البيان الخامس : قال الشيخ فركوس :" والَّذين تكلَّم ـ أي الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ـ فيهم ظهروا على ساحات المظاهرات الأخيرة علنًا وبرفع الأصوات على الوجه الَّذي لا يُرتضى : فأيَّدوا الخروج ووقفوا مع الديمقراطيِّن وفتحوا المجال للدخول في المجالس التشريعية ، سواءً في مصر أو سوريا أو اليمن"
قال العيد شريفي معلقا (د10) :(( هذه الآن الكلمة يقولها !!؟ ها هم السعودية أجازوا الخروج على الملك السوري .. تاع السعودية كاملو أجازوا الخروج على الحاكم تاع سوريا وتاع ليبيا من قبل ، لماذا ؟
لأن القضية ماذا ؟ ، اجتهادية ... الشيخ عبدالعزيز يقول بدخول البرلمانات ، الشيخ ابن عثيمين قال بدخول البرلمانات ، الشيخ ابن عثيمين أفتى هنا الجزائريين بالمسيرات وبتكوين الحزب ..))
أقول
هذه الثرثرة من العيد شريفي ليس معها ما يوجب قبولها ويعضدها من المسموع والمعقول إلا وساوس مادتها الكذب والتلبيس وزبالات الحزبية وصياح دعاة الخروج والانقلابات والفتن ، يعتذر لهم بها ، ويسوغ بها أعمالهم الإجرامية ، لكن معنا ما يوجب ردها من وجوه .
الوجه الأول :لا نعلم أحدا من أهل العلم والإيمان ممن يقتدى بهم قديما وحديثا ويرجع إليهم في العلم والدين سوغ الخروج على الحاكم الكافر ، بدون مراعاة الشروط والضوابط المسوغة والمجيزة للخروج عليه وجهاده وخلعه .
قال فضيلة الشيخ خالد ضحوي الظفيري ـ حفظه الله ورعاه ـ في رسالته القيمة (ضوابط معاملة الحاكم عند أهل السنة والجماعة وأثرها على الأمة)(ص 629 ـ 644)
(( قال المازري ـ رحمه الله ـ : " لا يحل الخروج عليه ( أي الحاكم العادل ) باتفاق ، فإن كان فسقه كفرا وجب خلعه ، وإن كان ما سواه من المعاصي فمذهب أهل السنة أنه لا يخلع" ([1]) وقال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ :"لا خلاف بين المسلمين : أنه لا تنعقد الإمامة للكافر ، ولا تستديم له إذا طرأ عليه وكذلك إذا ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها "([2]) وقال ابن بطال ـ رحمه الله ـ :" قال أبوبكر بن الطيب : أجمعت الأمة أنه يوجب خلع الإمام وسقوط فرض طاعته كفره بعد الإيمان وتركه إقامة الصلاة والدعاء "([3]) بل إن بعض أهل العلم ينص على أن قتاله في حال ثبوت كفره وارتداده عن الدين ، واجب بل من الجهاد في سبيل الله ، فيسمون ذلك جهادا وليس خروجا ، لأن الخروج مذموم في الشرع وفي كلام أهل العلم .
قال العلامة الدهلوي في كتابه ( الحجة البالغة )(2/150) :" وبالجملة؛ فإذا كفر الخليفة بإنكار ضروري من ضروريات الدين؛ حل قتاله - بل وجب -؛ وإلا لا؛ وذلك لأنه حينئذ فاتت مصلحة نصبه؛ بل يخاف مفسدته على القوم، فكان قتاله من الجهاد في سبيل الله "))
إلى أن قال الشيخ : (( المطلب الثاني : شروط الخروج عليه وإزالته
بعد أن قررت حكم خروج على الحاكم الذي طرأ عليه الكفر بالله ، والارتداد عن دينه وأن ولايته ساقطة ولا تجب على المسلمين طاعته ويجب جهاده وقتاله ، بقي أن أبين الشروط الشرعية والضوابط المرعية التي ينبغي استحضارها في هذا الباب والعمل بها ، حتى يكون جهادا شرعيا نافعا للإسلام والمسلمين .
فمن تلك الشروط الأساسية والمهمة في هذا الباب :
أولا : وجود الكفر البواح الذي عند الرعية فيه من الله برهان شرعي
وقد سبق الكلام عن هذا الشرط ، وعن الأدلة الواردة فيه مع ذكر أقوال أهل العلم في المطلب السابق مع تنبيه على أهمية مراعاة شروط التكفير وانتفاء موانعه .([4]) ثانيا : وجود القدرة .
ومن الشروط الواجب اعتبارها في جواز قتال الحاكم الكافر : وجود القدرة على قتاله ، وإزالته ووضع مكانه من يكون فيه صلاح للإسلام والمسلمين ، أو أن يكون أقل شرا وأحسن حالا منه .
وهذا الشرط يتعسر وجوده غالبا ـ لكنه كبير الأهمية ـ لكون الحاكم المتولي على الناس لدية العدة والعتاد والجنود والأتباع والأعوان ، ما يصعب على الرعية مقاومته وقتاله ، ومن الصعب أن يتخلى صاحب الملك عن ملكه بسهولة أو يسر ، ولو كان ذلك بذهاب كل رعيته وجنده .
