بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فهذا المقال في تقرير مسألة مهمة ألا وهي مسألة وجوب السمع والطاعة للإمام المسلم وإن كان عنده بعض المعاصي التي هي دون الكفر الأكبر والطاعة تكون في غير معصية الله.
وكتبت المقال بسبب بعض من لا علم له يرمي كل من يرى السمع والطاعة للإمام المسلم في غير معصية الله بأنه جامي مدخلي مباحث غلاة الطاعة من المرجئة وهكذا وفي هذا البحث أُثبت أن هذا مذهب السلف ومن يرمي هؤلاء بالإرجاء فيلزمه رمي السلف بالإرجاء ورميهم بأنهم مباحث ويبدلون لفظة الجامية إلى حنبلية تيمية مزنية وهكذا
وفي هذا البحث اختصرت بعض الأبحاث المعاصرة واعتمدت عليها وأما التفصيل في مسائل الإمامة وإلخ فقد كتبت ذلك في شرحي على كتاب إجماع السلف اسأل الله أن يوفقني لاتمامه ذكرت أغلب شبه الخوارج وأشهرها.

وأما هذا البحث فقسمته كالتالي:
1_ الأدلة من القرآن على وجوب السمع والطاعة للإمام بالمعروف.
2_ الأدلة من السنة على وجوب السمع والطاعة للإمام بالمعروف والمقصود كما سبق الإمام المسلم.
3_ الإجماع في المسألة.
4_ عد العلماء القول الثاني من أقوال الخوارج.
5_ جدلا لو قلنا أنه لا إجماع في المسألة يبقى القول بالسمع والطاعة للإمام بالمعروف قولا لأئمة أهل السنة.
6_ الشبهات.
7_ لا يلزم من فقد أحد شروط الولاية الخروج على الإمام.
8_ لا يجوز خلع الإمام بالفسق.
نبدأ مستعينين بالله عز وجل


الأدلة من القرآن على وجوب السمع والطاعة للإمام بالمعروف.
1_ قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }
ذهب جمع من أهل العلم أن المقصود بأولى الأمر هنا العلماء والأمراء
قال الإمام السعدي رحمه الله: ثم أمر بطاعته وطاعة رسوله وذلك بامتثال أمرهما، الواجب والمستحب، واجتناب نهيهما. وأمر بطاعة أولي الأمر وهم: الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول، فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية اهـ.


2_ قال الله تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
ومما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مسألة السمع والطاعة لولاة الأمور في غير معصية الله كما سيأتي.



الأدلة من السنة على وجوب السمع والطاعة للإمام بالمعروف والمقصود الإمام المسلم كما سبق.
1_عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ) رواه مسلم.


2_ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ) رواه مسلم.
3_ وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ) متفق عليه.
4_ عبد الله بن عمر ضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) رواه مسلم.


5_ عن ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: سَتَكونُ أثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكمْ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكمْ) متفق عليه



الإجماع في المسألة.
1_ قال الإمام الكرماني في إجماع السلف:
والانقياد لمن ولاه الله عز وجل أمرك, لا تنزع يدك من طاعته ولا تخرج عليه بسيفك حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا وأن لا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع لا تنكث بيعته فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة.
*وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية فليس لك أن تطيعه البتة وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه اهـ.


2_ قتيبة بن سعيد رحمه الله
قال: هذا قول الأئمة المأخوذ في الإسلام والسنة ... وألا نخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا ونبرأ من كل من يرى السيف على المسلمين كائنا من كان (رواه أبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث:30-31)


3_ محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله
قال: (لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر لقيتهم كرات قرنا بعد قرن ثم قرنا بعد قرن أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين والبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد بالحجاز ستة أعوام ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان... فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه الأشياء: .. ألا ننازع الأمر أهله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله وطاعة ولاة الأمر ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ] ثم أد في قوله: { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم } الآية وألا يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة:1/134-136)


4_ أبو إبراهيم المزني رحمه الله قال: والطاعة لأولي الأمر فيما كان عند الله مرضيا واجتناب ما كان عند الله مسخطا وترك الخروج عند تعديهم وجورهم والتوبة إلى الله كيما يعطف بهم على رعيتهم .. هذه مقالات وأفعال اجتمع عليها الماضون الأولون من أئمة الهدى وبتوفيق الله اعتصم بها التابعون قدوة ورضى (شرح السنة للمزني:84-85)

5-6- أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وابن أبي حاتم رحمهم الله
قال أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم رحمه الله: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم... نقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة ونسمع ونطيع لمن ولاه الله عز وجل أمرنا ولا ننزع يدا من طاعة (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة:1/137-138)


