بِسْمِ ٱلله ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
تفريغ محاضرة قيمة بعنوان
أسباب الانحراف
إلقاء
فضيلة الشيخ
أبي ذر عبد العزيز بن يحيىٰ البرعي
تقديم
فضيلة الشيخ
محمد بن عبد ٱلله الإمام
-حفظهما ٱلله-
اعتنىٰ به: أبو بكر نور الدين الأثري -غفر ٱلله له ولوالديه-
بِسْمِ ٱلله ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا ٱلله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلىٰ ٱلله عليه وعلىٰ آله وصحبه وسلم.
أما بعد..
فحيَّ هلا بضيوف الرحمٰـن علىٰ مائدة القرآن ومن أجل إحياء سيد الأنام عليه الصلاة والسلام؛ فأكرِم وأنعِم بمجالس العلم النافع والوعظ والنصح، فهٰـذا وٱلله من أعظم الزاد الذي نفتقر إليه، والذي إن نحن أقبلنا علىٰ هٰـذا الزاد تزوَّدنا بخير زاد مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ ۖ وَمَا عِنْدَ ٱلله بَاقٍ ۗ [النحل:٩٦].
فيا معشر الحاضرين، نحن شركاء في الخير نتعاون علىٰ القيام به والدعوة إليه والترغيب فيه وبذل المال والأوقات والأبدان في سبيل ذٰلك؛ فينبغي أن يأخذ كل واحد منا نصيبا وافرا وحظا عظيما من هٰـذا التعاون فلا تحتقر ما كان ينفعك عند ٱلله وما فيه خدمة دينك وإعانة أخيك المسلم فإني أقول لنفسي ولإخواني: نحرص علىٰ إبلاغ بعضنا بعضا بقيام هٰـذه المحاضرات، ومن قدر أن يتعاون بماله كأن يجمع ما تيسَّر من إخواننا ويأتي بهم علىٰ سيارته فهٰـذا خير عظيم وتنافس وتسابق في الخير، والذي يستطيع أنه يُبلغ إخوانه ويُذَكِّر هٰـذا ويُرغِّب هٰـذا.. هٰـذا كله من المشاركة في الخير، هٰـذا الخير يحتاج إلىٰ رجال فإن لم نكن نحن فقد قال ٱلله: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ[محمد: ٣٨].
نسأل ٱلله عز وجل أن يديم علينا فضله وإحسانه وأن يحفظ لنا ديننا، وإصلاح حالنا.
أيها الإخوة، كما تعلمون أن مُحاضِرنا في هٰـذه الليلة هو أخونا المبارك الشيخ: عبد العزيز البرعي -حفظه ٱلله- من علماء أهل السنة وممن نفع ٱلله عز وجل بهم واستخدمهم في طاعته وله جهود في التعليم والدعوة إلىٰ ٱلله وفي غير ذٰلك طيبة نسأل ٱلله القبول نسأل ٱلله القبول؛ وقد طلبنا منه أن يعمل محاضرة في هٰـذا المسجد فبادر بالموافقة والمجيء فبارك ٱلله فيه وفي علمه وأصلح ٱلله حالنا وحاله ويسَّر ٱلله لنا الخير ودفع عنا كل ضير.
وكما تعلمون أن له دار حديث بمفرق حبيش يُعلَّم فيها الكتاب والسنة فأكرم وأنعم بالأماكن التي يُعلَّم فيها القرآن والسنة علىٰ طريقة السلف الصالح رضي ٱلله عنهم، لا شرقية ولا غربية ولا حزبية ولا بدعية ولا دنيا ولا أطماع وغنما تعليم وبناء للأجيال وتربية لأبناء الإسلام وفَّقنا ٱلله وإيَّاه إلىٰ ما يُحب ويرضاه، فليتقدم لإلقاء محاضرته.
¹
بِسْمِ ٱلله ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة ٱلله وبركاته.
إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفره ونعوذ بٱلله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده ٱلله فلا مضل لهُ ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلـٰه إلا ٱلله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا ٱلله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران:١٠٢].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا ٱلله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ ٱلله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء:١].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا ٱلله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَنْ يُطِعِ ٱلله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)[الأحزاب:٧٠-٧١].
أمَّا بَعْد..
فَإنَّ أصْدَقَ الحَدِيثِ كتَابُ ٱلله وَخَيْرُ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ ٱلله عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٍ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّار.
أيها الإخوة، أحمدُ ٱلله جل وعلا الذي يسَّر لنا هٰـذا اللقاء في هٰـذا الدار المبارك دار الحديث بمعبر هٰـذا الصرح الشامخ والمدرسة العلمية، أسأل ٱلله عز وجل أن يبارك في هٰـذا الدار وفي القائمين عليه وعلىٰ رأسهم أخونا الفاضل الشيخ المبارك: محمد بن عبد ٱلله الإمام ونسأل ٱلله أن يكلل جهودكم بالنصر وأن يوفقكم لما يحب ويرضىٰ؛ فبصمات هٰـذا الدار وآثاره ظاهرة علىٰ جميع المناطق اليمنية سهلا وجبلا، سواءٌ بجهود الشيخ الذاتية بتحركه الدعوي أو في جهود تلامذته المباركين فنسأل ٱلله للجميع التوفيق والسداد.
أيها الإخوة، نِعم الإلٰـه علىٰ العباد كثيرة وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ ٱلله لَا تُحْصُوهَا ۗ[النحل:١٨] وأجلُّها نعمة الإسلام والسنة، فمن منَّ ٱلله عليه بالتمسك بسنة رسول ٱلله صلىٰ ٱلله عليه وعلىٰ آله وسلم فهو وٱلله في نعمة ليست الدنيا بشيء أمامها، هي نعمة شملت سعادة الدارين.