فالإخلال بهذا الشرط يورث الدمار على الرعية ، وسفك دمائهم وذهاب أعراضهم وأموالهم ، فيكونون في حالة أسوأ من الحال التي كانوا عليها قبل الشروع في قتالهم ضد الحاكم الكافر .
قال الجويني ـ رحمه الله ـ : "وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى نَصْبُ إِمَامٍ دُونَ اقْتِحَامِ دَاهِيَةٍ وَإِرَاقَةِ دِمَاءٍ، وَمُصَادَمَةِ أَحْوَالٍ جَمَّةِ الْأَهْوَالِ، وَإِهْلَاكِ أَنْفُسٍ وَنَزْفِ أَمْوَالٍ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَاسَ مَا النَّاسُ مَدْفُوعُونَ إِلَيْهِ مُبْتَلُونَ بِهِ بِمَايُفْرَضُ وُقُوعُهُ فِي مُحَاوَلَةِ دَفْعِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ النَّاجِزُ أَكْثَرَ مِمَّا يُقَدَّرُ وُقُوعُهُ فِي رَوْمِ الدَّفْعِ، فَيَجِبُ احْتِمَالُ الْمُتَوَقَّعِ لَهُ لِدَفْعِ الْبَلَاءِ النَّاجِزِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَقَبُ الْمُتَطَلَّعُ يَزِيدُ فِي ظَاهِرِ الظُّنُونِ إِلَى مَا الْخَلْقُ مَدْفُوعُونَ إِلَيْهِ، فَلَا يُسَوَّغُ التَّشَاغُلُ بِالدَّفْعِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى الْأَمْرِ الْوَاقِعِ، وَقَدْ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مُهِمًّا، وَيُؤَخِّرُ آخَرَ. وَالِابْتِهَالُ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ وَلِيُّ الْكِفَايَةِ."([5]) وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ بعد سياقه عددا من النصوص الآمرة بالسمع والطاعة والناهية عن الخروج إلا عند رؤية الكفر البواح :" هذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم، إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادا كبيرا وشرا عظيما، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة.
والقاعدة الشرعية المجمع عليها: (أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه) أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرا بواحا عندها قدرة تزيله بها، وتضع إماما صالحا طيبا من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس "([6]) وقال رحمه الله :" لا يجوز الخروج على السلطان إلا بشرطين:
أحدهما: وجود كفر بواح عندهم من الله عليه برهان.
والشرط الثاني: القدرة على إزالة الحاكم إزالة لا يترتب عليها شر أكبر منه، وبدون ذلك لا يجوز"([7]) وقال الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ موضحا ذلك ومبينه :" وأمّا التعامل مع الحاكم الكافر؛ فهذا يختلف باختلاف الأحوال ، فإن كان في المسلمين قوَّةٌ، وفيهم استطاعة لمقاتلته وتنحيته عن الحكم وإيجاد حاكم مسلم؛ فإنه يجب عليهم ذلك، وهذا من الجهاد في سبيل الله. أمّا إذا كانوا لا يستطيعون إزالته؛ فلا يجوز لهم أن يَتَحَرَّشوا بالظَّلمة الكفرة؛ لأنَّ هذا يعود على المسلمين بالضَّرر والإبادة ... فإذا كان المسلمون تحت ولايةٍ كافرةٍ ولا يستطيعون إزالتها؛ فإنّهم يتمسَّكون بإسلامهم وبعقيدتهم، ويدعون إلى الله، ولكن لا يخاطرون بأنفسهم ويغامرون في مجابهة الكفّار؛ لأنّ ذلك يعود عليهم بالإبادة والقضاء على الدّعوة ،أمّا إذا كان لهم قوّةٌ يستطيعون بها الجهاد؛ فإنّهم يجاهدون في سبيل الله على الضّوابط المعروفة."([8]) وهذه القوة يجب أن تكون متيقنة لا مظنونة فلا يغامر من أراد الخروج على الحاكم الكافر بالمسلمين وبأعراضهم بقوة مظنونة فيدخلونهم في معركة لا قبل لهم بها ، وبجيش لا قوام لهم بمواحهته .
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ : هل المقصود بالقوّة هنا القوّة اليقينيّة أم الظّنّيّةُ؟
فكانت إجابته على النحو التالي: " القوّة معروفة؛ فإذا تحقّقت فعلاً، وصار المسلمون يستطيعون القيام بالجهاد في سبيل الله، عند ذلك يُشرعُ جهاد الكفّار، أما إذا كانت القوّة مظنونةً أو غير متيقّنةٍ؛ فإنه لا تجوز المخاطرة بالمسلمين والزَّجُّ بهم في مخاطرات قد تؤدّي بهم إلى النّهاية، وسيرةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في مكّة والمدينة خير شاهد على هذا."([9]) ثالثا : عدم حصول مفسدة أكبر من مفسدة بقائه .
