بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، الحمد لله الذي حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، الحمد لله الذي حبب إلينا السنة الغراء ، ورزقنا حب صاحبها بالطاعة والاقتداء والاهتداء..
الحمد لله الذي حبب إلينا سبيل المؤمنين ، وعلمنا من هديهم وفهمهم ما به نستبين سبيل الحق من سبيل المجرمين ، فله الحمد حتى يرضى وله الحمد إذا رضي ، له الحمد والشكر في الأولى والآخرة إن ربي سميع عليم حكيم .
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، الرحيم المشفق بالمؤمنين ، الذي ما ترك خيرا قط يقربنا من الله إلا دلنا عليه ، وما ترك شرا قط يبعدنا منه إلا خدرنا منه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأبرار ومن اقتفى أثرهم وتمسك بالآثار إلى يوم اللقاء وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد:
هذه بعض أسباب الثبات على الحق حتى الممات ؛ الثبات على سبيل المؤمنين ، ومواصلة السير على وسط الصراط المستقيم ، والمنهج القويم بخطى ثابتة ، ونفس راضية ، وقلوب ساكنة مطمئنة ، لا نقبل مساومة ، ولا مداهنة في منادمة ، ولا نقيل ولا نستقيل ، ولا نرضى بالقال والقيل من غير دليل ، ولا تخطفنا الشبه والتأويل من أهل الزيغ والتعليل ، رضينا بما رضيه لنا ربنا ، وتمسكنا بما جاء به نبينا ، وسلكنا فيه مسلك سلفنا ، فاللّهم لك الحمد أنت ولينا ،وأنت من الزلل عاصمنا، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا .
أخي السني السلفي أذكرك ونفسي ببعض الأسباب التي تعيننا على الثبات حتى الممات على منهج السلف الصالح من السابقين والسابقات ، فمن تمسك بها عن علم ويقين فقد سلك الوسطية ، وسلك سبيل النجاة السوية ، وسلم من الانحراف والتبديل والتغيير وكثرة التنقل بين السبل الغوية ، والقواعد البدعية البدلية عن الأصلية وكان في عداد الفرق الهالكة الهاوية في نار جهنم الحامية .
1 – العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته ، وكتابه وسنة نبيه ، وفهم ذلك على منهج السلف الصالح الذي فهموها على مراد الله ومراد رسوله ، فرضي الله عنهم وأرضاهم ، فانظر عمن تأخذ ومن تحب فالرجل إذا أحب قوما ولم يلحق بهم في فضلهم ومرتبتهم حشره الله مع من يحب ، فهذه مزية عظيمة مهمة توجب علينا أن نطلب العلم على جادتهم وأن نحاول فهم الدين بفهمهم لعلنا نحشر معهم . فهي فضيلة كافية لتحفيز الهمم لمعرفة ما كانوا عليه من الدين الحق ومواصلة السير عليه ..
2 - معرفة الحق الذي كانوا عليه في جميع مسائل الدين ، وأن لا نقدم شيئا على الحق الواضح بدليله الساطع من كتاب ربنا وسنة نبينا ، وفهم سلفنا الصالح من إجماع أو أثر مهما كان في كل مكان ، فلا نقلد ديننا الرجال ، فالحق لا يعرف بالرجال ولا بالكثرة ؛ وإنما اعرف الحق بالعلم والحجة تعرف المتمسك به .
دع عنك أراء الرجال وقولهم - - فقول رسول الله أولى وأشرح .
فإنك إذا عرفت الحق من الباطل والمحكم من المتشابه ، والواضح من المبهم، والمجمل من المبين والناسخ من المنسوخ والعام من الخاص فكيف تقلد دينك الرجال ؟؟
وإذا عرفت السابق من اللاحق ، فعرفت أحوال القوم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ؛ وطلبت اللحوق بهم مع من يطلبون ذلك ، وعرفت حال المتأخرين عن ذلك فقد عرفت فألزم ؛ عرفت فألزم ، وأصبحت تميز من هو على الحق ممن جانب الصواب ، فلا تنخدع بالمظاهر الجوفاء حينئذ ولا تنجرف للعواطف ، ولا تخطفك الشبه ، وذلك يغنيك عن كثير من السؤال حول الأقوال والرجال ..
أنت تميز فلا ترمي بعقلك وعلمك وامضي في طريقك فقد عرفت فالزم ..فالذي عرف فضل العتيق وما كانوا عليه كيف يلفت إلى غيره ؟؟؟
ففي حلية الأولياء 03/314) قال حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الطَّلْحِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ سَلَّامٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ، يَقُولُ: " لَقِيتُ عَطَاءً بِمَكَّةَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَمِنْ يَدْرِي أَيُّ الْأَصْنَافِ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِمَّنْ لَا يَسُبُّ السَّلَفَ، وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ، وَلَا يُكَفِّرُ أَحَدًا بِذَنْبٍ، فَقَالَ لِي عَطَاءٌ: عَرَفْتَ فَالْزَمْ "
3 - الدعاء بالثبات والتضرع إليه بصدق وإخلاص والإلحاح على الله بالتوفيق والسداد في القول والعمل ؛ والثبات على الحق الذي عرفه والمنهج القويم والصراط المستقيم الذي هداك إليه ..فلا تنظر إلى بنيات الطريق ، ولا تلتفت إلى مدح الناس أو ذمهم فإن ذلك من معوقات الثبات ..
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: << اللَّهُمَّ! يَا مُقَلِّبَ القلوب، ثبت قلوبنا على دينك >>فقلت يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟؟
قال:<< نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء>>. الترمذي (2140)، وابن ماجه (3834)وصحيح الأدب المفرد(528) وصحيح الجامع (4801)وقال صحيح والصحيحة (2091) .
4- الصبر والتواصي بالحق ، فالصبر والتواصي بالحق أمرا بمعروف ونهيا عن منكر وبذلا للنصيحة وقبولا لها من أعظم أسباب الثبات ، ومن يتبصر يصبره الله تعالى ، فإذا صاحب ذلك تواضع وحلم فلا تسأل عن عواقبه الحميدة ، وثماره السعيدة ، فقد جعله الله أحد الأسباب الربعة التي تنجي العبد من الخسارة المحققة في الدنيا والآخرة فقال جل في علاه :{ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
5- لزوم جماعة المسلمين وفي مقدمتهم خرز العلماء الكبار الربانيين ،الذين عرفتهم على الحق بمعرفتك للحق عن طريق تحصيله على جادة السلف ، فإذا ضبطت أصول المنهج السلفي وقواعده عرفت معنى الجماعة ، وعرفت معنى لزوم الجماعة وعدم الفرقة أو من كان السبب في تفريق أهل السنة والجماعة الفرقة الواحدة التي تمثل جماعة المسلمين ، وعرفت من هي الجماعة ومن هم العلماء والمشايخ الذين يمثلون الجماعة مع السواد الأعظم فلزمت غرزهم في المشكلات والمسائل العويصات التي تعترضك ، فلا تضل ولا تضيع ولا تزل ولا تشقى .
فالجهل أصل ضلال الخلق قاطبة - - وأصل شقتهم طرا وظلمهم
والعلم أصل هداهم مع سعادتهم - - فلا يضل ولا يشقى ذووا الحكم
والخوف بالجهل والحزن الطويل به - - وعن أولي العلم منفيان فاعتصم
6- : عدم كثرة التنقل في الدين والتلون فيه ، من جماعة إلى أخرى ومن فكرة بدعية إلى أخرى ، من حزب إلى طائفة ومن منتدى إلى آخر ومن الجماعة إلى جهوية وهكذا ... تداهن هذا ؛ وتجامل ذلك على حساب دينك ، فإن كثرة التنقل ينافي الثبات على الحق ، لأن الحق واحد وأن كثرة التنقل والتلون في دين من علامات أهل البدع والأهواء كما قال علماء السلف ومنهم إمام دار الهجرة ؛ وهكذا كلما جاءه أحد أجدل من أحد أخذه وجره معه .
وصدق والله حذيفة بن اليمان لما دخل عليه أبو مسعود - رضي الله عنهما- أنه قال له : يا أبا عبد الله اعهد إلينا فقال حذيفة - رضي الله عنه - :(( أو لم يأتك اليقين ، أعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر وأن تنكر ما كنت تعرف وإياك والتلون في دين الله فإن دين الله واحد )) سنن البيهقي الكبرى (10/42) مصنف عبد الرزاق( 11/249) اعتقاد أهل السنة للالكائي( 1/90) الإبانة (1/ 189).
وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقل.
أخرجه الدارمي ( 310) واللالكائي ( 216) وابن بطة ( 544-548). والسنة لعبد الله بن أحمد (103).
وعن معن بن عيسى قال: انصرف مالك بن أنس يومًا من المسجد، وهو متكئ على يدي، فلحقه رجل يقال له أبو الجيرية كان يتهم بالإرجاء، فقال: يا أبا عبد الله اسمع مني شيئًا أكلمك به، وأحاجك وأخبرك برأيي. قال: فإن غلبتني؟ قال: إن غلبتك اتبعتني. قال: فإن جاء رجل آخر فكلمنا فغلبنا؟ قال: نتبعه قال مالك رحمه الله: يا عبد الله بعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بدين واحد، وأراك تنتقل من دين إلى دين. قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقل.أخرجه ابن بطة ( 562).
7- توطين النفس على الحق الذي عرفته وعدم قبول المساومة والخضوع للشبه الخطافة التي تجر إلى الضلال ..وأن لا يقيل ولا يستقيل ولا يقبل القال والقيل بغير دليل من أهل الزيغ والتعليل ، فبسبب وشاية مغرض ، أو مكر مندس أو كيد خائن أو حسد منتقم تترك الحق وأهل الحق وتنحاز مع أهل الباطل ..
