بيان تدليس وتلبيس
من زعم أن الشيخ ربيعًا –حفظه الله- ينال من مكانة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:فقد ذكر بعض كتاب منتديات (شبكة العلوم السلفية) في مشاركة له تدل على جهل وضلال وانحراف حيث زعم أن الشيخ ربيعًا –حفظه الله- يُخَطِّئُ النبي -صلى الله عليه وسلم- موهمًا أن الشيخ ربيعًا ينتقص من مقام النبوة لما حصل من قصة الأسرى في معركة بدر.وذكر كلمة مجتزأة من كلام الشيخ ربيع –حفظه الله- دالة على تلاعبه وتلبيسه وتدليسه فقال معنونًا:«الشيخ ربيع يخطئ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بدر وأن الله لم يقرهم على ذلك»، ثم نقل العبارة المجتزأة المشار إليها آنفا:«كيف، رسول الله وأصحابه في بدر ما أقرهم الله على الخطأ....» ا.هـ.أقول:وهذا الكلام يدل على أن الكاتب المنتقد لا يفهم، إذ أنه يستنكر قول الشيخ ربيع –حفظه الله- من أن الله عز وجل ما أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وهذا النقد باطل لأن الشيخ ربيعًا –حفظه الله- ما خرج عن منهج أهل السنة وعلمائهم، فهل تريد أن تقول أن الله أقر هذا الخطأ؟ إن كنت تريد هذا، فإن هذا من الطعن في الله عز وجل.وقال أحد المعلقين ناقلا من موضع سابق لكلام الشيخ المجتزأ:«.. هذا نقد وتوجيه وتربية لرسول الله وأصحابه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه رأوا الفداء وعمر رأى غير ذلك وجاء الصواب لمن؟ لعمر رضي الله عنه».ماذا يريد هذا المعلق بهذا الكلام؟!هل يفهم من كلام الشيخ ربيع –حفظه الله- أن فيه نيلاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟!إن كان يفهم هذا الفهم فقد أخطأ غاية الخطأ؛ فإن الله سبحانه ربُّ العالمين، يربيهم في دينهم ودنياهم ويربي رسله وأتباعهم ويوجههم، وفي هذا إكرام لهم عليهم الصلاة والسلام غاية الإكرام.قال تعالى موجهًا رسوله: {قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}.فهل يرى هذا الرجل أنه ليس لله حقٌّ في أن يربي رسله ويوجههم؟!!وأقول مستعينًا بالله العظيم:أولاً: أن كلام الشيخ ربيعًا –حفظه الله- جاء في سياق بيان منهج النقد الشرعي في الإسلام الذي دلت الآيات والأحاديث النبوية عليه، ولذلك سمّى رسالته: «النقد منهج شرعي».ثانيًا: أن كلام الشيخ ربيع يتوجه إلى اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في المواضع التي اجتهد فيها قبل نزول الوحي من الله تبارك وتعالى، فلربما حصل خطأ في اجتهاده عليه الصلاة والسلام ولذلك قال الشيخ ربيع –حفظه الله- في نفس السياق:«وقال سبحانه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}، كل هذا فيه توجيه ولو للرسول صلى الله عليه وسلم، يعني تصرفات الرسول ما يُقرُّها إذا ما وافقت ما عند الله، كاجتهاد حصل فيه خطأ، يأتي – واللهِ – التوجيه والعتاب والتصحيح، ما يقال: فيه إيذاء لشخص محمد عليه الصلاة والسلام، أو قال: أنا رسول الله لا يُعترض علي، لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتم شيئاً لكتم هذه الأشياء، كما قالت عائشة رضي الله عنها: لو كان محمدٌ كاتماً شيئاً لكتم هذه الآية : {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}، في قضية زينب».وذكر الشيخ –حفظه الله- في أكثر من موضع من رسالته أن هذا اجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الله يبين لرسوله الصواب في ذلك.فقال –حفظه الله-:«فمثلا من القرآن قوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}، اجتهاد من النبي عليه الصلاة والسلام، جاء المنافقون يعتذرون فيقولون يا رسول الله، أنا عندي كذا وأنا عندي كذا وهذا يقول أنا مريض... والرسول يعذرهم والأعذار هذه كلها أكاذيب فأنزل الله هذه الآية: {عفا الله عنك..} الآية».وكذلك ما ذكره الشيخ فيما يتعلق بقول الله تعالى: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}،فقال –حفظه الله-:«فالرسول عليه الصلاة والسلام فهم التخيير فأنزل الله: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}».