ومن الشروط التي يجب توفرها ومراعاتها في هذا الباب ـ أيضا ـ :
مراعاة ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما ودفع المفسدة الأكبر بالمفسدة الأصغر ، وهذا من الشروط المتفق عليها كما مر قريبا في قول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :"فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَإِتْمَامَهُ بِالْجِهَادِ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي أُمِرْنَا بِهِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ: لِيَكُنْ أَمْرُك بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُك عَنْ الْمُنْكَرِ غَيْرَ مُنْكَرٍ. وَإِذَا كَانَ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ والمستحبات فَالْوَاجِبَاتُ والمستحبات لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ فِيهَا رَاجِحَةً عَلَى الْمَفْسَدَةِ؛ إذْ بِهَذَا بُعِثَتْ الرُّسُلُ وَنَزَلَتْ الْكُتُبُ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ؛ بَلْ كُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ صَلَاحٌ.
وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى الصَّلَاحِ وَالْمُصْلِحِينَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَمَّ الْمُفْسِدِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَحَيْثُ كَانَتْ مَفْسَدَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَعْظَمَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ لَمْ تَكُنْ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ "([10]) قال العلامة الشيخ سليمان بن سمحان ـ رحمه الله ـ في كلام نفيس له عن هذه المسألة يحسن نقله ، قال :"قد ذكر أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ فدرء مفسدة قمع أهل الحق، وعدم إظهار دينهم واجتماعهم عليه، والدعوة إلى ذلك، وعدم تشتيتهم وتشريدهم في كل مكان، مقدم على جلب مصلحة الإنكار على ولاة الأمور، مع قوتهم وتغلبهم وقهرهم، وعجز أهل الحق عن منابذتهم، وإظهار عداوتهم والهجرة عن بلادهم، بمجرد الدخول في طاعتهم في غير معصية الله ورسوله.
فإذا كان لأهل الدين حوزة، واجتماع على الحق، وليس لهم معارض فيما يظهرون به دينهم، ولا مانع يمنعهم من ذلك، وكون الولاة مرتدين عن الدين، بتوليهم الكفار، وهم مع ذلك لا يجرون أحكام الكفر في بلادهم، ولا يمنعون من إظهار شعائر الإسلام، فالبلد حينئذ بلد إسلام، لعدم إجراء أحكام الكفر، كما ذكر ذلك شيخنا الشيخ عبد اللطيف، رحمه الله، عن الحنابلة وغيرهم من العلماء.
وإذا كان الحال على ما وصفنا، فمراعاة درء مفسدة قمع أهل الحق، وتشريدهم وتشتيتهم وإذلالهم، وإظهار أهل الباطل باطلهم، وإعلاء كلمتهم على أهل الحق، وكذلك مراعاة جلب المصالح، في إعزاز أهل الحق، واحترامهم وعدم معارضتهم، مقدم والحالة هذه على مصلحة الإنكار على ولاة الأمور من غير قدرة على ذلك، لأجل تغلب أهل الباطل وقوتهم، وعجز أهل الحق عن منابذتهم، وعدم تنفيذ الأمور التي يحبها الله ويرضاها؛ فدرء المفسدة المترتبة على الإنكار على الولاة، أرجح من المصلحة المترتبة على منابذتهم بأضعاف مضاعفة. وإذا استلزم الأمر المحبوب إلى الله، أمراً مبغوضاً مكروهاً إلى الله، وتفويت أمر هو أحب إلى الله منه، لم يكن ذلك مما يحبه الله ويقرب إليه، لما ينبني على ذلك من المفاسد، وتفويت المصالح.
وقد ذكر أهل العلم قاعدة تنبني عليها أحكام الشريعة، وهي: ارتكاب أدنى المفسدتين، لتفويت أعلاهما، وتفويت أدنى المصلحتين، لتحصيل أعلاهما." ([11]) وفي كلام الشيخين ابن باز والفوزان السابق دلالة على ذلك وتنويه عن هذا الشرط ، فلينظر إليه ، وذلك لأن اشتراط القدرة والقوة ما هو إلا من هذا الباب ، ولكن أفرد لأهميته وعظيم شأنه .
ومما ينبغي التنويه به هنا :أن الذي يحدد المصلحة والمفسدة ويقارن بينهما ثم يعين الذي فيه الخير للأمة الإسلامية هم خاصة العلماء ، الذين يعرفون النصوص الشرعية ، ويعرفون ما يصلح الأمة سواء في أخراها أم في دنياها ، لأن تحديد المصلحة والمفسدة وتقديم درء المفاسد على جلب المصالح يحتاج إلى علم شرعي وفقه وبصيرة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في (مجموع الفتاوى)(28/ 129):" لَكِنَّ اعْتِبَارَ مَقَادِيرِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ هُوَ بِمِيزَانِ الشَّرِيعَةِ فَمَتَى قَدَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى اتِّبَاعِ النُّصُوصِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا وَإِلَّا اجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ لِمَعْرِفَةِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَقُلْ إنْ تعوز النُّصُوصَ مَنْ يَكُونُ خَبِيرًا بِهَا وَبِدَلَالَتِهَا عَلَى الْأَحْكَامِ."
وقال مقررا ذلك :" فتفطن لحقيقة الدين، وانظر ما اشتملت عليه الأفعال من المصالح الشرعية، والمفاسد، بحيث تعرف ما مراتب المعروف، ومراتب المنكر، حتى تقدم أهمها عند الازدحام، فإن هذا حقيقة العلم بما جاءت به الرسل، فإن التمييز بين جنس المعروف، وجنس المنكر، أو جنس الدليل، وغير الدليل، يتيسر كثيرًا .