أيها الإخوة، وبمقدار تلك النعمة يحتاج المسلم إلىٰ شُكر ٱلله عز وجل علىٰ ذٰلك، ويكون الشكر باللسان والقلب والجوارح، تشكر ٱلله إذ منَّ بالتمسك بالسنة وأنت ترىٰ المجتمعات في واد والمتمسك بالسنة في واد آخر، وترىٰ تخبُّط الناس واضطرابهم وصراعاتهم دينيا ودنيويا فتعرف قدر نعمة ٱلله جل وعلا عليك؛ فاحمدِ ٱلله، تذكَّر نعمة ٱلله وأنت ساجد فاشكره علىٰ ذٰلك وتذكر نعمة ٱلله في ثباتك علىٰ السنة وأنت حيثما كنت وعلىٰ أية حالة كنت فاشكرِ ٱلله علىٰ ذٰلك وسلِ ٱلله الثباتَ، وكم من الناس من هداهم ٱلله ثم تساقطوا وانحرفوا بعد هداية وضلوا وسلكوا طريقا آخر فلهٰـذا يبقىٰ الثابت علىٰ السنة كالقابض علىٰ الجمر محافظا علىٰ نفسه يخشىٰ علىٰ نفسه الردىٰ يخشىٰ علىٰ نفسه السقوط قال ٱلله عز وجل يذكر لنا أحد الساقطين: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَىٰ الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ[الأعراف:١٧٥-١٧٧] فشبَّهه ٱلله عز وجل بالكلب اللاهث، فالكلب إن جريت وراءه أدلع لسانه ويلهث وإن ربض في ظل شجرة أدلع لسانه يلهث إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ وهٰـذا إن هداه ٱلله ضل وإن علَّمه ضل وإن تركه ضل.. فهو في انحراف مستمر لا ينفع معه شيء؛ وقال ٱلله عز وجل: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ ٱلله ۚ [الجمعة:٥] شبَّههم ٱلله عز وجل بحمار مُحمَّل كتبا وماذا تغني الكتب والأسفار عن ذٰلك الحمار وهي علىٰ ظهره، فهكذا الذي علمه ٱلله ثم انحرف وضل وزاغ حاله كحال الحمار المحمَّل كتبا؛ فانظر إلىٰ هٰـذين المثلين لمن ضلوا بعد هدىٰ ضرب لهم ٱلله عز وجل مثلين: بالكلاب اللاهثة والحمير، ساء مثلهم وبئس مثلهم؛ قال في الآية الأولىٰ: سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وقال في الأخرىٰ: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ فبئس مثلهم إذ ضلوا بعد أن منَّ ٱلله عليهم بمعرفة الحق والهدىٰ.
لهٰـذا أيها الإخوة، فإن الضلال بعد الهدىٰ خطير والعبد الصالح في أمسِّ الحاجة إلىٰ إعانة ٱلله له أن يثبت علىٰ الدين ولهٰـذا أمرنا ٱلله عز وجل أن نقرأ في كل ركعة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)[الفاتحة:٦-٧] فأنت تلجأ إلىٰ ٱلله عز وجل وتدعوه في كل ركعة أن يهديك هٰـذا يُبيِّن لك عدم استغنائك عن عون ٱلله لك في سيرك إليه جل وعلا، وقال النبي صلىٰ ٱلله عليه وعلىٰ آله وسلم لمعاذ: "يا معاذ؛ وٱلله إني لأحبك، فلا تدعن دُبر كل صلاة أن تقول: ٱللهم أعني علىٰ ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" بمعنىٰ أنك قد تكون محبا لعبادة ٱلله ومحبا لذكر ٱلله ومحبا لشكر ٱلله ولكن كم من مريد للخير لن يصيبه وكم من محب للخير لن يدركه فأنت تلجأ إلىٰ ٱلله عز وجل أن يعينك علىٰ ذٰلك لا أن تكون معتمدا علىٰ قدراتك ولا معتمدا علىٰ مجرد وجود المحبة في قلبك وقال النبي صلىٰ ٱلله عليه وعلىٰ آله وسلم لأبي موسىٰ الأشعري: "يا أبا موسىٰ؛ ألا أدلك علىٰ كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بٱلله" معنىٰ هٰـذا: أبرأ من حولي وقوتي وألوذ بحول ٱلله وقوته؛ فأنت لا حول لك ولا قدرة لك أن تُثبِّت نفسك علىٰ السنة ولكنك تدعو ٱلله عز وجل أن يُثبِّتك ولا تستطيع أن تحوِّل نفسك من حال إلىٰ حال إلا إذا كنت معانا من قِبَلِ ٱلله عز وجل.
إذا لم يكن عون من ٱلله للفتىٰ * * * فاول ما يقضي عليه اجتهاده
أيها الإخوة، من هنا يلزم علىٰ كل واحد منا أن يكون ذا ثقة بٱلله عز وجل وأن يكون عظيم الافتقار إلىٰ ٱلله جل وعلا وأن يُكثر الدعاء بالثبات والاستقامة وكان النبي صلىٰ ٱلله عليه وعلىٰ آله وسلم يدعو يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي علىٰ دينك".
ونحب أن ننبِّه في هٰـذا المقام المبارك علىٰ بعض الأمور التي يمكن أن نسميها: أسباب الانحراف.
فمن ذٰلك: حب الدنيا. فإن الرسول صلىٰ ٱلله عليه وعلىٰ آله وسلم يقول: "لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةٌ، وَفِتْنَةُ ُأُمَّتِيَ الْمَالُ" فكم دقَّت ورقَّت واسترقَّت فضول الرزق أعناق الرجال، كم من أناس فتنوا في الدنيا وحرفتهم الدنيا عن جادة الصراط المستقيم وأصبحوا عصاة بعد طاعة ومبتدعة بعد أن كانوا علىٰ سُنة بل وكفارا بعد أن كانوا مسلمين.
وقد سمعتم الآية التي ذكر ٱلله فيها رجلا ممن كان قبلنا كيف كان حاله وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَىٰ الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ [الأعراف:١٧٥- ١٧٧] فخلوده إلىٰ الأرض وتعلقه بالدنيا وحبه لها كان سببا في ضلاله بعد أن آتاه ٱلله آياته وضل علىٰ علم وانحرف بعد هدىٰ -والعياذ بٱلله- ويقول ٱلله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱلله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَـٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱلله وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:٧٧] فكانوا في سلامة وكانوا في عافية فلما رأوا المال نقضوا عهد ٱلله وحلفوا الأيمان الفاجرة، هكذا كان حالهم وما ذٰلك إلا بسبب حبهم للمال، انقلبوا إلىٰ هٰـذا الحد وإلىٰ هٰـذا المستوىٰ قال ابن القيم وهو يذكر شهود الزور:
ينسـىٰ شهادته ويحلف أنه * * * نـاس لها والقلب ذو إغفال
فإذا رأىٰ المنقوش قال: ذكرتها * * * يال المذكِّر جئت بالآمال
ويقول قائلهم: أخوض النار في * * * نَزْرٍ يسير ذاك عينُ خبال
ثقِّل لِيَ الميـزانَ إني خـائضٌ * * * للمنكبين أُجَـرُّ بالأغلال
هكذا جرَّته الدنيا إلىٰ أن يصبح شاهد الزور وإلىٰ أن يظلم نفسه بظلمه لشخص أخر والعياذ بٱلله؛ ويقول النبي صلىٰ ٱلله عليه وعلىٰ آله وسلم: "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل" من أجل حب الدنيا يصل حاله إلىٰ هٰـذا المستوىٰ ولهٰـذا قال النبي صلىٰ ٱلله عليه وعلىٰ آله وسلم: "بادروا بالأعمال" أي ابذلوا الأعمال سريعا وتابعوا الأعمال الصالحة حتىٰ تستقيم قلوبكم علىٰ الدين قبل أن تأتي الفتن الممولة التي تحذف الناس ربما من الإسلام إلىٰ الكفر؛ فـ "بادوا بالأعمال فتنا" أي سابقوا الفتن فابذلوا الأعمال قبل مجيئها فما تأتي الفتن إلا وقد ثبت إيمانك واستقر يقينك وعرفت حق ٱلله عليك وعظُم في نفسك مخالفة أمر ٱلله، ما تصل الفتن إلا وقد أصبحت بإذن ٱلله قد لا تضرك العروض المالية بسبب الأعمال الصالحة التي قد أثَّرت علىٰ قلبك.