فكلام الشيخ –حفظه الله- كله يدل على أن الله تعالى لا يقر النبي صلى الله عليه وسلم على اجتهاده إذا لم يوافق ما عند الله تعالى.ثالثًا: أن الشيخ ربيعًا –حفظه الله- قال هذا الكلام الذي ترجفون به عليه، قاله خلال الرد على أهل البدع والضلال الذين يحاربون من ينتقد أئمتهم، وقاله خلال بيان منهج القرآن والرسول -صلى الله عليه وسلم- وبيان الخطأ مهما كان مصدره.ما قال الشيخ ربيع –حفظه الله- هذا الكلام اعتباطاً وجهلا -كما يفعله بعض الجهلة والسفهاء!- بل قاله مستندًا إلى منهج القرآن والسنة ومنهج أهل السنة والجماعة، وهاكم بيان منهج أهل السنة والجماعة بل وغيرهم في هذا الباب.سئل شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى (4/219):« عَنْ رَجُلٍ قَالَ: إنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعْصُومُونَ مِنْ الْكَبَائِرِ دُونَ الصَّغَائِرِ فَكَفَّرَهُ رَجُلٌ بِهَذِهِ فَهَلْ قَائِلُ ذَلِكَ مُخْطِئٌ أَوْ مُصِيبٌ؟ وَهَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مُطْلَقًا؟ وَمَا الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ؟.فَأَجَابَ :الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَيْسَ هُوَ كَافِرًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الدِّينِ وَلَا هَذَا مِنْ مَسَائِلِ السَّبِّ الْمُتَنَازَعِ فِي اسْتِتَابَةِ قَائِلِهِ بِلَا نِزَاعٍ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَمْثَالُهُ مَعَ مُبَالَغَتِهِمْ فِي الْقَوْلِ بِالْعِصْمَةِ وَفِي عُقُوبَةِ السَّابِّ؛ وَمَعَ هَذَا فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ مِنْ مَسَائِلِ السَّبِّ وَالْعُقُوبَةِ فَضْلًا أَنْ يَكُونَ قَائِلُ ذَلِكَ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا؛ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ عَنْ الْكَبَائِرِ دُونَ الصَّغَائِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَجَمِيعِ الطَّوَائِفِ حَتَّى إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكَلَامِ كَمَا ذَكَرَ " أَبُو الْحَسَنِ الآمدي " أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ بَلْ هُوَ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ إلَّا مَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ ....»وقال في منهاج السنة النبوية (2/ 239):«والجمهور الذين يقولون بجواز الصغائر عليهم يقولون إنهم معصومون من الإقرار عليها وحينئذ فما وصفوهم إلا بما فيه كمالهم فإن الأعمال بالخواتيم مع أن القرآن والحديث وإجماع السلف معهم في تقرير هذا الأصل».وقد ذكر النووي في شرحه على مسلم (11/ 91) عن الخطابي قوله:«...وقد كان أصحابه صلى الله عليه وسلم يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه فيه أحد منهم قال وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه وقد أجمعوا كلهم على أنه لا يقر عليه».وسئل الشيخ ابن باز –رحمه الله- كما في «مجموع فتاواه» (6/ 290):س: سمعت من عالم إسلامي يقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم يخطئ, فهل هذا صحيح؟ وقد سمعت أيضا أن الإمام مالك يقول: كل منا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر, مع بيان حديث الذباب بعد أن تجرأ على تكذيبه بعض الناس ؟جـ : قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولاسيما خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل من أحكام . كما قال عز وجل : { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى } { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } { إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم معصوم في كل ما يبلغ عن الله من الشرائع قولا وعملا وتقريرا , هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم , وقد ذهب جمهور أهل العلم أيضا إلى أنه معصوم من المعاصي الكبائر دون الصغائر , وقد تقع منه الصغيرة لكن لا يقر عليها , بل ينبه عليها فيتركها , أما من أمور الدنيا فقد يقع الخطأ ثم ينبه على ذلك ؛ كما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم « لما مر على جماعة يلقحون النخل فقال ما أظنه يضره لو تركتموه فلما تركوه صار شيصا , فأخبروه صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام : إنما قلت ذلك ظنا مني وأنتم أعلم بأمر دنياكم ، أما ما أخبركم به عن الله عز وجل فإني لم أكذب على الله » رواه مسلم في الصحيح , فبين عليه الصلاة والسلام أن الناس أعلم بأمور دنياهم كيف يلقحون النخل وكيف يغرسون وكيف يبذرون ويحصدون .