فأما مراتب المعروف والمنكر، ومراتب الدليل، بحيث يقدم عند التزاحم أعرف المعروفين وينكر أنكر المنكرين، ويرجح أقوى الدليلين، فإنه هو خاصة العلماء بهذا الدين."([12]) انتهى النقل مع شيء من الاختصار . قلت ( بشير) : فدونك يا أيها القارئ الكريم إلى هذه التحقيق القيم والتقرير القويم عض عليه بالنواجذ ، فهو مجلاة شبهة ومصفاة كدر التي أنشأها واصطنعها الحزبية لتمرير باطلهم وإثارة الفتن في الأمة ، وإدخالها في دوامة من الحروب والقتال مع حكامها التي لا قبل لهم لمقاومتها ، والتي لا تنتهي إلا بالخسائر المادية والبشرية الكبيرة مما تضعف قوى الأمة ، وتلفت أنظار العدو اليهودي والنصراني لاستغلالها والطمع فيها .
وإياك يا أيها الكريم الحصيف من سوانح ووساوس العيد شريفي التي نعق بها للإعتذار عن القوم وتسليك جرائهم بثياب الاجتهاد !!، فإنه لم يقل أحدا من أهل العلم والإيمان ممن يقتدى بهم ويرجع إليهم، أن المسيرات والمظاهرات والخروج على الحكام الكفرة وجهادهم بدون مراعاة تلك القواعد المرعية والضوابط الشرعية التي قرروها ونصوا عليها كما عرفت ذلك من النقل عنهم ، أن ذلك من المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الاختلاف ، ويعذر من أخطأ فيها ، وخرج عن منهج السلف الصالح في تقريرها .
إنما هذا قال به الحزبية ودعاة الفتن والغوغاء ممن يقلدهم العيد شريفي وينعق بنعيقهم ، وهم ما أرادوا بهذه الثرثرة العجيبة إلا ستر عورتهم و إسكات الألسنة وكسر الأقلام التي تنكر عليهم صنيعهم الإجرامي .
ولم يقل بها إلا من لم يراع القواعد المرعية والضوابط الشرعية التي نص عليها أئمة السنة والجماعة في هذه المسألة الكبيرة التي ضيقوا فيها الكلام وشددوا على من تكلم فيها بجهل وهوى ، إذْ أنها من الأصول التي لا يسوغ فيها الاختلاف ، أو يدعى فيها الاجتهاد ، أو أنها توكل وتسند إلى الأحداث والغوغاء ودعاة البدع والفتن للكلام فيها مما يزيد كلامهم فيها إلا إغراق الأمة في الفتن ، وذلك لما عرفوا به من الهوى والظلم والكذب وجهلهم بالضوابط التي يجب مراعاتها عند الكلام في هذه المسألة العظيمة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى)(19/ 203) : (( لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِنْسَانِ أُصُولٌ كُلِّيَّةٌ تُرَدُّ إلَيْهَا الْجُزْئِيَّاتُ لِيَتَكَلَّمَ بِعِلْمِ وَعَدْلٍ ثُمَّ يَعْرِفُ الْجُزْئِيَّاتِ كَيْفَ وَقَعَتْ ، وَإِلَّا فَيَبْقَى فِي كَذِبٍ وَجَهْلٍ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَجَهْلٍ وَظُلْمٍ فِي الْكُلِّيَّاتِ فَيَتَوَلَّدُ فَسَادٌ عَظِيمٌ )) ا.هـ
وعليه ، فبناء على هذا التقرير والتنصيص السلفي تعامل علماء السنة والجماعة مع الأحداث الراهنة التي نزلت بالأمة ، فهم أنكروا جرائم حاكم سوريا وغيره ممن وقع في جرائمه، ولكن لا أحدا أفتى بمقاتلته ومواجهته وبالمظاهرات والمسيرات ، وذلك لعلمهم ما يترتب من المفاسد الكبيرة في مواجهتهم ومقاتلتهم .
ومن ذلك ما جاء عن العلامة صالح اللحيدان ـ حفظه الله ورعاه ـ لما سئل : سماحة الوالد نشر بعضهم كلاما أو نُشر كلام منسوب إلى سماحتكم بالانترنت مفاده تأييد الثورات و الثوار في بعض البلاد العربية كسوريا على حكامها و إن قتل الثلث من الشعب ليبقى الثلثان، فهل يصح نسبة ذلك إليكم.
ثمّ يسأل ويقول : متى يجوز الخروج على الحاكم الكافر؟ و هل لكل أحد أن يحكم بكفر حاكمه ثم يخرج عليه؟ و ما ضابط ذلك حفظكم الله؟
فأجاب : " هذا في الحقيقة ما قلت أن هذا يُفعل، و أما بالنسبة إلى حاكم سوريا، حاكم سوريا نُصيري ليس بمسلم، و النصيرية جزء من الفاطميين، الدولة الفاطمية، الذين يقول العلماء عنهم أن ظاهرهم الرفض، يتظاهرون بأنهم رافضة، و باطنهم الكفر المحض، هذا من جانب، و من جانب آخر أيضا، هو بعثي، تبع لحزب البعث، الذين يرون أن البعث هو الرب، ربهم، حتى في جرائدهم ينشدون شعرا بأن البعث هو الرب لا شريك له.