7_ أبو الحسن الأشعري رحمه الله
قال: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل قائلون ... وجملة قولنا: ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم وتضليل من رأى الخروج عليهم إذا ظهر منهم ترك الإستقامة وندين بإنكار الخروج بالسيف (الإبانة عن أصول الديانة:7-11)
وقال رحمه الله: هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة
جملة ما عليه أهل الحديث والسنة ... ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وألا يخرجوا عليهم بالسيف (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين:290-295)


8_ ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله وهو من أئمة المالكية.
قال: فمما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة ومن السنن التي خلافها بدعة وضلالة ... والسمع والطاعة لأئمة المسلمين وكل من ولي من أمر المسلمين عن رضا أو عن غلبة فاشتدت وطأته من بر وفاجر فلا يخرج عليه جار أو عدل ويغزى معه العدو ويحج البيت ... وكل ما قدمنا ذكره فهو قول أهل السنة وأئمة الناس في الفقه والحديث على ما بيناه وكله قول (مالك) فمنه منصوص من قوله ومنه معلوم من مذهبه (الجامع:107-117)


9_ أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله.
قال: اعلموا –رحمنا الله وإياكم- أن مذهب أهل الحديث أهل السنة والجماعة : .. ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والعطف إلى العدل ولا يرون الخروج بالسيف عليهم (اعتقاد أهل السنة للإسماعيلي:55)


10_ ابن بطة العكبري رحمه الله.
قال: ونحن الآن ذاكرون شرح السنة ووصفها وما هي في نفسها وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سمي بها واستحق الدخول في جملة أهلها وما إن خالفه أو شيئا منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحذرنا منه من أهل البدع والزيغ مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا ... ثم بعد ذلك الكف والقعود في الفتنة ولا تخرج بالسيف على الأئمة وإن ظلموا
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إن ظلمك فاصبر وإن حرمك فاصبر.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: [ اصبروا وإن عبدا حبشيا ]
وقد أجمع العلماء من أهل الفقه والعلم والنساك والعباد والزهاد من أول هذه الأمة إلى وقتنا هذا: أن صلاة الجمعة والعيدين ومنى وعرفات والغزو والجهاد والهدي مع كل أمير بر أو فاجر وإعطاءهم الخراج والأعشار جائز .... والسمع والطاعة لمن ولوه –وإن كان عبدا حبشيا- إلا في معصية الله فليس لمخلوق فيها طاعة (الشرح والإبانة:175,276)


11_ أبو عثمان الصابوني رحمه الله.
قال: ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين من الصلوات خلف كل إمام برا كان أو فاجرا ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف والطاعة لأولي الأمر فيما كان عند الله مرضيا واجتناب ما كان عند الله مسخطا وتروك الخروج عند تعديهم وجورهم والتوبة إلى الله كيما يعطف بهم على رعيتهم (عقيدة السلف أصحاب الحديث لصابوني:68)


12_ أبو عمر بن عبد البر من أئمة المالكية رحمه الله.
قال: وإلى منازعة الظالم الجائر ذهبت طوائف من المعتزلة وعامة الخوارج وأما أهل الحق وهم أهل السنة فقالوا: هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلا عدلا محسنا فإن لم يكن فالصبر على طاعة الجائرين من الأئمة أولى من الخروج عليه لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف ولأن ذلك يحمل على إهراق الدماء وشن الغارات والفساد في الأرض وذلك أعظم من الصبر على جوره وفسقه والأصول تشهد والعقل والدين أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك
وكل إمام يقيم الجمعة والعيد ويجاهد العدو ويقيم الحدود على أهل العداء وينصف الناس من مظالمهم بعضهم لبعض وتسكن له الدهماء وتأمن به السبل فواجب طاعته في كل ما يأمر به من الصلاح أو من المباح (التمهيد:23/279)
وقوله رحمه الله: أولى ) ليس مقصوده الأمر الثاني جائز بل يدل على تحريمه ونقله التحريم ما ذكره من المفاسد بقوله: لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف ولأن ذلك يحمل على إهراق الدماء وشن الغارات والفساد في الأرض اهـ.


13_ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال: مذهب أهل الحديث ترك الخروج بالقتال على الملوك البغاة والصبر على ظلمهم إلى أن يستريح بر أو يستراح من فاجر (الفتاوى:4/444)
وقال رحمه الله: من العلم والعدل المأمور به: الصبر على ظلم الأئمة وجورهم كما هو من أصول أهل السنة والجماعة وكما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المشهورة عنه.. (الفتاوى:28/179).


