مشاركة هذا الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي
-
كِتَابُ الوَقْفِ...العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-
وَهُوَ تَحْبِيسُ الأَصْلِ وَتَسْبِيلُ المَنْفَعَةِ وَيَصِحُّ بِالقَوْلِ وبِالفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، قوله: «الوقف» مصدر وَقَفَ يقف وقفاً، ويقال: وقف، أي: توقف عن المشي، ومصدره وقوف، مثل قعد قعوداً، قال ابن مالك: وَفَعَلَ اللازمُ مِثْلُ قَعَدَا له فُعُولٌ باطِّرادٍ كَغَدَا فوقف اللازم مصدره وقوف، ووَقَفَ المتعدي الذي بمعنى أوقف الشيء، مصدره وَقْفٌ، مثل مَنَعَ يمنع مَنْعَاً. وهو لغة بمعنى الحبس، وفسره المؤلف ـ رحمه الله ـ في الاصطلاح بأنه: «تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة» . قوله: «وهو تحبيس الأصل» أي: منعه، و «الأصل» أي: العين، كالدار ـ مثلاً ـ والشجر، والأرض، والسيارة، وما أشبه ذلك؛ لأن الوقف يكون في المنقول والعقار. قوله: «وتسبيل المنفعة» يعني إطلاقها، وعلمنا بأن التسبيل بمعنى الإطلاق لقوله في الأصل إنه «تحبيس» ، فيكون ضده الإطلاق. والمعنى أن المُوقِف يحبس الأصل عن كل ما ينقل الملك فيه، ويسبل المنفعة ـ يعني الغلة ـ كأجرة البيت مثلاً، والثمرة، والزرع، وما أشبه ذلك. والأصل في هذا أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أصاب أرضاً في خيبر، وكانت نفيسة عنده، فجاء يستشير النبي صلّى الله عليه وسلّم ماذا يصنع فيها؛ لأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ينفقون مما يحبون، فأرشده إلى الوقف، وقال: «إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها» [(1)]، وفي لفظ: «احبس أصلها، وسبِّل ثمرها» [(2)]، وهذا أول وقف في الإسلام، وهو غير معروف في الجاهلية، بل أحدثه الإسلام، ففعل عمر ـ رضي الله عنه ـ وجعل لها مصارف نذكرها ـ إن شاء الله ـ فيما بعد. وكان ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به، يتأول قوله تعالى: {{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}} [آل عمران: 92] [(3)]. وأبو طلحة ـ رضي الله عنه ـ لما أنزل الله هذه الآية، جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: يا رسول الله، إن الله أنزل: {{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}}، وإن أحب مالي إليَّ «بيرحاء»، وهي اسم نخل مستقبلة مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلّم في المدينة، وكان فيها ماء عذب طيب يأتي إليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم ويشرب منه، وهذا لا شك أغلى شيء عند أبي طلحة، فقال: يا رسول الله ضَعْهَا حيثُ شِئْتَ، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «بَخٍ بَخٍ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وأرى أن تجعلها في الأقربين» ، فجعلها في قرابته وبني عمه[(4)]. ولم يذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ الحكم التكليفي للوقف، يعني هل هو جائز أو حرام، أو واجب، أو مندوب، وإنما ذكر حكمه الوضعي فقال: «ويصح» . لكن نقول: الوقف تبرع بالمال، وحبس له عن التصرف فيه، فإذا كان على جهة مشروعة كان مستحباً؛ لأنه من الصدقة، وإذا نذره الإنسان كان واجباً بالنذر، وإذا كان فيه حيف أو وقف على شيء محرم كان حراماً، وإذا كان فيه تضييق على الورثة كان مكروهاً، فيمكن أن تجري فيه الأحكام الخمسة، هذا من حيث الحكم التكليفي. فإذا جاءنا إنسان يقول: أنا أريد أن أوقف هذه الأرض لأعمر عليها مسجداً، نقول له: هذا مستحب؛ لأنه من الإحسان والصدقة، والله ـ تعالى ـ يحب المحسنين. قوله: «بالقول» بأن يقول: وقفت داري، أو وقفت سيارتي، أو وقفت أرضي، وما أشبه ذلك، وسيأتي أن القول ينقسم إلى قسمين. أما الفعل فيشترط أن يكون هناك قرينة تدل على أنه وقف، فإذا وجدت قرينة تدل على أنه وقف فهو وقف ولو نوى خلافه، ولهذا قال: وبِالفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، كَمَنْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَسْجِداً وأَذِنَ للنَّاسِ في الصَّلاةِ فِيهِ أَوْ مَقْبَرَةً وَأَذِنَ فِي الدَّفْنِ فِيهَا .. «وبالفعل الدال عليه، كمن جعل أرضه مسجداً وأذن للناس في الصلاة فيه» ، يعني بنى مسجداً وقال للناس: صلوا فيه، فهنا لم يقل: إنه وقف، لكنه فعل فعلاً يدل على الوقف؛ لأن الرجل بنى مسجداً وقال للناس: صلوا، وأما من بنى مصلى عند بستانه وصار الناس يأتون ويصلون فيه، فهذا لا يدل على أنه وقف، لكن إذا بنى مسجداً يعني على هيئة مسجد، وقال للناس: صلوا فيه، فهو وقف وإن لم يقل: وقفت؛ لأن هذا الفعل دال عليه حتى لو نوى خلافه، فإنه يكون وقفاً اعتباراً بقوة القرينة. وإذا قال: إني أردت أنه عارية، قلنا: في هذه الحال يجب أن تكتب: إني أعرت هذا المكان للناس يصلون فيه، متى احتجته أخذته، ولا بد من هذا وإلا صار وقفاً. قوله: «أو مقبرة وأذن في الدفن فيها» ، أي: سوَّر أرضه على أنها مقبرة، ولم يكتب على بابها أنها مقبرة، ولم يكتب في الوثيقة أنها مقبرة، وقال للناس: من شاء أن يدفن فيها ميتاً فليفعل، فهنا نقول: الأرض صارت مقبرة، أي: صارت وقفاً على المسلمين، ولا يمكنه أن يرجع. نعم لو أراد أن يعير أرضاً للدفن فيها، فهنا لا بد أن يكتب أنه أعار هذه الأرض للدفن فيها، وإذا أعارها للدفن فيها فإنه لا يرجع حتى يبلى الميت؛ لأن من لازم الإذن في الدفن أن يبقى الميت مدفوناً محترماً، فلا ينبش إلا إذا بلي. وهذا الفعل، أي: جعل الأرض مسجداً أو مقبرة لا يخلو من ثلاث حالات: الأولى: أن ينوي بذلك أنها مسجد أو مقبرة، فتكون كذلك ولا إشكال في ذلك. الثانية: أن ينوي خلاف ذلك، بأن ينوي بجعلها مسجداً أو مقبرة أنها مؤقتة، فقد صرح شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أنها تكون وقفاً ولو نوى خلافه؛ لأن هذه النية تخالف الواقع؛ لأن من جعل أرضه مسجداً فإنه معلوم أن المسجد سوف يبقى، فكيف تنوي أن لا يبقى؟! الثالثة: ألا ينوي هذا ولا هذا، فتكون وقفاً لا إشكال فيه. ولو أن رجلاً عنده أرض بين شارعين، فجعل الناس يستطرقون هذه الأرض وهو ساكت، فهل نقول: إن هذا الطريق صار وقفاً؟ لا؛ لأن هذا لا يدل على الوقف، فكثير من الناس إذا لم يكن محتاجاً للأرض فإنه يسمح للناس أن يتجاوزوا منها، ولكن إذا احتاجها حرفها وسد الطريق، فلا بد في الفعل من قرينة ظاهرة تدل على الوقف؛ لأن الأصل بقاء ملك الإنسان فيما يملك، ولا نخرجه عن هذا الأصل إلا بقرينة ظاهرة. وَصَرِيحُهُ وَقَّفْتُ وَحَبَّسْتُ وَسَبَّلْتُ وَكِنَايَتُهُ تَصَدَّقْتُ وَحَرَّمْتُ وَأَبَّدْتُ،.... قوله: «وصريحه» هذا يعود على القول، فالقول ينقسم إلى قسمين: صريح وكناية، وهذا يأتي في مواضع، مثلاً في الطلاق، صريح وكناية. فالضابط في الصريح: هو الذي لا يحتمل غير الوقف. والضابط في الكناية: هو الذي يحتمل الوقف وغيره. والصريح مجرد ما ينطق به يثبت الحكم؛ لأنه صريح لا يحتمل معنى آخر، والكناية لا بد فيها من إضافة شيء إما نية، أو قرينة. وهل الصرائح والكنايات أمر جاء به الشرع بحيث يستوي فيه جميع الناس، كالصلاة والزكاة والصيام والحج، أو أمر يرجع فيه إلى العرف؟ الصحيح أن جميع صيغ العقود القولية أمر يرجع فيه إلى العرف، فقد يكون هذا اللفظ صريحاً عند قوم وكناية عند آخرين، وقد لا يدل على المعنى إطلاقاً عند غيرهم، فالصحيح أنه يرجع إلى عرف الناس، فما اطرد عند الناس أنه دال على هذا المعنى فهو صريح، وما لم يطرد ولكنه يراد به أحياناً فهو كناية، وما لا يدل على المعنى أصلاً فليس بشيء، فالصريح من كل شيء ما لا يحتمل غيره عرفاً؛ لأن هذا كله جاء من الناس وإليهم. قوله: «وقَّفْتُ» ، يعني وقفت أرضي، وقفت بيتي، وقفت سيارتي، وقفت قلمي، وأي شيء يوقفه فهو وقف. قوله: «وحَبَّستُ» ، يعني حبَّست أصله، فيحمل هنا على الأصل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعمر: «إن شئت حبَّست أصلها» [(5)]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «أما خالد، فإنكم تظلمون خالداً، فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله» [(6)]، فدل على أن الحبس أو التحبيس وقف صريح. قوله: «وسبَّلت» ، أي: سبَّلت المنفعة، فإذا قال: سبَّلت داري، فالمعنى أنه سبَّل منفعته وأبقى أصله حبيساً. فمرة يذكر ما يعود على الأصل، ومرة يذكر ما يعود على المنفعة، فـ «حبَّست» تعود على الأصل، و«سبَّلت» تعود على المنفعة، فدلالة «حبست» على الوقف دلالة التزام؛ لأن من لازم قوله «حبست الأصل» أن يسبل المنفعة. وكذلك سبلت ـ أيضاً ـ دلالتها على توقيف الأصل دلالة التزام؛ لأن قوله: «سبلت المنفعة» يعني حبست الأصل، فهذه ثلاث كلمات: «وقفت، وحبست، وسبلت»، وما اشتق منها فهو مثلها، فلو قال: هذه أرض مُوَقَّفة، أو موقوفة، أو محبسة، أو مسبلة فهي صريحة، ولو قال: سأحبِّس لم ينعقد الوقف؛ لأن هذا خبر وليس إنشاء، والعقود إنشاء وإن كانت صيغتها صيغة الخبر، وقوله: أنا مسبل، أو أنا موقف، أو أنا محبس، كل هذا صريح في الوقف، ولا يشترط اجتماع هذه الكلمات، بل إذا قال كلمة واحدة منها صار وقفاً. قوله: «وكنايته» ، الكناية هي ما يحتمل المعنى وغيره. قوله: «تصدقت» ، كلمة «تصدقت» تدل على الصدقة، والصدقة يملك بها المتصَدَّقُ عليه الأصلَ والمنفعةَ، وتكون ملكاً له، فإذا قال: تصدقت على فلان بسيارتي، فالسيارة تكون ملكاً له يتصرف فيها كما يشاء، ويمكن أن تكون وقفاً إذا نوى أنها وقف. قوله: «وحرمت» ، أي: حرَّمت داري على نفسي، ولا يحرم ملك الإنسان على نفسه إلا إذا أخرجه عن ملكه. قوله: «وأبدت» كذلك هو كناية؛ لأن «أبَّدت»، أي: جعلته مؤبداً لا يُغَيَّر، ولذلك نقول: هو كناية وليس صريحاً. فهذه الألفاظ عند الإطلاق لا تدل على الوقف، لكن يحتملها الوقف بالنية. فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ مَعَ الكِنَايَةِ، أَوِ اقْتِرَانُ أَحَدِ الأَلْفَاظِ الخَمْسَةِ، أَوْ حُكْمِ الوَقْفِ. قوله: «فتشترط النية مع الكناية، أو اقتران أحد الألفاظ الخمسة، أو حكم الوقف» ، يعني أن الكناية لا يثبت بها الوقف إلا بواحد من أمور ثلاثة: الأول: النية، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»[(7)]، فإذا قال: تصدقت بسيارتي على فلان، ثم قال: إنه نوى أنها وقف عليه، فكلام المؤلف يدل على أنها تصير وقفاً، وأن المتصدَّق عليه لا يبيعها، ولا ينقل ملكها؛ لأنها وقف، لكن لو ادعى المتصدَّق عليه أنها ملك، فهنا تعارض شيئان: ظاهر اللفظ، وباطن النية، فهل نقول: إن الإنسان أعلم بنيته، وأنه يُرجع إليه؛ لأنه أخرج ملكه على هذا الوجه فلا يخرج إلا على هذا الوجه، أو نقول: إن هذه دعوى خلاف الظاهر، وهي ممكنة؛ لأنه ربما يندم على الصدقة بها، ويدعي أنها وقف حتى تكون حبيسة؟ هنا ينبغي أن يتدخل فيها القضاء، وينظر هل هذا الرجل أمين ـ بحيث يكون ما ادعاه من النية صدقاً ـ أو غير أمين؟ ويحكم بالقرائن. وإذا قال: حرَّمت سيارتي، فهذا يحتمل أن المعنى حرمها أي: حلف ألا يركبها؛ لأن التحريم يمين، كما قال الله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *}{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}} [التحريم: 1، 2] ، فيحتمل أن يقال: حرَّمتها، أي: حرَّمت ركوبها والانتفاع بها، وحينئذٍ يكون ذلك يميناً، فإذا كفر كفارة يمين عاد واستعملها. فإذا قال: حرَّمت سيارتي، ثم رأيناه يريد أن يبيعها، فهنا نقول له: هل أنت نويت الوقف أو لا؟ فإذا قال: لم أنوِ الوقف، قلنا: بعها وكفِّر كفارة يمين، وإذا قال: إنه نوى الوقف صارت وقفاً. الثاني: قوله: «أو اقتران أحد الألفاظ الخمسة» ، وهي ثلاثة ألفاظ صرائح، وكنايتان غير الكناية التي هي الصيغة؛ لأن الألفاظ ثلاث صريحة، وثلاث كناية، فاقتران أحد الألفاظ الخمسة، يعني الصرائح الثلاث والثنتين من الكناية. مثاله: أن يقول: تصدقت صدقة موقوفة على زيد، فهنا ينعقد الوقف؛ لأنه قرن مع «تصدقت» أحد ألفاظ الوقف الخمسة وهي قوله: «موقوفة» . ولو قال: حرمت هذا تحريماً مؤبداً على زيد، فينعقد الوقف؛ لأنه قرنه بالتأبيد حيث قال: «تحريماً مؤبداً» . ولو قال: أبدت هذا على زيد صدقة، فينعقد الوقف؛ لأنه اقترن به أحد الألفاظ الخمسة وهي «صدقة» . الثالث: قوله: «أو حكم الوقف» ، يعني يقترن بها حكم الوقف، ومن أحكام الوقف أنه لا يباع، فإذا قال: تصدقت بهذا على زيد صدقة لا تباع، صار وقفاً، ولو قال: تصدقت على زيد صدقة، فلا يكون وقفاً؛ لأن المؤلف يقول: «أو حكم الوقف» . وقوله: «أو حكم الوقف» كان الأولى أن يقول: «أو بما يدل على الوقف»؛ لأنه أعم. فمثلاً إذا قال: صدقة لا تباع، فهذا اقترن به حكم الوقف بأنه لا يباع، أو صدقة لا ترهن كذلك، وما يدل عليه كما لو قال: تصدقت بهذا على زيد ومن بعده عمرو، فهذا ليس فيه حكم الوقف، لكن فيه ما يدل على الوقف، وهو أنه جعله مرتباً، إذ أن الصدقة المحضة إذا تصدق بها على زيد لم تنتقل إلى غيره، وإذا قال: تصدقت به على فلان والناظر فلان، فهذا وقف أيضاً؛ لأن النظر إنما يكون في الأوقاف، فالتعبير بقوله: أو ما يدل على الوقف، أولى من قوله: (من حكم الوقف) لأن حكم الوقف غير شامل. ولم يذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ شروط الواقف، فيقال: يشترط في الواقف أن يكون عاقلاً، فلو قال المجنون: وقفت بيتي فإن الوقف لا يصح. ويشترط أن يكون بالغاً، فلو قال مراهق: وقفت بيتي لطلبة العلم فلا يصح الوقف؛ لأنه غير بالغ. وهل يشترط أن يكون جائز التبرع، بمعنى أنه ليس عليه دينٌ يستغرق مالَهُ؟ في هذا خلاف بين العلماء، وهو مبني على جواز تصرف من عليه دين، فإن قلنا بجواز تصرف من عليه دين يستغرق ماله، قلنا بجواز الوقف، وإن لم نقل ذلك قلنا: لا يصح وقفه. والصحيح أنه لا يصح تبرعه؛ لأن من عليه دينٌ يستغرق ماله فقد شغله بالدين، وقضاء الدين واجب، والتبرع والصدقة مستحب، فلا يمكن أن نسقط واجباً بمستحب، فالصحيح أنه لا يصح منه الوقف والعتق ولا يجوز له أن يتصدق، أما المذهب فيجوز إلا إذا حُجر عليه من قبل القاضي، فإنه لا يصح أن يتبرع. ويشترط أن يكون جائز التصرف من باب أولى، فلو كان بالغاً عاقلاً لكنه سفيه لا يحسن التصرف في ماله فإنه لا يصح وقفه؛ لأنه ليس جائز التصرف، فإن كان لا يصح أن يبيع ماله فتبرعه به من باب أولى ألا يجوز، وأما شروط الوقف فقال: وَيُشْتَرَطُ فِيهِ المَنْفَعَةُ دَائِماً مِنْ مُعَيَّنٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَعَقَارٍ وَحَيَوَانٍ وَنَحْوِهِمَا، «ويشترط فيه المنفعة» ، يعني يشترط للوقف شروط: أولاً: أن يكون فيه منفعة، فأما ما لا منفعة فيه فإنه لا يصح وقفه كما لا يصح بيعه، وأي شيء يستفيد الموقوف عليه من شيء لا منفعة فيه؟! كما لو أوقف حماراً هرماً، فهذا لا منفعة فيه؛ لأنه لا يركب ولا يحمل عليه، وإنما يؤذي بنفقته، فهذا لا يصح فيه الوقف؛ لأنه ليس فيه منفعة. قوله: «دائماً» ، كذلك ـ أيضاً ـ لا بد أن تكون المنفعة دائمة، فإن كان من معيَّن فيه منفعة مؤقتة فإنه لا يصح وقفه. مثال ذلك: رجل استأجر بيتاً لمدة عشر سنوات، ثم أوقف هذا البيت على شخص، فالوقف هنا لا يصح؛ لأن المنفعة غير دائمة، المنفعة مدة الإجارة فقط، ولأنه في الإجارة لا يملك المستأجر إلا المنفعة ولا يملك العين. وهل يصح وقف عَبْدٍ حُكِمَ عليه بالسجن، ثم القتل بعد شهر مثلاً، أو لا يصح؟ الجواب: يصح؛ لأن منفعته الولاء؛ لأنه إذا أوقفه ثم أعتقه الموقوف عليه، وقلنا بصحته فله الولاء. قوله: «من معيَّن» ، ضده المبهم، فلا يصح وقفه، مثل أن يقول: وقفت أحدَ بيتي، فهذا لا يصح؛ لأنه مبهم غير معين. وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن تكون القيم متساوية أو غير متساوية؛ لأنه لم يعينه، والصحيح أنه إذا كانت متساوية فإنه يثبت الوقف. مثال ذلك: إنسان عنده شقق متساوية من كل وجه، فقال: وقفت إحدى شققي على فلان، فهنا لا مانع؛ أولاً: لأنه عقد تبرع، والتبرع يتسامح فيه ما لا يتسامح في غيره. ثانياً: أن القيم متساوية، فلا فرق بين اليمين أو الشمال، وكما أنه أحد القولين في مسألة البيع ـ وهو معاوضة مبنية على المشاحة ـ أنه إذا تساوت القيم جاز بيع المبهم، بأن يقول: بعت عليك إحدى هاتين السيارتين. وقوله: «من معين» ظاهر كلامه أنه لا يصح وقف ما ليس بمعين، يعني ما لم تثبت عينه. مثال ذلك: إنسان اشترى من شخص سيارة موصوفة، صفتها كذا وكذا، ثم أراد أن يوقفها، فهذه لا يصح وقفها؛ لأنها دين في الذمة غير معينة. وظاهر كلام المؤلف: أنه لا يشترط أن يكون معلوماً، فلو وقف أحد عقاراته بدون أن يعلمه فإنه يصح وقفه؛ لأن هذا معين، والمذهب أنه لا يصح؛ لأنه مجهول، وإذا كان مجهولاً فإنه قد يكون أكثر مما قد يتصوره الواقف، والراجح صحة هذا؛ لأنه لم يجبر على الوقف؛ وليس الوقف مغالبة حتى يقول: خدعت أو غلبت؛ بل الوقف تبرع أخرجه الإنسان لله تعالى، كما لو تصدّق بدراهم بلا عدٍّ فتصح وتنفذ ولا يصح الرجوع فيها؛ لأنه تصدَّق وتبرَّع؛ فلهذا كان الراجح أنه يصح وقف المعيّن وإن كان مجهولاً؛ لأنه تبرّع محض إذا أمضاه الإنسان نفذ. قوله: «ينتفع به» ، أي: بهذا المعين. قوله: «مع بقاء عينه» ، هذا هو الشرط المهم هنا، فإن كان لا يمكن أن ينتفع به إلا بتلف عينه فإنه لا يصح وقفه؛ لأن الوقف حبس الأصل وتسبيل المنفعة، فلو وقف جراب تمر على الفقراء فإنه لا يصح؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا بتلف عينه؛ لأن الفقراء سوف يأكلونه وإذا أكلوه لم تبق عينه، فلا بد أن يكون من معيَّن يُنتفع به مع بقاء عينه. ولو وقف خبزاً على الفقراء فلا يصح؛ لأنه لا يمكن أن يُنتفع به مع بقاء عينه. واستثنوا من هذا الماء، فقالوا: إن وقفه يصح؛ لأنه ورد عن السلف[(8)]، فيجوز أن يوقف هذه القربة على العِطَاش من المسلمين، فيقال: إن وروده عن السلف يدل على جواز مثله إذ لا وجه لاستثنائه. فالصواب أنه يجوز وقف الشيء الذي لا ينتفع به إلا بتلفه، فإذا قال: هذا الجراب من التمر وقف على الفقراء، قلنا: جزاك الله خيراً، وقبل منك، وهو بمنزلة الصدقة. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وهو الصواب، أنه يجوز وقف الشيء الذي ينتفع به مع تلف عينه. فإن وقف دراهم للقرض، وقال: هذه وقف لإقراض المحتاجين، فهل يصح أو لا يصح؟ على المذهب لا يصح؛ لأنه لا يمكن أن ينتفع بالدراهم إلا بتلفها، يأخذها المستقرض ويشتري بها حاجاته فتتلف. والصحيح أن هذا جائز؛ لأنه إذا جاز وقف المعين الذي يتلف بالانتفاع به، فوقف مثل هذا من باب أولى؛ لأنه إذا استقرضه سيرد بدله ويكون دائماً. إذاً الصواب جواز وقف الدراهم لإقراضها المحتاجين، ولا حرج في هذا، ولا دليل على المنع، والمقصود إسداء الخير إلى الغير. قوله: «كعقار» ، مثل الدور والدكاكين والأراضي التي تزرع أو تستأجر أحواشاً أو مستودعات، فهذه يجوز أن يوقفها. قوله: «وحيوان» ، الحيوان ينتفع به؛ لأنه إن كان مركوباً فبركوبه، وإن كان محلوباً فبحلبه، والحيوان يمكن أن ينتفع به مع بقاء عينه، فإن قال: وقفت هذه الشاة لِتُطْعَم للفقراء، فهل يصح أو لا يصح؟ على المذهب لا يصح؛ لأنه قيَّده بما يمكن الانتفاع به مع بقائه، فهو كما لو وقف التمر والأرز والبر وما أشبهه. قوله: «ونحوهما» في الوقت الحاضر مثل السيارات، فيصح وقفها، وكذا الأقلام؛ لأنها تستعمل مع بقاء عينها، لكن الأقلام التي تستهلك مثل الرصاص، قد نقول: إن الرصاص الذي فيها بمنزلة المداد فيصح وقفها، وقد نقول: إن المقصود من هذا القلم هو الرصاصة التي فيه، ولا يمكن الانتفاع به إلا بتلفها، فلا يصح على المذهب. ومن ذلك ـ أيضاً ـ الأقلام السابقة، فقد كانت الأقلام فيما سبق من أغصان الشجر اليابسة، تؤخذ وتُبْرَى بمبراة ويكتب بها ـ وقد أدركنا هذا ـ فهذه لا بد أن تتآكل، مثل أعواد الأراك فإنها تتآكل، فالظاهر أنه على قاعدة المذهب لا يصح، ولكن قد يقال بالصحة؛ لأن استهلاكها يسير والانتفاع بها يطول، وليست كالأكل، مثل التمر والبر وما أشبه ذلك. فهذا الشرط الأول يشتمل على أكثر من شرط، فلا بد أن يكون فيه منفعة، وأن تكون دائمة، وأن يكون معيَّناً، وأن ينتفع به مع بقاء عينه، فهو شرط واحد يشتمل على أربعة شروط. وَأَنْ يَكُونَ عَلَى بِرٍّ كَالمَسَاجِدِ وَالقَنَاطِرِ والمَسَاكِينِ والأَقَارِبِ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ... قوله: «وأن يكون على بِرٍّ» ، هذا هو الشرط الثاني أن يكون على بِرٍّ، قال الإمام أحمد: لا أعرف الوقف إلا ما أريد به وجه الله، ولأن عمر ـ رضي الله عنه ـ أراد بوقفه التقرب إلى الله[(9)]. وهذا الشرط فيه تفصيل، فإن كان على جهة عامة فإنه يشترط أن يكون على بر، وإن كان على معين فإنه لا يشترط أن يكون على بِرٍّ، لكن يشترط ألا يكون على إثم، والفرق بين هذا وهذا يظهر بالمثال، فمثال الجهة العامة: قوله: «كالمساجد» ، فلو عَمَرَ الإنسان مسجداً وأوقفه، فهذا على بِرٍّ، إلا إذا عمر مسجداً على قبر فهنا يحرم ولا يصح؛ لأن هذا ليس ببر، بل هو إثم. أو بنى مسجداً من أجل أن تقام فيه البدع، فهذا ـ أيضاً ـ لا يصح؛ لأنه ليس على بر، فمراده بالمساجد، أي: التي على بر وتقوى. فإن كان الوقف على مسجد معيَّن تعين فيه، ولا يجوز صرفه إلى غيره، وإن كان على المساجد عموماً وجب على الناظر أن يبدأ بالأحق فالأحق، سواء كانت هذه الأحقية عائدة إلى ذات المسجد أو إلى المصلين فيه. قوله: «والقناطر» جمع قنطرة وهي الجسر على الماء للعبور عليها، فلو بنى قنطرة على نهر فهنا يصح أن يوقفها؛ لأنها على بر، ويصح أن يؤجرها لأنها ملكه. فإذا قال قائل: القناطر يمشي عليها المسلم والكافر، فما الجواب؟ نقول: العبرة بالقصد، وهذا قصد البر، والكافر الذي يعبر عليها، إما أن يكون ممن تحل له الصدقة، وإما أن يكون ممن لا تحل له الصدقة، لكن يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً. قوله: «والمساكين» ، المساكين جهة بر؛ لأنهم في حاجة، فإذا وقف هذا البيت على المساكين، فهذه جهة بر، ويقدم الأحوج فالأحوج؛ لأن الحكم إذا علق بوصف ازداد قوة بحسب قوة الوصف فيه. قوله: «والأقارب» أيضاً الأقارب نفعهم بر؛ لأنه من الصلة، فإذا قال: هذا وقف على أقاربي ـ ولو كانوا غير مسلمين ـ صح الوقف؛ لأن صلة القرابة من البر، والأقارب من الجد الرابع فنازل، فالإخوان والأعمام وأعمام الأب وأعمام الجد وأعمام جد أبيك فهؤلاء أقارب، ومن فوق الجد الرابع فليسوا بأقارب، وإن كان فيهم قرابة لكن لا يُعَدُّون من الأقارب الأدْنَيْن، ولهذا لما أنزل الله: {{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ *}} [الشعراء] ، لم يدع النبي صلّى الله عليه وسلّم كل قريب، بل دعى من شاركوه في الأب الرابع فما دون[(10)]. والوصف هنا القرابة، فيقدم الأقرب، إلا إذا علمنا أن مراد الواقف دفع الحاجة دون الصلة، فيقدم الأحوج ولو بَعُد. قوله: «من مسلم وذمي» ، يعني سواء كان القريب مسلماً أو كان ذمياً، أو معاهداً؛ لأن المعاهد والمُسْتأمِن والذمي كلهم معصومون، والصدقة عليهم جائزة، ولأن وصف القرابة ينطبق عليهم جميعاً وإن كانوا مخالفين في الدين، فإذا قال: هذا وقف على فلان، وهو ذمي، فلا بأس ولو كان كافراً؛ لأن الله يقول: {{لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}} [الممتحنة: 8] . وقوله: «من مسلم وذمي» ، كأن المؤلف أسقط المعاهد والمستأمن؛ لأن العهد لا يدوم، وكذلك الأمان لا يدوم، بخلاف عقد الذمة فالأصل فيه الدوام. غَيْرَ حَرْبِيٍّ وَكَنِيسَةٍ وَنَسْخِ التَّوْرَاةِ والإِنْجِيلِ وَكُتُبِ زَنْدَقَةٍ ........ قوله: «غير حربي» ، الاستثناء هنا منقطع؛ لأن الحربي ليس من الذمي في شيء، فالحربي هو الكافر الذي ليس بيننا وبينه ذمة ولا عهد ولا أمان، يعني لا يصح الوقف على حربي، ولا على مرتد؛ لأن هؤلاء ليس لهم حرمة، ولا يُرَادون للبقاء، فإذا كان من شرط الوقف أن يكون الموقوف ذا بقاء، فالموقوف عليه من باب أولى، فهؤلاء ـ أي: الحربي والمرتد ـ الواجب قتلهم، إلا أن يسلموا، فإذا قال: هذا وقف على أخي، وأخوه حربي، فالوقف غير صحيح. وإذا قال: هذا وقف على أخي، وأخوه لا يصلي فإنه لا يصح الوقف؛ لأنه إذا كان على معين فيشترط ألا يكون فيه إثم. قوله: «وكنيسة» وهي متعبَّد النصارى، يعني بمنزلة المساجد للمسلمين، والبيعة لليهود، والصومعة للرهبان، فإذا وقف على الكنيسة فإن الوقف لا يصح، فَدُورُ الكُفْرِ لا يصح الوقف عليها لقوله تعالى: {{وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}} [المائدة: 2] . وظاهر كلام المؤلف سواء كان المُوقِف مسلماً أو نصرانياً؛ لأنه إن كان مسلماً فالأمر ظاهر، وإن كان نصرانياً، فالحكم بصحة الوقف إعانة لهم على الإثم، ولا يحل، فإذا وقف النصراني على الكنيسة أبطلنا الوقف؛ لأن هذه جهة، والجهة لا بد أن تكون على بر. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا كان الذي أوقف على الكنيسة نصرانياً فإن الوقف يصح؛ لأنهم يدينون لله تعالى ـ وإن كان دينهم باطلاً ـ ببناء الكنائس والإنفاق عليها، ونحن نقرهم على دينهم، والمال ليس مالنا حتى نقول: لا يمكن أن يصرف مال المسلم في معابد الشرك، فالمال ماله هو، وهذا ليس ببعيد إذا لم يتحاكموا إلينا، فإن تحاكموا إلينا وجب الحكم بينهم بما أنزل الله. قوله: «ونَسْخِ التوراة والإنجيل» ، يعني لا يجوز الوقف على نسخ التوراة، فلو أوقف مالاً لنسخ القرآن الكريم، ومالاً لنسخ التوراة، ومالاً لنسخ الإنجيل، فالأول يصح؛ لأنه قربة، والثاني والثالث لا يصح؛ لأن هذه الكتب كتب محرفة من حيث ذاتها، منسوخة من حيث أحكامها، فلا يعتمد عليها إطلاقاً، وما فيها من حق فقد تضمنته الشريعة الإسلامية. فلا يجوز لأحد أن ينسخ التوراة أو الإنجيل أو يقرأها أو يوزعها؛ لأن فيما أنزل الله علينا كفاية؛ ولأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فربما يزيِّن له شيئاً من التوراة والإنجيل يصده عن القرآن. وهل يجوز للنصراني ـ مثلاً ـ أن يوقف شيئاً لنسخ الإنجيل؟ فيه تفصيل إن كان على نسخ ونشر فإننا نمنعه، وإن كان على نسخه لينتفع به النصارى فقط، فقد يقال: لا بأس به، على أن في نفسي منه شيئاً؛ لأنه يمكن أن يوزع على الناس، فخطره أعظم من تعمير الكنيسة، وقد يقال بالمنع. قوله: «وكتب زندقة» ككتب الشيوعية، أو كتب البدع المكفرة أو المفسقة، فلا يجوز الوقف عليها، فلو أوقف إنسان شيئاً على مؤلفات الزنادقة، فإنه لا يصح الوقف؛ لأنه إعانة على الإثم والعدوان. فإذا وقف الشيوعي على نشر كتب الشيوعية، فهل نقول: هذا كإيقاف النصراني على نسخ الإنجيل؟ لا؛ لأن النصراني له شبهة، فالإنجيل مُنزل من عند الله، لكنه محرف ومنسوخ، بخلاف الشيوعي فكتب الشيوعية كتب ضلال وإلحاد، وليست من عند الله، فيمنع من إثبات الأوقاف فيها والعمل بها مطلقاً، وكذلك كتب البدع يمنع، فلا يوقف أي شيء في بلاد الإسلام على نسخ كتب البدع. الخلاصة : أنه إذا كان الوقف على جهة فلا بد أن يكون على بر، وإذا كان على معين فلا يشترط أن يكون على بر؛ لأنه قد يقصد منفعة هذا المعين بعينه، لا التقرب إلى الله عزّ وجل، لكن يشترط ألا يكون فيه إثم، فإذا كان على إثم فلا يصح، ولنضرب لهذا أمثلة: وقف على المساكين يصح؛ لأنه بر. وقف على الأغنياء، لا يصح؛ لأن هذه جهة، والجهة لا بد أن يكون الوقف فيها على بر، والأغنياء ليسوا أهلاً للصدقة. وقف على ضارب الدفوف، فيه تفصيل: إذا كان على ضاربات الدفوف في العرس، فهذا يجوز؛ لأنه قربة، ويسن إعلان النكاح والدف فيه للنساء. وإذا كان على لاعبي الكرة، فهذا لا يصح؛ لأن هذه جهة، ولا بد أن تكون على بر، وهذا ليس ببر. ولو وقف على فلان اليهودي فهذا يصح؛ لأنه على معين. ولو وقف على نصراني معين، فهذا يصح؛ لأن هذا مما لم ننه عن بره، والوقف بر وليس فيه نهي، فالواقف لم يرتكب ما نهى الله عنه، ولم يصدق عليه أنه عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن الله قد أذن في ذلك. ولو وقف على داعية للنصرانية؛ فهذا لا يصح؛ لأن هذا معناه تشجيع هذا الرجل على باطله، ومن باب أولى أن يوقف على الكنائس والصوامع والبيع، وما أشبه ذلك. وَكَذَا الوَصِيَّةُ وَالوَقْفُ عَلَى نَفْسِهِ، ..... قوله: «وكذا الوصية» ، يعني أن الوصية لا تصح على جهة عامة إلا أن تكون على بر، أما إذا كانت على جهة معينة كشخص معين، فلا بأس ألا تكون على بر، لكن لا يجوز أن تكون على إثم. والفرق بين الوصية والوقف: أولاً: أن الوقف عقد ناجز، فإذا قال الرجل: وقفت بيتي، أو وقفت سيارتي، أو وقفت كتبي، فيكون وقفاً في الحال. والوصية تكون بعد الموت، فيقول مثلاً: أوصيت بداري للفقراء. ثانياً: أن الوقف ينفذ من جميع المال، فلو وقف جميع ماله نفذ، إلا أن يكون في مرض موته المخوف. والوصية لا تكون إلا من الثلث فأقل، ولغير وارث، وما زاد على ذلك، أو كان لوارث، فلا بد من موافقة الورثة على هذه الوصية. فلو قال: أوصيت ببيتي لفلان، ثم توفي، وحصرنا تركته بعد موته فوجدنا أن هذا البيت أكثر من الثلث، فالذي ينفذ من البيت ما يقابل الثلث فقط، فإذا كان هذا البيت النصف فإنه ينفذ منه ثلثاه؛ لأن ثلثي النصف بالنسبة للكل ثلث. لكن لو أجاز الورثة وقالوا: ليس عندنا مانع، فإن ذلك لا بأس به، وهذه هي قاعدة المذهب، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ الكلام عليها، وتحريرها. قوله: «والوقف على نفسه» يعني لا يصح، بأن يقول: وقفت على نفسي بيتي الفلاني، قال الإمام أحمد: لا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله. والمُوقف على نفسه لم يصنع شيئاً؛ لأنه أخرج ملكه إلى ملكه، فما الفائدة؟ فإن قالوا: الفائدة ألا يبيعه؛ لأن الوقف لا يجوز بيعه، قلنا: ومن الذي يجبره على بيعه؟! يبقيه حراً غير وقف ولا يبيعه. فإن قال: أخشى أن تغلبني نفسي على بيعه، فأوقفه على نفسي، فهنا تكون الفائدة، فإذا كان الإنسان يخشى على نفسه أن يبيع بيته فأوقفه على نفسه خوفاً من ذلك، فهذه فائدة، ولا شك أن لها وزناً وقيمة؛ ولذلك اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ هل يصح أن يقف الإنسان على نفسه أو لا؟ فالمذهب: أنه لا يصح، وعليه فيرجع الوقف إليه ملكاً؛ لعدم صحته، فيجعل عقد الوقف وعدمه سواء. ولكن إذا وقفه على نفسه ثم ذكر أحداً بعد نفسه انتقل إليهم في الحال، مثل أن يقول: هذا وقف على نفسي، ومِنْ بَعْدِي على أولاد فلان، فنقول: ينتقل في الحال إلى أولاد فلان، ولا يصح أن يقف على نفسه، ومثل ذلك لو وَقَّف على نفسه ثم طلبة العلم، انتقل مباشرة إلى طلبة العلم. أما إذا لم يذكر أحداً بعده، بأن قال: وقفت هذا على نفسي، وسكت، فالوقف لا يصح ويبقى ملكاً حراً غير وقف؛ لأن هذا الوقف لم يصح، ولم يُذكر له مآل يُصرف إليه، فيرجع إلى الواقف. والحقيقة أن قولهم: إنه يصرف إلى من بعده وقفاً، يؤيد القول بأن الوقف على النفس صحيح؛ لأننا إذا قلنا: إنه لا يصح وجب ألا يصح، ولا يصرف إلى من بعده، إذ كيف يصرف إلى من بعده وهو لم يكن وقفاً صحيحاً؟! والقول الثاني: أنه يصح الوقف على النفس، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، وجماعة من العلماء المحققين؛ لأن الوقف على النفس فيه فائدة، وهي الامتناع من التصرف فيه، فلا يبيعه ولا يهبه ولا يرهنه، وأنه إذا مات صرف مصرف الوقف المنقطع، ولم يكن ميراثاً للورثة. ولكن لو فعل هذا تحيلاً لإسقاط حق الغرماء، مثل أن يكون رجلاً مديناً، فأوقف بيته على نفسه لئلا يُباع في دَينه، فالوقف هنا غير صحيح، حتى لو فرض أنه وقفه على غير نفسه حيلة ألا يباع في الدَّين، فإنه لا يصح الوقف، وهذا هو القول الراجح أن الإنسان الذي عليه دَين يستغرق ماله، فإنه إذا أوقف شيئاً من ماله لا يصح؛ لأن ماله الآن تعلق به حق الغرماء؛ ولأن وفاء الدين واجب والوقف سنة، ولا يمكن أن تقوى سنة على إسقاط واجب. ولكن لو وقف وقفاً معلقاً بصفة، واتصف الواقف بهذه الصفة، مثل أن يقول: هذا وقف على طلبة العلم أو الفقراء، ثم أصبح الواقف طالبَ علم أو فقيراً فإنه يصح؛ لأنه لم يوقفه على نفسه ابتداءً. وَيُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ المَسْجِدِ وَنَحْوِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ لا مَلَكٍ وَحَيَوَانٍ وَحَمْلٍ وَقَبْرٍ لا قَبُولُهُ وَلاَ إِخْرَاجُهُ عَنْ يَدِهِ. قوله: «ويشترط في غير المسجد ونحوه أن يكون على معيَّن يَملِك» ، هذا هو الشرط الثالث، فيشترط أن يكون على معيَّن يَملِك. وقوله: «في غير المسجد» مثل المكتبة، أو الكتب، وما أشبه ذلك. وقوله: «ونحوه» يريد به الجهات العامة، كالفقراء وطلبة العلم والمجاهدين وما أشبه ذلك، فإذا كان على جهة فإنه لا يشترط في الموقوف عليه أن يكون معيناً يملك فيشترط في غير الجهة أن يكون على معين يملك، فإذا أوقف هذا البيت على مسجد يصرف ريعه في مصالح المسجد، فهذا معين لكنه لا يملك، وإذا أوقف على