بسم الله الرحمن الرحيم :

قال الشيخ الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة في تعليقه على الحديث رقم
ـ3048-:
قال النبي- صلى الله عليه وسلم (كانَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم لم يعمل خيراً قطُّ ؛ إلا التوحيد، فلما احتُضر قال لأهله : انظروا: إذا أنا متُّ أن يحرِّقوه حتى يدعوه حمماً، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم ريح، [ ثم اذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله؛ لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين]، فلما مات فعلوا ذلك به،[ فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه]، فإذا هو[ قائم] في قبضة الله، فقال الله عز وجل: يا ابن آدم! ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي ربِّ! من مخافتك (وفي طريق آخر: من خشيتك وأنت أعلم)، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيراً قطُّ إلا التوحيد).
و في رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" إن رجلاً كان فيمن كان قبلكم رَغَسَهُ الله تبارك وتعالى مالاً وولداً حتى ذهب عصر وجاء عصر، فلما حضرته الوفاة قال: أي بني ! أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب. قال: فهل أنتم مطيعي؟ قالوا: نعم. قال: انظروا: إذا مت أن تحرقوني حتى تدعوني فحماً، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : ففعلوا ذلك. ثم اهرسوني بالمهراس- يومئ بيده-، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ففعلوا- والله !- ذلك. ثم اذروني في البحر في يوم ريح؛ لعلي أَضِلُّ الله تبارك وتعالى. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ففعلوا - والله !- ذلك، فإذا هو في قبضة الله تبارك وتعالى، فقال: يا ابن آدم! ما حملك على ما صنعت؟ فال: أي رب ! مخافتك. قال: فتلافاه الله تبارك وتعالى بها".
(من أراد التفصيل في تخريج الحديث فليراجع السلسة الصحيحة).
ثم قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ معلقا على هذه الحديث:
ومن ذلك يتبين بوضوح أنه ليس كل من وقع في الكفر من المؤمنين وقع الكفر عليه وأحاط به.
ومن الأمثلة على ذلك: الرجل الذي كان قد ضلت راحلته، وعليها طعامه وشرابه، فلما وجدها قال من شدة فرحه:
"اللهم ! أنت عبدي وأنا ربك " !
وفي ذلك كله رد قوي جداً على فئتين من الشباب المغرورين بما عندهم من علم ضحل :
الفئة الأولى :
الذين يطلقون القول بأن الجهل ليس بعذر مطلقا ؛ حتى ألف بعض المعاصرين منهم رسالة في ذلك ! والصواب الذي تقتضيه الأصول والنصوص التفصيل؛ فمن كان من المسلمين يعيش في جو إسلامي علمي مصفى، وجهل من الأحكام ما كان منها معلوماً من الدين بالضرورة- كما يقول الفقهاء- فهذا لا يكون معذوراً؛ لأنه بلغته الدعوة وأقيمت الحجة.
وأما من كان في مجتمع كافر لم تبلغه الدعوة، أو بلغته وأسلم؛ ولكن خفي عليه بعض تلك الأحكام لحداثة عهده بالإسلام، أو لعدم وجود من يبلغه ذلك من أهل العلم بالكتاب والسنة؛ فمثل هذا يكون معذوراً.
ومثله- عندي- أولئك الذين يعيشون في بعض البلاد الإسلامية التي انتشر فيها الشرك والبدعة والخرافة، وغلب عليها الجهل، ولم يوجد فيهم عالم يبين لهم ما هم فيه من الضلال، أو وجد ولكن بعضهم لم يسمع بدعوته وإنذاره؛ فهؤلاء أيضاً معذورون بجامع اشتراكهم مع الأولين في عدم بلوغ دعوة الحق إليهم؛ لقوله تعالى:( لأنذركم به و من بلغ) وقوله: ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) ، ونحو ذلك من الأدلة التي تفرع منها تبني العلماء عدم مؤاخذة أهل الفترة؛ سواء كانوا أفراداً أو قبائل أو شعوباً؛ لاشتراكهم في العلة؛ كما هو ظاهر لا يخفى على أهل العلم والنُّهى .

ومن هنا يتجلى لكل مسلم غيور على الإسلام والمسلمين عظم المسؤولية الملقاة على أكتاف الأحزاب والجماعات الإسلامية الذين نصبوا أنفسهم للدعوة للإسلام، ثم هم مع ذلك يدعون المسلمين على جهلهم وغفلتهم عن الفهم الصحيح للإسلام، ولسان حالهم يقول- كما قال لي بعض الجهلة بهذه المناسبة-: "دعوا الناس في غفلاتهم "! بل وزعم أنه حديث شريف!! أو يقولون- كما تقول العوام في بعض البلاد-: "كل مين على دينه، الله يعينه "! وهذا خطأ جسيم لو كانوا يعلمون، ولكن صدق من قال: "فاقد الشيء لا يعطيه "!
والفئة الثانية:
نابتة نبتت في هذا العصر؛ لم يؤتوا من العلم الشرعي إلا نزراً يسيراً، وبخاصة ما كان منه متعلقاً بالأصول الفقهية، والقواعد العلمية المستقاة من الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، ومع ذلك؛اغتروا بعلمهم فانطلقوا يبدِّعون كبار العلماء والفقهاء، وربما كفروهم لسوء فهم أو زلة وقعت منهم، لا يرقبون فيهم (إلاً ولا ذمة) ، فلم يشفع عندهم ما عرفوا به عند كافة العلماء من الإيمان والصلاح والعلم، وما ذلك إلا لجهلهم بحقيقة الكفر الذي يخرج به صاحبه من الإيمان؛ ألا وهو الجحد والإنكار لما بلغه من الحجة والعلم؛ كما قال تعالى في قوم فرعون: (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين . وجحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ) [ النمل /13-14].
وقال في الذين كفروا بالقرآن:( ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاءً بما كانوا بآياتنا يجحدون) [ فصلت/28] ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه (16/ 434- مجموع الفتاوى):
" لا يجوز تكفير كل من خالف السنة؛ فليس كل مخطئ كافراً لا سيما في المسائل التي كثر فيها نزاع الأمة " .
يشير إلى مثل مسألة كلام الله وأنه غير مخلوق، ورؤية الله في الآخرة، واستواء الله على عرشه، وعلوه على خلقه؛ فإن الإيمان بذلك واجب، وجحدها كفر، ولكن لا يجوز تكفير من تأولها من المعتزلة والخوارج والأشاعرة بشبهة وقعت لهم؛ إلا من أقيمت عليه الحجة وعاند..."

وهذا الكلام من العلامة الشيخ الألباني-رحمه الله - نفيس جدا لمن تأمله.
منقول مع الإختصار/ م:نايف المطيري / البيضاء العلمية .