وقال رحمه الله: ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم (منهاج السنة النبوية:3/391)
وقال: وأما أهل العِلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عُرف من عادات أهل السُنة والدين قديماً وحديثاً، ومن سيرة غيرهم ). مجموع الفتاوى35/12


14_ أبو عبد الله محمد بن قيم الجوزية رحمه الله.
قال: وقد ذكرنا في أول الكتاب جملة من مقالات أهل السنة والحديث التي أجمعوا عليها كما حكاه الأشعري عنهم ونحن نحكي إجماعهم كما حكاه حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب الإمام أحمد عنهم بلفظه قال في مسائله المشهور ..... والانقياد لمن ولاه الله عز وجل أمركم لا تنزع يدا من طاعته ولا تخرج عليه بسيف حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا ولا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعته فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للسنة للجماعة وإن أمرك السلطان بأمر فيه لله معصية فليس لك أن تطيعه البتة وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه (حادي الأرواح:289)
.
15_ ابن بطال رحمه الله.
قال الحافظ ابن حجر قال ابن بطال: في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في الحديث الذي بعده (فتح الباري لابن حجر: (13/7)


16_ ونقل الإجماع ابن حجر كذلك وهذا يدل على أن الإجماع ثابت وهم من أعلم الناس بما حدث من الفتن كفتنة ابن الأشعث والخ.



عد العلماء القول الثاني من أقوال الخوارج.
وهو: الخروج على الحاكم بالمعاصي التي هي دون الكفر الأكبر


1_ الإمام أبو عمر بن عبد البر من أئمة المالكية رحمه الله:
قال: وإلى منازعة الظالم الجائر ذهبت طوائف من المعتزلة وعامة الخوارج اهـ. سبق أن ذكرنا باقي كلامه والتعليق عليه.


2_ الإمام الآجري في الشريعة: والخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس ،ومن كانعلى مذهبهم من سائر الخوارجيتوارثون هذا المذهب قديماً وحديثاً ،ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين . اهـ.
فمن عقيدة الخوارج الخروج على الأئمة أي من المسلمين ويستحلون قتل المسلمين لأنهم يكفرون بالكبائر.


3_ الإمام محمد بن طاهر المقدسي رحمه الله قال:
ولست أرى شق العصا لا ولا أرى خروجا على السلطان إن جار أو غدر وأبرأ من رأي الخوارج إنهم أراقوا دماء المسلمين كما اشتهر (الحجة على تارك المحجة:2/591)


4_ قال الإمام علي بن المديني رحمه الله: ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد اجتمع عليه الناس فأقروا له بالخلافة بأي وجه كانت برضا كانت أو بغلبة فهو شاق هذا الخارج عليه العصا وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن عمل ذلك فهو مبتدع على غير السنة (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة:1/131)


5_ قيل للإمام سهل بن عبد الله التستري رحمه الله: متى يعلم الرجل أنه على السنة ؟ قال رحمه الله: إذا عرف من نفسه عشر خصال ... ولا يخرج على هذه الامة بالسيف (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة:1/141)

6_ وقال الإمام البربهاري رحمه الله: ومن قال الصلاة خلف كل بر وفاجر والجهاد مع كل خليفة ولم ير الخروج على السلطان بالسيف ودعاء لهم بالصلاح فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره .. (شرح السنة:67)
وأكتفي بهذه النقول لأني أردت الاختصار في المقال.



لو قلنا أنه لا إجماع في المسألة يبقى القول بالسمع والطاعة للإمام بالمعروف قولا لأئمة أهل السنة والعبرة بالدليل
ثم هنا مسألة ألا وهي أننا إن سلمنا للمخالف بأنه لا إجماع في المسألة فالحجة بالدليل والقول الثاني أي السمع والطاعة لولاة الأمور في غير معصية الله وإن جاروا مذهب للسلف والعلماء وهو المذهب الصحيح الموافق للأدلة فكيف نرميهم بالمباحث والجامية والمرجئة وغلاة الطاعة ؟!!


ويدل على صحة ما ذكرنا أي أنه قول للسلف النقولات السابقة وهنا نذكر بعضها:
الإمام سفيان بن عيينه رحمه الله:
عن حرملة بن يحيى قال: سمعت سفيان بن عيينة وسئل عن قول الناس السنة والجماعة وقولهم فلان سني جماعي وما تفسير السنة والجماعة؟ فقال: ( الجماعة ما اجتمع عليه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من بيعة أبي بكر وعمر والسنة الصبر على الولاة وإن جاروا وإن ظلموا) (رواه ابن الخطاب الرازي في مشيخته:25)


الإمام قتيبة بن سعيد رحمه الله
قال: هذا قول الأئمة المأخوذ في الإسلام والسنة ..... وألا نخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا ونبرأ من كل من يرى السيف على المسلمين كائنا من كان اهـ. (رواه أبو أحمد الحاكم في (شعار أصحاب الحديث:30-31)