أما ما يخبر به الأنبياء عن الله سبحانه وتعالى فإنهم معصومون من ذلك.فقول من قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم يخطئ فهذا قول باطل , ولا بد من التفصيل كما ذكرنا , وقول مالك رحمه الله : ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر - قول صحيح تلقاه العلماء بالقبول , ومالك رحمه الله من أفضل علماء المسلمين , وهو إمام دار الهجرة في زمانه في القرن الثاني , وكلامه هذا كلام صحيح تلقاه العلماء بالقبول , فكل واحد من أفراد العلماء يرد ويرد عليه , أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو لا يقول إلا الحق , فليس يرد عليه , بل كلامه كله حق فيما يبلغ عن الله تعالى , وفيما يخبر به جازما به أو يأمر به أو يدعو إليه».وقد سئلت اللجنة الدائمة «فتاوى اللجنة الدائمة» برقم 6290 (3/194) سؤالا فحواه:«بعض الناس يقولون ومنهم الملحدون: إن الأنبياء والرسل يكون في حقهم الخطأ يعني يخطئون كباقي الناس، قالوا: إن أول خطأ ارتكبه ابن آدم قابيل هو قتل هابيل ... داود عندما جاء إليه الملكان سمع كلام الأول ولم يسمع قضية الثاني .... يونس وقصته لما التقمه الحوت، وقصة الرسول مع زيد بن حارثة قالوا بأنه أخفى في نفسه شيئا يجب عليه أن يقوله ويظهره، قصته مع الصحابة: أنتم أدرى بأمور دنياكم، قالوا بأنه أخطأ في هذا الجانب. قصته مع الأعمى وهي {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} فهل الأنبياء والرسل حقا يخطئون وبماذا نرد على هؤلاء الآثمين؟فأجابت:«نعم الأنبياء والرسل يخطئون ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم وبأممهم ويعفو عن زلتهم ويقبل توبتهم فضلا منه ورحمة والله غفور رحيمكما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية التي جاءت فيما ذكر من الموضوعات في هذا السؤال... وأما أبناء آدم فمع انهما ليسا من الأنبياء .... بين الله سوء صنيعه بأخيه ....» انتهى.عبد العزيز بن باز - عبد الرزاق عفيفي - عبد الله بن غديان - عبد الله بن قعود .رابعًا: أن الألفاظ التي استعملها الشيخ ربيع –حفظه الله- إنما هي ألفاظ دالة على تعظيم مقام النبوة وعدم الانتقاص منه بوجه من الوجوه فمن تلك الألفاظ (توجيه، اجتهاد حصل فيه خطأ، التصحيح، التربية..) وغير ذلك، وأما لفظ (نقد وتوجيه) فلا يدل على ما توهمه الكاتب من أنه انتقاد للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما مراده النقد من الله عز وجل فيما صدر من اجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم لم يوافق ما عند الله تعالى أو مما لم ينزل به وحي؛ فيأتي البيان من الله تعالى بالصواب.وبعد هذا العرض لكلام العلماء فيما يتعلق بموضوعنا يتبين أن كلام الشيخ ربيع –حفظه الله- موافق لمنهج أهل السنة والجماعة وأئمتهم، وأن ما دلس به الكاتب ليوهم الناس بأن الشيخ ربيعًا –حفظه الله- قد تعدى على مقام النبوة فإنما هو كذب ظاهر يعرفه كل من قرأ كتب الشيخ ربيع ورسائله،وجالسه وحضر دروسه، بل أن الشيخ ربيعًا ردّ على كثير من المبتدعة الذين لم يوقروا ويحترموا مقام النبوة ومقام الصحابة أمثال سيد قطب وغيره.وعلى الكاتب وأمثاله أن يتقوا الله ويعرفوا للعلماء حقهم وقدرهم فإن لحوم العلماء مسمومة، وإن من صفة أهل البدع والضلال الانتقاص منهم والحط عليهم، وقال أبو محمد ابن أبي حاتم: «وسمعت أبي يقول: وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الاثر».وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. المصدرhttp://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=138165




رد مع اقتباس