شبكة الأمين السلفية - Powered by vBulletin
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: نعمة المطر ...العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,556

    افتراضي نعمة المطر ...العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-

    .... أيها الناس اتقوا الله تعالى اتقوا ربكم الذي خلقكم ورزقكم . قال الله تعالى ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَِّه أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ....


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا أرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته فأنشأ بها سحابا ثقالا وكان ذلك على الله يسيرا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و كان الله على كل شيء قديراً وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فبلغ الرسالة وأدى الأمة ونصح الأمانة وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ...
    أما بعد
    أيها الناس اتقوا الله تعالى اتقوا ربكم الذي خلقكم ورزقكم . قال الله تعالى ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَِّه أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ( البقرة : 22 ) وقال الله تعالى ﴿الله الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُِثيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ¼ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَاِلِه فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِروُنَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لمَحُيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ ( الروم : 48 - 50 ) وقال الله عز وجل ﴿حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَالْبَلَدُ الطَّيِبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ ¼بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآََيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾( الأعراف : 57 - 58 ) أيها الناس أيها المؤمنون بالله ورسوله إن في كل شيء من هذا الكون لآية تدل على وحدانية الله وعلى كمال ربوبيته وعظمته وعلى تمام علمه وقدرته وعلى بالغ رحمته وحكمته وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا هذه الرياح اللطيفة يرسلها الله تعالى فتحمل تلك السحب الثقيلة المحملة بالمياه الكثيرة بحارا جوية تجري بين السماء والأرض ثم تكون أنهارا أرضية تجري في فجاج الأرض أودية وشعاب من رذاذاً يرسله الله قطرة، قطرة فترى الودق يخرج من خلاله ترى هذا السحاب المتفرق يؤلف الله بينه فيجمعه حتى يتراكم كالجبال فيحجب نور الشمس لكثافته وتظلم الأرض من سواده وتراكمه يتجمع ويتثاقب ويتسع وينقبض وإذا شاء الله فرقه سريعا فأصبحت السماء صحواً كأن لم يكن بها سحاب﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إَنَّهُ¼ خَبِيُر بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ ( النمل : 88) قال أنس ابن مالك رضي الله عنه أصاب الناس سنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعني جذبا قلة مطر وعدم نبات الأرض فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قام أعرابي فقال: ( يا رسول الله هلك المال وجاع العيال وانقطعت السبل فادعوا الله يغيثنا فرفع يديه وما نرى في السماء قطعة غيم قال أنس رضي الله عنه فوا الذي نفسي بيده ما وضعهما حتى صارت السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته ) صلى الله عليه وسلم فمطرنا يومنا ذلك ويوم الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى وقام ذلك الأعرابي أو قال غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادعوا الله لنا فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر فما يشير بيده في ناحية من السماء إلا انفرجت فتمزق السحاب فما نرى منه شيئا على المدينة وسال الوادي قناة شهرا ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجو )(1)أيها الناس إن في هذا الحديث الصحيح وفيما نشاهده نحن في هذا السحاب تجمعا وتفرقا وكثافة وخفة وبطئاً في المسير وسرعة وغزارة في المطر وقلة في هذا كله أكبر دليل على عظمة الله عز وجل وعلى قدرته وأنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون يكون بمرةٍ واحدةٍ من غير تكرار ومن غير تأخر ولا بطء واستمعوا إلى قول الله عز وجل ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾ ( القمر : 50 ) وإن هذا السحاب مسخر بأمر الله لا يتجاوز ما أمره به خالقه ومنشئه وقد حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ( عن رجل في فلاة من الأرض سمع صوتا في سحابة أسق حديقة فلان فأفرغت السحابة مائها في حره وقال المطر منها إلى حديقة الرجل فجاء الذي سمع الصوت في السحابة إلى هذا الرجل فقال له يا عبد الله ما اسمك قال اسمي فلان بالاسم الذي سمعه في السحابة فقال الرجل فلما تسألني عن اسمي قال إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماءه يقول أسق حديقة فلان باسمه فما تصنع في حديقتك قال أما إذا قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثاً وأرد فيها ثلثا)(2) يعني لحرثها وعمارتها أيها المسلمون إننا بهذا الحديث نؤمن لأنه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى وإننا بهذا الحديث يتبين لنا أن هذا السحاب ينشأ بإرادة الله وقدرته ويسير بإرادة الله وقدرته ويتجه إلى حيث أمره الله تعالى بحكمته وينزل الماء بإذن الله ويمسكه بإذن الله قال الله عز وجل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً ﴾ ( الفرقان : 48 - 50 ) نعم صرف الله هذا المطر بين عباده ما بين قليل وكثير ووقت وآخر ليذكروا ويتعظوا ويشكروا ولكن أبى أكثر الناس إلا كفورا بنعمة الله لا يتفطنون لنعمة الله ولا يستعينون بها على طاعته حتى إنهم مع الخير الكثير ومع الأمطار الغزيرة ينسبون ذلك إلى الظواهر الطبيعية يقولون هذا ضغط جوي هذا جاءنا من ناحية الفلانية ومن ناحية الفلانية وكأنهم لا يعلمون أن الخالق هو الله وإذا تنزلنا معهم وقلنا إنه ضغط جوي أو كما يقولون فإننا نقول من أوجد هذا الضغط ومن الذي قدر هذا الأمر حتى ينزل المطر أليس هو الله الواحد القهار إننا لا ننكر أن يكون للشيء أسبابا ولكننا ننكر أن يضاف الأمر إلى هذه الأسباب دون خالق الأسباب فإن الله تعالى هو الواحد القهار وليستمع هؤلاء إلى ما ثبت في صحيح البخاري عن زيد ابن خالد الجهني قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبيه فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحب فلما انصرف أقبل علينا فقال أتدرون ماذا قال ربكم قلنا الله ورسوله أعلم قال: (قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب ونحن نقول مؤمنين بذلك نقول الحمد لله مطرنا بفضل الله ورحمته قال صلى الله عليه وسلم: ( وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا يقوله النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب) (3) ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا نزل المطر حسر عن ثوبه أي كشف عن شيء من بدنه فقالوا لما صنعت هذا يا رسول الله قال: لأنه حديث عهد بربه يعني أن الله خلقه الآن فلذلك أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يصيب بدنه من هذا المطر وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى المطر قال: (اللهم صيبا نافعا )(4)فيا أيها الناس تدبروا آيات الله واستعينوا بها على معرفته والتعرف إليه واعلموا أن من تدبر آيات الله ونظر فيها ازداد بها إيماناً ويقيناً ونشاطاً على العمل الصالح وبعدا عن العمل السيئ وكونوا من أولي الألباب ﴿ الَّذِينَ يَذْكُُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَِقنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ* رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يِوْمَ الْقِيَامَةِ ِإنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ ( آل عمران : 191 - 194 ) اللهم وفقنا لتدبر آياتك والانتفاع بها في مرضاتك اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدنا اللهم وفقنا لما تحب وترضى وجنبنا ما تبغضه ولا ترضى عنه يا رب العالمين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...
    الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى أصحابه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا البدر وأنور وسلم تسليما كثيرا
    أما بعد
    أيها الناس اتقوا الله تعالى واستعينوا بنعمه على طاعته وذكره فإن الذي بكم من النعم من الله عز وجل وإذا مسكم الضر فإليه تجأرون ولقد استسقى بعض إخواننا في الأمس الذين لم يكونوا قد اسألوا من قبل وبهذا أجاب الله دعائهم ولله الحمد فحصل هذا المطر الغزير الذي نرجو الله أن يكون صيباً نافعا فاشكروا الله على هذه النعمة ولا تجعلوها وسيلة للمعاصي وإن من المهم في مثل هذه الأيام أيام المطر أن يراعي السائقون للسيارات أحوال المشاة إذا أقبلوا عليهم وحولهم بقعة من الماء فإنه ينبغي أن يمسكوا بفرامل السيارة حتى تسير رويداً رويدا لألا يحصل رشاش الماء على المشاة فيؤذيهم فإن أذية إخوانك المسلمين من أسباب الإثم المبين قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾ ( الأحزاب : 58 ) وأنت يا راكب السيارة تصور أنك الذي تمشي على الأرض وأن هذا الذي يمشي هو الذي في السيارة فهل ترضى أن يسير بسرعة حتى يؤذيك رشاش الماء إنك لا ترضى وإذا كنت لا ترضى لنفسك فإن من تمام الإيمان بالله أن لا ترضاه لإخوانك المسلمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )(5)فاتقي الله أخي المسلم ولا تجعل ما أنعم الله به عليك من هذه السيارات لا تجعلها سبباً لإثمك وعقوبتك يوم القيامة بإيذاء إخوانك المسلمين في مثل هذه الأحوال وإن من نعمة الله وتيسيره أن رخص لعباده إذا كان يلحقهم مشقة للصلاة في وقتها أن يجمعوا بين الصلاتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا شق عليهم ذلك للمطر أو الوحل لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر صح عنه ذلك في صحيح مسلم فقيل لابن عباس راوي الحديث لما صنع ذلك فقال رضي الله عنه: ( أراد أن لا يحرِّج أمته أي أراد أن لا يلحق أمته حرج في دينها)(6)وهذا مصداق قول الله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ ( الحج : 78 ) فإذا أتى الإنسان إلى المسجد وهم يصلون فليدخل بنية المغرب سواءً كان الإمام يصلي المغرب أو يصلي العشاء فإذا قدر أن الإمام يصلي المغرب فالأمر واضح وإذا قدر أن الإمام يصلي العشاء فلا حرج على المأموم إذا خالفت نيته نية إمامه لأنه لا دليل على اشتراط اتحاد نية الإمام والمأموم وإنما الدليل دل على اتحاد أفعال الإمام والمأموم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه )) ولم يقل فلا تختلفوا عنه بل قال فلا تختلفوا عليه ثم قدر هذا الاختلاف بقوله: ( فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد وإذا صلى قائما فصلوا قياماً وإذا صلى قاعدا فصلوا قعوداً )(7) فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم ما يحصل به الاختلاف على الإمام وهو الاختلاف في الأفعال والمتابعة لا في النيات فإذا دخلت والإمام يصلي العشاء مثلا فانوي المغرب ثم إن كنت قد دخلت في أول ركعة فإذا قام الإمام إلى الرابعة فاجلس وانوي مفارقته واقرأ التحيات وسلم ثم قم معه لتصلي مع الإمام ما بقي من صلاة العشاء أما إذا دخلت مع الإمام في صلاة العشاء في الركعة الثانية فما بعدها فالأمر واضح إن دخلت في الركعة الثانية فإنك تسلم مع الإمام وإن دخلت في الركعة الثالثة صليت مع الإمام ركعتين ثم أتيت بالثالثة للمغرب وإن دخلت معه في الرابعة صليت معه ركعة وأتيت بركعتين بعد ذلك وهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنما جعل الإمام ليأتم به واعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ، شذ في النار واعلموا أن الله بدأكم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل من قائل عليما: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ ( الأحزاب : 56 ) اللهم صلي وسلم على عبدك ونبيك محمد اللهم ارزقنا محبته وإتباعه ظاهراً وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم أسقنا من حوضه اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم أرضى عن أصحابه أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وأرضى اللهم عنا معهم بمنك وكرمك يا رب العالمين اللهم ارزقنا شكر نعمتك على ما أنعمت به علينا من هذا الغيث واجعله اللهم صيباً نافعاً عاما للمسلمين واجعله عونا لنا على طاعتك يا رب العالمين ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون وإنني أبشر إخواننا الذين يصلون الآن في المطر ويشق عليهم ذلك بأن الله سيضاعف لهم الأجر وإن كان قد فاتهم خير كثير بسبب تأخرهم ولكن لعلهم معذورون فأسأل الله أن يثيبهم على ما أصابهم من هذه المشقة ...
    (1) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في ك الجمعة من حديث أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه ( 881 ) والإمام مسلم رحمه الله تعالى في ك صلاة الاستقاء ( 14493 ) .
    (2) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في ك الزهور والرقائق من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( 5399 ) ت ط ع .
    (3) أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الأذان ( 801 ) رواه زيد بن خالد الجهنى رضي الله تعالى عنه . وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان ( 104 ) رواه زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه . ت ط ع
    (4) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الجمعة ( 974 ) من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها .
    (5) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في ك الإيمان (12) من حديث أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه . ت ط ع
    (6) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ( 1147 ) من حديث بن عباس رضي الله تعالى عنهما .
    (7) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الأذان ( 680 ) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى ومسلم رحمه الله تعالى في كتاب الصلاة ( 625 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأبي داود رحمه الله تعالى في كتاب الصلاة ( 511 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ت ط ع
    تحميل المادة