الإمام أبو إبراهيم المزني رحمه الله
قال: والطاعة لأولي الأمر فيما كان عند الله مرضيا واجتناب ما كان عند الله مسخطا وترك الخروج عند تعديهم وجورهم ..... اهـ. (شرح السنة للمزني:84)


الإمام أبو محمد البربهاري رحمه الله: قال رحمه الله:
ولا يحل قتال السلطان والخروج عليه وإن جار اهـ.(شرح السنة للبربهاري:60)
وإلى غير ذلك من النقولات وتجد في كتب الاعتقاد أن من عقيدة أهل السنة ما ذكرنا فهل بعد هذا يقال فلان جامي أم نقول أنه متبع لمنهج السلف ؟:!! أو جدلا معكم نقول هو إن لم يكن على مذهب جميع السلف فهو على مذهب بعض السلف والأدلة تؤيد هذا المذهب فكيف نرميهم بالبدعة بعد هذا !!



بعض الشبهات.
1_ قالوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: [ أفضل الجهاد: من قال كلمة حق عند سلطان جائر ] أخرجه أبو داود.
والجواب على هذا من وجهين:
1_ من المقرر أن (الفضل المعين الذي يكون مقيدا بشرط أو قيد فلابد لحصول هذا الفضل المعين من تحقيق هذا الشرط أو القيد)
ففي هذا الحديث قيد النبي صلى الله عليه وسلم الكلمة التي يتكلمها الرجل عند السلطان الجائر والتي هي أفضل الجهاد قيدها بشرطين:
الأول: أن تكون (كلمة حق):
فليس السب والشتم والإهانة والاستهزاء والسخرية: (بكلمة حق)
وليس تهييج الناس على ولاة أمورهم والتشهير بأخطائهم بـ (كلمة حق)
وليس مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم في السمع والطاعة للولاة بالمعروف بـ (كلمة حق)
وليس الخروج والمظاهرات والاختلاط والاعتصامات بـ (كلمة حق)


الثاني: أن تكون (عند السلطان):
فـ(عند) هذه ظرف مكان. أي: في مكان السلطان بينك وبينه في حضرته وإن استطاع فليخلو به وليأخذ بيده وليكلمه سرا جمعا بين الاحاديث لا اتباعا لطريقة من يكفر ببعض الكتاب ويأخذ ببعض الكتاب.
فهل الكلام على أخطاء السلطان والتشهير بها في الميادين وعلى المنابر وفي الاذاعات وعلى الشاشات وفي الصحف فهل هذا يكون (عند السلطان) ؟! سبحان الله


2_ أنه قد وردت رواية أخرى لهذا الحديث وجاء فيها:
[ ألا إن لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته ألا وأكبر الغدر غدر أمير عامة ألا لا يمنعن رجل مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ]
ففي هذه الرواية جمع فيها النبي صلى الله عليه وسلم بين التحذير من الغدر لا سيما غدر الأمير الذي هو من الكبائر وبين كلمة الحق عند السلطان الجائر التي هي أفضل الجهاد فعلم من ذلك أنه لا تعارض بين هذين الأصلين العظيمين:
فالأول: ترك الخروج على الأمير وترك غدره وهذا في قوله: [ وأكبر الغدر غدر أمير عامة ]
والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط الشرعية التي بيناها فيما سبق وهذا في قوله: [ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ].



2_ من شبههم: قالوا: الخروج على الحاكم لا يكون إلا بالسيف.
والرد على هذه الشبهة من أوجه:
1_ أن الأدلة دلت على أن الخروج يكون بالقول والاعتقاد وبالجوارح. والأحاديث في هذه المسألة قد ذكرناها ولله الحمد وسيمر معنا مسألة القعدية.
قال الشيخ صالح آل الشيخ: الخروج على ولي الأمر بشيئين:
الصورة الأولى: عدم البيعة واعتقاد وجوب الخروج عليه أو تسويغ الخروج عليه.
وهذا هو الذي كان السلف يطعنون فيمن ذهب إليه بقولهم: (كان يرى السيف) يعني اعتقادا ولم يبايع.. ) (اتحاف السائل بما في الطحاوية من المسائل:479)
وقال أيضا:
فإذن مصطلح: (لا نرى السيف) هذا يراد به أحد فئتين:
الفئة الأولى: من يرى الخروج على الولاة بعامة سواء أدخل في الخروج بلسانه ويده أم كان يراه عقيدة.
الفئة الثانية: من رأى جواز قتل المعين إذا ثبت عنده كفر منه أو ردة ولا يكل ذلك إلى الإمام. اهـ.
ومن هؤلاء الحسن بن صالح ما خرج لكنه يعتقد ذلك فذمه الأئمة قال الذهبي رحمه الله: كان يرى الحسن الخروج على أمراء زمانه لظلمهم وجورهم ولكن ما قاتل أبدا وكان لا يرى الجمعة خلف الفاسق اهـ.


وأول خروج في الإسلام كان باللسان وهو خروج ذي الخويصرة على النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة –وهو رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله اعدل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ويلك ومن يعدل إن لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أعدل ] فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ] متفق عليه.


ولقد اتفقت كلمة العلماء عند الكلام على هذا الحديث وما في معناه: أن ذا الخويصرة التميمي هذا هو أول خارجي وأول من خرج في الإسلام وقد خرج بالقول (بلسانه) عندما اعترض على قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: (اعدل)


قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وأول بدعة حدثت في هذه الأمة هي: بدعة الخوارج لأن زعيمهم خرج على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ذو الخويصرة من بني تميم اهـ. (شرح الواسطية:9)
لذلك كان من فرق الخوارج فرقة تسمى الخوارج القعدية


قال الحافظ ابن حجر رحمه الله –عند ترجمة عمران بن حطان-:
تابعي مشهور وكان من رءوس الخوارج من القَعَدية وهم :
الذين ُيحسنون لغيرهم الخروج على المسلمين ولا يباشرون القتال –قاله المبرد- قال: وكان من الصفرية وقيل: القعدية لا يرون الحرب وإن كانوا يزينونه .. (الإصابة:2/420)
وروى أبو داود عن عبد الله بن محمد الضعيف قال: قعد الخوارج هم أخبث الخوارج (مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود:271)


وسئل العلامة صالح الفوزان حفظه الله تعالى هل الخروج على الأئمة يكون بالسيف فقط ... ؟
فأجاب حفظه الله: ذكرنا لكن قلنا: الخروج على الأئمة يكون بالسيف وهذا أشد الخروج ويكون بالكلام بسبهم وشتمهم والكلام فيهم في المجالس وعلى المنابر: هذا يهيج الناس ويحثهم على الخروج على ولي الأمر وينقص قدرة الولاة عندهم فالكلام خروج اهـ. (شرح العقيدة السفارينية للشيخ)

وقال العلامة الشيخ أحمد النجمي رحمه الله: والخروج عليهم ينقسم إلى قسمين: 1_ خروج فعلي بالسيف وما في معناه.
2_ خروج قولي أن يتكلم الإنسان في ولاة الأمر ويقدح فيهم ويذمهم دعوة إلى الخروج عليهم (شرح السنة للمزني:51)
2_ الوجه الثاني: نقول أن تنصيص بعض السلف في مصنفاتهم على (الخروج بالسيف) ليس حصرا للخروج في السيف وإنما مرادهم أن الخروج النهائي الأكبر يكون بالسيف قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وما يوجد في بعض كتب أهل العلم من أن الخروج على الإمام هو الخروج بالسيف فمرادهم بذلك: الخروج النهائي الأكبر كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الزنا يكون بالعين ويكون بالأذن ويكون باليد ويكون بالرجل لكن الزنا الأعظم الذي هو الزنا حقيقة هو زنا الفرج .. (شرح رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين)
أو ذكر هذا من باب الغالب ويؤيد ما ذكرنا أن الخروج يكون باللسان كما يكون بالسيف
قال العلماء: أن الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم اعدل من الخوارج وعدوا القعدية من الخوارج كما سبق معنا.



3_ ومن شبههم: خروج الحسين على يزيد بن معاوية.
قبل الرد على هذه الشبهة نذكر كلاما مهما لشيخ الإسلام ابن تيمية يبين فيها أنه إذا اخطأ رجل معين مااذا يفعل الشيطان:
ومما يتعلق بهذا الباب: أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة من أهل البيت وغيرهم قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونا بالظن ونوع من الهوى الخفي فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه وإن كان من أولياء الله المتقين.
ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين
طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه.
وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحا في ولايته وتقواه بل في بره وكونه من أهل الجنة بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان.
وكلا هذين الطرفين فاسد والخوارج والروافض وغيرهم من ذوي الأهواء دخل عليهم الداخل من هذا (منهاج السنة النبوية:4/544)
فهذه فائدة عظيمة ينبغي تقيدها