وانظروا أيها الإخوة إلىٰ سرعة الأثر الذي تؤثِّره هٰـذه الفتن! ما بين صباح ومساء أو بين مساء وصباح يرقد الناس وفلان علىٰ الإسلام والإيمان ويصبحون وهو علىٰ كفر، إما علىٰ كفر مخرج من الملة أو علىٰ كفر غير مخرج من الملة علىٰ قدر قفزته التي قفزها، وما ذٰلك إلا من أجل المال؛ هٰـذا أثره والعياذ بٱلله، هٰـذا ضرره والعياذ بٱلله؛ لقد أصبح المال سلاحا بأيدي أهل الضلال وأهل الكفر يسعون به ليحذفوا الناس عن الصراط المستقيم قال ٱلله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ ٱلله ۚ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ [الأنفال:٣٦] فيبذلون أموالهم ليصدوا الناس عن دين ٱلله جل وعلا وقد ذكر ٱلله عز وجل لنا قصة سليمان بن داود عليهما السلام مع ملكة سبأ وقد أرسل إليها بتلك الرسالة المختصرة إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱلله الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)[النمل:٣٠-٣١] كلام مختصَر لكن ما وراءه إلا الموت، فاستشارت حاشيتها واستشارت مستشاريها قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (٣٢) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (٣٣)[النمل:٣٢-٣٣] هكذا كان رأيهم أنهم يقاتلون وكيفما كانت النتيجة تكون؛ ولكنها كانت أوعىٰ منهم وأفهم للأمور فإنها سمعت رسالة لا كالرسائل، نعم قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ [النمل:٣٤] قال ٱلله مصدقا لها: وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ[النمل:٣٤] ثم أتت برأيها قالت: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ[النمل:٣٥]. شراء الذِّمم والمراودة علىٰ المبادئ! أرادت أن تنظر هل نبي ٱلله سليمان ملك من جملة الملوك يمكن أن يُستمال بالمال أم أنه صاحب مبدأ؟ فإن كان ملكا من جملة الملوك يمكن أن يستمال بالهدايا فالأمر سهل تصبح العلاقات والزيارات سائرة وتبادل الهدايا والصداقات إلىٰ غير ذٰلك، وإن كان صاحب مبدأ فلا بد من متابعته والإذعان له والخضوع له وإلا فسيستبيح ما في أيديكم فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ ٱلله خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ[النمل:٣٦- ٣٧] رجع الرسول إلىٰ ملكة سبأ بهٰـذا الجواب وبما توقَّعت وأنه سيخرجهم أذلَّة صاغرين فأرسلت إليه نحن قادمون إليك متَّبعون لك مسلمون قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ[النمل:٣٨].
هكذا أيها الإخوة، الثباتُ علىٰ السُّنة سبب لهداية الآخرين، فيوم أن ثبت نبي ٱلله سليمان وعلمتْ منه أنه ذو مبدأ كان ذٰلك سببا لهدايتهم؛ وإنما الشاهد أنها جرَّبت عليه المال ففشلت التجربة ولكن المجرِّبين كُثُر إلىٰ هٰـذا العصر كم من أناس سقطوا في البدع بسبب الهدايا يُراودون عن أنفسهم، وهكذا قصة كعب بن مالك رضي ٱلله عنه يوم أن هجره النبي صلىٰ ٱلله عليه وعلىٰ آله وسلم وصحابته الراشدون فجاءته من ملك غسَّان وهو مهجور فجاء الرسول يسأل: من يدُل علىٰ كعب بن مالك؟ فأشار الناسُ إليه. فأعطاه الرسالة من ملك غسَّان وإذا فيها:
إلىٰ كعب بن مالك، إنه قد بلغنا أن صاحبك قد قلاك، وما جعلك ٱلله في دار هوان ولا قطيعة فاِلحق بنا نواسيك.
يا سبحان ٱلله! قال كعب بن مالك: وهٰـذا من البلاء. وٱلله لو أنها ما قابل قلبا مؤمنا لكانت كافية في حرفه -والعياذ بٱلله- مراودة، فتح لخزائن الملك أمامه. اِلحق بنا نواسِك. قال: فتيمَّمت بها التنور فسجرتها. أحرقها ما قال: أرمِ بها وكفىٰ. لعلها تُعيد نظره لعله ينظر إليها من جديد، ولكنه أحرقها.
