ا لحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فمن سوء الأدب أن تسمع ممن ينتسب للسلفية (زعما) الطعن في العلماء خاصة الذين ثبتت لهم هذه المرتبة بشهادة العلماء الكبار ، فمن غريب ما نسمعه في كثير من الأحيان من بعض رويبضات هذا الزمان أن شيخنا المجاهد ربيع المدخلي غير حافظ لكتاب الله عزوجل ظنا منهم أن هذه الفرية السمجة ستخرجه من زمرة العلماء ، و للتنبيه فإننا لم نسمع بهذه الأكذوبة إلا من عند الفرقة الحوينية ، فهؤلاء يصدق عليهم قول: '' عجزوا عن الرد فاضطروا للكذب '' ، كما يصدق عليهم قول الشاعر :
كناطحٍ صخرةً يومًا ليُوهِنَها *** فلَمْ يَضِرْها وأَوْهَى قرنَهُ الوَعِلُ
وقال علي بن شقيق : قيل لابن المبارك : متى يفتي الرجل ؟ قال : ''إذا كان عالما بالأثر ، بصيرا بالرأي''([3])
هذا ما نقل عن هؤلاء الأعلام ولم يذكروا اشتراط حفظ القرآن مما يبين أن هذه الأكاذيب ما هي إلا حقد على الشيخ ربيع حفظه الله، وسبب هذا الحقد فضحهم و بيان تخبطاتهم ، فهم لا يريدون أن يُكشف أمرهم لهذا يروجون لمثل هذه السخافات حتى ينفروا الناس عن شيخنا ربيع السنة و ليصوروا للناس أن الشيخ مخالف للعلماء، لهذا فإني لمذكركم أيها المتهوكون أن شيخنا ربيع السنة قد أثنى عليه علماء هذا العصر و يكفي بإطلاق الشيخ الألباني رحمه الله عليه لقب حامل لواء الجرح و التعديل و يحي بن معين هذا الزمان كما قال محمد بن عبد الوهاب البنا رحمه الله و للمزيد انظر كتاب الثناء البديع على الشيخ ربيع و ستجد فيه العجب ، أما شيخكم الحويني و إن كان قد ذكره الشيخ الألباني في الصحيحة فإني أتحدى أي واحد منكم أن يأتيني بتزكية الشيخ الألباني للحويني في العقيدة ، فتزكيته في علوم الآلة شيء و في العقيدة شيء آخر و إلا لقنا أن شعيب الأرنؤوط سلفي لأنه ممن برزوا في علم الحديث و من المعلوم أن الأرنؤوط أ أشعري ، إذا فادعائكم أن الألباني يزكيه مردود و مما يقوي حجتنا ما ثبت بالصوت عن شيخكم أنه سئل الشيخ الألباني رحمه الله عن حكم دخول الأحزاب منذ عشرين سنة و سأله عن الإنتخابات فأجاب الشيخ الألباني بعدم الجواز فأين اتباع الحويني للألباني في هذه المسألة ؟ فالأحداث الأخيرة كشفت كل الشيء فالحمد لله الذي فضحه و كشف أمره ، إذا فما عليكم إلا أن تتوبوا إلى الله من كذبكم على الشيخ ربيع و رميكم إياه بما ليس فيه ، فتوبوا إلى الله قبل أن تلقوه ، أوَمَا قرأتم قول ابن عساكر رحمه الله تعالى: " اِعْلَمْ ياَ أخِي وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيّاَكَ لِمَرْضَاتِهِ وَجَعَلَنَا مِمَّنْ يّخْشاَهُ وَيَتَّقِيهِ، أنَّ لُحُومَ العُلَمَاءِ مَسْمُومِة، وَعَادَةُ اللهِ فِي هَتْكِ أَسْتَار مُنْتَقِصِهِمْ مَعْلُومَة وَأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ لِسَانَهُ فِي العُلَمَاءِ بالثَّلْبِ بَلاََه ُاللهُ قبَْلَ مَوْتِهِ بِمَوْتِ القَلْبِ ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]''([4] )و كفاكم اتباعا للهوى فاتباع الهوى لم يسلم منه أحد فنعوذ بالله من اتباعه.
و حتى لا أطيل عليكم فلننظر إذا أيشترط للعالم أن يكون حافظا لكتاب الله عزوجل كما يقولون أم أنه مستحب ؟
هل حفظ القرآن واجب ؟:
من المعلوم أنه لا يجب حفظ القرآن كله على كل شخص من الأمة ولكن يستحب. كما قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: واتفقوا على استحباب حفظ جميعه. اهـ
و قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
فالمؤمن مطلوب منه العناية بطلب العلم والتفقه في الدين مع العناية بالقرآن والإكثار من تلاوته وتدبر معانيه، وإذا يتيسر له حفظه فهذا خير إلى خير، أو حفظ بعضه لكن ليس بواجب الحفظ، إنما هو مستحب، المطلوب إذا تيسر.