وأما أوجه الرد عليهم فهي كتالي:
1_ أن أكابر الصحابة نهوا الحسين عن الخروج لما فيه من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم وتفريق الجماعة ولما سيترتب على خروجه من المفاسد والشرور والتي وقعت بالفعل ومن أعظمها قتل الصحابي الجليل سيد شباب أهل الجنة الحسين رضي الله عنه.
وهؤلاء الذين نهوا الحسين كانوا أكبر منه سنا وعلما كابن عمر رضي الله عنهما وغيره
فلقد قال للحسين ولابن الزبير عندما خرجا من المدينة إلى مكة عندما تولى يزيد بن معاوية ولم يبايعاه:
(اتقيا الله ولا تفرقا بين جماعة المسلمين) (البداية والنهاية:8/158)


وقال رضي الله عنه للحسين: لا تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة (أخرجه أحمد:11881 والدارمي:77)
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: استشارني الحسين بن علي في الخروج فقلت: لولا أن يزري بي الناس وبك لنشبت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب (تاريخ دمشق:14/200 و البداية والنهاية:8/178)


وخرج الحسين من المدينة فمر بابن مطيع وهو يحفر بئره فقال: إلى أين فداك أبي وأمي متعنا بنفسك ولا تسر فأبى الحسين (تاريخ دمشق:14/182 والسير:33/296)
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: غلبني الحسين على الخروج وقد قلت له: اتق الله والزم بيتك ولا تخرج على امامك (السير:3/296 والبداية والنهاية:8/176)
وقال أبو واقد الليثي رضي الله عنه: بلغني خروج الحسين فأدركته بملل فناشدته بالله ألا تخرج فإنه يخرج في غير وجه خروج إنما خرج يقتل نفسه ((تاريخ دمشق:14/208 ووالبداية والنهاية:8/176)


وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كلمت حسينا فقلت: اتق الله ولا تضرب الناس بعضهم ببعض فوالله ما حمدتم ما منعتم فعصاني (تاريخ دمشق:14/208 والبداية والنهاية:8/176)


وكتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد أن يصنع وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه (تاريخ دمشق:14/209 ووالبداية والنهاية:8/176)


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولهذا لما أراد الحسين رضي الله عنه أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتبا كثيرة أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين كابن عمر وابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ألا يخرج وغلب على ظنهم أنه يقتل حتى إن بعضهم قال: أستودعك الله من قتيل وقال بعضهم: لولا الشناعة لأمسكتك ومصلحة المسلمين والله ورسوله إنمار يأمر بالصلاح لا بالفساد لكن الرأي يصيب تارة ويخطئ أخرى.......
وهذا كله مما يبين أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد وأن من خالف ذلك متعمدا أو مخطئا لم يحصل بفعله صلاح بل فساد ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بقوله: [ إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ] ولم يثن على أحد لا بقتال في فتنة ولا بخروج على الأئمة ولا نزع يد من طاعة ولا مفارقة للجماعة (منهاج السنة النبوية:4/531)


فمما سبق يتضح أن الحسين اجتهد وتأول ولكنه اخطأ كما بين ذلك كبار الصحابة الذين عاصروه وعلماء أهل السنة كشيخ الغسلام وغيره فلا يقتدى بفعل الحسين رضي الله عنه المخالف للآثار الواردة وإجماع أهل السنة.



2_ أن آخر الأمرين من أمر الحسين لزوم الجماعة وترك الخروج على الإمام قال شيخ الإسلام عن آخر أمر الحسين:
ويقولون أهل السنة والجماعة: إن الحسين قتل مظلوما شهيدا وإن الذين قتلوه كانوا ظالمين معتدين وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي يأمر فيها بقتال المفارق للجماعة لم تتناوله فإنه رضي الله عنه لم يفرق الجماعة ولم يقتل إلا وهو طالب للرجوع إلى بلده أو إلى الثغر أو إلى يزيد داخلا في الجماعة معرضا عن تفريق الأمة (منهاج السنة النبوية:4/586)
فتأمل كيف جعل شيخ الإسلام هذا قول أهل السنة والجماعة
تنبيه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن يزيد لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق والحسين رضي الله عنه كان يظن أن أهل العراق ينصرونه ويوفون له بما كتبوا إليه فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فلما قتلوا مسلما وغدروا به وبايعوا ابن زياد أراد الرجوع فأدركته السرية الظالمة فطلب أن يذهب إلى يزيد أو يذهب إلى الثغر أو يرجع إلى بلده فلم يمكنوه من شيء من ذلك حتى يستأسر لهم فامتنع فقاتلوه حتى قتل شهيدا مظلوما رضي الله عنه ولما بلغ ذلك يزيد يزيد أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ولم يَسْبِ له حريما أصلا بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلدهم ( منهاج السنة النبوية:4/472)
فآخر الأمرين من أمر الحسين لزوم الجماعة واعتقاد ولاية يزيد لأنه أراد أن يذهب إليه أو إلى ثغر من الثغور ومعلوم أن الرباط في الثغور إنما كان يقيمه السلطان.
وبهذا يتبين أنه لا يصح الاستدلال بفعل الحسين على الخروج على الولاة لأن آخر الأمرين من أمر الحسين ترك الخروج على يزيد والدخول في الطاعة والجماعة.
فمن أراد أن يحتج فليحتج بما رجع إليه الحسين من لزوم جماعة المسلمين وإمامهم وترك الخروج عليه.



3_ أن الخروج على أئمة الجور والفسق كان رأيا خاطئا لبعض السلف ولا يصح نقول أنه كان مذهبا للسلف
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين (منهاج السنة النبوية:4/529)


وأما قول الحافظ ابن حجر وغيره أن الخروج على الولاة كان مذهبا لبعض السلف قديما ثم لما رأى ما أتى للأمة إلا بالشر والفساد فأجمعت أئمة الإسلام على تحريمه وعلى الإنكار على من فعله ( فهذا توسع في اللفظ )


قال فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله: الذي عليه الصحابة جميعا وعامة التابعين وهكذا أئمة الإسلام من أن الخروج على ولي الأمر محرم وكبيرة من الكبائر ومن خرج على ولي الأمر فليس من الله في شيء
والأدلة على هذا الأصل من الكتاب والسنة متعددة احتج بها الأئمة ورأوا أن من خالفها ممن تأول من السلف أنهم خالفوا فيه الدليل الواضح البين المتواتر تواترا معنويا كما سيأتي ذكر الأدلة إن شاء الله.
فإذن أهل السنة والجماعة لما رأوا ما أحدثته اجتهادات بعض الناس ممن اتبعوا فخرجوا على ولاة الأمر من بني أمية أو خرجوا على ولي الأمر على قبل ذلك على عثمان وإن لم يكونوا من المنتسبين للسنة في الجملة ذكروا هذا في عقائدهم ودونوه وجعلوا الخروج بدعة لمخالفتها للأدلة.
وتلخيص ذلك: أن اجتهاد من اجتهد في مسألة الخروج على ولي الأمر المسلم كان اجتهادا في مقابلة الأدلة الكثيرة المتواترة تواترا معنويا من أن ولي الأمر والأمير تجب طاعته وتحرم مخالفته إلا إذا أمر بمعصية فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله.
ومن أهل العلم من قال توسعا في اللفظ: (الخروج على الولاة كان مذهبا لبعض السلف قديما ثم لما رأى ما أتى للأمة إلا بالشر والفساد فأجمعت أئمة الإسلام على تحريمه وعلى الإنكار على من فعله) كما قاله الحافظ ابن حجر.
وهذا فيه توسع لأنه لا يقال في مثل هذا الأمر أنه مذهب لبعض السلف وإنما يقال: إن بعض السلف اجتهدوا في هذه المسائل من التابعين كما أنه يوجد من التابعين من ذهب إلى القدر والقول المنافي للسنة في القدر ومن ذهب إلى الإرجاء ومن ذهب إلى إثبات أشياء لم تثبت في النصوص .. (إتحاف السائل بما في الطحاوية من المسائل:477)


قال العلامة الشيخ عبيد الجابري حفظه الله:
هذه المقولة أعني: مذهبا للسلف قديما هذه موجودة عند الحافظ في الفتح لكنها خطأ فلم تكن هذه الطريق وهي (الخروج على الحكام) مذهبا للسلف أبدا لكن بعض الناس خرج على الإمام ثم رجع إلى السنة فالخارج على الإمام ليس على السنة لأن الخارج على الإمام وهو الذي يعرف عند الإطلاق غيره من يكفره ويستحل دمه ودم من يواليه كما فعلت الحرورية في عهد علي فهذه نسبة جزاف ليست بصحيحة.
فالسلف لا يقرون الخروج لكن لو قيل: (مذهبا لبعض السلف ثم رجع عنه) يفهم السامع والقارئ أن من كان مسوغا للخروج على الحاكم لم يكن على السنة عند ذلك بل على السنة حين رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة وهو الصبر على جور الجائر واستئثار المستأثر ومذهبهم هو الصلاة خلف كل بر وفاجر (إسبال المطر بكشف شبهات بعض المتصدرين للتدريس في قطر:8)
ولي رد آخر على هذه الشبهة ولكني لم أكتبه حتى أستشير بعض أهل العلم والله الموفق.



