فروى عمرو بن يحيى بن سعيد ، عن جده ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من نبي إلا وقد رعى الغنم . قالوا : وأنت [ ص: 57 ] يا رسول الله ؟ قال : نعم ، كنت أرعاها بالقراريط لأهل مكة " . رواه البخاري .
وقال أبو سلمة ، عن جابر ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران نجتني الكباث ، فقال : عليكم بالأسود منه فإنه أطيب . قلنا : وكنت ترعى الغنم يا رسول الله ؟ قال : نعم وهل من نبي إلا قد رعاها " . متفق عليه .
قالَ الحافِظُ ابنُ حجَر في "فتح الباري شرح صحيح البخاري "(كتاب الإجارة ج4، ص441): "قال العلَماء: الحكمةُ في إلهام الأنبياء مِن رَعي الغَنم قبلَ النّبوةِ أن يحصلَ لهم التَّمَرُّنُ بِرَعْيِها على ما يُكَلَّفُونَه مِنَ القِيام بأمرِ أُمَّتِهِم، ولأنَّ في مُخالَطَتِها ما يَحْصُلُ لَهُم الحِلْمُ والشَّفَقَة لأنهم إذا صَبَروا على رَعْيِها وَجَمْعِها بَعدَ تَفَرُّقِها فِي المَرْعَى وَنَقْلِها مِن مَسْرَحٍ إلى مَسرحٍ وَدَفْعِ عَدُوِّها مِن سَبُعٍ وغَيرِه كالسَّارِقِ وعَلِمُوا اختِلافَ طِباعِها وشِدَّةَ تَفَرُّقِها مَع ضَعْفِها واحتِياجِها إلى المُعاهَدَةِ، أَلِفُوا مِن ذلِكَ الصَّبْرَ على الأُمَّةِ وعَرَفُوا اختِلافَ طِباعها وتَفاوُتَ عُقُولِها فجَبَرُوا كَسْرَها ورَفَقُوا بِضَعِيفِها وأحْسَنُوا التَّعاهُدَ لها فيكونُ تَحَمُّلُهم لِمَشَقَّةِ ذلِكَ أسْهَلَ مِمّا لو كُلِّفُوا القِيامَ بذلِكَ مِن أوَّلِ وَهْلَةٍ لِمَا يَحْصُل لَهُم مِن التَّدْرِيجِ على ذَلِكَ بِرَعْيِ الغَنَمِ، وخُصَّتِ الغَنَمُ بذلِكَ لِكَوْنِها أَضْعَفَ مِن غَيْرِها، ولِأَنَّ تَفَرُّقَها أكْثَرُ مِن تَفَرُّقِ الإِبِلِ والبَقَرِ لإمْكانِ ضَبْطِ الإِبِلِ والبَقَرِ بالرَّبْطِ دُونَها في العادَةِ المَألُوفَةِ، ومعَ أكْثريّة تَفَرُّقِها فهي أسْرَعُ انْقِيادًا مِن غَيْرِها" اهـ