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,556

    افتراضي رد: نعمة المطر ...العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-

    أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم ورزقكم قال الله تعالى: ï´؟الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلا تَجْعَلُواْ لِلَِّه أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَï´¾ [البقرة: 22] قال الله تعالى: ï´؟الله الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُِثيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاِلِه فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِروُنَï´¾

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الخطبة الأولى:
    الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا أرسل الرياح بُشراً بين يدي رحمته فأنشأ بها سحاباً ثقالاً وكان ذلك على الله يسيراً وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وكان الله على كل شيء قديراً وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
    أما بعد:
    أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم ورزقكم قال الله تعالى: ï´؟الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلا تَجْعَلُواْ لِلَِّه أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَï´¾ [البقرة: 22] قال الله تعالى: ï´؟الله الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُِثيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاِلِه فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِروُنَï´¾ [الروم: 48] وقال الله عز وجل: ï´؟حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآََيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَï´¾ [الأعراف: 57-58].
    أيها الناس أيها المسلمون إن في كل شيء من هذا الكون لآية تدل على وحدانية الله وعلى كمال ربوبيته وعظمته وتمام علمه وقدرته وبالغ رحمته وحكمته وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديرا تأملوا هذه الرياح اللطيفة يرسلها الله تعالى فتحمل تلك السحب الثقيلة المحملة بالمياه الكثيرة بحاراً جوية تجري بين السماء والأرض ثم تكون أنهاراً أرضية تجري في فجاج الأرض أودية وشعابا من رذاذ يرسله الله قطرة قطرة فترى الودق يخرج من خلاله ترى هذا السحاب المتفرق يؤلف الله بينه فيجمعه حتى يتراكم كالجبال فيحجب نور الشمس لكثافته وتظلم الأرض لسواده وتراكمه يتجمع ويتداخل ويتسع وينقبض وإذا شاء الله فرقه سريعا فأصبحت السماء صحواً كأن لم يكن بها سحاب ï´؟صُنْعَ اللهِ الَّذِيَ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيُر بِمَا تَفْعَلُونَï´¾ [النمل: 88] "قال أنس بن مالك رضي الله عنه أصاب الناس سنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعني أصابهم جدب فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال وانقطعت السبل فادعُ الله يغيثنا فرفع يديه وما نرى في السماء قطعة غيم فوالذي نفسي بيده ما وضعهما حتى صار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى وقام ذلك الإعرابي أو قال غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادعُ الله لنا فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر وجعل يشير صلوات الله وسلامه عليه بيده إلى السماء فما يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت فتمزق السحاب فما نرى منه شيئا على المدينة وسار الوادي قناة شهراً ولم يجيء أحد من ناحيته إلا تحدث بالجو (1) أيها الناس إن في هذا الحديث الصحيح وفيما نشاهده نحن في هذا السحاب تجمعاً وتفرقا وتلبداً وخفة وبطئاً في المسير وسرعة وغزارة في المطر وقلة إن في هذا لأكبر دليل على عظمة الله وقدرته وأنه جل ذكره إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون لمرة واحدة من غير تكرار ولا تريث قال الله تعالى ï´؟وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِï´¾[القمر: 50]وأن هذا السحاب مسخر بأمر الله لا يتجاوز ما أمره به خالقه ومنشئه وقد حدث رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق "عن رجل في فلاةٍ من الأرض سمع صوتاً في سحابة يقول أسق حديقة فلان فأفرغت السحابة ماءها في حرة وسال الماء منها إلى حديقة الرجل الذي سمعه فجاء الذي سمع الصوت في السحابة إلى هذا الرجل فقال يا عبدالله ما اسمك قال فلان بالاسم الذي سمع في السحابة فلم تسألني عن اسمي قال إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول أسق حديقة فلان باسمك فماذا تصنع في حديقتك قال أما إذا قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثاً وأرد فيها ثلثاً (2) يعني لحرثها وعمارتها وبهذا الحديث نعرف أن هذا السحاب ينشأ بإرادة الله وقدرته ويسير بإرادة الله وقدرته ويتجه إلى حيث أمره الله تعالى بحكمته وينزل الماء بإذن الله ينفقه بإذن الله تعالى قال الله سبحانهï´؟وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُوراًï´¾ [الفرقان: 48-50] نعم فرقه الله تعالى بحكمته بين عباده ما بين قليل وكثير ووقت وآخر ليذكروا ويتعظوا ويذكروا ولكن أبى أكثر الناسِ إلا كفورا بنعمة الله لا يتفطنون لنعمة الله لا يستعينون بها على طاعة الله حتى إنهم لينسبون ذلك إلى ظواهر طبيعية يقولون هذا ضغط جوي هذا كذا هذا كذا وكأنهم لا يعلمون كأنهم لا يعلمون أن الخالق هو الله وأنه موجب الضغط ومعدمه هو الله ونحن لا ننكر أن لكل شيء سببا ولكن من خالق هذه الأسباب أليس هو الله الواحد القهار وفي صحيح البخاري عن زيد بن خالد الجهني قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم الصبح فلما انصرف أقبل علينا فقال: "أتدرون ماذا قال ربكم قلنا الله ورسوله أعلم قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب وأما من قال مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب (3).
    أيها الناس وإن من آيات الله تعالى في هذا السحاب ذلك البرق الساطع الواسع الذي لو اجتمعت جميع الطاقات الكهربائية في العالم ما ولدت مثله من ذلك السحاب الخفيف الملمس في لحظة من اللحظات تجد ذلك الشوط الكبير الواسع الذي يملأ السماء امتداداً ويملأ الأرض نوراً وضياءَ يحدث في خلال ذلك السحاب ثم هذا الصوت العظيم المزعج الذي لولا أن الله خفف عن عباده تحمله لكان مقلقاً لحياتهم ذلكم الرعد هل أحد يمكنه أن ينكر فيه قدرة الله وعظمته ï´؟هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِï´¾ [الرعد: 12-13] فيا أيها الناس يا أيها المسلمون تدبروا آيات الله تعالى واستعينوا بها على معرفته واستعينوا بها على معرفته والتعرف إليه واعلموا أن مَنْ تدبر آيات الله ونظر فيها ازداد بها إيماناً ويقينا ونشاطاً على العمل الصالح وبُعداً عن العمل السيئ. أيها الناس كونوا من أولي الألباب الذين قال الله عز وجل فيهم: ï´؟الَّذِينَ يَذْكُُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَِقنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِتَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يِوْمَ الْقِيَامَةِ ِإنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَï´¾ [آل عمران: 191-194] كونوا من أولي الألباب الذين هذا ذكرهم وهذا قولهم وهذا لجوءهم إلى ربهم وافتقارهم إليه اللهم وفقنا لتدبر آياتك والانتفاع بها في مرضاتك اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم الجواد الكريم.
    الخطبة الثانية:
    الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور وسلم تسليما.
    أما بعد:
    أيها الناس اتقوا الله تعالى وكونوا عباد الله إخوانا واعلموا أنه لن يؤمن أحد منكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم واحذروا أيها المؤمنون أن يؤذي بعضكم بعضا بالقول أو بالفعل فإن الله سبحانه يقول ï´؟وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناًï´¾ [الأحزاب: 58].
    أيها الناس إن من الأذية التي يفعلها بعض الناس عن قصد أو غير قصد أنهم إذا كان في أيام الأمطار وكان انسياب الماء بل كان الماء الناقع في الأسواق فإن بعض الناس يمر بسيارته على هذه المستنقعات بسرعة حتى يؤذي من حوله إذا تطاير الماء على ثيابه فلوثها بالطين والأذى وإن هذا من أذية المسلمين وهذا حرام عليهم إذا آذوا المسلمين في ثيابهم وأبدانهم وعلى هذا فيجب أن يكون للإنسان قلب واعٍ إذا مر بهذه المستنقعات فيهدئ السرعة حتى لا يُؤذي أحد من المسلمين إن كان حوله أحد أما إذا لم يكن حوله أحد فإنه لا أذية في ذلك ولكننا ننصح كل من يسير داخل البلد أن يسير بسرعة متزنة بحيث يملك بها السيارة إذا عارضه أحد وإننا لنرجو أن يكون للإنسان واعظ من إيمانه دون رادعٍ من سلطانه فإن الإنسان إذا كان عنده واعظ من إيمانه في قلبه كان ذلك أنفع له وكان أقرب له إلى ربه وإذا كان لا يخاف إلا من سلطة السلطان فإنه لم يتقي الناس شره إلا إذا كان بحضرة السلطان وهذا بلا شك نقص بالإيمان فالمؤمن لا يخشى إلا الله ولا يخاف إلا الله عز وجل ويتقي ما حرمه الله عليه خوفاً من ربه عز وجل وإذا فعل ذلك فإنه يكون بذلك الخير للجميع. أيها المسلمون إن الواجب على المرء أن يدع ممرات المشاة للمشاة فهذه الأرصفة التي يوقف فيها بعض الناس سياراتهم إنما يفعلون ذلك وهم مخطئون لأنهم يتحجرون أمكنة ليست للسيارات ولكن للمشاة ولا يحل لهم أن يضايقوا الناس في ممراتهم وإن لنا أملاً كبيراً في رجال المرور أن يعتنوا بهذا الأمر كما نراهم محافظين على ذلك زادهم الله تعالى من النشاط والقوة فإنني أقول إن الناس إذا لم يكن في قلوبهم وازع من الدين فإنه يجب أن يكون في بلادهم رادع من السلطان رادع قوي لا يدع هؤلاء العابثين يعبثون في حقوق الناس ويتجرءون على أذيتهم فإذا لم يكن في قلوب الناس إيمان وإذا لم يكن في قلوب الناس حياء فلتكن السلطة هي التي تحي هذه القلوب وهي التي تمنع هذا الأذى وهي التي تمنع هذه الجناية من الوقوف في ممرات الناس أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم أمة واعية أمة تقدر للناس كما تقدر لنفسها أمة يهتمون بالمصالح العامة دون المصالح الخاصة ويعتنون بهذا وهذا ولكنهم لا يعتنون بشيء على حساب الآخر أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المتعاونين على البر والتقوى المتناهين عن المنكر المتباعدين عن الإثم والعدوان. واعلموا أيها المسلمون أن خير الحديث كتاب الله وأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل من قائل عليماً: ï´؟إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماًï´¾ [الأحزاب: 56] اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم اسقنا من حوضه اللهم احشرنا في زمرته اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وعن بقية الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم ارضَ عنا معهم اللهم أصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام المسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم بصرهم في دينهم اللهم اهدهم إليه اللهم أصلح ولاة أمورهم اللهم من كان من ولاة أمور المسلمين مستقيماً على شرعك ناصحاً لعبادك قائماً بما فرضت عليه من النصيحة للرعية فثبته على ذلك وزده من فضلك اللهم من كان من ولاة أمور المسلمين على خلاف ذلك فاهده إلى الحق أو أبدله بخير منه يا رب العالمين اللهم لا تسلط ولاة أمور المسلمين على المسلمين بذنوبهم اللهم عاملهم بعفوك حتى تيسر لهم خلقك يا رب العالمين ï´؟رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِï´¾ [البقرة: 201] عباد الله ï´؟إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَï´¾ [النحل: 90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ï´؟وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَï´¾ [العنكبوت: 45].
    ---------------------
    (1) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في ك الجمعة من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه (975) ت ط ع.
    (2) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في ك الزهر والرقائق من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (5299) ت ط ع.
    (3) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في ك الأذان من حديث زيد ابن خالد رضي الله تعالى عنه (801) وأخرجه الإمام مسلم في ك الإيمان (104).
    تحميل المادة