بالنسبة للمظاهرات أو الخروج على الحاكم الشرعي، لا شك أن الذي اقول به أنا و يقول به أهل العلم عموما لا يحل، لا يحل لأحد أن يخرج على الوالي المعتبر شرعا، حتى و لو كان الوالي له مخالفات، لا يجوز إلا إذا حصل كفر بواح يعني ظاهر ليس خفي، يعني يكون أعلن كفره، يقول مثلا : الصلاة ليست بلازمة، أو كما يقول القذافي : كل السنة لا حاجة لنا إليها، القذافي يقول: أن السنة جميعا لا حاجة إليها يكفينا القرآن، فأما سوريا فلا شك أن الحاكم نصيري و حزب البعث معروف و إذا قدر أهل الشام على أن يتخلصوا من هذا فأنا أعتبر هذه من محاسنهم و مزاياهم، و أما الثلث و أنا أشرت أن الثلث ... (كلمة غير واضحة) الإمام مالك يُروى عنه و قد لا يصح، أنه يقول يجوز هو قتل الثلث لصلاح الثلثين لكني ما قلت أن يا أهل سوريا قوموا و اجتهدوا حتى يُقتل ثلثكم، فأما مثل هذا الشخص فلا يظهر أي مانع إذا كان الناس قادرين أن يتخلّصوا منه، لكن الوالي الكافر لا يجوز الخروج عليه إذا كان الذين سيخرجون عليه عاجزين عن إزالته، يكون خروجهم عليه يسلطه على بقية المسلمين، يجعل في البلاد مذبحة عظيمة و لا يقل بذلك عاقل، لا يقل عاقل، الشخص عنده مختلف الأسلحة يستطيع أن ينسف قرى كما نسف حافظ الأسد قبل ثلاثين سنة تقريبا أو أقل من تسع و عشرين قليل في شمال سوريا عشرات الآلاف قتلوا، في الأيام هذه ذكر الذين يكتبون مخازيهم في القنوات الفضائية ذكروا ما حصل و ما استدعى حافظ الكلب الأسد من الألوية لمهاجمة أهل أظن حلب، فلا شك أن هذه حكومة فاجرة خبيثة نسأل الله جلّ و علا أن يخلّص أهل سوريا منها، ثم هذه المذابح التى نُشرت في هذه القنوات الفضائية و أجهزة التصوير اليدوية و ما يُرفع فضحتا أهل الإجرام في السابق ما علم بالمذبحة التي كانت في شمال سوريا في وقت الخبيث الفاجر حافظ إلا من دول الغرب و أما المسلمون فللأسف قل من ذكر ذلك، نعم." ([13]) وقال العلامة ربيع المدخلي ـ حفظه الله ورعاه ـ : " الحاكم له شأن آخر، وهو أن يُنصح بالحكمة والموعظة الحسنة، لأن تغيير منكره إذا كان دون الكفر البواح يترتب عليه مفسدة أكبر وأكبر وأكبر من المفسدة التي هو واقع فيها والتي تريد أن تستريح منها وتزيلها، تقع في مفسدة أكبر وأكبر من الفوضى وسفك الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال وما شاكل ذلك، أَمرنا بالصبر عليه الصلاة والسلام، قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمَكره وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله حتى تَروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان ) .
كفر بواح لا يحتمل التأويل، ولا يقبل تأويلاً، واضح كالشمس فحينئذٍ للمسلمين أن يخرجوا على هذا الحاكم الذي وقع في الكفر الواضح بشرط أن لا يكون في خروجهم مفسدة أكبر من بقاء هذا الحاكم الكافر –بارك الله فيكم- لأنه قد يخرج بعض الناس والضعفاء فيفتك بهم ويضيع الدين والدنيا، فتكون المفسدة أكبر!
فلا يخرج المسلمون على الحاكم الكافر إلا إذا كان الخروج أرجح وأنجح وأن المسلمين سيسقطونه دون سفك دماء ودون انتهاك أعراض ودون ودون.
أما إذا بقي في دائرة الإسلام "لا ما صَلوا" تروي أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنه يكون عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمَن عَرَف فقد بَرِئ، ومن أَنكر فقد سَلِم، ولكن من رَضِيَ وتابع، قالوا: ألا نقاتلهم يا رسول الله؟ قال: لا ! ما صَلَّوْا"، فما دام يصلي فلا يجوز الخروج عليه، ما قال :ما أقاموا الصلاة، قال: لا ما صلوا، مادام يصلي ظاهره الإسلام وأنه في دائرة الإسلام فلا يجوز الخروج عليه، لأن الخروج يؤدي إلى سفك الدماء وانتهاك الأعراض.
وما استفاد الناس من الخروج على الحكام أبدًا، لم يستفيدوا من الخروج على الحكام أبدًا، خروج أهل المدينة على يزيد ترتب عليه مفاسد عظيمة، خروجهم على بني أمية وعلى بني العباس ما يترتب عليها إلا الفساد والهلاك والدمار، فلم يستفد المسلمون من هذه الخروجات أبدًا، ودائمًا تأتي مفاسدها أكبر وأكبر وأشد من مصالحها، واعتبروا بالصومال كان حاكمهم ظالمًا فاجرًا فخرجوا عليه فاستمروا في دوامة من الفتن والدماء إلى يومنا هذا.
صدام الفاجر البعثي انظر لَما أُسقِط ماذا يحصل للعراق إلى يومنا هذا، وماذا سيحصل الآن لهؤلاء الذين يتظاهرون في البلدان العربية؟! ما الذي سيترتب على أعمال هؤلاء؟! ...
يعني هذا حاكم تونس غادر تونس والفوضى باقية والله أعلم كيف ستنتهي الأمور؟! وما أظن أنها ستنتهي بحكم الإسلام.
وحاكم مصر طلب مهلة لمدة بسيطة ثم يتخلى عن الحكم فأصر المتظاهرون إصرارًا شديدًا على تنحيته فورًا فتنحى، فما هو البديل عن الديموقراطية أو الحكم العسكري؟ إذا لم يكن البديل هو الإسلام بعقائده ومناهجه الصحيحة في كل المجالات ومنها مجال السياسة، إذا لم يكن الإسلام هو البديل فلم يصنعوا شيئًا، إذا كان البديل هو الديموقراطية الغربية المناهضة للإسلام فبئس البديل.
أنا آسَف الآن على ما يحصل في العالم الإسلامي من هذه المظاهرات الجاهلية الهمجية الفوضوية التي لا وجود للإسلام في مطالبها ولا للمتظاهرين مما يدلك على أنهم جاهلون بالإسلام، وأنهم لا أمل لهم أو لا رغبة لهم في أن تقوم دولة إسلامية مثلاً، ما عندهم هذا، ديموقراطية! ديموقراطية! ديموقراطية! ديموقراطية! يعني طلاب جامعات ودكاترة وأساتذة وعقولهم أدنى وأدنى من عقول الأطفال! وهم يركضون من وراء أفكار الغرب وتشريعات الغرب وقوانين الغرب، ومطالبُهم لا تقوم إلا على هذه الأمور التي جاءت من أوروبا :
( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )
أهل البدع فعلوا هذا والسياسيون فعلوا هذا مع الأسف الشديد.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يهيئ للأمة علماء ناصحين يقودونهم بكتاب الله وبسنة رسول الله، وأن يهيئ لهم حكامًا صالحين ناصحين يحكمون بشريعة الله تبارك وتعالى، بكتاب الله وبسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، إنّ الحكم لله وحده سبحانه وتعالى فلا حكم لأحد معه ولا شريك له في حكمه : ï´؟ إن الحكم إلا لله، أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ï´¾ ، الحكم لله وحده، ربكم الذي خلقكم وخلق الأرض وخلق السماء وأمدكم بالأنهار والجنان وكل شيء ثم تنسونه! وتنسون تشريعاته! وتتعلقون بتشريعات اليهود والنصارى!"([14]) قلت ( بشير) : إن ما بينه وفصله الإمامان صالح اللحيدان وربيع المدخلي فيما يخص قضية هذه الأحداث الأخيرة المؤلمة التي نزلت بالأمة هو الذي عليه علماء السنة والجماعة قاطبة ، ولم يخرج عن منهجهم وكلمتهم هذه إلا من أنغمس في الحزبية وتأثر بأهلها من دعاة المظاهرات والانقلابات ، وهؤلاء لا عبرة بكلامهم ومخالفتهم لأهل السنة والفقه والوسطية ، فضلا أن يرفع أمرهم وشأنهم إلى مصاف ومنازل العلماء ، ويحتج بكلامهم ، ويعتبر خلافهم خلافا يعارض به منهج أهل السنة والجماعة ويوهن اجتماع كلمتهم كما صنع العيد شريفي ، لأنه لو نقب وفتشا فتاوى وكلام علماء السنة لا يجد لهم كلاما يخدم ثرثرته ويقيم حجته ، إلا أن يكون كلام هؤلاء الحزبية من القطبية والسرورية والحركية والغوغاء والجهلة ، الذي رفع من شأنه ونفخ فيه حتى سواه بكلام الأئمة واعتبره اجتهادا ينازع به منهج السلف الصالح وتقريراته الحكيمة !!