فلا يكون السني إمعة شعوبيا ولا مع الكثرة يطير حيث طاروا ويصبح حيث أصبحوا ويمسي حيث أمسوا لا يبالي ولا يرعوي ؛ بل عليه أن يثبت وأن يوطن نفسه على الحق ومع الحق ..
فالواجب على السني ألا يكون إمعة يسير وراء كل داعٍ ونادٍ، وناعق وناهق بل واجبه أن يلزم ما عرفه من الحق ، واجبه أن يلزم الجماعة ، واجبه أن يلزم غرز العلماء ، واجبه إن أحسنت الجماعة أحسن ؛ بل وينافس في الإحسان ، وإن أساءت لا يسيء ؛ بل يحسن ويدل على الإحسان ويوطن نفسه عليه ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:<< لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا>>.هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
قال الشيخ الألباني :ضعيف نقد الكتاني (26) ، المشكاة (5129)و ضعيف الجامع الصغير (6271).
وعن عبد الله بن مسعود قال: (( ليُوطنن المرءُ نفسه على أنه إن كفر من في الأرض جميعاً لم يكفر))؛ لأن كل واحد سيأتي ربه فرداً، ويسأل فرداً لا علاقة له بالناس، وأن الناس لن يغنوا عنه شيئا من الله بين يدي الله ولا يجد له ناصرا ولا مدافعا بين يدي الله عز وجل.
8- وعدم الخروج على جماعة المسلمين علماء وولاة بالقول والفعل ، فإن لزوم جماعة المسلمين وإمامهم وعلمائهم في النوازل والمستجدات يعصم من الفتن والشبه الخطافة ويعصم من الضلال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :<< لا تجتمع أمتي على ضلالة >> ويقصد بالأمة هنا أهل العلم الذين هم أهل الحل والعقد، والذي عرفتهم على الحق عن طريق الحق الذي عرفته بالعلم ، وأما باقي السواد الأعظم فهم تبع لهم.
فالمؤمن قوي بإخوانه ضعيف بنفسه ، والجماعة رحمة تزيده في الاستقامة والقوة والتحزب يفرق ويضعف فيضعف يقينه وانقياده وثباته فيقع أو يضيع ..
فعلى السني السمع والطاعة في طاعة الله تعالى وأن لا يخلع يدا من طاعة في معروف وأن يتعاون مع ولاة الأمر على البر والتقوى ، واجتناب الخوض في أعراضهم ومثالبهم واجتناب إشاعتها فإن هذا مما يساعد على الثبات ويصلح الحال ويسعد العبد في المآل .
9- : عدم الخوض في الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وعدم الخوض فيما لا يعنيه ، وترك المظاهرات والإضرابات والمشاركة في الثورات أو التحريض عليها وترك السياسة والحزبيات والطائفيات ، والمداهنات ، والمناورات والحيل والمكر والتخذيل لهل الحق ، والخوض فيما يحصل بين المسلمين بغير حق فإن ذلك يسلم لك دينك ويقوي جانب الاستقامة فيك والثبات على الحق ..
10- عدم الجدال والخصومات ، مع أهل الأهواء والبدع الذين يلقون الشبه ويجادلون بالباطل .. والجلوس إليهم وموادتهم ومحبتهم فإن ذلك يدخل عليك ضعف الحب في الله والبغض فيه ويدخل عليك التعاطف معهم فيعدوك بعدها بجربهم فلا تقم من عندهم إلا وأنت مريض بالشبه تعتقد غير ما كنت عليه من الحق ..قد ضعف عند الثبات على ما عرفت فتنكر ما كنت تعرف وتعرف ما كنت تنكر ..
11- ترك الغلو والجفاء وسلوك الوسطية ، وسط الصراط المستقيم ،فلا تكفير ولا تبديع ولا تفسيق بغير حق ، ولا تمييع ولا تشدد وغلو فلا إفراط ولا تفريط ، واترك ما لا تحسن والزم وسط الطريق فإن وسط الطريق أو أوضح المسالك وأقصرها ..
واحذر من التكفير والتفسيق - - وهكذا التبديع يارفيقي
بغير حق ولا دليل يتبع - - فتحمل الوزر وفي الشر تقع
ودع غلوا وابتعد من الجفا- - والوسط اسلك يا وريث المصطفى
دليله نص صحيح قد ثبت - - في السنة الغراء صريحا مثبتا
فأرجعه إليه وبه فلتعملن - - والطيش دع واحترز من الفتن . الشيخ زيد رحمه الله .
هذه بعض الأسباب الثبات على الحق ، إذا تسمك بها السني السلفي فإنه يرجى له الخير والفوز بمرضاة الله وفيها عصمته من الانحراف عن منهج السلف الصالح وتكون سببا في نجاته من الضلال والزيغ في الدنيا والخسران يوم يقوم الناس لرب العالمين .
وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتب :
أبو بكر يوسف لعويسي
الجزائر :26/1/1436هـ