الفقراء، فهو غير معين ولكنه يملك، ونحن نشترط أن يكون على معين ويملك. فصار الوقف على جهة لا تملك لا بأس به، والوقف على جهة عامة ولو كانت تملك لا بأس به. وقوله: «أن يكون على معين» ضده المبهم، فإذا قال: هذا وقف على زيد أو عمرو، أو على أحد هذين الرجلين، فالوقف غير صحيح؛ لأنه غير معين، ولا ندري من هو الذي له الوقف من هذين. وقال بعض العلماء: يصح ويخرج أحدهما بقرعة؛ لأن هذا أقرب إلى مقصود الواقف، إذ إن الواقف يريد أن يبر أحد هذين ولكن لا يدري أيهما أصلح، وهذا القول أقرب للصواب اتباعاً لمقصود الواقف، فالواقف أخرج هذا عن ملكه ولا يريده، لكن أشكل عليه هذا أو هذا، فقال: هو وقف على أحد هذين الرجلين إما فلان وإما فلان، فهنا يخرج بقرعة. لكن لو قال: إما فلان، وإما فلان، والنظر لفلان الثالث، فهنا نقول لفلان الناظر: أعطه من ترى أنه أصلح، فإذا كان أحدهما أشد حاجة، أو أشد طلباً للعلم، أو ما أشبه ذلك فلا حرج أن يُعْطى إياه؛ لأننا نعلم أن مقصود الواقف هو البر والإحسان. ولا بد أن يكون المعين يملك، فإن كان على معين لا يملك لم يصح، مثاله: قوله: «لا مَلَكٍ» ، فلو وقف على مَلَك معيَّن، كجبريل مثلاً، قال: هذا وقف على جبريل ـ عليه السلام ـ؛ لأنه أمين الله على وحيه، فهذا لا يصح؛ لأنه لا يملك، وإذا كان لا يملك فلا يصح. قوله: «وحيوان» ، مثل أن يقول: هذا وقف على فرس فلان، فهذا لا يجوز؛ لأن الفرس لا يملك، أما لو قال: على خيول الجهاد، فهذه جهة وليست بمعين، فيصح؛ لأنها عامة، وكلامنا على المعين فلا بد أن يكون ممن يملك، لكن لو تأملت مقصود الواقف حينما قال: هذا وقف على الفرس الفلاني، وهو يريد أن ينفع هذا الفرس؛ لأنه يقاتل عليه في سبيل الله، فهنا يصح على ما نراه. فالقول الثاني في الحيوان: أنه إذا كان هذا الحيوان مما ينتفع به في الدِّين، أو له عمل بر، فلا بأس أن يوقف عليه، ويصرف في مصالحه في رعيه، أو في بناء حجرة له في الشتاء أو في الصيف أو ما أشبه ذلك، فإن استغنى عنه صرف فيما يشابهه. قوله: «وحمل» ، كذلك لا يصح الوقف على الحمل في البطن، مثل أن يقول: هذا وقف على ما في بطن هذه المرأة، فهنا لا يصح؛ لأن الحمل لا يملك، وإذا كان لا يملك الإرث مع قوة نفوذه فهنا من باب أولى، وإذا كان لا يملك فإنه لا يصح الوقف عليه، لكن يصح عليه تبعاً، كما لو قال: على فلان ومن يولد له فلا بأس، وأما استقلالاً فلا؛ وذلك لأن الحمل لا يملك. ولو ذهب ذاهب إلى صحة الوقف على الحمل أصالة لم يكن بعيداً، ونقول: إن خرج هذا الحمل حيًّا حياة مستقرة استحق الوقف، وإلا بطل الوقف ما لم يذكر له مآلاً. مثال ذلك: رجل قال: هذا وقف على ما في بطن زوجة ابني، فما المانع من الصحة؟! فيقال: إذا وضعت طفلاً حيًّا حياة مستقرة صار الوقف له، وإلا بأن وضعت ميتاً بطل الوقف، إلا أن يذكر له مآلاً، مثل أن يقول: هذا وقف على ما في بطن زوجة ابني ثم المساكين، فإنه ينتقل إلى المساكين إذا خرج الحمل ميتاً، فلو قال أحد بهذا لكان قولاً وجيهاً. قوله: «وقبر» ، فلو وقف على القبر فالوقف غير صحيح؛ لأن القبر لا يملك، ولأنه وسيلة إلى المحرم؛ لأنه لا ينتفع القبر بهذا، فإذا قال: أنا لا أريد أن أُزَوِّقَ القبر، أو أعلق عليه السرج أو ما أشبه ذلك، لكن أريد إذا انخسف أن يجدد؛ لأنه في بعض الأحيان تكثر الأمطار، وتنزل إلى اللبن الموضوع على اللحد ثم ينخسف القبر، فيحتاج إلى ترميم، فإننا نقول: لا يجوز حتى في هذه الحال؛ لأن هذه حال نادرة، فلا تصح. فإذا قال قائل: إذا كان القبر قبرَ وَلِيٍّ له سدنة وله خدم وله زوار، فإننا نقول: هذا لا يصح من باب أولى؛ لأنه وسيلة إلى الشرك، وقد يكون شركاً أكبر لمن يزورونه. قوله: «لا قبوله» ، يعني لا يشترط في الوقف على معين أن يقبله ذلك المعين، ولا في الوقف على جهة أن يقبله الولي على تلك الجهة، أو جميع أفراد هذه الجهة، فلا يمكن أن نحيط بجميع الفقراء ونسألهم هل يقبلون أو لا؟ فإذا قال: هذا البيت وقف على فلان، وقال فلان: أنا لا أريده، نقول: الوقف الآن نفذ ويصرف إلى من بعده إن ذكر له مآلاً، وإلا صرف مصرف الوقف المنقطع، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ بيان لمن يكون الوقف إذا انقطع من يستحقونه. وقوله: «لا قبوله» ، نص على نفي كون القبول شرطاً؛ لأن من العلماء من قال: إن الوقف على معين يشترط قبول المعين له، وهذا القول جيد؛ لأننا كيف نلزم الشخص أن يُدخل ملكه هذا الشيء بدون رضاه؟! فإذا قال: أنا لا أقبل، كما لا أقبل أن تهدي لي هدية، أو تهب لي هبة، لا أقبل أن توقف علي شيئاً، فالقول بأنه لا بد من قبول المعين إذا وُقِفَ عليه الوقف قول قوي، أقوى من القول بعدم اشتراطه. قوله: «ولا إخراجه عن يده» ، يعني ولا يشترط إخراج الوقف عن يد الواقف، فلو وقف البيت وبقيت يده عليه، فالوقف يخرج عن ملكه وإن لم يخرج عن يده، ولهذا لو أن إنساناً وضع دراهم في جيبه على أنها صدقة، ثم بدا له ألا يتصدق، فهذا يجوز ولا بأس به، فهي ما دامت في يدك إن شئت أمضيتها وإن شئت رددتها، لكن الوقف إذا وقف نفذ ولو كان تحت سيطرته وتحت يده. فالشروط التي ذكرها المؤلف ـ رحمه الله ـ هي: الأول: دوام المنفعة، فلا يصح توقيف العين التي تتلف بالانتفاع بها. الثاني: أن يكون الموقوف معيَّناً، فلا يصح: وقفت أحد هذين البيتين. الثالث: أن يكون على بر، إذا كان على جهة عامة. الرابع: أن يكون على معين يملك. الخامس: قبوله على قول من يرى أنه يشترط قبوله، أما على القول الثاني فليس بشرط. ويَجِبُ العَمَلُ بِشَرْطِ الوَاقِفِ فِي جَمْعٍ وَتَقْدِيمٍ وَضِدِّ ذَلِكَ واعْتِبَارِ وَصْفٍ وَعَدَمِهِ وَتَرْتِيبٍ وَنَظَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، .............. قوله: «ويجب العمل بشرط الواقف» ، أي: على من كان ناظراً على الوقف، وسيأتي بيان من هو الناظر. وقوله: «بشرط الواقف» ، أي: بما شرط من وصف أو قيد أو إطلاق أو جهة أو غير ذلك، فلا يُرجع في ذلك إلى رأي الناظر، بل إلى ما شرط الواقف، فيُعمل به بشرط ألاّ يخالف الشرع، والدليل: أن الله ـ عزّ وجل ـ قال في الوصية: {{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *}} [البقرة] ، فبيَّن الله ـ تعالى ـ أن من بدل الشرط الذي اشترطه في نقل ملكه بعدما سمعه فعليه الإثم، وهدد من التبديل بقوله: {{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}}، ومن السنة أن عمر ـ رضي الله عنه ـ اشترط في إيقافه في خيبر شروطاً[(11)]، ولولا أنه يجب تنفيذها لكان اشتراطه لها لا فائدة منه. والتعليل لأن الواقف أخرج ملكه عن هذا الموقوف على وصف معين، فلا يجوز أن يتجاوز به إلى غيره. وظاهر كلام المؤلف أنه لا يجوز ولو كان ذلك فيما هو أفضل، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء: فمنهم من يقول: إن الواقف إذا شرط شروطاً في الوقف، ورأى الناظر أن غير هذه الشروط أنفع للعباد، وأكثر أجراً للمُوقف، فإنه لا بأس أن يصرفه إلى غيره. أما الأولون فقالوا: إن هذا الرجل أخرج ملكه عن هذا الوقف على وجه معين، فلا يجوز أن يتصرف في ملكه إلا حسب ما أخرجه عليه. وأما الآخرون الذين قالوا بالجواز فيقولون: إن أصل الوقف للبر والإحسان، فما كان أبر وأحسن فهو أنفع للواقف وللناس، واستدل هؤلاء بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أتاه رجل عام الفتح وقال: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، فقال له: «صل هاهنا» ، فأعاد عليه فقال: «صل هاهنا» ، فأعاد عليه فقال: «شأنك إذاً»[(12)]. والوقف شبيه بالنذر، فإذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أجاز للناذر أن ينتقل إلى الأفضل فالواقف كذلك، وهذا القول هو الصحيح أنه يجوز أن يغير شرط الواقف إلى ما هو أفضل، ما لم يكن الوقف على معين، فإن كان الوقف على معين فليس لنا أن نتعدى، فلو قال: وقف على فلان، فلا يمكن أن نصرفه إلى جهة أفضل؛ لأنه عيَّن، فتعلق حق الخاص به، فلا يمكن أن يغير أو يحوَّل. قوله: «في جمع» ، بأن يقول: هذا وقف على أولادي وأولادهم، فيكون الوقف على الأولاد وأولادهم مجموعين، فإذا كان له ثلاثة أولاد، وثلاثة أولاد ابن، فيقسم الوقف على ستة؛ لأنه جمعهم، والواو تقتضي الجمع، فيقسم بينهم بالسوية جميعاً بدون ترتيب. قوله: «وتقديم» ، يعني إذا شرط تقديم من يتصف بوصف معين، مثل أن يقول: هذا وقف على أولادي، ويقدم طالب العلم. ومعنى كونه يقدم: أنه يعطى كفايته من الوقف، والباقي للآخرين، ففي التقديم لا يُحرَم المؤخر؛ لأن هذا ليس ترتيباً بل هو تقديم وتأخير، فيستحقه الجميع، لكن يقدم من قدمه الواقف. وإذا قال: هذا وقف على أولادي، يقدم الأعزب منهم، فهل نَفِي بالشرط أو لا؟ ينظر، قد نقول: لا يوفى بالشرط؛ لأن العزوبة ليست أمراً مرغوباً فيه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج» [(13)]، لكن لو لاحظ أمراً آخر، بأن قال: يقدم من ماتت زوجته، فهذا لا بأس به؛ لأنه أراد بذلك جبر هذا الأعزب الذي ماتت زوجته، ولعله أن يتزوج، فإذا كان هذا الواقف يريد أن يجعل العزوبة وصفاً للاستحقاق بدون سبب شرعي، فإن هذا الشرط ملغى؛ لأنه خلاف ما يومئ إليه الشرع، وما يريده الشرع، وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل. قوله: «وضد ذلك» ، ضد الجمع التفريق، وضد التقديم التأخير. التفريق مثل أن يكون له ستة أولاد، فيقول: هذا وقف على أولادي فلان وفلان وفلان، ويترك الآخرين، فهذا تفريق، فيستحقه هؤلاء الثلاثة، والآخرون لا يستحقون شيئاً؛ لأنه فرق بينهم، فهذه هي الصورة، أما هل يجوز أن يفرق فيعطي أحداً ويحرم أحداً؟ هذا لا يجوز لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»[(14)]. وضد التقديم التأخير، فيقول: هذا وقف على أولادي يؤخر من يتكاسل عن الصلاة، فهنا نعطي من لا يتكاسل ونؤخر من يتكاسل، حتى لو فرض أن من يتكاسل أحق بالمال من الآخرين فإننا لا نعطيه؛ لأن الواقف شرط أن يُؤَخر من اتصف بهذه الصفة. قوله: «واعتبار وصف» ، يعني ويجب العمل بشرط الواقف في اعتبار وصف، مثل أن يقول: وقفت على أولادي طلبة العلم منهم، فهذا اعتبار وصف، والوصف هو طلب العلم، فيعطى طلبة العلم ويحرم الآخرون، أو الفقر فيقول: وقفت على أولادي الفقراء منهم، فهنا يستحق الفقراء ولا يستحق الأغنياء؛ لأنه قيده بوصف، ومثل أن يقول: وقفت على أولادي المتزوجين منهم، فإنه يصح؛ لأن التزوج صفة مقصودة للشرع، ولأن المتزوجين في الغالب أحوج من غير المتزوجين. قوله: «وعدمه» ، بأن يقول: هذا وقف على أولادي لا يعطى الأحمق منهم، أو دون الأحمق منهم، فهذا يعتبر عدم وصف، فاعتبار الوصف إيجابي، واعتبار عدمه سلبي. قوله: «وترتيب» ، الترتيب أن يأتي بما يدل على الترتيب، مثل أن يقول: هذا وقف على أولادي ثم أولادهم، أو وقف على أولادي بطناً بعد بطن، أو وقف على أولادي فإذا عدم البطن الأول فللثاني، فهذا نسميه ترتيباً، ولا يختص بـ(ثم)، فكل ما دل على الترتيب نعمل به. لكن إذا قال قائل: ما الفرق بين الترتيب والتقديم؟ فالجواب: أنه في الترتيب لا يستحق البطن الثاني شيئاً مع البطن الأول، وفي التقديم يستحق البطن الثاني مع الأول ما فضل عن الأول، فالبطن الأول والثاني كلاهما مستحق لكن يقدم البطن الأول، فيمكن أن يشترك البطن الأول والثاني في مسألة التقديم، مثل أن يقول: هذا وقف على أولادي يُقدم الأحوج، فإذا أعطينا الأحوج ما يكفيه ـ لأن الريع كثير ـ وبقي بقية أعطينا البطن الثاني ما يحتاجه منها، لكن لو قال: وقف على أولادي، ثم أولادهم وكان الريع كثيراً، وأعطينا الأولاد حاجتهم وزاد أضعافاً، فهل نعطي البطن الثاني شيئاً؟ لا؛ لأنه قال: (ثم) وما بعد (ثم) لا يشارك ما قبلها لوجود الترتيب، ولو قال: بطناً بعد بطن، فكذلك هو ترتيب. وإذا قال: وقف على أولادي ثم أولادهم، فمات أحد أولاده عن أولاد، فهل يستحقون شيئاً؟ هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، المشهور من المذهب أنه ليس لأولاد المتوفى شيء مع أعمامهم، فليس للبطن الثاني شيء مع وجود واحد من البطن الأول. وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: بل لهم مع أعمامهم؛ وعلَّله بأنه لما مات الولد هنا استحق ولده؛ لأن الغالب أن الجد لا يقصد حرمان أولاد ابنه مع وجود أعمامهم، بل ربما تكون نظرته إلى أولاد ابنه الذين انكسروا بموت أبيهم أشد شفقة من نظرته إلى أولاده، لكن لو كان هناك عُرف شائع بأن مثل هذه العبارة ترتيب بطن على بطن، وأنه لا يستحق البطن الثاني مع الأول شيئاً، فإننا نرجع إلى العرف، وخير من ذلك أن يصرح الموقِفُ فيقول: من مات عن ولد فنصيبه لولده. قوله: «ونظر» ، النظر يعني الولاية، والأولياء الذين يتصرفون لغيرهم أربعة أقسام: الوكيل، والوصي، والناظر، والولي. فالوكيل : يكون في حال الحياة، كما لو وكل فلاناً أن يشتري له شيئاً معيناً فاشتراه. الوصي : من أُذِن له في التصرف بعد الموت، مثل أن يقول: أوصيت لفلان بألف درهم، والوصي فلان، يعني الذي يأخذ الألف ويعطيه الموصى له هو فلان، أو يقول: أوصيت إلى فلان بالنظر على أولادي الصغار. الناظر : هو الوكيل على الوقف، ولهذا يغلط كثير من الذين يكتبون الأوقاف، يقول مثلاً: وقفت بيتي، أو نخلي على أولادي والوكيل فلان، فهذا غلط، والصواب أن يقال: والناظر فلان، ولكن لما كان الذين يكتبون للناس غالبهم لم يتعمقوا في الفقه، صاروا لا يفرقون بين الوكيل والوصي والناظر، فالكل عندهم وكيل، حتى الوصي بعد الموت يسمونه وكيلاً، ولو جاءت هذه الوثيقة لقاضٍ لا يعرف العرف، لقال: إن هذا بطلت وكالته، يعني مثلاً لو قال: وكيلي على ملكي، أو على أولادي الصغار، أو ما أشبه ذلك فلان، ثم مات انفسخت الوكالة، ولهذا ينبغي للذين يكتبون الوثائق للناس أن يكون لديهم دراية وعلم بالألفاظ ودلالاتها الشرعية. الولي : من كان يتصرف بإذن من الشارع؛ لأن كل مَنْ ذكرنا من وكيل ووصي وناظر يتصرفون بإذن المالك، لكن إذا كان التصرف بإذن من الشارع سمي ذلك ولاية، كولي اليتيم مثلاً، لا أحد من الناس ولاه، بل ولاه الله ـ عزّ وجل ـ، وكولاية الأب على مال ولده، فهذه ولاية لم تكن بإذن من العبد. إذاً الناظر يُرجَع في تعيينه إلى الواقف؛ لأنه أعلم بوقفه ويتعين بالوصف أو بالشخص، فإذا قال: هذا وقف على الفقراء والناظر فلان، تعين أن يكون الناظر فلاناً، فلو أرادت جهة أن تأخذ هذا الوقف؛ لأنه عام، فليس لها الحق مع وجود ناظر خاص، والمُوقِف أخرج الوقف عن ملكه مقيداً بناظر معين، فلا اعتراض لأحد عليه، لكن إن خِيف منه ألا يقوم بالأمانة على وجهها فلهذه الجهة أن تعين ناظراً معه؛ لأن هذا على جهة عامة. وهل يصح أن يخصص الواقف بعض الموقوف عليهم بالنظر؟ نعم يصح، فلو قال: هذا وقف على أولادي والناظر فلان من الأولاد، صح ذلك ولا أحد يعترض عليه، اللهم إلا إن خرج عن مقتضى الأمانة، فهذا شيء آخر. قوله: «وغير ذلك» يعني ليست هذه الثمانية حصراً، بل بجميع ما يشترطه الواقف بشرط عدم مخالفته للشرع؛ وعلة وجوب الرجوع إلى شرط الواقف؛ أنه أخرج هذا عن ملكه على وصف معين وشرط معين، فلا يجوز لنا أن نتصرف فيه إلا حسب ما أخرجه به عن ملكه. فَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ اِسْتَوَى الغَنِيُّ والذَّكَرُ وَضِدُّهُمَا والنَّظَرُ للمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، قوله: «فإن أطلق» الفاعل الواقف. قوله: «ولم يشترط» شيئاً معيناً. قوله: «استوى الغَنِيُّ والذَّكَرُ وضِدُّهما» ، فإن أطلق ولم يشترط شيئاً لا ناظراً ولا وصفاً ولا تقديماً ولا تأخيراً، فإنه يستوي الغني والذكر وضدهما، وضد الغني الفقير، وضد الذكر الأنثى، فإذا قال: هذا وقف على أولادي وسكت، فهو لأولاده الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والغني والفقير على السواء، ليس للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأن هذا ليس تمليكاً تاماً، وإنما هو تمليك استحقاق؛ ولذلك لا يملك هؤلاء الذين وقف عليهم أن يبيعوه، أو يرهنوه، أو يوقفوه، فليس كالهبة، فالهبة يجب أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، لكن الوقف لا. فإذا قال: هذا وقف على أولادي، وله أربعة أبناء وأربع بنات قُسِمَ على ثمانية أسهم، للذكر كالأنثى؛ ووجه ذلك أنه أخرجه عن ملكه لهم على وجه الاستحقاق لا التملك، ولذلك لا يملكون بيعه، ولا رهنه، ولا هبته، ولم أجد أحداً خالف في هذه المسألة. قوله: «والنظر للموقوف عليه» ، يعني إذا أطلق ولم يشترط فالنظر يكون للموقوف عليه، هذا إذا وقف على معين، فإن وقف على جهة، أو على ما لا يملك فالنظر للحاكم، أي: للقاضي. فالآن إذا وقف على معين ولم يشترط ناظراً فالنظر للموقوف عليه؛ لأنه هو المستحق، وإذا كان الموقوف عليهم عدداً، صار لكلٍّ نظرٌ بقدر نصيبه؛لأن كل واحد منهم مستحق، ومعنى بقدر نصيبه، أنه لو أمكن أن يجزأ الوقف ـ وهم ستة مثلاً ـ إلى ستة أجزاء، وكل واحد ينظر على سدس فلا بأس. وهل يصح أن يوقف على معين، ويشترط الناظر مِنْ هذا المعين؟ نعم يصح. وإذا وقف على معين بالوصف، مثل أن يقول: هذا وقف على إمام المسجد، أو على مؤذن المسجد، أو على المدرس في هذه المكتبة، فهل النظر له أو للقاضي؟ هذا فيه جهتان، جهة خاصة، وجهة عامة، فبالنظر إلى أن إمام المسجد لا يعني فلان بن فلان، بل يعني كل من كان إماماً في المسجد، فمن هذه الناحية يكون عاماً والنظر فيه للحاكم، ومن ناحية أن الإمام واحد، يكون هذا من باب الوقف على معين فيكون النظر للإمام وحده. فالخلاصة: أولاً : إذا كان الوقف على جهة عامة مثل المساكين، والأئمة، والمؤذنين، وطلاب العلم، فهؤلاء إذا لم يشترط الواقف ناظراً فالنظر للحاكم؛ لأنه لا يمكن أن نأتي بكل من كان فقيراً، أو طالب علم، ونقول له: انظر في هذا الوقف، فهذا متعذر. وكذلك لو كان الوقف على ما لا يملك، كالوقف على المساجد فهذا النظر فيه ـ أيضاً ـ للحاكم، ما لم يعين الواقف ناظراً خاصاً. ثانياً: إذا كان الوقف على معين بالشخص مثل الأولاد، أو زيد أو عمرو أو ما أشبه ذلك، فالنظر هنا للموقوف عليهم، ولا أحد يعارضهم، إلا إذا خرجوا عن مقتضى الأمانة فللحاكم النظر العام. ثالثاً: إذا كان الوقف على معين بالوصف، وليس محصوراً مثل الإمام، والمؤذن، والمدرس وما أشبه ذلك، فهذا يتجاذبه شيئان، الخصوص والعموم، فبالنظر إلى أن الإمام واحد يكون النظر له، وبالنظر إلى أنه يشبه أن يكون جهة، وأن هذا الإمام قد يتصرف بما فيه حظ نفسه بقطع النظر عن إمام يأتي بعده، فهنا يُغلَّب عليه جانب العموم ويكون النظر للحاكم، أو مَنْ يأتي من قبل الدولة كوزارة الأوقاف، ولهذا نقول: لو تعارض رأي الإمام ورأي المسؤولين عن الأوقاف، فهل نأخذ برأي الإمام، أو نأخذ برأي المسؤولين؟ يجب ألا ينفرد أحدهما بالرأي، بل لا بد أن ينظر للمصلحة، ولكن ليس للجهة المسؤولة الاعتراض على هذا الإمام، إلا إذا خرج عن مقتضى الأمانة. وهل للناظر على الوقف أجرة؟ الجواب: إن شرطها الواقف فنعم، وإذا لم يشرطها فله أجرة المثل ويقدرها الحاكم، وإن تبرع ـ فجزاه الله خيراً ـ فقد أعان على خير. وَإِنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ عَلَى المَسَاكِينِ فَهُوَ لِوَلَدِهِ، الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ، قوله: «وإن وقَف على ولده أو ولد غيره ثم على المساكين فهو لولده، الذكور والإناث بالسوية» ، أما الذكور فواضح أن اسم الولد يطلق عليهم، وأما الإناث فيطلق عليهم ـ أيضاً ـ اسم الولد، ودليل ذلك قوله تعالى: {{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}} [النساء: 11] ، فجعل الأنثى من الأولاد، فإذا قال: هذا وقف على ولدي، وله ذكور وإناث صار الوقف بين الذكور والإناث بالسوية، فإذا قال الولد للأنثى: أنتِ لستِ بولد بل بنت، والولد أنا، فنقول له: مدلول (ولد) في اللغة العربية يشمل الذكر والأنثى، فيكون الذكور والإناث على حد سواء. فإن انقرض أولاده بأن ماتوا ولم يخلفوا أحداً، فلمن يكون الوقف؟ يقول المؤلف: «ثم على المساكين» ، فيكون الوقف للمساكين؛ لأن الولد انقرض ولم يبق له نسل، وإذا انتقل للمساكين يكون النظر للحاكم إذا لم يعين الواقف ناظراً. وقوله: «أو ولد غيره» ، فإذا وقف على ولد فلان فهو لأولاده البنين والبنات بالسوية، فإن انقرضوا فعلى المساكين. ولو قال: وقفت على ولدي ثم المساجد، فيكون الوقف لولده، فإن انقرضوا فللمساجد. ثُمَّ وَلَدِ بَنِيهِ، دُونَ بَنَاتِهِ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ لِصُلْبِهِ وَلَوْ قَالَ: عَلَى بَنِيهِ أَوْ بَنِي فُلانٍ اخْتَصَّ بِذُكُورِهِمْ، ........... قوله: «ثم ولد بنيه» ، قال المؤلف: (ثم)، إذاً لو قال: وقفت على ولدي فيستحقه الأولاد بطناً بعد بطن؛ لكن المؤلف قال: «ثم ولد بنيه» فهو ترتيب، مع أن اللفظ مجمل ليس فيه ترتيب ولا جمع، فنقول: الأصل الترتيب، والقاعدة المعروفة أن من استحق بوصف فإنه يقدم من كان أقوى في هذا الوصف، ومعلوم أن الولادة بالنسبة للأولاد أقوى وصفاً في الأولاد من أولاد البنين، وعليه فنقول: إذا قال: وقف على أولادي فهو لأولاده، ثم إذا انقرض الأولاد كلهم يكون لأولاد بنيه. وإذا وقف على أولاده وهم ثلاثة، ثم مات أحدهم عن بنين، فلا يستحقون مع أعمامهم؛ لأن هذا ترتيب بطن على بطن. لكن لو قال: من مات عن ولد فنصيبه لولده، فيستحق أولاد الولد الذي مات ويكونون محل أبيهم، ويُعمَل في أولاد الذي مات كما يعمل في أولاد الصلب، فيقال: هو لأولاد الابن الذي مات، الذكور والإناث بالسوية. قوله: «دون بناته» ، أي: دون ولد بناته، فإن أولاد البنات لا يدخلون في الولد، فإذا قال: هذا وقف على أولادي، وله ثلاثة ذكور وبنت، ومات هؤلاء الأربعة، الذكور والبنت وخلفوا أبناءً فيستحقه أولاد البنين، وأما أولاد البنت فليس لهم حق، ودليل ذلك في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}} [النساء: 11] ، وأجمع العلماء على أن أولاد البنات لا يدخلون في الأولاد؛ لأن أولاد البنات من ذوي الأرحام وليسوا من أولاده، فكذلك إذا قال: وقف على أولادي، وكان له أولاد أبناء وأولاد بنات، فأولاد البنات لا يستحقون شيئاً؛ لأنهم لا يدخلون في اسم الأولاد وهو في القرآن ظاهر، وكذلك هو مقتضى العرف واللغة، يقول الشاعر: بنونا بنو أبنائِنا وبناتُنا بنوهن أبناءُ الرجالِ الأباعدِ وحتى في العاقلة ـ مثلاً ـ أي: عند تحمل الدية ـ فإن أولاد البنات لا يتحملون، وحتى في ولاية النكاح، أولاد البنات ليس لهم ولاية، وعلى هذا فنقول: أولاد البنات لا يدخلون في الوقف على الأولاد، والدليل من القرآن ومن اللغة. فإن قال قائل: ألم يقل الله تعالى: {{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ *}} [الأنعام] ، فذكر عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وعيسى ولد بنت، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الحسن: «إن ابني هذا سيد» [(15)]. فالجواب عن الآية أن عيسى ابن مريم ـ عليهما الصلاة والسلام ـ أمه أبوه، فليس له أب حتى ينتسب إليه، ولا دليل فيه على أن أولاد البنات يدخلون في مطلق الأولاد أو مطلق الذرية، والأمر واضح. وأما الحديث: فالجواب: أن كل مؤمن ابن للرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولكن ليس ابن النسب، قال الله تعالى: {{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}} [الأحزاب: 6] ، وقرأ بعض السلف: «وهو أب لهم»[(16)]، وهذا مقتضى القياس إذا كانت زوجاته أمهات فهو أب، ولكن ليس أب النسب، ولهذا يشرف أولاد علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم ـ بنسبتهم للرسول صلّى الله عليه وسلّم فهو من خصائصهم. لكن هذا عند مطلق الوقف، أما إذا دلت القرينة على أن أولاد البنات أرادهم الواقف، أو صرح بذلك فإنه يعمل بها، تبعاً لشرط الواقف. فلو قال: هذا وقف على أولادي ثم أولادهم، وليس له إلا بنات، فإن أولاد البنات يدخلون للقرينة؛ لأنه ليس عنده ذكور، فهنا يتعين دخول أولاد البنات. ولو قال: هذا وقف على أولادي، ويُفَضَّل أولاد الأبناء فإنهم يدخلون للقرينة؛ لأن قوله: يفضل أولاد الأبناء، يدل على أنه أراد أولاد الأبناء والبنات. ولو قال: وقف على أولادي ومن مات عن ولد فنصيبه لولده فإنهم يدخلون؛ لأنه صرح فقال: من مات عن ولد، والبنت تموت عن أولادها فيدخلون، ويكون نصيبها لهم. ولو قال: هذا وقف على أولادي، أولاد البنين وأولاد البنات، فهذا نص وتصريح، إذاً أولاد البنات لا يدخلون في الأولاد إلا بنص أو قرينة، هذه هي القاعدة. قوله: «كما لو قال على ولد ولده» فإنه يدخل أولاد بنيه فقط دون أولاد البنات، ولكن الصحيح أنه إذا قال: على ولد ولده، فإنه يدخل أولاد البنين وأولاد البنات دون أولاد بنات البنات؛ لأن كلمة «ولده» الثانية تشمل الذكور والإناث. قوله: «وذريته لصلبه» يعني إذا نص على التقييد بالصلب فإن أولاد البنات لا يدخلون بلا إشكال. فلو قال: هذا وقف على ولد ولدي لصلبي، فلا يدخل أولاد البنات؛ لأن أولاد البنات ليسوا ذرية لصلبه بل ذرية لبطنه، فالولد يكون في بطن الأنثى وفي صلب الرجل، فمن ينسب إليه عن طريق البنات لا ينسب إليه لصلبه بل لبطنه، وهو قيدها بصلبه. إذاً الواقف بالنسبة لأولاد بناته لا يخلو من ثلاث حالات: الأولى: أن ينص على عدم الدخول بأن يقول: أولادي وأولادهم لصلبي، فهنا لا يدخلون بلا إشكال. الثانية: أن ينص على الدخول أو توجد القرينة فهنا يدخلون. الثالثة: أن يطلق، فلا يدخلون. وإذا قال: على ذريته، وذرية فعيلة بمعنى مفعولة، أي: من ذرأهم الله منه، والذين ذرأهم الله منه هم أولاد الصلب، فإذا قال: هذا وقف على ذريتي دخل الأولاد من بنين وبنات، ودخل بعد ذلك أولاد البنين، دون أولاد البنات؛ لأنهم ليسوا من ذريته. وهنا يرد علينا الإشكال الذي أجبنا عنه أولاً، وهو أن عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ من ذرية إبراهيم، فكيف كان ذلك؟ والجواب أن عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ أبوه أمه؛ لأنه خلق من دون أب، ولهذا لو أن شخصاً انتفى من ولده، وقال: هذا الولد ليس مني، وقُبِل انتفاؤه بالشروط المعروفة، صار هذا الولد أبوه أمه، ولهذا إذا مات عنها ترثه هي ميراث أم وأب، فيقال: إذا لم يكن له أبناء ولا إخوة، فأمه لها الثلث بالفرض والباقي بالتعصيب؛ لأنها هي أبوه وأمه. قوله: «ولو قال على بنيه أو بني فلان اختص بذكورهم» ، فإذا قال: على بنيه أو بني فلان فإنه للذكور دون الإناث، وهنا نتكلم عن كلمة «بنيه» من حيث مدلول اللفظ، ومن حيث جواز هذا الوقف، فإذا قال: على بنيه، فمدلول اللفظ أن البنات لا يدخلن؛ لأن البنت لا تسمى ابناً، ولكن هل يجوز للإنسان أن يوقف على بنيه دون بناته؟ الجواب: لا. والفقهاء ـ رحمهم الله ـ إنما يتكلمون على مدلول الألفاظ دون حكم الوقف، فهنا إذا قال: هذا وقف على بنيَّ فيدخل الذكور فقط، وأما الإناث فلا يدخلن؛ لأنه يقال: بنون وبنات، ولكن لا يجوز له أن يخص الوقف ببنيه؛ لأنه إذا فعل ذلك دخل في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»[(17)]، فيكون بهذا العمل غير متقٍ لله تعالى، وسمى النبي صلّى الله عليه وسلّم تخصيص بعض الأبناء جَوْراً، فقال: «لا أشهد على جَوْر»[(18)]، ولا شك أن من وقف على بنيه دون بناته أنه جَور. وعلى هذا، فلو وجدنا شخصاً وقف على بنيه ومات، فعلى المذهب نجري الوقف على ما كان عليه؛ لأن هذا ليس عطية تامة؛ لأن الوقف لا يتصرف فيه الموقوف عليه لا ببيع ولا شراء، نقول: لكن الموقوف عليه ينتفع بغلَّته. فالقول الراجح أننا نلغي هذا الوقف ولا نصححه، ويعود هذا الموقوف ملكاً للورثة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»[(19)]، وقد يقال: يبقى وقفاً على البنين والبنات؛ لأن المُوقف أخرجه عن ملكه إلى ملك هؤلاء، ولكن الاحتمال الأول أقرب، وهو إبطال الوقف؛ لأنه عمل ليس عليه أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، بل هو مخالف لأمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. وقوله: «أو بني فلان» ، أي: دون بناته، فإنه يجوز ولا يجب أن يعدل بينهم وهذا بالإجماع، فإذا قال: هذا وقف على بني عبد الله فيختص بالذكور؛ لأنه يقال: عبد الله له بنون وبنات، فيفرق الناس بين البنين والبنات، فإذا قال: هذا وقف على بني عبد الله وهو شخص، فإنه يكون للذكور دون الإناث، وهذا مدلول اللفظ، وينفذ؛ لأن العطية الآن ليست لأولاده بل لأولاد غيره فينفذ، ويعطى الوقف بني عبد الله دون بنات عبد الله. إِلاَّ أَنْ يَكُونُوا قَبِيلَةً فَيَدْخُلَ فِيهِ النِّسَاءُ دُونَ أَوْلادِهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ، والقَرَابَةُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَقَوْمُهُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى مِنْ أَوْلاَدِهِ وَأَوْلاَدِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدِّ أَبِيهِ، ...... قوله: «إلا أن يكونوا قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم» مثل بني تميم، فإذا قال: هذا وقف على بني تميم، دخل فيه الذكور والإناث، ودليل ذلك قول الله تعالى: {{يَابَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ}} [الأعراف: 27] ، فقوله: {{يَابَنِي آدَمَ}} يخاطب الذكور والإناث، وليس يخاطب الذكور فقط، وقوله تعالى: {{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ}} [البقرة: 40] يشمل الذكور والإناث، وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا بني عبد مناف» [(20)]، يشمل الذكور والإناث. فإذا وقف شخص على بني تميم فهو لذكورهم وإناثهم، ولكن هل يدخل أولاد الإناث؟ ينظر إن كان أولاد الإناث من بني تميم دخلوا أصلاً؛ لأنهم من بني تميم، وإن كان أولاد البنات التميميات ليس آباؤهم من بني تميم، فإنهم لا يدخلون، ولهذا قال: «دون أولادهن من غيرهم» ، أي: من غير أبناء القبيلة، فلا يعطون من الوقف على بني تميم. قوله: «والقرابةُ وأهلُ بيتِهِ وقومُهُ» ، هذه ثلاثة ألفاظ، ما الذي يدخل في مدلولها؟ يقول المؤلف: «يشمل الذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجدِّه وجدِ أبيه» ، فإذا قال: هذا وقف على قرابتي، دخل فيه هؤلاء الأربعة، أولاده، وأولاد أبيه، وأولاد جده، وأولاد جد أبيه، فيشمل الذكر والأنثى من الفروع إلى يوم القيامة، ومن الأصول إلى الأب الثالث فقط، فيشمل فروعه وفروع أبيه وفروع جده وفروع جد أبيه، ولكن هل يستحق الجميع أو لا يستحق؟ نذكره إن شاء الله. وعلى هذا فإذا لم يبق من هؤلاء أربعة البطون إلا واحد، استحق الوقف كله، والدليل على أن القرابة تختص بهؤلاء أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يعطِ من خمس الغنيمة إلا من كان من بني هاشم وبني المطلب[(21)]، وهاشم بالنسبة للرسول صلّى الله عليه وسلّم هو الأب الثالث، والله ـ عزّ وجل ـ يقول: {{وَلِذِي الْقُرْبَى}} [الأنفال: 41] ، فدل ذلك على أن القرابة تختص بهؤلاء، هذا ما ذهب إليه المؤلف، وهذا دليله. وبعض العلماء أخرج الأولاد من القرابة، لكن الصحيح أنهم لا يخرجون؛ لأن أولاده أشد لصوقاً به من آبائه، إذ إنهم بضعة منه، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في فاطمة ـ رضي الله عنها ـ: «إنها بضعة مني» [(22)]. وقال بعض أهل العلم: إن القرابة تشمل كل من اجتمع به في جده الذي ينتمي إليه، ومعلوم أن القبائل فيها شعوب، فَأَوَّلُ جَدٍّ ينتمي إليه هذا الشِّعب من القبيلة، فإن ذريته هم القرابة، وعلى هذا فلا يتقيد بالأب الثالث، فقد يكون في الرابع، أو الخامس. وقال بعض أهل العلم: القرابة ليس لها حد محدود، فما تعارف الناس عليه أنه قريب فهو قريب ولا نحدده بحدٍّ، لكن القول الأول هو أقرب الأقوال: أنهم من كانوا من ذرية أبيه الثالث، ويليه قول من قال: إنهم من يجتمعون به في أول جد ينتسبون إليه، أما القول الأخير فهو ضعيف. وفهم من قولنا: إنه يشمل هؤلاء، أنه لا يشمل الأقارب من جهة أمه، فلا يدخل في ذلك أبو أمه، ولا أخو أمه، ولا عمها، ولا جدها، ولا أمها؛ ووجه ذلك أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يعط أخواله من بني زُهْرَة، فلم يدخلهم في قوله: {{وَلِذِي الْقُرْبَى}}. وقال بعض أهل العلم: إذا كان من عادته أنه يصل قرابة أمه دخلوا في لفظ القرابة؛ لأن كونه قد اعتاد أن يصلهم يدل على أنه أراد أن ينتفعوا بهذا الوقف، وهذا قول قوي، والعجيب أن بعض العلماء قال بعكسه، قال: إذا كان من عادته أنه يصل أقارب أمه فإنهم لا يدخلون؛ لأن تخصيصهم بصلة خارج الوقف يدل على أنه لا يريد أن ينتفعوا من هذا الوقف بشيء، لكن القول الذي قبله أقرب إلى الصواب، أنه إذا كان من عادته أنه يصل أقارب أمه دخلوا في الوقف الذي قال: إنه على أقاربه. وقوله: «وأهل بيته» يشمل الذكر والأنثى من أولاده، وأولاد أبيه، وأولاد جده، وأولاد جد أبيه. وهل يشمل الزوجات؟ المذهب أنهن لا يدخلن؛ لأن أهل بيته مثل القرابة تماماً، والصحيح أن زوجاته إذا لم يطلقهن يدخلن في أهل بيته، ولا شك في هذا، لقوله تعالى في نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم: {{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}} [الأحزاب: 33] ، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»[(23)] ، بل لو قيل: إن أهل بيته هم زوجاته ومن يعولهم فقط، لكان قولاً قوياً؛ لأن هذا هو عرف الناس، فالآن عمك وأخوك إذا انفردا في بيت، لا يقول الناس: إنهما أهل بيتك، فأهل البيت عرفاً هم الذين يعولهم من الزوجات والبنين والبنات، لكن مهما كان الأمر فإن الزوجات بلا شك إذا لم يطلقهن يدخلن في أهل البيت، ولا يدخلن في القرابة. وقوله: «وقومه» جعلها المؤلف كلفظ القرابة وأهل البيت، لكن هذا القول بعيد من الصواب؛ لأن القوم في عرف الناس وفي اللغة ـ أيضاً ـ أوسع من القرابة، اللهم إلا على قول من يقول: إن القرابة تشمل كل من يجتمع معه في الاسم الأول، فالفخذ من القبيلة قرابة، فهنا ربما نقول: إن القوم والقرابة بمعنى واحد، أما إذا قلنا: إن القرابة هم أولاده، وأولاد أبيه، وجده، وجد أبيه، فإن القوم بلا شك أوسع، ولهذا يرسل الله الرسل إلى أقوامهم وهم ليسوا من قراباتهم، فإذا كان للقوم معنًى مطرد عرفاً لا ينصرف الإطلاق إلا إليه وجب أن يتبع؛ لأن القول الراجح في أقوال الواقفين والبائعين والراهنين وغيرهم أن المرجع في ذلك إلى العُرف. وقوله: «يشمل الذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجَدِّه وجدِّ أبيه» ، يتعين في قوله: «جَدِّه» الجر، يعني من أولاده، وأولاد أبيه الذين هم إخوانه، وأولاد جده الذين هم أعمامه، وأولاد جد أبيه الذين هم أعمام أبيه. ولكن هل هؤلاء كلهم يستحقون؟ الجواب: نعم يستحقون لكن يقدم بعضهم على بعض، فكل من كان أقرب فهو بالوقف أحق، فإذا قدر أن أهل بيته خمسمائة والوقف خمسمائة درهم فهنا لا يمكن أن نعطي الجميع؛ لأن إعطاء كل واحد درهماً لا يفيد شيئاً، بل هنا ينبغي أن ننظر إلى الأقرب فالأقرب، أو إلى الأحوج فالأحوج. لكن مراد المؤلف ـ رحمه الله ـ: أن كل هؤلاء من ذوي الاستحقاق، أما ترتيبهم فهذا يرجع إلى الناظر على الوقف. وَإِنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي إِرَادَةَ الإِنَاثِ أَوْ حِرْمَانَهُنَّ عُمِلَ بِهَا، وَإِذَا وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ وَالتَّسَاوِي، وَإِلاَّ جَازَ التَّفْضِيلُ وَالاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمْ. قوله: «وإن وجدت قرينة تقتضي إرادة الإناث أو حرمانهن عُمل بها» ، يعني إذا وجدت قرينة تقتضي إرادة الإناث فيما يدل اللفظ على إخراجهن، أو حرمانهن فيما يدل اللفظ على دخولهن فإنه يعمل بها؛ وذلك لأن الألفاظ تتحدد معانيها بحسب السياق والقرائن، فلذلك إذا وجدت قرينة تدل على أن الإناث داخلات في الوقف دخلن، وإن كان اللفظ لا يقتضي دخولهن، وإذا وجدت قرينة تدل على حرمانهن فإنهن لا يدخلن، وإن كان اللفظ يشملهن. فإذا قال: هذا وقف على أولادي الذكور والإناث، فهنا تصريح وليس قرينة بأن الإناث داخلات، فيدخلن. وإذا قال: هذا وقف على أولادي الذين يجاهدون في سبيل الله، فهنا القرينة تدل على أن المراد الذكور؛ لأن الجهاد يختص بالرجال، فالمهم أننا نعمل بالقرائن في شمول اللفظ للإناث أو عدمه. قوله: «وإذا وقف على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم والتساوي» ، إذا وقف على جماعة يمكن حصرهم، وجب شيئان: التعميم، والتساوي. مثاله: إذا وقف على أولاد فلان وهم عشرة، فهنا يمكن حصرهم، فيجب أن يُعمَّموا ويعطى كل واحد، ويجب أن يساوى بينهم، الذكور والإناث سواء، والغني والفقير سواء، والضعيف والقوي سواء، والشيخ والصغير سواء؛ لأنه يمكن حصرهم، وإن كان لا يمكن كبني تميم مثلاً يقول المؤلف: «وإلا جاز التفضيل والاقتصار على أحدهم» ، فإن كان لا يمكن حصرهم فله أن يفضل بعضهم على بعض، وله أن يعطي بعضاً ويحرم بعضاً؛ وذلك لأنه جرت العادة أن من لا يمكن حصره لا تمكن الإحاطة به، وإذا لم تمكن الإحاطة به لم يجب أن نعطيهم، وإذا وقف على ثلاثين فيمكن حصرهم، ويجب أن يعمَّموا، فإن كثر هؤلاء وصاروا قبيلة لا يمكن حصرهم، فلا يجب تعميمهم ولا التساوي، بل يجوز الاقتصار على واحد منهم وأن يفضل بعضهم على بعض، وبالعكس، لو قال: على بني فلان وهم قبيلة، لكن هذه القبيلة انقرضت ولم يبقَ إلا عشرة، فإنه يجب التعميم والتساوي؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً. ودليل ذلك قول الله تعالى: {{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}} [التوبة: 60] ، فهل يجب علينا أن نعمم الزكاة على الفقراء جميعاً؟ الجواب: لا، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لقَبيصة ـ رضي الله عنه ـ: «أقم عندنا حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» [(24)]، فلا يجب أن نسوي بين عشرة فقراء أمامنا الآن في الزكاة، فيجوز أن نعطي واحداً ونحرم التسعة، أو نعطيهم متفاضلاً؛ لأن الأصل أنه لا يجب التعميم ولا التساوي. قوله: «والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه» يعني ثابتاً لا يمكن تغييره، ولا يجوز فسخه؛ لأنه مما أخرج لله ـ تعالى ـ فلا يجوز أن يرجع فيه كالصدقة، فمن حين أن يقول الرجل: وقفت بيتي، أو وقفت سيارتي، أو وقفت كتابي فإنه يلزم، وليس فيه خيار مجلس بخلاف الوصية، فالوصية ليست عقداً لازماً في الحال، بل لا تكون إلا بعد الموت. أما الوقف المعلق بالموت كما لو قال: هذا وقف بعد موتي، فالمذهب أنه لازم من حين قوله ولا يمكن فسخه، لكن مع ذلك لا ينفذ منه إلا ما كان من ثلث المال فأقل، فيجعلونه وصية من وجه ووقفاً من وجه، وهذا غير صحيح، فلا يمكن أن نعطي عقداً حكمين مختلفين، فإما أن نقول: إنه يلزم في الحال ونلغي التعليق، وإذا قلنا بأنه يلزم في الحال لزم، سواء كان الثلث أو أكثر أو أقل، وإما أن نقول: لا يلزم إلا بعد الموت، وحينئذٍ يكون من الثلث فأقل، وهذا هو الصحيح؛ لأن الرجل علق الوقف بشرط وهو الموت، فلا يمكن أن ينفذ قبل وجود الشرط، فلا ينفذ إلا بعد الموت ويكون من الثلث فأقل. مثال ذلك: قال رجل: إذا مت فبيتي وقف، أو إذا مت فمكتبتي وقف، فالمذهب أنه ينفذ من الآن ولا يمكن أن يبيع شيئاً من هذا؛ لأنه نفذ، لكن إذا مات فإن أجاز الورثة الوقف نفذ، وإن لم يجيزوه لم ينفذ منه إلا مقدار ثلث التركة. والصواب: أنه لا ينفذ إلا بعد الموت، وأنه ما دام حياً فله التغيير والتبديل والإلغاء، فإذا مات فإن أجازه الورثة نفذ، وإن لم يجيزوه نفذ منه قدر ثلث التركة فقط. وَالوَقْفُ عَقْدٌ لاَزِمٌ لا يَجُوزُ فَسْخُهُ وَلاَ يُبَاعُ، ............. وقوله: «والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه» ، ظاهر كلام المؤلف: أنه لا فرق بين أن يكون الإنسان مديناً أو غير مدين، ومن المعلوم أن المدين إذا كان قد حجر عليه فإن وقفه لا يصح، لكن إذا لم يحجر عليه وأوقف، وكان عليه دين يستغرق الوقف، فظاهر كلام المؤلف: أن الوقف لازم. والقول الثاني وهو الراجح: أن الوقف في هذه الصورة ليس بلازم ولا يجوز تنفيذه؛ لأن قضاء الدين واجب والوقف تطوع، ولا يجوز أن نضيق على واجب لتطوع، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ. فإن طرأ الدَّين بعد الوقف، كما لو وقف بيته ثم افتقر واستدان، فهل ينفسخ الوقف، أو نقول: إنه لا ينفسخ؛ لأنه تم بدون وجود المانع فيستمر؟ الأقرب الثاني، وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: له أن يبيعه في دينه؛ لأن هذا ليس أشد من المدبَّر، وهو العبد الذي عُلِّق عتقه بموت سيده، وقد باعه النبي صلّى الله عليه وسلّم في الدين[(25)]. لكن الأرجح الأول، يعني أنه إذا حدث الدَّين بعد الوقف فإن الوقف يمضي، والدَّيْنُ ييسر الله أمره. قوله: «ولا يباع» يعني لا يباع الوقف؛ لأن بيعه يقتضي إبطال الوقف، فلو قلنا بجواز البيع انتقل إلى المشتري وبطل الوقف، والوقف عقد لازم فلا يجوز بيعه، ويجوز تأجيره؛ لأن أجرته من المنفعة التي سُبِّلت، ولا يجوز رهنه؛ لأن الرهن يراد لبيع المرهون واستيفاء الدين منه، وإذا قلنا: لا يباع، بقي الرهن عديم الفائدة، فإما أن يقال: إن الرهن صحيح، ويباع في قضاء الدين، وهذا يلزم منه إبطال الوقف، وإما أن نقول: إن الرهن لا يصح؛ لأنه لو صح فلا فائدة منه، إذاً لا يجوز بيعه، ولا عقد يراد به بيعه. إِلاَّ أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنافِعُهُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ مَسْجِدٌ وَآلَتُهُ وَمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ جَازَ صَرْفُهُ إِلى مَسْجِدٍ آخَرَ والصَّدَقَةُ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، قوله: «إلا أن تتعطل منافعه» ففي هذه الحال يجوز أن يباع، كرجل أوقف داره على أولاده فانهدمت الدار، فيجوز أن تباع. وقوله: «ولا يباع إلا أن تتعطل منافعه» ظاهره أنه لا يباع بأي حال من الأحوال إلا في هذه الصورة؛ لأن من القواعد المقررة (أن الاستثناء معيار العموم) يعني يدل على العموم فيما عدا الصورة المستثناة، فعلى هذا لا يباع بأي حال من الأحوال إلا في هذه الحال، وهي إذا تعطلت منافعه. فإن نقصت المنافع ولم تتعطل، فإنه لا يباع فيبقى على ما هو عليه حتى تتعطل، ولا يكون فيه فائدة. واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ جواز بيعه للمصلحة بحيث ينقل إلى ما هو أفضل، واستدل لهذا بقصة الرجل الذي نذر إن فتح الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم مكة أن يصلي في بيت المقدس فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صل هاهنا» فأعاد عليه مرتين أو ثلاثاً فقال: «فشأنَك إذن»[(26)]. فهنا أباح له النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتحول عن النذر من المفضول إلى الأفضل، ومعلوم أن نذر الطاعة واجب، فيجوز أن ينقل الوقف أو يباع لينقل إلى ما هو أنفع، وما اختاره شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ هو الصواب. لكن في هذه الحال يجب أن يمنع من بيعه أو إبداله إلا بإذن الحاكم؛ لأنه قد يتعجل الموقوف عليه، ويقول: أبيعه لأنقله إلى ما هو أفضل، ويكون الأمر على خلاف ظنه، فلا بد من الرجوع إلى الحاكم ـ يعني القاضي ـ في هذه الحال؛ لئلا يتلاعب الناس بالأوقاف. مثال ذلك: إنسان أوقف عمارة على طلبة العلم في مكان كان من أحسن الأمكنة حين الإيقاف، لكن تغير الوضع وصار محل الطلب في جهة أخرى، فهل يجوز أن يبيع هذه العمارة ليشتري عمارة أخرى قريبة من مواطن العلم؟ أما على المذهب فلا؛ لأن منافعها لم تتعطل، وأما على القول الراجح فيجوز، ولكن لا بد من مراجعة الحاكم؛ لئلا يتلاعب الناس بالأوقاف. وعلم من قوله: «إلا أن تتعطل منافعه» أنه لو تعطلت بعض المنافع فإنه لا يجوز بيعه، فما دام يوجد فيه منفعة ولو واحد في العشرة فإنه لا يباع، لكن على ما سبق أنه يباع إذا كان فيه حاجة أو مصلحة. وإذا بيع فماذا نفعل بثمنه؟ قال: «ويصرف ثمنه في مثله» فإذا كان هذا وقفاً على الفقراء، وتعطلت منافعه وبِعْناه فماذا نفعل بالثمن؟ هل نتصدق به على الفقراء، أو نشتري به وقفاً يكون للفقراء؟ يتعين الثاني، فلا يجوز أن نقول: إن هذا وقف على الفقراء، والآن بعناه لتعطل منافعه فنصرف دراهمه إلى الفقراء، فهذا لا يجوز؛ لأن هذه الدراهم عوض عن أصل الوقف، وأصل الوقف لا ينقل ملكه لا ببيع ولا بغيره. قوله: «ولو أنه مسجد» يعني ولو كان الذي تعطلت منافعه مسجداً، كأن يكون المسجد في حي ارتحل أهله عنه، فإنه يباع ويصرف ثمنه في مثله. وإذا بعنا المسجد وصرفنا ثمنه في مسجد آخر، فيجوز لمشتري المسجد أن يبيعه؛ لأنه صار ملكه، ويجوز أن يجعله دكاكين للبيع والشراء، والمهم أنه زال عنه وصف المسجد، فيجوز بيعه والصدقة به وهبته وغير ذلك، ويصرف ثمنه في مثله. وقوله: «ولو أنه مسجد» إشارة إلى خلاف، فمن أهل العلم من قال: إن المسجد لا يباع؛ لأنه وقف لمصلحة المسلمين، وما كان لمصلحة المسلمين فإن الفرد لا يتصرف فيه، ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأن المسجد الآن زال الانتفاع به، فالحي كلهم رحلوا وما بقي أحد، فهو سيباع ويعمر في مكان آخر بثمنه. قوله: «وآلتُهُ» أي آلة المسجد، والمراد بناؤه، وأبوابه وما أشبه ذلك، وهذا فيما سبق لما كان البناء بلبن الطين كان يمكن أن ينتفع بآلته التي تكوَّن منها وهي لبن الطين، أما الآن فلا أظنه يمكن استرجاع الآلة، اللهم إلا إن كانت أسياخ الحديد فيمكن، أما الإسمنت فلا، على كل حال إذا بقي آلة فإننا نعيدها فيما نريد أن نبنيه. فإذا قال الذي باع المسجد: آلته الآن إذا نقضناها وبنينا بها المسجد الآخر سيخرج غير قوي، فهل لنا أن نبيع الآلة ونشتري آلة جديدة قوية؟ الجواب: نعم، وتكون الآلة الثانية بدلاً عن الأولى، وحينئذٍ لا يضيع حق الواقف. قوله: «وما فضل عن حاجته جاز صرفه إلى مسجد آخر» ، فما فضل عن حاجة المسجد، فإنه يجوز أن يصرف إلى مسجد آخر؛ لأن هذا أقرب إلى مقصود الواقف، وهذا لا إشكال فيه. فإذا قدرنا أن هذا المسجد لما هدم حيث تعطلت منافعه وأعيد بناؤه بقي من آلته شيء فإننا نصرفه إلى مسجد آخر، فإن لم يمكن صُرِفَ إلى جهة عامة ينتفع فيها المسلمون عموماً، كالسقاية والمدرسة وما أشبه ذلك. قوله: «والصدقة به على فقراء المسلمين» ، يعني وجازت الصدقة به على فقراء المسلمين؛ لأن المسجد مصلحة عامة والصدقة على الفقراء ـ أيضاً ـ مصلحة عامة، فنحن لم نخرج عن مقصود الواقف؛ لأنها كلها عامة في انتفاع المسلمين عموماً، لكن هذا القول ضعيف جداً؛ لأن المساجد نفعها مستمر والصدقة نفعها مؤقت؛ لأن نفعها مقطوع، ينتفع بها الموجودون الحاضرون ولا ينتفع بها من بعدهم، فالصواب أن ما فضل عن حاجة المسجد يجب أن يصرف في مسجد آخر، ما لم يتعذر أو ما لم يكن الناس في مجاعة فهم أولى؛ لأن حرمة الآدمي أشد من حرمة المسجد ولا شك. حتى لو فرض أن المسجد مسجد جامع فيجب أن يصرف في مسجد جامع إن تيسر، وإلا ففي مسجد بقية الصلوات، وإنما قلنا: مسجد جامع؛ لأن المسجد الجامع أكثر أجراً وثواباً؛ حيث إنه تصلى فيه الجمعة، وبقية المساجد لا تصلى فيها الجمعة، ثم إنه في صلاة الجمعة يكون أكثر عدداً من المساجد الأخرى. والخلاصة : أنه متى جاز بيع الوقف فإنه يجب أن يصرف إلى أقرب مقصود الواقف، بحيث يساوي الوقف الأول أو يقاربه حسب الإمكان. مسألة: لو أن الناس ـ مثلاً ـ اختاروا أن يحوِّلوا المسجد المبني من لبن الطين إلى مسجد مسلح، هل لهم أن ينقضوا الأول أو لا؟ هذا ينبني على ما ذكرنا؛ لأن منافع مسجد الطين لم تتعطل، لكن ينقل إلى ما هو أفضل وأحسن، فعلى رأي شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ لا بأس، ويكون أجر المسجد الثاني لباني المسجد الأول؛ لأنه لا يمكن أن نبطل أجر الموقف الأول مع إمكان استمرار أجره، فيكون للباني الأول في مدة يقدر فيها بقاء المسجد الأول، أما ما زاد عليها فأجرها لصاحب المسجد الثاني، وكذا لو كان المسجد الثاني أنفع من جهة التكييف ونحوه، فأجر النفع الزائد للمُوقِفِ الثاني. فائدة : الوقف المنقطع هو الذي ينقطع من الموقوف عليه، مثلاً: وقف على زيد ثم عمرو، ومات زيد ومات عمرو، فالآن انقطعت الجهة فإذا انقطعت ففيه خلاف، وأقرب شيء عندي أنه إذا علم أن قصد الواقف البر والأجر، فإن الوقف المنقطع يرجع إلى المساكين أو المصالح العامة. ----------------------------------- [1] أخرجه البخاري في الشروط/ باب الشروط في الوقف (2737)؛ ومسلم في الوصية/ باب الوقف (1633) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ. [2] أخرجه النسائي في الأحباس/ باب حبس المشاع (6/232)؛ وابن ماجه في الصدقات/ باب من وقف (2397) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ. [3] أخرجه البزار كما في مختصر زوائد مسند البزار لابن حجر (1451). [4] أخرجه البخاري في الزكاة/ باب الزكاة على الأقارب (1461)؛ ومسلم في الزكاة/ باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين... (998) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ. [5] سبق تخريجه ص(6). [6] أخرجه البخاري في الزكاة/ باب قول الله تعالى: {{وَفِي الرِّقَابِ}} (1468)؛ ومسلم في الزكاة/ باب في تقديم الزكاة ومنعها (983) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ. [7] أخرجه البخاري في بدء الوحي/ باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (1)؛ ومسلم في الإمارة/ باب قوله «إنما الأعمال بالنيات» (1907) عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ. [8] من ذلك ما رواه الترمذي في المناقب/ باب في مناقب عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ (3699) «أنه اشترى بئر رومة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعلها للغني والفقير وابن السبيل»، قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وفي رواية النسائي في الجهاد/ باب فضل من جهز غازياً (6/146) أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: «اجعلها سقاية للمسلمين، وأجرها لك»، وأصل الحديث في البخاري في الوصايا/ باب إذا وقف أرضاً أو بئراً أو اشترط لنفسه مثل ولاء المسلمين (2778). [9] سبق تخريجه ص(6). [10] أخرجه البخاري في الوصايا/ باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب (2753)؛ ومسلم في الإيمان/ باب قوله تعالى: {{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ *}} (204) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ. [11] سبق تخريجه ص(6). [12] أخرجه الإمام أحمد (3/263)؛ وأبو داود في الأيمان والنذور/ باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس (3305)؛ والحاكم (4/304) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ. وصححه الحاكم وابن دقيق العيد، انظر: التلخيص (2067). [13] أخرجه البخاري في النكاح/ باب من لم يستطع الباءة فليصم (5066)؛ ومسلم في النكاح/ باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه (1400) عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ. [14] أخرجه البخاري في الهبة/ باب الإشهاد في الهبة (2587)؛ ومسلم في الهبات/ باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة (1623) عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنهما ـ. [15] أخرجه البخاري في الصلح/ باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم للحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ «ابني هذا سيد...» عن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ. [16] عزاها ابن كثير في تفسيره (3/451) لأبي بن كعب وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ. [17] سبق تخريجه ص(36). [18] أخرجه البخاري في الشهادات/ باب لا يشهد على شهادة جور... (2650)؛ ومسلم في الهبات/ باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (1623). [19] أخرجه مسلم في الأقضية/ باب نقض الأحكام الباطلة (1718) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ. [20] أخرجه البخاري في الوصايا/ باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب؟ (2753)؛ ومسلم في الإيمان/ باب في قوله تعالى: {{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ *}} (204) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ. [21] أخرجه البخاري في فرض الخمس/ باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام... (3140) عن جبير بن مطعم ـ رضي الله عنه ـ. [22] أخرجه البخاري في المناقب/ باب مناقب قرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (3714)؛ ومسلم في فضائل الصحابة/ باب فضائل فاطمة بنت النبي صلّى الله عليه وسلّم (2449) عن المسور بن مخرمة ـ رضي الله عنه ـ. [23] أخرجه الترمذي في المناقب/ باب فضل أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم (3895)؛ والدارمي في النكاح/ باب حسن معاشرة النساء (2260) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ، قال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح؛ وأخرجه ابن ماجه في النكاح/ باب حسن معاشرة النساء (1977) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، وصححه ابن حبان (4177) و(4186) وحسنه الحافظ ابن حجر في مختصر زوائد البزار (1039) من رواية عائشة ـ رضي الله عنها ـ بلفظ: «خيركم خيركم لأهله». [24] أخرجه مسلم في الزكاة/ باب من تحل له المسألة (1044) عن قبيصة ـ رضي الله عنه ـ. [25] أخرجه البخاري في البيوع/ باب بيع المزايدة (2141)؛ ومسلم في الزكاة/ باب الابتداء بالنفقة بالنفس (997) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ [26] سبق تخريجه ص(34).
هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
حمل من هنا
http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى منبر العلوم الشرعية
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 04-Apr-2020, 09:13 PM
-
بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 28-Nov-2014, 06:08 PM
-
بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى منبر العلوم الشرعية
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 02-Oct-2014, 02:20 PM
-
بواسطة أبو يوسف عبدالله الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 03-Apr-2012, 07:14 PM
-
بواسطة عماد المهاجر في المنتدى مكتبة الأمين العلمية الــشـاملة
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 10-Mar-2011, 10:06 PM
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى