يقول العلامة ابن أبي العز الحنفي- رحمه الله تعالى- في رسالته " الإتباع" ص 80-81: ".. والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وطاعة رسوله، ويعلم أن أفضل الناس بعد الرسول هم الصحابة فلا ينتصر لشخص إنتصاراً عاماً مطلقاً إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لطائفة إنتصاراً عاماً مطلقاً إلا للصحابة. فإن الهُدى يدور مع الرسول ومع أصحابه دون أصحاب غيره. فإذا أجمعوا لم يجمعوا على خطأ. فإن الدِّين الذي بعث الله به رسوله ليس مُسلَّماً إلى عالم واحد وأصحابه، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شبيه بقول الرافضة.
وأئمة الإسلام أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم رضي الله عنهم ، كل منهم ذهب إلى ما ذهب إليه عن اجتهاد ، وإما أن يقال المجتهد تارة يُخطيء، وتارة يُصيب وهذا هو الحق. فما اختلفوا فيه على قولين أو أكثر فأحدهم مصيب وهو صاحب الأجرين ومن خالفه مخطيء وله أجر على اجتهاده وخطأه مغفور وهذا في كل مسألة حصل فيها اختلاف. وليس الصواب وقفاً على أحدهم بعينه والخطأ وقفاً على الباقين، ومن اعتقد هذا فليراجع عقله، فإن هذه غفلة عظيمة. وإذا كان الأمر كذلك فما من إمام إلا وقد فاته الصواب ولو في مسألة لأنه غير معصوم، وما يؤمن من قلَّده في مسألة قد خالفه فيها غيره، فحكم بها وأفتى أن تكون تلك المسألة هي التي أخطأ فيها إمامه فعليه أن يعرضها على الدليل، ولا يقتصر على ما قاله أصحابه في الكلام عليها لاحتمال أن يكون عند من خالفه من الدليل ما ليس عندهم؛ لأنا قد أُمرنا أن نرد ما تنازعنا فيه إلى الله والرسول، والإخلال بهذا الواجب هو الذي أوجب الافتراق المذموم.
وهذه كانت طريقة الصحابة والتابعين وتابعيهم أهل القرون الثلاثة المفضلة أعني رد المتنازع فيه إلى الله والرسول، ولم يكن فيهم من يأخذ بقول واحد معين منهم دون غيره غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي طريقة التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. .." أ.هـــ