فلهٰـذا اعلم أنه يوجد من يُراودون الناس علىٰ أنفسهم لمُصادرة مبادئهم ولإخراجهم عن الصراط المستقيم. كذٰلك قصة المرأة في حديث الثلاثة الذين أواهم المبيت إلىٰ غار "قال أحدهم: ٱللهم إنه كانت لي ابنة عم وكنت أحبها أشد ما يحب الرجال النساء فطلبتُ منها أن تُخلي بيني وبين نفسها فأبت حتىٰ أَلَمَّت بها سنة من السنين فطلبت مني مائة وعشرين دينارا فاجتهدت في جمعه علىٰ أن تُخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتىٰ قعدت بين رجليها قالت: اتقِ ٱلله ولا تفض الخاتم إلا بحقه. قال: فقمت عنها وهي أحب النساء إلي قال: وتركت لها المال. ٱللهم إن كنت فعلت ذٰلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة". فلولا أن ٱلله هيَّأها للنصح وأنطقها به وهيّأه لقبول النصح وإلا لوقعت الواقعة وتمّت الفاحشة وانتقلت من العفاف إلىٰ الزنا. بهٰـذا تعرف خطر المال قد يجر أناسا إلىٰ الفواحش قد يجر أناسا إلىٰ الزنا قد يجر أناسا إلىٰ الربا قد يجر أناسا إلىٰ الرشوة، إلىٰ شهادة الزور إلىٰ الكذب إلىٰ الأيمان الفاجرة إلىٰ الغش في البيع والشراء إلىٰ غير ذٰلك.. حرَف المالُ أقواما عن الصراط المستقيم وأبعدهم عن الهدىٰ فمنهم من أوصله إلىٰ الكفر بٱلله جل وعلا كما سمعتم في الحديث " يصبح الرجل فيها مؤمنا ويُمسي كافرا يبيع دينه بغرض من الدنيا" فالأمر دنيا ولكنه نقله إلىٰ هٰـذا المستوىٰ ومن الناس من ينقله المال إلىٰ أن يصبح صوفيا كما هو واضح فترىٰ أنه يستميله قومه ويحببون إليه أن يقيم الموالد والحضرات وأن يكون سادن قبر أو نحو ذٰلك فيصل أمره إلىٰ هٰـذا المستوىٰ بسبب المال؛ ومنهم من يصبح ساحرا بسبب المال؛ ومنهم من يصبح رافضيا بسبب المال؛ ومن الناس من يصبح حزبيا بسبب المال وأكثر الناس مراودة في هٰـذا العصر يراودون من كان علىٰ سُنة الحزبيون يبذلون شتىٰ الوسائل بالأموال بالهدايا بغير ذٰلك من أجل أن يحرفوا ذٰلك الشاب الصالح الذي علىٰ سُنة ليحذفوه عن سُنة رسول ٱلله صلىٰ ٱلله عليه وعلىٰ آله وسلم، ولا يقولون له: نريد منك أن تصبح مبتدعا. ولا يقولون له: نريدك أن تترك السنة. لا! لو قالوا هٰـذا لأراحونا ولنفر منهم الناس، ولكنهم يقولون له: علىٰ ما أنت لا نقول لك ارتكب البدع ولا أترك السُنن علىٰ ما أنت، هٰـذه تقِل عن قدرك مساعدة من فاعل خير استعن بها علىٰ بعض أمرك. وهدية بعد هدية بعد هدية.. وإذا به قد أصبح مأسورا وبعد أن كان يقول: فلان الحزبي. أصبح يقول: الشيخ فلان. وبعد أن كان يضمر له البغض أصبح يقول: جزاه ٱلله خيرا ولو كان علىٰ كذا لكن فيه خير. سبحان ٱلله! هكذا تسليك حبة حبة ۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ[النور:٢١] ما قال قفزات الشيطان خطوات خطوة بعد خطوة فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ[الأعراف:٢٢] مثل ما تُنزِّل الدَّلو واحدة واحدة فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ.
وآخر يأتي إلىٰ بعض الحزبيين بعد ما مكَّنهم من نفسه بعض الشيء، يريد قرضا ليتزوج ليفعل له دكانا ليتمم بيته.. يقول له: أبشر، إن شاء ٱلله نبذُل الجهد معك، القضية وما فيها أنا أستلفها وأسنِّد علىٰ نفسي وأنت سنِّد لي. وسنَّد له وسندا بعد سند حتىٰ يُصبح مُغرقا في الديون؛ وبعد ذٰلك لو جاء يوما من الأيام يقول: يا جماعة، أنتم عندكم حزبية وعندكم باطل حرام عليكم اتقوا ٱلله!. قالوا: يا أخي، ما قلنا لك اجلس معنا اله يفتح عليك، سلِّم حق الناس وامشِ. وإذا به مكتوف وأصبح مثل العبد المشترىٰ قد أكل ديَّته ودية زوجته وربما لا يجد بدا بعد ذٰلك من الرضوخ لجميع ما يريدون من الشروط والقرارات ويتسذلُّونه ويصبح مأسورا بأيديهم؛ ومنهم من يأخذه العناد فيبيع نفسه لحزب آخر يقوم حزب آخر أو جمعية أخرىٰ تبذُل ذٰلك المال الذي أخذه قرضا علىٰ أن يكون هو مملوكا للتنظيم الآخر. بيع، سوق النخاسين، ويصبح الناس كالعبيد.
لهٰـذا أيها الإخوة اعلم أن الحزبية تجعل صاحبها يترك حتىٰ [(القدينة)كلمة غير مفهومة] ما سيطعمك شربة ماء إلا وهو يشعر أنك من المؤلَّفة قلوبهم، يتألَّفُك ليحذِفك عن الصراط المستقيم.
هٰـذا واحد من أسباب الانحراف.
ومن ذٰلك: الجدل. فالجدل حَرَفَ أناسا كثيرين، وكم حذَّر السلف من مناظرة أهل البدع ولم يلجئوا إلىٰ المناظرات إلا في أحوال ضيقة لم يروا بُدًّا من ذٰلك، وقد جاء شخص إلىٰ محمد بن سيرين واقتحم عليه بيته وقال له: أريد أن أناظرك وأتحدَّث معك. قال: لا. قال: أقرأ عليك آية. قال: لا، أخرجْ من بيتي وإلا خرجتُ. فقالوا للرجل: أخرجْ! اتقِ ٱلله! تخرجُ الرجلَ من بيته؟! فخرج. فقالوا له: ما يمنعك أن تسمع منه آية؟ قال: إن قلبي ليس مُلكي. يقول: أخشىٰ أن يقرأ آية يستدلُّ بها علىٰ بدعته وقد حرَّف معناها علىٰ حسب ما يهواه فتنقدح الشبهة في قلبي، إن قلبي ليس مُلكي.
بعض الناس قلوبهم كالضفادع والفئران عند أطباء التشريح يجرون عليها التجارب، يدَّعي أنه لا يضره الجدال والمناظرة، لماذا كان الجدال سببا من أسباب الانحراف؟ السبب أن الشخص عندما يُجادل شخصا من المبتدعة يقول: سأستحضر أقوىٰ الأدلة لدي من أجل أن أُقنعه وأفحمه. وما درىٰ المسكين أن ذٰلك المبتدع وأن ذٰلك الضال قد هيَّأ نفسه لردِّ الأدلة مهما كانت قوتها وهما كانت صراحتها، هو ليس مستعدا أن يستسلم للحق. فيأتي بالدليل القوي فجادله ومشَّاه وما اقتنع به؛ يقول: هاتِ بدليل آخر قوي مثل أو أكثر أو قريب منه. فيستدل عليه ويُمشيه أيضا ما اقتنع به، يأتي بدليل بثالث الأدلة، رابع الأدلة.. حتىٰ ينتهي من الأدلة التي هي في غاية الصراحة، هناك أدلة أخرىٰ ليست مثل تلك الأدلة في الصراحة تكفي لتثبيت السُّنِّي علىٰ مبدئه وليست كفيلة بإقناع ذٰلك المبتدع، والأدلة التي فيها الصراحة أصبح غير مقتنعا بها إذَن ما بقي عنده أدلة فآل الأمر في أن يتشكك فيما لديه: بما أنها لم تُقنعْ ذٰلك الشخص إذَن فلعلها غير كافية في الدلالة علىٰ الموضوع إذَن أنا ليس عندي أدلة علىٰ ما أقول! إذَن، إذَن.. وإذا به يسقط شيئا فشيئا.
ولقد يصير بناب ليثٍ طُعمةً * * * من بات في غاب الليوث نزيلا
من الذي أجلسك عند المبتدعة؟! ما الذي أقعدك عندهم؟! من الذي عقد لك اللقاءات عند المبتدعة؟! ابتعدْ عنهم!. أنت عندك كفاءة في الرد عليهم ألِّف مؤلَّفا واطرح الشبهات التي لهم ورُدَّ عليها وفنِّدها واعرض كلامك علىٰ العلماء وانشر كلامك. أما أن تجلس معه يفنِّد أدلتك بالباطل ويردُّ عليها بالكذب وبعد ذٰلك يؤول الأمر إلىٰ تشكُّكِكَ في أدلَّتك.
وهكذا قريب من ذٰلك القراءةُ في كُتب أهل البدع فلا بد من الابتعاد عن المبتدعة كُتبهم وقد أنكر النبي صلىٰ ٱلله عليه وعلىٰ آله وسلم علىٰ عمر بن الخطاب أن قرأ ورقة من أوراق أهل الكتاب، قال: " أفي شكٍّ أنت يا ابن الخطاب؟ وٱلله لو كان موسىٰ بن عمران حيًّا ما وسِعه إلا إتباعي ".
فلهٰـذا أيها الإخوة، لا تجروا علىٰ أنفسكم التجارب بالقراءة في كُتب أهل الضلال وبالمجادلة لأهل البدع والانحراف! لا تجادلهم ولا تمارِهم! بعض الناس يقول: أنا أريد مناصحتهم. يا أخي قد نصحهم غيرك، أترىٰ أنه لا بد أن تدلو بدلوك؟ وما ستؤثر إلا نصيحتك؟! وعلىٰ كل حال نصحتَه مرة أو مرتين أو ثلاث أتركْه يكفي هٰـذا ما عنده رغبة للخير هٰـذا مرَبَّط، بعضهم مربوط بمواثيق وعهود قد حلفها، هٰـذا مربوط بمبادئ ونُظم، هٰـذا مربوط بأمراء وقادة له بهم اجتماعات سرية قد أوثقوا العُقد فما أنت بقادر علىٰ حل عقدة؛ لهٰـذا انتبه علىٰ نفسك وكفىٰ.
من أسباب الانحراف: الكِبر والاعتداد بالنفس. قال ٱلله عز وجل: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ[الأعراف:١٤٦] هٰـذا وعيد شديد هٰـذا وعيد يحوِجك إلىٰ أن تقف أمام نفسك وقفة صادقة تواضع لله، ما هي الأشياء التي تدعوك إلىٰ الكبرياء؟ أنت مُحمَّل آيات وأحاديث كان ينبغي أ، تلك الآيات والأحاديث تُطأطئك وتجعلك متواضعا كالشجرة المثمرة إذا كبُرت الثمار انحنت وتطأطأت أغصانها ودنت وهكذا أنت كن متواضعا لله عز وجل اِقرأ القرآن وتدبَّر القرآن واِقرأْ أحاديث رسول ٱلله صلىٰ ٱلله عليه وعلىٰ آله وسلم فإن فيها ما يجعلك متواضعا لله عز وجل إن كنت صادقا مع ٱلله جل وعلا، خذ ورقة وأكتب ما هو المُبرِّر لكبريائك؟ وما هو المبرر لأن تشعر أنك أرفع من غيرك؟ ألأنَّك حفظت القرآن وفقت أقرانك؟ ألأنَّك حفظت جملة من أحاديث رسول ٱلله صلىٰ ٱلله عليه وعلىٰ آله وسلم وفُقت أقرانك؟ ألأنك قدرت علىٰ البحث والتحقيق؟ ألأنك قدرت علىٰ الخطابة والوعظ؟ من أجل ماذا تكبَّرت؟! هٰـذه أشياء ووسائل إلىٰ التواضع لا إلىٰ الكبرياء!
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر * * * علىٰ صفحات الماء وهو رفيع
ولا تكُ كالدخان يعلو بنفسه * * * إلىٰ طبقات الجو وهو وضيع
سؤال: من الذي أقْدَرَك علىٰ الحفظ؟ أنت أم ٱلله عز وجل؟؟ لا شك أنه هو ٱلله، فشيء أقْدَرَك عليه غيرك فيمَ الكبرياء وفيمَ الغرور؟!
سؤال آخر: هل أنت ضامن استمراره لديك؟ أما تخشىٰ أن يضربك ٱلله بسوء الذاكرة أو بالجنون أو أن يوجد لك من المشاغل ما يجعلك تنسىٰ كل ما لديك؟ فشيء أَقْدَرَك علىٰ إيجاده ٱلله ولا تضمن استمراره لديك فيمَ الغرور؟! أتَقبَّل ٱلله عز وجل منك ذٰلك؟ قال ابن عمر: (( لو أعلم أن ٱلله تقبَّل مني ركعتين لتمنّيت أن أموت بعدها لأن ٱلله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱلله مِنَ الْمُتَّقِينَ[المائدة:٢٧]. )) فيمَ الغرور إذَن؟ فيمَ الكبرياء؟ فيمَ الاعتداد بالنفس؟! والمصيبة أن هٰـذا المُعتَد بنفسه يصبح زملاؤه وأقرانه وأمثاله وأشباهه ونظراؤه كالحشرات أمامه! مُستعِد في أن يتكلم فيمن يشاء ومُستعد أن يستعلي علىٰ من يشاء ومستعد أن يؤذي إخوانه وزملائه.. ونحو ذٰلك.
أمور خطيرة وكبيرة سببها الاعتداد بالنفس -والعياذ بٱلله-؛ وبعدها بارك ٱلله فيكم سينزل عليه الوعيد: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ[الأعراف:١٤٦] وٱلله كم من أناس من هٰـذا النوع الذين أُصيبوا بالكبرياء والرفعة علىٰ إخوانهم أصبحوا مبتدعة أو عصاة، كم لحىٰ من هٰـذا النوع حُلقت، وكم من أناس أدخلوا الدشوش في بيوتهم، وكم من أناس ضاعوا في وسط المجتمعات بسبب ازدراء الآخرين والشعور بالعلو علىٰ الآخرين، فنسأل ٱلله الثبات.
من أسباب الانحراف أيضا: الانتصار للنفس. من الناس من قد يؤذيك ويسيء إليك هٰـذا أمر متوقَّع وإنه يلزم عليك أن تتعامل بالمعامل الشرعية وتعالج الأمر بما يستحقُّه لا سيما إذا كنت طالب علم وداعيا إلىٰ ٱلله لا بد أن تزِن أقوالك وأفعالك ولا بد أن تتواضع لله عز وجل وأن تضع عرضك لله عز وجل، فلو أننا شُغلنا بالدفاع عن أعراضنا لضاعت الدعوة من بين أيدينا؛ فترىٰ الرجلَ يقول الكلامَ الشديد الباطل فإذا قيل له: اتقِ ٱلله! قال: أنا بَشر، قال في كذا وكذا وأنا بشر أغضب كما يغضب الناس. ألأنَّك بشر تقتصُّ لنفسك تشغلنا نحن وتشغل إخوانك؟! فالانتصار للنفس جعل أناسا كثيرين يتركون الاشتغال بالسنة وينشغلون بالدفاع عن أنفسهم وصراعات طويلة مديدة من هٰـذا القبيل.
ولهٰـذا كانت سيرة السلف الصالح أمثلة رائعة لهٰـذا، الإمام البخاري كم أذاه محمد بن يحيىٰ الذهلي رحمه ٱلله عليهم أجمعين، وصبر واحتسب وألَّف كتابه خلق أفعال العباد مبيِّنا ما لديه غير مُتعرِّض للذهلي، فقيَّض ٱلله أمة محمد للدفاع عن الإمام البخاري مع أنه مات مبغوضا منبوذا، أوذي غاية الإيذاء وبعد ذٰلك أظهر ٱلله صفاء صفحته وقيَّض ٱلله أمةَ محمد للدفاع عنه.
والإمام أحمد يخرج من السجن بعد أن قضىٰ فيه سنوات وأيَّده ٱلله بنصره فما انتصر لنفسه.
وأحمد بن تيمية خرج من السجن وقد سُجن بفتاوىٰ قضاة الصوفية فما انتصر لنفسه وكان الجو مُهيَّأً له إلىٰ غير ذٰلك.
نعم معشر الإخوة، فالانتصار للنفس يجعلك تترك العمل بالسُّنة والاهتمام بها ويجعلك مشغولا بأشياء أخرىٰ.
كذٰلك من أسباب الانحراف سوء التعامل مع العلماء وقواعدهم. فعلماء أهل السُّنة رفع ٱلله شأنهم وأعلىٰ ذِكرهم ورفع درجاتهم لا بترشيح أنفسهم ولا بانتخاب الناس لهم ولا ببذلهم الأموال في ذٰلك ولا بطلب منهم أن يرفعهم الناسُ.. بل إن ذٰلك كان من ٱلله عز وجل، يأتي هٰـذا ويستفتي في قضية في طلاق وغيره فيُفتيه ويحل له مشكلته، وهٰـذا عنده قضية مالية فيحل له مشكلته، وهٰـذا عنده كذا فيحل قضيته ويستفتىٰ فيُفتي وتكون فتاواه جيدة ويخطب فتكون نافعة ويعظ فتكون مواعظه نافعة ويعلِّم ويؤلِّف وغير ذٰلك وكل واحدة من هٰـذه ترفع مكانته في المجتمع، وجهوده المثمرة ليلا ونهارا والقبول الذي يجعله ٱلله في قلوب الناس له هٰـذا الذي رفع العلماء عند الناس؛ تأتي تقول له: أنت أيها العالم. يقول: اِتَّقِ ٱلله! نحن ماذا عندنا حتىٰ نُسمىٰ علماء؟ كما قال الألباني قال: ((ما قدرنا أن نقرأ كُتب العلماء فكيف نُسمىٰ علماء؟ نحن طلبة علم نحن مساكين)). وهكذا إخواني في ٱلله فهو يضع نفسه وٱلله وعبادُه ويرفعونه، يرفعه المسلمون علىٰ رؤوسهم هٰـذا هو شأن العلماء.
وعند أن أراد أناس أن يتعاملوا مع العلماء بمعاملة ماذا بارك ٱلله فيكم؟ السعي لمصافَّتهم ومساواتهم حصل انحراف كثير، أصحاب المراهقة العلمية طُعمة الفتن، أصحاب المراهقة الفكرية، الطفل ينشأ طفلا صغيرا إذا أخطأ ضربه أبوه، يعيش طفلا يُربّىٰ تحت تربية أبيه فإذا قارب سنَّ البلوغ وشعر بالشباب والقوة و.. فبدنه كبير وعقله صغير فإذا نظر نفسه بجانب الرجال قال: أنا رجل. ولكن تفكيره لا يزال صغيرا، قال ٱلله عز وجل: وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ [النساء:٦] بمعنىٰ أنه قد يبلغ سن النكاح ولا يبلغ سن الرشد عقله لا يزال صغيرا محتاج إلىٰ أن يُفكِّر له أبوه أو أخوه الكبير.
فأصحاب المراهقة العلمية علىٰ هٰـذا المستوىٰ، بحث حديثا فأحسن، خطب فأحسن، أتىٰ شيخه ومعلمه بمسألة فقال: يا شيخ الصواب كذا. قال: أحسنت يا بني. وبعدها بارك ٱلله فيك من تمسك؟ من تقبض؟! قد انتقدت علىٰ شيخي فأصبت وصححت له القضية الفلانية، صحح الحديث وضعفته والقول قولي، ضعف الحديث وبحثت وصححته ورجع إلىٰ قولي.. بعدها من يُمسكه؟ هٰـؤلاء هم أصحاب المراهقة العلمية، فإذا جاءت الفتن تصدروها. يا أخي تعامل مع شيخك كما تعامل شيخك مع شيخه، تعامل معه بالأدب. لا هم رجال ونحن رجال إيش يعني نحن عندنا قرآن ثاني غير الذي عند مشايخنا؟! عندنا سُنة ثانية غير التي عند مشايخنا؟! لا يا بني! الآية هي الآية والحديث هو الحديث ولكن المستدِل غير المستدِل، فالسيف هو السيف ولكن اختلف الحامل له. فانتبه بارك ٱلله فيك، فهٰـذا النوع من الشباب سريع الانحراف، ثم يترقىٰ حال فريق منهم إلىٰ أنه يتعامل مع العلماء بقواعدهم التي أملوها علىٰ تلاميذهم فيصادر العلماء ويلغيهم، يلغي العالِمَ ويسقطه، يقول: القاعدة الأولىٰ علَّمنا شيخنا أن لا نقبل منه إلا بدليل. جيد. علمنا شيخنا أنه ليس بحجة وأن الحجة هي الكتاب والسنة. جيد، وماذا بعد هٰـذا؟ قال: أين الدليل أن فلانا حزبي؟ وقول الشيخ أن فلانا حزبي ليس بحجة. ومن هنا بارك ٱلله فيك أسقط شيخه وفتاواه وأسقط ما لديه من الأحكام، وبعدها ما تجده إلا وقد لحِق أصحاب الجمعيات وغيرهم، إيش فيك؟ قال: أنا ما ظهر لي حزبية. ما ظهر له حزبية وبعد أيام ما تدري والدش علىٰ بيته والتلفزيون أمام زوجته وأولاده وبناته وما تدري إلا وهو في الانتخابات وما تدري.. يا أخي بارك ٱلله فيك غيَّرت وبدَّلت! كل هٰـذا بسبب ازدرىٰ العلماء واعتدَّ بنفسه وأصبح يرىٰ بأنه فوق وأنه قادر علىٰ مناقشة أهل العلم والأخذ والرد معهم إلىٰ غير ذٰلك.
فانحرف أناس كثير بهٰـذا الحال. علماء السنة مصيبون في كل ما لديهم وقد يخطئون هكذا يكون التعامل معهم، وعلماء أهل البدعة مخطئون في كل ما لديهم وقد يصيبون، يصلون مع الناس يصومون يحجون.. هٰـذه أشياء أصابوا فيها إضافة إلىٰ أنهم قد يأتون فيها ببدع لكن يأتون ببدع أخرىٰ وضلالات. فلهٰـذا عندما يأتي إلىٰ العالم السني قال: ما هو معصوم. وأسقط العالم، والعالم المبتدع؟ قال ما كل ما عنده باطل. فلمَّع المبتدع. فبقواعد أهل العلم يضل -والعياذ بٱلله-لأنه أساء التعامل معها وربما نحرف أناس بماذا؟ بفهم القرآن علىٰ غير فهمه قال ٱلله عز وجل: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ[المائدة:٦٤] وقال: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًىٰ[فصلت:٤٤] القرآن يعمي بصائرهم؟ سبحان ٱلله! التوفيق بيد ٱلله، أعمىٰ القرآنُ بصائر قوم مع أنه هو الذي بصَّر به ٱلله الناسَ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥)[التوبة:١٢٤-١٢٥] لاحظ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ السوَر النازلة تزيدهم رجسا إلىٰ رجسهم؟! سبحان ٱلله! ما كان سببا للهداية يكون سببا للغواية والتوفيقُ بيد ٱلله، وهكذا التعامل مع أهل العلم شأنه أن يكون سببا للثبات، التعامل مع قواعد العلماء أن يكون سببا للثبات، وهؤلاء أساؤوا التعامل مع العلماء وقواعدهم فانحرفوا عن الصراط المستقيم.
من أسباب الانحراف عن الهدىٰ: قَدَرُ ٱلله عز وجل. فإن من الناس من يهديهم ٱلله لا ليستمروا علىٰ الهداية ولكن ليُضلَّهم علىٰ علم قال ٱلله عز وجل: وَمَا كَانَ ٱلله لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ ٱلله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[التوبة:١١٥] فيستمر علىٰ الهداية فترة ولكنه بعد أيام ترىٰ أنه يرجع إلىٰ الوراء يسعىٰ وراءه إخوانه وزملاءه: يا أخي اتقِ ٱلله! اتقِ ٱلله!. هم يمشون وراءه خطوة وهو يهرب عشرة، هٰـذا قدَر ٱلله قال ٱلله عز وجل: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱلله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[القصص:٥٦] دعِ ٱلله يفعل ما يشاء لا معقِّب لكمْمه ولا راد لقضائه لعل ٱلله علِم أن هٰـذا لا يصلح لحمل المنهج النبوي ٱلله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ[الأنعام:١٢٤]. يا أيها الإخوة هٰـذا موجود حتىٰ في الأشياء المحسوسة: يبني الناس مسجدا وفعلوا له صرحا يصلي الناس فيه ما أحد يجلس إلا بركعتين، جاء فاعل خير وقال: ليش المسجد بدون حمامات؟! قالوا ما عندنا من يبني. قال: أنا أبني. أين؟ قالوا: في حوش المسجد. وبنىٰ في جانب في صرح المسجد حمامات، وبعدما كان الواحد يدخل ويصلي ركعتين أصبح يدخل إلىٰ ذٰلك المكان ويقول: ٱللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. ويبول ويتغوط، يذل ٱلله من يشاء ويعز من يشاء، يهين من يشاء ويكرم من يشاء. والعكس أيضا يأتي فاعل خير يقول: نوسِّع المسجد. إلىٰ أين؟ قالوا: نزيل الحمامات ونوسعه ونفعل الحمامات في مكان آخر. فبدلا من أن كان مكانا لقضاء الحاجة يصبح ما تجلس فيه إلا بصلاة ركعتين. هٰـذا قدر ٱلله يكرم من يشاء ويهين من يشاء وَمَنْ يُهِنِ ٱلله فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ۚ[الحج:١٨] لا بد أن تكون علىٰ يقين من ذٰلك أن ٱلله قد يحرف أناسا وبعدها ما تنفع معهم أي آية قال ٱلله عز وجل: وَأَقْسَمُوا بِٱلله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ ٱلله ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠٩) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠) ۞ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ٱلله[الأنعام:١٠٩-١١١] ويقول جل وعلا:إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ[يونس:٩٦-٩٧] فلهٰـذا أيها الإخوة بعض الناس ليس محلا لكرامة ٱلله فإذا وجدت نفسك علىٰ هداية فلا تستبعد أن يحصل لك هٰـذا فالجأ إلىٰ ٱلله واستعن بٱلله عز وجل.
من أسباب الانحراف: وجود المدسوسين في داخل الدعوة. والمدسوسون فريقان:
فريق منهم يُظهر الهداية فترة ثم ينحرف. فما انحرف لكونه مهتديا وإنما انحرف من أجل أن يشكك الناس وأول من بدأ بهٰـذه اليهود قال ٱلله عز وجل:وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[آل عمران:٧٢] فترىٰ أنه يكون من الإخوان المسلمين مثلا ثم يدخل في وسط أهل السنة ثم يترك ويرجع إلىٰ ما كان عليه، ما له؟! قالوا: لو وجدهم علىٰ حق ما خرج. لا سيما إذا كان محبوبا عند الناس.
وفريق آخر من المدسوسين من يظل علىٰ منهجه الباطل في قلبه ولكنه يظهر الخير والصلاح ويظل يُدخل الشبهات ويدخل التشكيكات، ويحبب البدع والمبتدعة إلىٰ بعض طلبة العلم ويحبب إليهم بعض المبادئ وربما كان بيته مقرا ومأوىٰ لأصحاب الباطل وأول من بدا بذٰلك المنافقون حيث بنَوا مسجدا الظاهر مسجد للعبادة والواقع كما يقول ٱلله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ ٱلله وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَٱلله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ[التوبة:١٠٧] أصبح مسجدهم ضرارا يعني للإضرار بالمسلمين وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب ٱلله ورسولَه. فهكذا أيها الإخوة هو منحرف ولكنه سبب لحرف آخرين فيظل يجلس لديهم أفكارا ومبادئ تارة يقول: وكل أناس في بلدانهم علىٰ حسب ما هم عليه، بعضهم يريد أن يشكك في العلماء في المملكة مثلا قالوا: يعني ما هناك هيئة كبار علماء! هل هيئة كبار العلماء ماركة مسجلة؟! ما نستطيع ننشئ هيئة كبار علماء في بلد آخر؟! وٱلله فضل ٱلله يعطيه من يشاء. إذًا أسقط هيبة أولائك! في بلد آخر قد يقول: يعني ما عندنا علماء إلا في اليمن؟ ما عندنا علماء في بلدان أخرىٰ؟ هناك علماء أكبر من علماء اليمن، الشيخ الفوزان والشيخ فلان والشيخ فلان.. الذين هم تاج علىٰ رؤوس المسلمين وقضاة علىٰ أمة محمد في هٰـذا العصر ونتقرب إلىٰ ٱلله بحبهم. لكن المراد من ذٰلك أنه يريد التهميش لعلماء أهل السنة في القلوب لماذا؟ من أجل أنه إذا أراد أن يختلف معهم يوما ما قال: وٱلله فيه أعلم منكم دعونا ننظر غيركم. وهكذا وهو يريد أن ينزِلهم من حكام عليه إلىٰ خصوم وانتهىٰ. ولهٰـذا يحاول سحب مكانة علماء كل بلد يعني المدسوسون في كل بلد يريدون سحب مكانة علماء أهل السنة في تلك البلد عن مكانتهم الرفيعة وآخر يدخل حب التلفاز وآخر إباحة التصوير وآخر إباحة الانتخابات وآخر إباحة الجمعيات وآخر إباحة كذا وكذا.. شبهات تُبلىٰ وتُدخل وهو لا يظهر في الصورة هؤلاء المدسوسون خطرهم كبير ينبغي أن يبقىٰ السلفي علىٰ ثباته وإذا جاءك شيء غريب اعرضه علىٰ العلماء واطرح ما لديك علىٰ علمائك من أجل أن تكون علىٰ بينة من أمرك.
من أسباب الانحراف أيضا: أن من الناس من يهديهم ٱلله هداية حقيقية وتبقىٰ في نفسه رواسب من مبدئه السابق الذي تركه فيتستَّر عليه ويقتنع به يبقىٰ في نفسه. فهو يقول مثلا: وٱلله أهل السنة علىٰ خير وعندهم علم لكن ما معنىٰ أننا نصادر الآخرين؟ بقي عند الآخرين خير. دخلت هٰـذه الشبهة، وهكذا بارك ٱلله فيك مسألة بعد مسألة بعد مسألة، وإذا جاءت فتنة طغت عليه هٰـذه الرواسب فكان أول المنحرفين بل ربما لو تخاصم مع سني لظهرت رؤوس تلك الرواسب وانحرف عن الصراط المستقيم، يا أخي أسألك: أنت الآن رجعت إلىٰ أهل السنة عن اقتناع؟ يقول: نعم. وثقت بعلماء أهل السنة عن اقتناع؟ يقول: نعم. إذًا تعال إلىٰ أهل السنة ونفض جعبتك. يقول: أخشىٰ أن يتهمونني لو أخبرتهم بما لدي. نقول: لا، قابل وواجه هٰـذه القضية بقوة حتىٰ لا تبقىٰ هٰـذه الرواسب في نفسك، خذ عالمك وشيخك الذي وثِقت به واجلس معه جلسة انفرادية وقل له: يا شيخ، مسألة كذا وكذا أخبرني فيها بما يقربك إلىٰ ٱلله. واسمع إلىٰ أدلته، انتهيت منها ناقشه حتىٰ تكون علىٰ بينة قل له: يا شيخ، اتقِ ٱلله في لا تسئ الظن في، أنت تعلم من أين جئت، أنا كنت في جماعة كنت في البدعة الفلانية وبقيت عندي اشكالات لا بد أن أكون منها علىٰ بينة، وٱلله ما عندي إلا الخير وما أريد إلا الخير وما أريد إلا الحق. صارحه واطرح ما لديك سؤال المؤدَّب سؤال التلميذ، شفىٰ غليلك في أشياء بقيت عندك أشياء أنظر من هو أعلم منه أو من هو مماثل له واطرح عليه المسائل الأخرىٰ حتىٰ تنتهي، أما أنك تبقىٰ كالذي يحمل في جعبته حية ما يدري إلا وقد نهشته يوما ما! هٰـذا مصاب جلل! نعم بارك ٱلله فيكم فمن هنا يحافظ الإنسان علىٰ نفسه.
هٰـذا ما تيسر لدي من التنبيهات حول هٰـذا الموضوع، ومن كان لديه من المشايخ زيادة إذا كان الشيخ قد ألهمه ٱلله قبْل أو في هٰـذا المجلس بعض الفوائد فنحن في أمس الحاجة، نسأل ٱلله أن يحفظ علينا ديننا وأن يوفقنا لما يحب ويرضىٰ. والحمد لله رب العالمين.
تم بحمد ٱلله جل وعلا