وكان أولى بالعيد شريفي ـ إن كان صاحب سنة ، ومن أهل الإنصاف والوسطية ـ في هذا المقام وفي مثل هذه المسألة المهمة التي تعد من الأصول التي لا يجوز فيها الاختلاف وتوسيع الكلام فيها بغير الضوابط التي تضبطها ([15]) ، أن لا يحتج بالخلاف الاصطناعي والاجتهاد المزعوم لتسويغ مذهب القوم ، بل كان الواجب عليه أن يقيم الدليل على صحة قوله وسلامة عمل القوم . قال الإمام ابن عبدالبر في (جامع بيان العلم وفضله)(2/ 922)
(( الِاخْتِلَافُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ أَحَدٍ عَلِمْتُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأُمَّةِ إِلَّا مَنْ لَا بَصَرَ لَهُ وَلَا مَعْرِفَةَ عِنْدَهُ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ ))
وقال الإمام الخطابي في ( أعلام الحديث)(3/2092) : (( وليس الاختلاف حجة وبيان السنة حجة على المختلفين من الأولين والآخرين))
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى)(26/ 202)
(( وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحَدٍ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ، وَدَلِيلٌ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ ذَلِكَ تُقَرَّرُ مُقَدِّمَاتُهُ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا بِأَقْوَالِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنَّ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ يُحْتَجُّ لَهَا بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ.)) ([16]) الوجه الثاني : قوله" الشيخ عبدالعزيز يقول بدخول البرلمانات، الشيخ ابن عثيمين قال بدخول البرلمانات؟ "
أقول
ما أجمل في هذا المقام أن نتمثل في ردنا على العيد شريفي ، بقول العلامة المحدث عبدالرحمن المعلمي في انتقاده لتشغيبات الكوثري الهالك : ولا نلوم الأستاذ في التشبت بالشبهات فإنه أقام نفسه مقاما يضطره إلى ذلك ولكننا كنا نود لو أعرض عن الشبهات التي قد سبق إليها فحلت وانحلت واضمحلَّت واقتصر على الشبهات الأبكار التي يجد لذة في اختراعها ويجد أهل العلم لذة في افتراعها! ([17]) إذ أن استدلال بكلام الإمامين ابن باز وابن عثيمين على دخول الانتخابات ، قد بيّن أهل العلم ضعف حجة ممن تمسك به ، مع إعذار وحفظ كرامة الإمامين .
قال فضيلة الشيخ محمد بن عبد الله الإمام ـ حفظه الله ورعاه ـ في (تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات)(ص 200 ـ 202)
(( الشبهة الخامسة عشر : قولهم: قد أفتى بشرعية "الانتخابات" علماء أفاضل
قد يقول قائل: قد أفتى بشرعية "الانتخابات" علماء أفاضل من أهل السنة, وليسوا حزبيين, كمحدّث العصر فضيلة الشخي الألباني, وسماحة المفتي العام الشيخ عبدالعزيز ابن باز, رحمهما الله تعالى, وفضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين حفظه الله, فهل ندخل هؤلاء فيما سبق؟.
الجواب: كيف ندخلهم فيما سبق, وهؤلاء العلماء الأفاضل هم علماؤنا وقادتنا وقادة هذه الدعوة المباركة ([18]) , وهم حماة الإسلام, وما تعلمنا إلا على أيديهم, ومعاذ الله أن يكونوا حزبيين, بل هم المحذّرون من الحزبية, وما سلمنا من الحزبية إلا بتوفيق الله ثم بنصائحهم, ونصائح أمثالهم كالشيخ الجليل المُحدِّث مقبل بن هادي الوادعي يحفظه الله تعالى. وكتبهم وأشرطتهم طافحة بالتحذير من الحزبيات. فإذا كانوا يحرمون الحزبية, فليس لأصحاب الحزبية فيهم نصيب لتبرير ما يريدون أن يمضوه ويخدعوا به المسلمين, وبالذات الشباب المسلم, المتمسك بدينه, الراضي بالحق, السائر عليه.
وأما بالنسبة لفتوى هؤلاء العلماء فهي مقيدة بضوابط شرعية, ومنها: تحقيق المصلحة الكبرى, أو دفع المفسدة الكبرى بارتكاب الصغرى, مع بقية ضوابط هذه القاعدة, ولكن دعاة "الانتخابات" لم يراعوا هذه الضوابط.
تنبيه: لماذا نرى الحزبيين لا يشيدون بفتاوى علمائهم الذين يفتون بشرعية "الانتخابات", وإنما يشيدون بفتاوى علماء أهل السنة كالألباني وابن باز وابن عثيمين حفظهم الله؟
الجواب: إن علماء السلطة والأحزاب في بلاد المسلمين أحرقتهم الحزبية, فإنها مرض فتّاك, فصار الناس غير مقتنعين بفتاواهم, لأنهم يعرفون أنهم يُلبّسون عليهم في مسائل من الدين, فرأوا أن يكون علماء السنة في واجهة هذه الحزبية, وهكذا من تلبيساتهم يستخدمون فتاوى علماء السنة لصالحهم, متى اضطروا إلى ذلك, ومتى استغنوا عنهم قالوا: هم جهّال لا يفقهون الواقع, وكالُوا لهم التهم.
وعلى سبيل المثال: عند أن أفتى الوالد عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى في قضية الصلح مع اليهود بشروط وضوابط, قامت قيامتهم, ولم تقعد, ومن يستطيع أن يسكتهم؟ ومن يستطيع أن يقنعهم؟ وصار كل واحد من هؤلاء يصدر الفتوى.. ولم يبق الأمر عند الكبار فقط. وكأن ابن باز رحمه الله رجل لا خبرة عنده, ولا علم عنده, بل صارت خطب الجمعة بهذا الصدد حنّانة رنّانة, والحمد لله أن علماء "السنة والجماعة" يحسنون الظن بالناس ويصبرون. والله يعلم المفسد من المصلح.
وأيضاً يلزمهم إذا كانوا يعتمدون على فتوى الألباني وابن باز وابن عثيمين أن يقبلوا فتاواهم في تحريم الحزبية, وتحريم الموالد, والذبح لغير الله, والتقليد لليهود والنصارى.. وما أشبه ذلك من المحرمات التي يفعلونها.
ولا حول ولا قوة إلا بالله. ))
الوجه الثالث : قوله : " الشيخ ابن عثيمين أفتى هنا الجزائريين بالمسيرات وبتكوين الحزب "
أقول
كفى في سقوط هذا الكلام ودلالة على كذب صاحبه ما بينه الإمام ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ لما سئل :
ما مدى شرعية ما يسمّونه بالاعتصام في المسـاجــد وهم -كما يزعمون- يعتمدون على فتوى لكم في أحوال الجزائر سابقاً أنَّها تجوز إن لم يكن فيها شغب ولا معارضة بسلاح أو شِبهِه، فما الحكم في نظركم؟ وما توجيهكم لنا؟
فأجاب ـ رحمه الله ـ : أمَّا أنا، فما أكثر ما يُكْذَب علي! وأسأل الله أن يهدي من كذب عليَّ وألاّ يعود لمثلها. و العجبُ من قوم يفعلون هذا ولم يتفطَّنوا لما حصل في البلاد الأخرى التي سار شبابها على مثل هذا المنوال! ماذا حصل؟ هل أنتجوا شيئاً؟
بالأمس تقول إذاعة لندن: إن الذين قُتلوا من الجزائريين في خلال ثلاث سنوات بلغوا أربعين ألفاً! أربعون ألفاً!! عدد كبير خسرهم المسلمون من أجل إحداث مثل هذه الفوضى!.
والنار ـ كما تعلمون ـ أوّلها شرارة ثم تكون جحيماً؛ لأن الناس إذا كره بعضُهم بعضاً وكرهوا ولاة أمورهم حملوا السلاح ما الذي يمنعهم؟ فيحصل الشرّ والفوضى .، وقد أمر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من رأى من أميره شيئا يكرهه أن يصــبر ، وقال: « من مات على غير إمام مات ميتة جاهلية»الواجب علينا أن ننصح بقدر المستطاع، أما أن نُظْهر المبارزة والاحتجاجات عَلَناً فهذا خلاف هَدي السلف، وقد علمتم الآن أن هذه الأمور لا تَمُتّ إلى الشريعة بصلة ولا إلى الإصلاح بصلة.
ما هي إلا مــضرّة ...، الخليفة المأمون قَتل مِن العلماء الذين لم يقولوا بقوله في خَلْق القرآن قتل جمعاً من العلماء وأجبر الناسَ على أن يقولوا بهذا القول الباطل، ما سمعنا عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أن أحداً منهم اعتصم في أي مسجد أبداً، ولا سمعنا أنهم كانوا ينشرون معايبه من أجل أن يَحمل الناسُ عليه الحقد والبغضاء والكراهية...
ولا نؤيِّد المظاهرات أو الاعتصامات أو ما أشبه ذلك، لا نؤيِّدها إطلاقاً، ويمكن الإصلاح بدونها، لكن لا بدّ أن هناك أصابع خفيّة داخلية أو خارجية تحاول بثّ مثل هذه الأمور. " ا.هـ ([19])
يتبع إن شاء الله ...
([1]) (المعلم)(3/52 ـ 53)
([2]) (إكمال المعلم)(6 / 247)
([3]) (شرح صحيح البخاري)(8 / 215)
([4]) فليرجع إلى الأصل المنقول منه للوقوف على ما نبه عليه الشيخ
([5]) (غياث الأمم )(ص 55)
([6]) انظر مراجعات في فقه الواقع إعداد عبدالله الرفاعي ( ص 25 ـ 26)
([7]) المصدر السابق ( ص 28)
([8]) المصدر السابق ( ص 52)
([9]) المصدر السابق ( ص 52)
([10]) (مجموع الفتاوى)(28/ 126)
([11]) (الدرر السنية )(8/ 491)
([12]) (اقتضاء الصراط المستقيم)(2/ 127)
([13]) (شبكة الإمام الآجري)
([14]) ( شبكة سحاب السلفية)
([15]) قال الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان في ( دراسة نقدية لقاعدة المعذرة والتعاون)(ص 87) : (( ضيق كثير من أهل العلم الخلاف في العقائد ، وشددوا فيها ما لم يشددوا في الأحكام ، مع أن الكل شرع من عند الله ، لأن الزلل بها خطير ولأن العقائد مسائلها محصورة )) ا.هـ
([16]) انظر ( دراسة نقدية لقاعدة المعذرة والتعاون)(ص 84 ـ 85)
([17]) (التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل)(2/ 608)
([18]) فللعيد شريفي أيضا أن ينكر على فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله الإمام في استخدامه واستعماله هذا المصطلح في حق أئمة السنة ، وليعلم أيضا أن إنكاره على الشيخ أبي نصر هو عين إنكاره على الإمام مقبل الوادعي ـ رحمه الله ـ والعلامة محمد الوصابي ـ حفظه الله ـ إذ قد قدما للكتاب !!
وإلا فلولا لم تكن هذه اللفظة من التعابير الصحيحة لما عبر بها الشيخ أبونصر محمد وأقره عليها كل من الشيخين مقبل الوادعي ومحمد الوصابي ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتتفق كلمة أهل العلم الذي يجمعهم المنهج النبوي وإن تباعدت أوطانهم وتفرقت أبدانهم .
([19]) ( شبكة سحاب السلفية)