ
أحمد بن يحيى بن محمد النَّجميّ
في: 2 / 5 / 1427هـ.
المصدر: الشَّاملة.