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,556

    افتراضي رد: نعمة المطر ...العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-

    نعمة المطر وكيفية تكونه ونزوله إلى الأرض...العلامة صالح الفوزان -رحمه الله-





    الخطبة الأولى
    الحمد لله على فضله وإحسانه،أحمده وأشكره وستعينه وستغفره، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته،وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
    أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروه على نعمه وإحسانه فإن نعمه لا تزال تتجدد عليكم فأحدثوا لكل نعمة شكرا، بالأمس كنتم مجذبين قد أنحبس عليكم المطر، وطال انتظاركم، واليوم والحمد لله فرج الله شدتكم، وأزال كربتكم، وأنزل عليكم المطر، فشكروه على هذه النعمة وحمدوه واستعينوا به واستغفروه في الحديث:قال عجب ربنا من قنوط عباده، وقرب غيره أو خيره منهم ينظر إليكم أزليين قانتين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب، ففي هذه الأيام منَّ الله على المسلمين على عباده عموماً وعلى مخلوقاته التي تحتاج إلى المطر فأنزل هذا المطر وعممه عليكم، فشكروا الله وحمدوه على هذه النعمة، إن في إنزال هذا المطر آيات وعبر، فالله سبحانه وتعالى يرسل الرياح فتثير السحاب(اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ)، ويرسل رياح تلقحه بالماء(وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ )تلقحه بالماء في الجو، ثم يرسل رياح تحمله وتسوقه حيث أمر الله سبحانه، ثم يأمر الله هذا السحاب فيفرغ ما فيه من الماء وينزله بقدر معلوم، ففي إنزاله في أرض دون أرض، وعلى قوم دون قوم حكمة عظيمة، وفي كيفية إنزاله أنه ينزل قطرات متوازنة(وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) في ذلك عبرة عظيمة فلم يصبه الله صباً على الأرض بل ينزله على شكل قطرات متفرقة ليعم الأرض التي أمر الله أن ينزل عليها، وجعله مباركاً، وجعله طهوراً(وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً)،(وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً) فالله جلَّ وعلا جعله مباركاً طهوراً، وجعل فيه غذاءً ينبت النبات، ويروي العطاش، وهذا من رحمته سبحانه (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أي: من السحاب أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ* لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ)، لو شاء الله لجعله مالحاً زوعاقاً لا يشرب ولا ينتب نباتاً، ولكن الله جعل فيه هذه الصفات العظيمة ينبت به النبات والمراعي والزر وع، ويخزنه في الأرض لحاجة الناس، يخزنه في الأرض ويجعله ينابيع لحاجة الناس إليه في المستقبل، كل ذلك من رحمته سبحانه وحكمته وعظيم قدرته سبحانه وتعالى، فلنتفكر في حبسه عن من يشاء، ونتفكر في إنزاله على من يشاء، وتتفكر في كيفية نشوؤه، ومسيره بين السماء والأرض إلى حيث أمره الله سبحانه وتعالى فيحبسه عن أرض، وينزله على أرض أخرى، حسب أمره ومشيئته ورحمته سبحانه وتعالى(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فلنتفكر في هذا، لنستدل به على عظيم قدرة الله، وعلى عظيم رحمته سبحانه وتعالى بعباده، وننسب هذا المطر إليه لا إلى غيره من النجوم ولا المناخات ولا إلى الانخفاضات الجوية كما يقوله الجهال أو من ليس عنده إيمان، ننسب هذا إلى الله جلَّ وعلا ونشكره عليه وأنه لا أحد يقدر على إنزال هذا المطر ويبارك فيه إلا هو سبحانه وتعالى قال الله سبحانه(أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ*يعني القرآن وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)أي تنسبون المطر إلى غيره، صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الفجر على إثر سماء كانت من الليل أي على أثر مطر نزل بالليل فلم أنصرف صلى الله عليه وسلم من الصلاة، قال:"أتدرون ماذا قال ربكم، قالوا:الله ورسوله أعلم، قال:ربكم أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله وبرحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوي كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب".
    فنتقي الله، ولنشكره على هذه النعمة، لنتفكر فيها على عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ)،(وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)، (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ رِزْقاً وهو المطر وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ)،(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قول هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
    الخطبة الثانية
    (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين،سلَّم تسليماً كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:
    أيَّها النَّاس، اتقوا الله تعالى، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل السحاب يتغير لونه عليه الصَّلاة والسَّلام ويقبل ويدبر، يدخل ويخرج، يخشى أن يكون عذاباً كما جعله الله عذاباً على قوم عاد، فإذا أمطرت السماء سوريَّ عنه صلى الله عليه وسلم وفرح بذلك، وكان صلى الله عليه وسلم إذا نزل المطر يقول:"مطرنا بفضل الله وبرحمته، اللهم صيب نافعا"، وكان صلى الله عليه وسلم إذا كثرت الأمطار، وخيفا منه الضرر، يدعوا ربه فيقول:"اللهم حولينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر"، هكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم فلنقتد به في ذلك، ونعتبر ولنتعظ وليكن عندنا خوفٌ من الله سبحانه وتعالى إذا أقبل السحاب فندعو الله أن يجعله رحمة وأن لا يجعله عذاباً هكذا يجب على المسلم عند نعمة نزول المطر، وعند غير ذلك من النعم، بعض الناس إذا نزل المطر وسارت الأودية يخرجون إلى البراري، ويحصل منهم مفاسد، ويحصل منهم لهو ولعب وهذا أمر لا يليق، ما بهذا تقابل النعمة، وإنما بشكر الله سبحانه وتعالى، لا مانع أن الناس يخرجون إلى المطر وإلى الأودية، ويشكرون الله سبحانه وتعالى، ويرفهون عن أنفسهم، لكن أن يجعلوا ذلك فرصةً للغفلة واللهو واللعب وإظهار المعاصي، وقد يكون أشدَّ من ذلك تضيع الصلاة فهذا أمر منكر، هذا كفرٌ للنعمة(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
    فتقوا الله، عباد الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
    وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
    اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، وكفينا شر شرارنا، ولا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، اللَّهُمَّ أجعل وليتنا فيما خافك واتقاك وتبع رضا يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ولي على المسلمين خيارهم في كل مكان يا ب العالمين، وكفهم شر شرارهم،(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
    عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
    خطبة الجمعة 23-05-1431هـ

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,556

    افتراضي رد: نعمة المطر ...العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-

    بسم الله الرحمن الرحيم
    من(مجلة الإصلاح – العدد 17)
    إنَّ أكثر النَّاس اليوم إذا رأوا سحابًا مُقْبِلاً في السَّماء فرحوا به واستبشروا بمجيء المطر!
    فهل هذا العمل منهم صحيح؟! وهل كان ذلك هو موقف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا رأى سحابًا في السَّماء؟
    تَذْكُرُ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - حال النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا رأى غَيْمًا فتقول: كَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ في وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَى النَّاسَ إِذَا رَأَوا الغَيْمَ فَرِحُوا؛ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ المَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ في وَجْهِكَ الكَرَاهِيَةَ؟! قَالَتْ: فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ! مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ؛ فَقَالُوا: ï´؟هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَاï´¾ [الأحقاف: 24]»[1].
    وتمام الآية: ï´؟فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)ï´¾.
    وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إِذَا رَأَى مخِيلَةً في السَّماء، َأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، ودَخَلَ وَخَرَجَ، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَإِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَا أَدْرِي؟ لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قوم: ï´؟فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْï´¾»[2].
    «مخيلة»: سحابة يخال فيها المطر.
    وفي رواية لمسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبىِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ؛ قَالَ: «اللَّهُمَّ! إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بهِ، وَأَعُوذُ بكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بهِ»، قَالَتْ: وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ؛ فَقَالَ: «لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ! كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: ï´؟فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَاï´¾».
    فعادٌ كانوا قومًا كافرين، كذَّبوا نبيَّ الله هودًا - عليه السلام - وأصرُّوا على الشِّرك والكفر بالله، وقد أخبرنا الله في القرآن عن شدَّة كفرهم وعنادهم واستكبارهم، واحتقارهم لنبيِّهم وإساءة الأدب معه في القول والفعل فقال: ï´؟وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23)ï´¾ [الأحقاف].
    الأحقاف: جمع حقْف وهو: الجبل من الرَّمل، وعاد كانوا حيًّا باليمن، أهلَ رمل مشرفين على البحر.
    وقال تعالى: ï´؟قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)ï´¾[هود].
    وقال تعالى: ï´؟وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67)ï´¾ [الأعراف].
    فمن كان هذا حاله، وهذا موقفه من توحيد الله، والدَّاعي إليه، وهو نهاية الكفر والطُّغيان، فلأن يخاف بأس الله وسخطه وانتقامه أولى من أن يفرح ويستبشر إذا هبَّت ريحٌ أو رأى سحابًا، فأولئك القوم عصوا اللهَ ربَّهم وكفروا به وكذَّبوا رسولَهم وأمِنوا مكرَ الله؛ فكانت النَّتيجة أنْ أتاهم العذاب من حيث لم يحتسبوا، بل جاءهم من حيث استبشروا وظنُّوا أنَّ الغيث قد أتاهم.
    ï´؟بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)ï´¾.
    وقال الله تعالى: ï´؟وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)ï´¾ [الحاقة]، وما عذاب الله وانتقامه من الظالمين أين كانوا ببعيدٍ، كما قال سبحانه: ï´؟فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)ï´¾ [هود].
    فنبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو أعلم الخلق بالله تعالى وأشدُّهم له خشيةً، وأصحابُه - رضي الله عنهم - الَّذين كانوا معه هم خير النَّاس، وعصره أفضل العصور، ومع ذلك فقد علمتم حاله عند رؤيته للسَّحاب في السَّماء، وكيف أنَّ وجهه يتغيَّرَ وتُعرف فيه الكراهية؛ لأنَّه يخشى أن يكون فيه عذاب، ولا يذهب عنه ذلك حتى ينزل المطر أو ينجلي السحاب.
    بل إنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا كان مشتغلاً بشيء ولو كان صلاةً تركه إذا رأى سحابًا أو هبَّت ريحٌ وتوجَّه إلى الله بالدُّعاء، تقول عائشة - رضي الله عنها -: كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا رأى سحابًا مقبلاً مِنْ أفقٍ مِنَ الآفاق ترك ما هو فيه - وإنْ كان في الصلاة - حتَّى يستقبله، فيقول: «اللَّهُمَّ! إِنَّا نَعُوذُ بكَ مِنْ شَرِّ مَا أُرْسِلَ بهِ»، فإن أمطر قال: «اللَّهُمَّ! صَيِّبًا نَافِعًا، اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا»، وإن كشفه الله ولم يمطر؛ حمد الله على ذلك[3].
    وفي رواية لابن حبَّان (1006): «كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا رأى في السَّماء ريحًا استقبله من حيث كان، وإن كان في الصَّلاة تعوَّذَ بالله من شرِّه».
    فينبغي أن يكون الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أُسْوَتَنَا وقدوتَنا، وقد قال الله تعالى: ï´؟لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)ï´¾ [الأحزاب].
    بل نحن أولى بأن نخاف عذاب الله، ونحذر غضبه وانتقامه بسبب ما فشا في مجتمعنا من الموبقات مثل: القول على الله بغير علم والشِّرك والبغي والإثم والفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ فالأمَّة إذا ظهرت فيها هذه الموبقات وعمَّت فهي إلى غضب الله وعقابه أقرب منها إلى رضاه ورحمته.
    فالنَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا رأى غيمًا مقبلاً خشي أن يكون عذابًا وتضرَّع إلى الله بالدُّعاء؛ فإذا انجلى ولم يمطر حَمِدَ الله؛ لأنَّه لم يكن فيه عذابٌ، وإذا أمطر قال:«اللَّهُمَّ! صَيِّبًا نَافِعًا».
    وكان من هديه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوَّل ما ينزل المطر أن يخرج يمشي تحته، قال أنس - رضي الله عنه -: «أصابَنا ونحن مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مطرٌ؛ فحسر رسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثوبه حتَّى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله! لِمَ صنعتَ هذا؟ قال: «لأنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ برَبِّهِ تَعَالَى»[4].
    فالسَّحاب الَّذي نراه قد يكون فيه الرَّحمة وقد يكون فيه العذاب، وكذلك المطر قد يكون نزوله رحمةً ونعمةً وهو النَّافع، وقد يكون نزوله عقوبةً ونقمةً وهو الضَّارُّ.
    ولهذا ينبغي على المسلم إذا رأى سحابًا أن يستعيذ بالله من شرِّه، وإذا نزل المطر أن يسأل الله أن يكون نافعًا غيرَ ضارٍّ اقتداءً برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -.
    ومن الواجب على العبد كذلك في هذا المقام أن يُقِرَّ بأنَّ نعمةَ المطر من الله تعالى، وينسب الفضل إليه، فهو سبحانه مُولِي النِّعم ومُسْدِيها، بيَدِه الخيرُ، وهو على كلِّ شيء قدير.
    وقد ثبت في «الصَّحيحين» وغيرهما عن زيد ابن خالد - رضي الله عنه - قال: «صلَّى لنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلاةَ الصُّبح بالحديبية على إثْرِ سماءٍ كانت من اللَّيلة[5]، فلمَّا انصرف أقبل على النَّاس، فقال: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قالوا: الله ورسوله أعلم! فقال: «قَالَ اللهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بي كَافِرٌ بالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بي مُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ»[6].
    فالقائل عند نزول المطر: مطرنا بفضل الله ورحمته، قد نسب النِّعمة لمعطيها، وأضاف المنَّة لموليها، واعتقد أنَّ نزول هذا الفضل والخير والرَّحمة إنَّما هو محض نعمة الله وآثار رحمته سبحانه.
    وأمَّا القائل عند نزول المطر: مطرنا بنَوْء كذا وكذا؛ فلا يخلو من أحدِ أمرين:
    إمَّا أن يعتقد أنَّ المنزل للمطر هو النَّجم، وهذا كفرٌ ظاهرٌ ناقلٌ عن الملَّة.
    وإمَّا أن يعتقد أنَّ المنْزِل للمطر هو الله، والنَّوءُ سببٌ، فيضيف النِّعمة إلى ما يراه سببًا في نزولها، وهذا من كفر النِّعمة؛ لأنَّ الأنواء ليست من الأسباب لنزول المطر، ولو كانت سببًا؛ فإنَّ الأسباب لا تجعل مع الله شركاءَ وأندادًا وأعوانًا.
    وكذلك الرِّيح؛ قد تكون نعمةً ورحمةً، وقد تكون عذابًا ونقمةً، وقد علَّمنا النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما نقول إذا هبَّت الرِّيح وخشينا أمرًا نكرهه، فقال: «لاَ تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بهِ، وَنَعُوذُ بكِ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بهِ»[7].
    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أخَذَتِ النَّاسَ ريحٌ في طريق مكَّة، وعمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - حاجٌّ، فاشتدَّت عليهم، فقال عمر - رضي الله عنه - لمن حوله: من يحدِّثنا عن الرِّيح؟ فلم يرجعوا له شيئًا، وبلغني الَّذي سَأَلَ عنه عمر - رضي الله عنه - من ذلك؛ فاستحثثت راحلتي حتَّى أدركته، فقلت له: يا أمير المؤمنين! أخبرت أنَّك سألتَ عن الرِّيح، وإنِّي سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: «الرِّيحُ مِنْ رَوحِ اللهِ تَأْتِي بالرَّحْمَةِ، وَتَأْتِي بالعَذَابِ؛ فلاَ تَسُبُّوهَا، وَاسْأَلُوا اللهَ خَيْرَهَا، وَاسْتَعِيذُوا بهِ مِنْ شَرِّهَا»[8].
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «فهذه السُّنَّة في أسباب الخير والشَّرِّ: أن يفعل العبد عند أسباب الخير الظَّاهرة والأعمال الصَّالحة ما يجلبُ اللهُ به الخيرَ، وعند أسباب الشَّرِّ الظَّاهرة من العبادات ما يدفع الله به عنه الشَّرَّ.
    فأمَّا ما يخفى من الأسباب؛ فليس العبد مأمورًا بأن يتكلَّف معرفته، بل إذا فعل ما أُمِرَ به وترك ما حظر؛ كفاه الله مؤنةَ الشَّرِّ ويسَّرَ له أسباب الخير: ï´؟وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)ï´¾»[9].
    وصلَّى الله تعالى وسلَّم على نبيِّه محمَّدٍ وعلى آله وصحبه تسليمًا كثيرًا.