لا يلزم من فقد أحد شروط الولاية جواز الخروج على الإمام.
وهذه مسألة مهمة وهي أنه لا يلزم من فقد بعض الشروط جواز الخروج على الإمام بل لابد من التفصيل كما سيمر معنا من كلام العلامة ابن عثيمين
*شروط الإمامة.
نذكر خلاصة شروط الإمامة
1_ الإسلام, وهذا لابد منه فلا يمكن أن يتولى غير مسلم أبدا بل لابد أن يكون مسلما فلو استولى عليهم كافر بالقهر فإن ولايته عليهم لا تنفذ ولا تصح وعليهم أن ينابذوه ولكن لابد من شرط مهم وهو القدرة على إزالته فإن كان لا تمكن إزالته إلا بإراقة الدماء وحلول الفوضى فليصبروا حتى يفتح الله لهم بابا.


2_ الحرية, فيشترط أن يكون حرا أما الرقيق فلا ولاية له لأن الرقيق قاصر والرقيق مملوك فكيف يكون مالكا ؟!


3_ العدالة, والعدالة هي العدل أي يكون عدلا والعدالة في اللغة هي: الاستقامة.
وفي الشرع: الاستقامة في الدين والمروءة يعني: أن يكون مؤديا للفرائض مجتنبا للكبائر وهذا الشرط شرط للابتداء

4_ السمع, يعني يشترط أن يكون سميعا فإن كان أصم لا يسمع أبدا فإنه لا يصح أن يكون إماما وهذا أيضا شرط في الابتداء.


5_ أن يكون ذا دراية, يعني ذا فطنة ولا يكون من المغفلين غبي يأتيه الصبي فيلعب بعقله.


6_ وأن يكون من قريش وهذا تفصيله في موضعه من هذا الكتاب.


7_ وأن يكون عالما, يعني ذا علم والمراد بالعلم هنا العلم بأحوال الخلافة وما تتطلبه الخلافة.


8_ وأن يكون مكلفا, يعني بالغا عاقلا


9_ وأن يكون حاكما , وهذا الشرط يعني أن له قوة شخصية حتى يحكم تماما لأن من الناس من يكون له علم وخبرة وعدالة ومن قريش وغير ذلك من الشروط لكنه ليس بحاكم يلعب به في الحكم فيكون حاكما بلا حكم ومن الشروك أن يكون ذا خبرة.

فهذه شروط عشرة للإمامة واحد منها شرط للابتداء والاستمرار وهو الإسلام ويلحق به أيضا العقل إذ لابد منه فلو جن يجب عزله وإقامة غيره لكن إذا فسق بعد العدالة أو ضعف لكنه يستطيع تدبير الحكم فإنه لا تزول ولايته.[1]



عزل الحاكم بالفسق.
وأما محاولة عزل الحاكم لأجل فسقه فهو محرم وغلط مِن مَن جوزه
1_ قال النووي رحمه الله:
وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل وحكي عن المعتزلة أيضا فغلط من قائله مخالف للإجماع
قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه (شرح النووي على مسلم:12/229)
ويؤيد هذا ما أجمع عليه علماء أهل السنة من وجوب السمع والطاعة وإن كان الإمام فاسقا ظالما جائرا


2_ قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الكبائر:
والمراد بالميتة الجاهلية : حاله الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال ، وليس له إمام مطاع ، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك ، وليس المراد أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا ، ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره ، ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وإن لم يكن هو جاهليا ، أو أن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير وظاهره غير مراد . ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر « " من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه " » أخرجه الترمذي وغيره .
قال النووي : وأجمع أهل السنة أن لا ينعزل السلطان بالفسق . . قال العلماء وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه لما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه اهـ.
ولو كان هذا القول مخالفا لعقيدة أهل السنة لأنكره الإمام المجدد


3_ يقول العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
فهذه شروط عشرة للإمامة واحد منها شرط للابتداء والاستمرار وهو الإسلام ويلحق به أيضا العقل إذ لابد منه فلو جن يجب عزله وإقامة غيره لكن إذا فسق بعد العدالة أو ضعف لكنه يستطيع تدبير الحكم فإنه لا تزول ولايته.[2]


4_ وقدر ذكر كلام النووي رحمه الله في المسألة الشيخ محمد الإمام في (رافضة اليمن على مر الزمن).


5_ ومن المالكية قال أبو البركات الدردير المالكي: لا يعزل السلطان بالظلم والفسق وتعطيل الحقوق بعد انعقاد إمامته وإنما يجب وعظه (الشرح الكبير لأبي البركات:4/299)
كتبه أبو سهيلة بن موسى الأثري
من وجد شيئا مخالفا لعقيدة السلف فيما كتبت فلينصحني والله الموفق


[1] _ راجع: شرح العقيدة السفارينية لابن عثيمين رحمه الله: (687-688)

[2] _ راجع: شرح العقيدة السفارينية لان عثيمين رحمه الله: (688)