الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أما بعد :
جوابا على سؤالك الذي ورد علي في حكم تطييب المرأة الميتة بعد غسلها أقول :
أكثر العلماء على أن الميت يطيب بعد غسله ، سواء كان رجلا أو امرأة ولا فرق في تطييبه سواء كان في آخر غسلة مع الماء أو في الحنوط ، المهم التطييب لما رواه الجماعة والحديث متفق عليه
البخاري(ح1253 ) ومسلم (939 ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ فَقَالَ :(( اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا ، أَوْ خَمْسًا ، أَوْ أَكْثَرَ مَنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا ، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي)) فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ:(( أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ)) تَعْنِي إِزَارَهُ.
وبوب الترمذي باب في ما جاء في المسك للميت [ 992 ] عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المسك فقال هو أطيب طيبكم.( صحيح) .
قال أبو عيسى : والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق وقد كره بعض أهل العلم المسك للميت.
ولم يذكر خاصيته للرجل بل ذكره وبوب عليه بعد حديث أم عطية في غسلها لبنت رسول الله وأمره بوضع الكافور في المرة الأخيرة من الغسل ، ولو كان شيئا خاصا بالرجل لبينه .
وقوله : وقد كره بعض أهل العلم المسك للميت ..
يرده حديث البخاري ، فإن الكافور من أطيب الأراييح كما قاله الحافظ ابن حجر وسيأتي .وقد أجازه أكثر العلماء .
قال ابن بطال في شرحه للبخاري (3/251)وفي أمره ( صلى الله عليه وسلم ) باستعمال الكافور دليل على جواز استعمال المسك ، وكل ما جانسه من الطيب في الحنوط ،
وأجاز المسك أكثر العلماء ، وأمر علىّ بن أبى طالب أن يجعل في حنوطه ، وقال : هو من أفضل حنوط النبي ، ( صلى الله عليه وسلم ) ، واستعمله أنس ، وابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق . وكرهه عمر بن الخطاب ، وعطاء ، والحسن ، ومجاهد ، وقال عطاء ، والحسن : إنه ميتة . وفى استعمال النبي ، ( صلى الله عليه وسلم ) ، له فى حنوطه الحجة على من كرهه .
قال القرطبيُّ في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (8/72) وقوله : (( واجعلن في الآخرة كافورًا )) ؛ يعني : في الغسلة الآخرة ، وعلى هذا جماعة العلماء إلا أبا حنيفة والأوزاعي ، فإنهما رأيا :
أن ذلك في الحنوط ، لا في الغسل . وفائدة تخصيص الكافور : تبريده ، وتجفيفه ، ومنعه سرعة التغيّر ، وقوة رائحته ، وسطوعها ، فإن عدم قام غيره من الطيب مقامه ، وهذا كله إكرام للميت ، وإعداد له للقاء الملائكة الكرام ، والله تعالى أعلم .
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح كتاب الجنائز(3/129) : قيل: الحكمة في الكافور - مع كونه يطيب رائحة الموضع لأجل من يحضر من الملائكة وغيرهم - أن فيه تجفيفاً وتبريداً وقوة نفوذ، وخاصية في تصليب بدن الميت، وطرد الهوامّ عنه وردع ما يتحلل من الفضلات، ومنع إسراع الفساد إليه،
وهو أقوى الأراييح الطيبة في ذلك وهذا هو السر في جعله في الغسلة الأخيرة ، إذ لو كان في الأولى مثلاً لأذهبه الماء ، وإذا عُدم الكافور قام غيره مقامه مما فيه هذه الخواص أو بعضها .
وأما من منع الطيب للمرأة الميتة فلا دليل عليه ، وأما من جعله قياسا على الحية فهذا قياس غير صحيح، لأن علة القياس التي تجمع بينهما منتفية في الميتة ، فإن المرأة الحية إذا خرجت متعطرة ليجد الرجال رائحتها فيفتتنوا بها فهي تعتبر زانية بذلك حكما شرعيا أما المرأة الميتة فلا فتنة بها ولا تعبر زانية حتى لو وجد الرجال رائحة الكافور أو ما يقوم مقامه وهي على النعش ، فهذا موقف جلل ، وهو موعظة لذي كل عقل .
فنسأل الله سبحانه حسن الخاتمة ونسأله أن يسخر لنا رجلا سنيا يطيبنا في آخر غسلة أو في الحنوط (أي الكفن ) وهو أحب إلي . اللهم آمين .