عَنْ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ قَالَ عَلِىٌّ نَهَانِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أَتَخَتَّمَ فِى إِصْبَعِى هَذِهِ أَوْ هَذِهِ. قَالَ فَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى وَالَّتِى تَلِيهَا. قال الإمام النووي - رحمه الله - : وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيث فِي غَيْر مُسْلِم : ( السَّبَّابَة وَالْوُسْطَى ) وَأَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ السُّنَّة جَعْل خَاتَم الرَّجُل فِي الْخِنْصَر ، وَأَمَّا الْمَرْأَة فَإِنَّهَا تَتَّخِذ خَوَاتِيم فِي أَصَابِع . قَالُوا : وَالْحِكْمَة فِي كَوْنه فِي الْخِنْصَر أَنَّهُ أَبْعَد مِنْ الِامْتِهَان فِيمَا يُتَعَاطَى بِالْيَدِ ، لِكَوْنِهِ طَرَفًا ، وَلِأَنَّهُ لَا يَشْغَل الْيَد عَمَّا تَتَنَاوَلهُ مِنْ أَشْغَالهَا بِخِلَافِ غَيْر الْخِنْصَر ، وَيُكْرَه لِلرَّجُلِ جَعْله فِي الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا لِهَذَا الْحَدِيث ، وَهِيَ كَرَاهَة تَنْزِيه . وَأَمَّا التَّخَتُّم فِي الْيَد الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى فَقَدْ جَاءَ فِيهِ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ ، وَهُمَا صَحِيحَانِ . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : لَمْ يُتَابِع سُلَيْمَان بْن بِلَال عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَة ، وَهِيَ قَوْله : ( فِي يَمِينه ) . قَالَ : وَخَالَفَهُ الْحَافِظ عَنْ يُونُس ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرهَا أَحَد مِنْ أَصْحَاب الزُّهْرِيّ ، مَعَ تَضْعِيف إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أُوَيْسٍ رُوَاتهَا عَنْ سُلَيْمَان بْن بِلَال ، وَقَدْ ضَعَّفَ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي أُوَيْس أَيْضًا يَحْيَى بْنُ مَعِين وَالنَّسَائِيُّ ، وَلَكِنْ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُونَ ، وَاحْتَجُّوا بِهِ ، وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم فِي صَحِيحَيْهِمَا ، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم أَيْضًا مِنْ رِوَايَة طَلْحَة بْن يَحْيَى مِثْل رِوَايَة سُلَيْمَان بْن بِلَال ، فَلَمْ يَنْفَرِد بِهَا سُلَيْمَان بْن بِلَال ، فَقَدْ اِتَّفَقَ طَلْحَة وَسُلَيْمَان عَلَيْهَا . وَكَوْن الْأَكْثَرِينَ لَمْ يَذْكُرُوهَا لَا يَمْنَع صِحَّتهَا ، فَإِنَّ زِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة . وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَأَمَّا الْحُكْم فِي الْمَسْأَلَة عِنْد الْفُقَهَاء فَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز التَّخَتُّم فِي الْيَمِين ، وَعَلَى جَوَازه فِي الْيَسَار ، وَلَا كَرَاهَة فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا ، اِخْتَلَفُوا أَيَّتهمَا أَفْضَل ؟ فَتَخَتَّمَ كَثِيرُونَ مِنْ السَّلَف فِي الْيَمِين ، وَكَثِيرُونَ فِي الْيَسَار ، وَاسْتَحَبَّ مَالِك الْيَسَار ، وَكَرِهَ الْيَمِين . وَفِي مَذْهَبنَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا : الصَّحِيح أَنَّ الْيَمِين أَفْضَل لِأَنَّهُ زِينَة ، وَالْيَمِين أَشْرَفَ ، وَأَحَقّ بِالزِّينَةِ وَالْإِكْرَام .