الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:


ففي كل عام يكثر الكلام حول مولد نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ،و في كل عام ينبه العلماء على بدعية الاحتفال بيوم ميلاده صلى الله عليه و سلم ، و كلما نقلنا لهم أقوال العلماء صرخوا بقولهم وجدنا آباءنا هكذا، فأهل الزيغ فيما رسموه لأنفسهم ماضون لا يتوقفون مقلدون لما كان عليه الأولون ، و هذا النوع العجيب من البشر ينطبق عليه قول الله تعالى إلى حد ما ، فقد أخبر ربنا عزوجل عن أقوام مثلهم كما في قوله : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ) [المائدة: 104] و قال : (إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)
[الأعراف: 28] ، وقال : (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) [يونس: 78] و قال: (قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ )[الأنبياء: 53] و قال : (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) [الشعراء: 74] و قال : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) [لقمان: 21] و قال : (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ )[الزخرف: 22] وقال : (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف: 23] ، فهم هكذا خُتم على قلوبهم فما عادوا يعقلون من شيء.
و في كل عام و خاصة في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول تبدأ خطبهم الواهية حول المولد و تذكير الناس زعموا بسيرة نبيهم صلى الله عليه و سلم ، و يا ليتهم ذكروها على وجهها الصحيح فحتى سيرته صلى الله عليه و سلم لا تخلوا من كيد المبطلين ففيها عدة قصص ضعيفة كقصة العنكبوت و غيرها ، و الغرض من هذا المقال ليس التنبيه على هذه القصص الواهية بل للتنبيه على يوم ميلاده صلى الله عليه و سلم فحتى العلماء الكبار اختلفوا فيه فكيف أثبته هؤلاء مع أننا نعم علم اليقين أنهم دون المستوى بل لا علم لهم إطلاقا ، فيا سبحان الله ! و لهذا أخي القارئ سأنقل لك بعض ما جاء عن علماء هذه الأمة في يوم ميلاد الرسول صلى الله عليه و سلم ، فمنهم من قال أنه كان لليلتين خلتا من ربيع الأول كما قال ابن كثير رحمه الله : (فقيل : لليلتين خلتا منه ، قاله ابن عبد البر في " الاستيعاب " ، ورواه الواقدي عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدنى)([1]) ، و منهممن قال أنه في ثامن ربيع الأول كما ذكره ابن كثير كذلك حين قال : (وقيل لثمان خلون منه ، حكاه الحميدى عن ابن حزم ، ورواه مالك وعقيل ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم ، ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه ، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي ، ورجحه الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه " التنوير في مولد البشر النذير " .)([2]) كما ذكر رحمه الله أنه يوجد من قال أن مولده صلى الله عليه و سلم كان في العاشر من ربيع الأول ([3]) و قال رحمه الله : (وقيل : لثنتى عشرة خلت منه ، نصَّ عليه ابن إسحاق ، ورواه ابن أبى شيبة في " مصنفه " عن عفان عن سعيد بن ميناء عن جابر وابن عباس أنهما قالا : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، وفيه بعث ، وفيه عرج به إلى السماء ، وفيه هاجر ، وفيه مات . وهذا هو المشهور عند الجمهور ، والله أعلم .)([4]).
فانظر بارك الله فيك فحتى أهل السير والتاريخ اختلفوا في تحديد يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم فكيف جزمتم أنتم انه الثاني عشر!!! ؟؟؟، فالعجب العجاب من هؤلاء غشوا أمة محمد في جميع أمور دينها حتى فيما يتعلق بمولده صلى الله عليه و سلم فالله حسيبهم على ما فعلوه و هو يتولاهم بعدله إنه عليم بما يعملون فنسال الله تبارك و تعالى أن يهدينا و يرزقنا الإخلاص في القول و العمل و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.


[1] : السيرة النبوية ( 1 / 199 ).

[2] : المصدر السابق.

[3] : المصدر السابق.

[4] : المصدر السابق.