فهل يشترط للعالم أن يكون حافظا لكتاب الله عزوجل :
أخرج الإمام أحمد وابن نصر في قيام الليل والطحاوي في مشكل الآثاروغيرهم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : '' من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر''. صححه الحاكم ووافقه الذهبي،وحسنه العلامة الألباني في سلسلة الصحيحة وقال :
" حبر " بفتح المهملة وكسرها أي عالِم.... فائدة : المقصود من السبع الأول : السور السبع الطوال من أول القرآن وهي مع عدد آياتها :
01/ البقرة (286) .
02/ آل عمران (200).
03/ النساء (176).
04/ المائدة (120).
05/ الأنعام (165).
06/ الأعراف ( 206).
07/التوبة (129).''([5])
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط للعالم أن يكون حافظا للقرآن الكريم، ومن باب أولى الخطيب.
قال العلامة ابن قدامة المقدسي :
''وشرط المجتهد : إحاطته بمدارك الأحكام المثمرة لها وهي : الأصول التي فصلناها : الكتاب و السنة .... - إلى أن قال- والواجب عليه في معرفة الكتاب : معرفة ما يتعلق منه بالأحكام وهي : قدر " خمسمائة آية " ولا يشترط حفظها ، بل علمه بمواقعها حتى يطلب الآية المحتاج إليها وقت حاجته''([6]).
قال صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق القطيعي البغدادي الحنبلي :
'' وشرط المجتهد ..... فيعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام ، فمن القرآن قدر خمسمائة آية لا حفظها لفظا بل معانيها ليطلبها عند حاجته ..''([7]).
وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين:
''فإذا كان مجتهدا في الأحكام فلابد أن يكون عنده معرفة بآيات الأحكام ، ولا يلزم أن يكون عنده معرفة بآيات أصول الدين العقدية كالإيمان باليوم الآخر وما أشبه ذلك ، لأن هذا لا يتعلق باجتهاده''([8]) إ.هـ
''ولا يُشترط حفظ القرآن كله ، ولا يُشترط حفظ آيات الأحكام – كما قال بعضهم – بل يكفيه أن يعرف مواقع آيات الأطعمة من القرآن ، وآيات الحدود منه ، وآيات النكاح والطلاق والرضاع ، والنفقات ونحو ذلك، حتى إذا نزلت حادثة في الأطعمة – مثلا – يذهب إلى المواضع التي توجد فيها آيات الأطعمة ، ويستدل على حكم حادثته بآية منها ....''([9]).
فالعلماء لم يشترطوا حفظ القرآن بل ولا آيات الأحكام في العالم المجتهد ، والخطيب من باب أولى.
و قد يكون عالما ثقة حافظ و لكن لا يحفظ القرآن ، ففي التقريب لابن حجر عند ترجمة الإمام أبي الحسن ابن أبي شيبةرحمه الله قال : '' عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي ، أبو الحسن بن أبي شيبة الكوفي : ثقةٌ حافظٌ شهير و له أوهام ، و قيل : كان لا يحفظ القرآن ، من العاشرة مات سنة تسع و ثلاثين ، و له ثلاث و ثمانون سنة''.
وذكر ابن الجوزي أن الإمام أحمد قال: " دعوت الله أن أحفظ القران أو قال أتم حفظه فلم أحفظه إلا في الحديد([10] ) ولهذا بعدها كلما دعوت قلت : في عافية".([11])
أقوال العلماء المعاصرين :
العلامة الألباني :
سئل الشيخ الألباني رحمه الله : من طلب العلم في كبره فهل يبدأ بحفظ القرآن أم بطلب علوم الشرع؟
فأجاب :
إذا كان المقصود بطلب العلم هو العلم الكفائي ، يعني هو حصّل من العلم ما يصحح به عقيدته ، ويصحح عبادته ، وسلوكه ، ولكنه لم يتوسع في ذلك ، فهو يريد أن يتوسع أي أن يقوم بالعلم الذي هو فرض كفائي ، وليس فرضا عينيا ، حينئذ نقول له : له الخِيَرة بين أن يستمر في حفظ القرآن ، لأنه فرض كفائي أيضا ، وبين يطلب العلم ، ولو كان تأخر – كما ذكرت في السؤال – بطلب العلم ، وإنما على مثلِ هذا أن يلاحظ استعداده الفطري ، فرب أشخاص من الطلاب استعدادهم الفطري الحفظ ، وليس استعدادهم الفطري الفهم للأحكام الشرعية وضبطها أيضا وحفظها .
فإذن بالشرط الذي سبق بيانه ، إن كان قد حصّل الفرض العيني من العلم ، فهو مخيّر بين يطلب العلم ، ولو على سن متأخر ، أو أن يستمر في حفظه للقرآن والعناية به''([12])
العلامة الفوزان :
سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان: ما رأيكم - حفظكم الله - بالنسبة لحضوري لهذه الدورة المقامة في هذا الجامع ، مع العلم أني لم أحفظ من القرآن إلا جزأين ، وأيضا عندي جهل لا يعلمه إلا الله ، وأنا أحضر من مسافة تسعين كيلو ؟
فأجاب :
''هذا شيء طيب ، إذا كنت تحفظ من القرآن جزءً ولو يسيرا يكفيك في صلاتك ، فهذا يكفي ، فاطلب العلم ، فاطلب العلم ، تعلم أحكام الطهارة وأحكام الصلاة ، وقبل ذلك كله وأعظم ، تعلم أحكام العقيدة ، هذا أهم من حفظ القرآن ، القرآن يكفي أنك تجوده بالتلاوة ولو من المصحف ، يكفي هذا ، إذا كنت تجيد التلاوة ولو من المصحف ، وتحفظ أجزاء ولو يسيرة ، أو سورا ، هذا يكفي ، هذا القدر الكافي ، فاطلب العلم''([13])
أقول : و بهذا تبطل شبهة الفرقة الحوينية في قولهم أن الشيخ ربيع لا يحفظ القرآن مع أننا نعلم أنه قرأ القرآن على الشيخ محمد بن محمد جابر المدخلي كما قرأ عليه التوحيد والتجويد كما هو مسطر في ترجمته ، و هذه الفرية التي اعتبروها حجة علينا دلت دلالة واضحة على مدى جهلهم المركب فهمهم الوحيد هو إسقاط الشيخ ربيع حفظه الله ، و لكن هيهات ، فمقولة إسقاط الرموز أمر صعب أصبحت حجة عليهم لا لهم ، فالشيخ ربيع تزكيه أعماله فالرجال يعرفون بالحق ، ولا يعرف الحق بالرجال ، فالشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى، من علماء الأمة الذين أثنى عليهم أساطين أهل العلم في هذا الزمان، أمثال الشيخ ابن باز والشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين والشيخ الفوزان والشيخ مقبل الوادعي رحمهم الله، وأسكنهم الفردوس الأعلى، وكفى بشهادة هؤلاء الأئمة الفضلاء شهادة، حقّا وعدلا، وراجعوا إن شئتم رسالة:'' الثناء البديع من العلماء على الشيخ ربيع '' ([14]) ، فارْبؤوا بأنفسكم ، و كفوا عظمة ألسنتكم عن إذاية الفضلاء، و إني لسائلكم : بالله علكيم هل الذين رد عليهم الشيخ ربيع رد عليهم ردا علميا أم لا ؟ و في انتظار جوابكم ([15]) أقول كفاكم سخرية والتزموا الجادة ودعكم من التعصب الذميم و اتقوا الله فيما تقولون ، وأخيرا ننصح قائل هذا القول،[ ومن على شاكلته من المرجفين الخائضين في الفتن وأخبار السوء، بأن يتوبوا إلى الله تعالى، وأن يكفُّوا غَرْبَ ألسِنَتِهِم، وضراوةَ أقلامهم عن أهل العلم والفضل، وأن يسلكوا طريق طلب العلم، ومجالسة أهله المتحقِّقين منه، فإن ذلك هو المنهج القويم، والهدي المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، ومن سلك غير مسلك العلماء العاملين أوقعه في مزالق الهالكين، تلك المنازل التي لا ينبغي لمسلم أن يرضى عنها، ولا يكون معينا عليها، ولا يروجها، قال الله تعالى:
﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2]
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: '' إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِى الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا''.
وَقَالَ مَرَّةً '' أَنْكَرَهَا'' '' كَمَنْ غَابَ عَنْهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا''([16])]([17])
فنسأل الله أن يهديكم كما نسأله تعالى أن يهدينا و أن يوفقنا لما يحبه و يرضاه و نسأله سبحانه و تعالى أن يرينا قدرته في هؤلاء الجهال الطاعنين في علماء الأمة ، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
بلال الجزائري
الخميس :
16ذو الحجة 1433 هـ
الموافق لـ:
01 نوفمبر 2012 م
آخر تعديل كان يوم :
الخميس 23 ذو الحجة 1433 هـ / 08 نوفمبر 2012 م
[1]:الفقيه و المتفقه للخطيب (2/325).
[2]: الفقيه و المتفقه (2/332).
[3]: أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/47).
[4]: المجموع للنووي(1/589)
[5]: الصحيحة (5/385) رقم(2305)
[6]: روضة الناظر.
[7]: قواعد الأصول.
[8]: شرح الأصول من علم الأصول.
[9]: المهذب في علم أصول الفقه المقارن ، مبحث شروط المجتهد
[10]: يعني في السجن.
[11]: كتاب مناقب أحمد.
[12]: سلسلة الهدى والنور . شريط(729)
[13]: فتوى رقم (5444).
[14]: جمع خالد بن ضحوي الظفيري (الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة)
[15]: و نحن ننتظر الإجابة منذ سنوات.
[16]:أخرجه أبو داود (4347) في باب "الملاحم" من حديث العرس بن عميرة الكندي رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (4345).
[17]: مقتبس من "الدفاع النفيس في الردّ على سلالة أهل التلبيس" بقلم أبي معاذ عبد الله غول عضو إداري بموقع الشيخ فركوس حفظه الله . المصدر موقع الشيخ / قسم ردود و تعقيبات/ افتراءات..
عجزوا عن الرد فاضطروا للكذب ( ردا على من يقول أن الشيخ ربيع لا يحفظ القرآن )
رد مع اقتباس