    [1] متَّفق عليه: البخاري (4829)، ومسلم (899).

    [2] أخرجه البخاريُّ (3206) وغيره.

    [3] أخرجه أبو داود (5099)، وابن ماجه (3889)، والبخاري في «الأدب المفرد» (686)، وأحمد (6/ 190)، والنَّسائي في «الكبرى» (1/ 562) من طريق يزيد بن المقدام ابن شريح عن أبيه المقدام عن أبيه عن عائشة به، قال الألباني: «إسناده صحيح»: «الصحيحة» (2758).

    [4] أخرجه مسلم (898).

    [5] أي على إثر مطر.

    [6] البخاري (846)، ومسلم (71).

    [7] أخرجه التِّرمذي (2252) وقال: «حسن صحيح»، وأحمد (5/ 123)، والنَّسائي في «الكبرى» (10770)، والحاكم (2/ 298) عن أبي بن كعب - رضي الله عنه -، «الصحيحة» (2756).

    [8] أخرجه أحمد (2/ 267)، والبيهقي (3/ 361) وغيرهما.

    [9] «المجموع» (35 / 170).



    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. حكم دخول الرجل المسجد وفي رجله روث غنم / العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى منبر العلوم الشرعية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Apr-2020, 09:13 PM
  2. كيفية شكر الله على نعمة المطر
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-Oct-2019, 09:20 PM
  3. صلاة الاستسقاء..العلامة محمد صالح العثيمين-رحمه الله-
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى منبر العلوم الشرعية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 28-Oct-2013, 11:21 AM
  4. كِتَابُ الوَقْفِ...العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى منبر العلوم الشرعية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 27-Oct-2013, 11:02 PM
  5. لا تسبوا أصحابي-العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
    بواسطة أبو يوسف عبدالله الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-Apr-2012, 07:14 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •