للشيخ صالح بن فوزان الفوزان-حفظه الله -
الرد على السيابي فيتعقيبه على فتوى شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في حكم من نفى الرؤيةوقال بتخليد العصاة في النار وأن القرآن مخلوق.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله معز منأطاعه واتقاه، وخاذل من خالف أمره وعصاه.
والصلاة والسلام على عبدهورسوله نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفاه.
وبعد:
فقد اطلعت على نبذة كتبها أحمد بن سعود السيابي تحتعنوان: "الرد على فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز في حكم الصلاة خلف من ينفي رؤيةالمؤمنين لربهم يوم القيامة في الجنة، ويخالف ما جاء في الكتاب والسنة من إثبات ذلكووجوب الإيمان به".
وقد وجدت السيابي تحامل على شيخنا الشيخ ابن باز،وأقذع في رده بالسباب والكلمات النابية مما ليس هو من أسلوب العلماء، وإنما هوأسلوب المفلسين الذين لا يملكون دليلا ولا حجة صحيحة يؤيدون بها قولهم؛ فإنهميلجئون إلى مثل هذا الأسلوب، لعله يعوض ما عندهم من عجز وإفلاس.
مضمونفتوى الشيخ عبد العزيز وموقف السيابي منها والرد عليه:
إن الشيخ ابن بازقد ذكر في هذه الفتوى ما دل عليه الكتاب والسنة وما قاله الأئمة؛ كالإمام مالك ،والأوزاعي ، وسفيان بن عيينة ، والبخاري ، وعبد الله بن المبارك ، وإسحاق بن راهويه ،والإمام أحمد ، وما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية عن جمهور السلف من تكفير من أنكررؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ووجوب قتله.
وقد بنى الشيخ عبد العزيزبن باز على ذلك أنه لا يُصلَّى خلفه، وهو بناء وجيه، وقال: إنه بحث في هذهالمسألة مع مفتي الإباضية الشيخ أحمد الخليلي، فاعترف أنه لا يؤمن برؤية الله فيالآخرة، وأنه يعتقد أن القرآن مخلوق، وذكر أنه نصحه، فأصر على هذا الاعتقاد الذيقال فيه الأئمة ما سبق بيانه.
وقد غضب كاتب هذه النبذة أحمد السيابي منهذه الفتوى ووصفها بأنها صادرة عن حقد مذهبي، وعصبية مظلمة، وضمائرمتعفنة !!
وهذه الألفاظ كما قلنا هي نموذج من بضاعة المفلسين منالحجج الصحيحة والأدلة المقنعة، وهي في الحقيقة تنطبق على من صدرت منه، حيث تعصبلمذهبه الباطل، وأبى أن يتبع الكتاب والسنة، ويسير في موكب أهل العلم والإيمان منأئمة الدين، وأظهر ما يُكِّنُّ في صدره من الحقد الأسود والضغائن المرة.
دعوته إلى كتمان الحق عمن سأل عنه:
قال السيابي:
"ولعل القارئ ستأخذه الدهشة ويذهب به الاستغراب كل مذهب عندما يجد أن هذهالفتوى موجهة إلى أحد الأشخاص الموجودين في الديار الأمريكية، ذلك البلد الذي يعتبرفيه أبناء الإسلام كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، فهم بحاجة كبيرة إلى من يرشدهمإلى الألفة والمحبة والتآخي؛ لتكوين وحدة إسلامية قادرة على الوقوف والصمود في وجهقذائف الباطل الموجهة من جنبات منظمات اللوبي الصهيوني" انتهى كلامه.
هكذا قال!!
حيث لم يجد جوابا عن فتوى الشيخ سوى أنه لا يناسب توجيهها إلى من هوفي أمريكا بين الكفار؛ لأن المسلمين بحاجة إلى الاتحاد للوقوف في وجه العدو؛ كمايقول.
والجواب عن هذا من وجوه:
الوجه الأول: أن الحق يجب أنيقال ويبين للناس، والباطل يجب أن يرد في كل مكان، كما أمر الله بذلك؛ {لِيُحِقَّالْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}.
وشيخنا – حفظه الله – لم يوجه هذه الفتوى ابتداء حتى أتاه السؤال الملح، فهل يليق به أنيسكت ويكتم العلم ويترك السائل في جهله، لا سيما في هذه المسألة الخطيرة التي تتعلقبأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الصلاة؟!
إننا لو أخذنا بقولهذا المعترض، وسكت العلماء عن بيان الحق للناس؛ لضاع الحق، واستطال الباطل، وقُضِيَعلى الدين، وهذا ما يفرح به الكفار في أمريكا وغيرها...
الوجهالثاني: أن نقول: إن اجتماع المسلمين واتحادهم ووقوفهم في وجه عدوهم أمر مطلوبوهدف نبيل؛ ولكن هذا لا يتحقق؛ إلا إذا اعتصموا بكتاب ربهم وسنة نبيهم، وتركواالمذاهب الباطلة والأقوال الخاطئة، ولا سيما في العقيدة التي هي أساس الدين ومدلولالشهادتين.
وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًاوَلاَ تَفَرَّقُواْ}.
وحبل الله هو القرآن العزيز.
وقالتعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِوَالرَّسُولِ}.
فأوجب سبحانه الرجوع إلى الكتاب والسنة؛ لحسم النزاع،وقطع دابر الخلاف، ولم يقل: ليبقى كل واحد على رأيه المخالف للكتاب لأجل الوحدة؛الوحدة لا تمكن إلا باتخاذ الأسباب المؤدية إليها، ومن أعظم تلك الأسباب:
ترك المذاهب الباطلة، والانحرافات المضلة، وما لم تترك ؛ فالوحدة متعذرة.
قال تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍبِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
وهذا ذم لهم على بقائهم على تفرقهم فيالدين، ومقالاتهم الخاطئة.
الوجه الثالث: أن التفرق في العقيدة لا يمكنمعه الاجتماع، وفضيلة السيابي يدعونا للبقاء على تفرقنا في العقيدة، ثم يطالبنابالاتحاد أمام عدونا، وهذا تناقض ظاهر، تأخذ القارئ منه الدهشة، ويذهب به الاستغرابكل مذهب.
وأما فتوى الشيخ عبد العزيز، فإنها تدعو إلي القضاء على الأسبابالتي تمنع تحقق الوحدة بين المسلمين، ومن أهمها: المذاهب المنحرفة، والنحلالضالة.
فما وجه الغرابة والدهشة التي ادعاها السيابي فيها؟!
إنه قبل ظهور هذه المذاهب والنحل، ويوم أن كان المسلمون على عقيدة واحدة،واعتماد على الكتاب والسنة، وهم أمة واحدة، وقد وقفوا صفا واحدا أمام عدوهم، وفتحواالبلاد، وسادوا العباد بالعلم والدين؛ مصداقًا لقوله صلي الله عليه وسلم:(إنيتارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وسنتي).
وقوله صليالله عليه وسلم:(فإنه من يعش منكم؛ فسيرى اختلافا كثيرا؛ فعليكم بسنتي وسنةالخلفاء الراشدين المهديين من بعدي؛ تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكمومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
وقد نقل السيابيفي رده أبياتا هي حجه عليه، لأن الشاعر فيها يدعو إلى ترك المذاهب الضالة، والرجوعإلى ما دل عليه الكتاب والسنة، حيث يقول فيها:
وما الدين إلا واحد والذينرى ** ضلالات أتباع الهوى تتقارع
وما ترك المختار ألف ديانة ** ولا جاء فيالقرآن هذا التنازع
فيا ليت أهل الدين لم يتفرقوا ** وليت نظام الدين للكلجامع
فمضمون هذه الأبيات إنكار المذاهب الباطلة، والدعوة إلى تركها، ومنأعظمها: إنكار رؤية الله في الآخرة، وإنكار صفات الله عز وجل التي من أعظمها: كلامه، وأن هذا ليس مما جاء به المختار صلى الله عليه وسلم.
وما قال هذاالشاعر هو ما يدعو إليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.
وهذا ما يدعو إليهكل عالم محقق وداع إلى الله على بصيرة.
أما الذي يدعو إلى عدم إنكارالمذاهب الباطلة، والعقائد الفاسدة؛ فهذا يدعو إلى التفرق والتفكك.
زعمه أن الشيخ لم يورد أدلة على فتواه، والرد عليه:
قال السيابي:
"من الغرائب الواردة في سياق الفتوى – والفتوى كلها غرائب – أن صاحبها سرد فيها أقوال علماء دون الاستناد إلى نص منالكتاب أو السنة الصحيحة، مع أن قول العالم – حسب ما قرر في أصول المذاهب الأربعة – يحتج له، ومن قولهم: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم يحتج به، وقول العالم يحتجله، ولكن فضيلته رأى أن النصوص لا تساعده على مراده، ولا تسعفه بمطلوبه؛ فلجأ إلىأقوال العلماء مستعرضا لهم من مالك بن أنس إلى ابن تيمية... ".
- والجواب عن ذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن الكاتب عميت عيناه أو زاغبصره عن الآية الكريمة التي استدل بها العلماء الذين ساق الشيخ ابن باز أقوالهم فيحكم منكر الرؤية، وهي قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىرَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وقد كتب بالخط العريض في الفتوى مرتين!!
كماعميت عيناه – إن كان له عينان – أو زاغ بصره عن الآيات الثلاث التي كتبت في الفتوى،وهى قوله تعالى:
{كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍلَّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِيكُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ}.
قال ابن المبارك: "ما حجب الله عنهأحداً، إلا عذبه"، ثم قرأ هذه الآيات.
وقال الإمام الشافعي رحمهالله: "في هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه".
قال ابن كثير:"وهذا الذي قاله الإمام الشافعي رحمه الله في غاية الحسن، وهو استدلال بمفهومالآية".
كما أن السيابي لم ينظر إلى ما ذكر في الفتوى من تفسير قولهتعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} , وأن الزيادةفسرها النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى وجه الله؛ كما رواه مسلم وجماعة منالأئمة؛ ذكر ذلك الحافظ ابن كثير، وقال:
"وقد روي تفسير الزيادة بالنظرإلى وجهه الكريم عن: أبي بكر الصديق , وحذيفة بن اليمان, وعبد الله بنعباس, وسعيد بن المسيب, وعبد الرحمن بن أبي ليلي, وعبد الرحمن بن سابط,ومجاهد, وعكرمة, وعامر بن سعد, وعطاء, والضحاك, والحسن, وقتادة,والسدي, ومحمد بن إسحاق.... وغيرهم من السلف والخلف, وقد وردت فيهأحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم".
ثم ساق بعضًا منها.
وقد حكم الأئمة الذين ذكرهم الشيخ عبد العزيز في فتواه بكفر من أنكر الرؤيةووجوب قتله.
فإذا كان السيابي لا يقنع بتلك الأدلة ولا بأقوال هؤلاءالأئمة، وإنما يقتنع بقول جهم وجماعته؛ فليختر لنفسه ما شاء، لكن لا يغضب إذا خالفهطالب الحق.
الوجه الثاني: أن الشيخ عبد العزيز لم يُسأل عن ثبوت الرؤيةحتى يورد الأدلة على ثبوتها؛ لأن السائل والحمد لله يؤمن بها، وإنما سُئل عن حكمالصلاة خلف من أنكرها، فذكر أقوال الأئمة في تكفير من أنكر الرؤية، وبنى عليهاالحكم بعدم صحة الصلاة خلفه.
وهذا هو الجواب المطابق للسؤال وهذا هوالإنصاف والتحقيق، حيث لم يتسرع الشيخ وفقه الله بإصدار الفتوى حتى راجع كلام أهلالعلم والتحقيق ، المبني على صريح الكتاب والسنة، حتى لا يقال: هذا رأيك الخاص، أوهذا تحامل منك، أو ما أشبه ذلك...
الوجه الثالث: في الجواب عن قولالسيابي: "إن قول العالم يحتج له ولا يحتج به، ولكن فضيلته (يعني: الشيخ عبدالعزيز بن باز) رأى أن النصوص لا تساعده على مراده، ولا تسعفه بمطلوبه، فلجأ إلىأقوال العلماء... " الخ.
نقول: أولا: ما قلته من أن أقوالالعلماء يحتج لها ولا يحتج بها قول صحيح وقاعدة ثابتة ولكنك لم تطبق ذلك على نفسك،ولم تلتزم به؛ فإنك قبلت قول علماء أخطئوا في نفي الرؤية، ورفضت الأدلة الدالة علىثبوتها في الكتاب والسنة !
ثانيا: قولك: "إن النصوص لا تساعد الشيخعبد العزيز على مراده ولا تسعفه بمطلوبه الذي هو إثبات رؤية المؤمنين لربهم عز وجليوم القيامة " هو قول باطل، ومكابرة للحقائق؛ لأن النصوص المتواترة من الكتابوالسنة دلت على ثبوت رؤية المؤمنين لربهم عز وجل يوم القيامة:
فمن أدلةالقرآن الآيات التي سبق ذكرها.
ومن السنة الصحيحة قوله صلى الله عليهوسلم: (إنكم سترون ربكم عز وجل كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون فيرؤيته". الحديث متفق عليه بين البخاري ومسلم.
وقد تواترت الأحاديثبذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أحاديث في الصحاح والسنن والمسانيد،وتلقتها الأمة بالقبول والتسليم،ولم ينكرها إلا المبتدعة الضالون.
ما تثبت به العقيدة في نظر السيابي والردعليه:
قال: "ولا يخفى على أولي العلم والنظر أن العقيدة هو -كذا قال، والصواب:هي- الاعتقاد الجازم الذي هو ثمرة اليقين لا يثبت إلا بالدليلالقطعي، ولا يفيد القطع إلا القرآن العظيم والسنة المتواترة.
والجوابعن ذلك أن نقول: إن رؤية المؤمنين لربهم عز وجل قد ثبتت بالقرآن في عدة آيات سبقذكر بعضها، وثبتت بالسنة المتواترة، ولكنك خالفت هذه القاعدة، وأنكرت الرؤية،فتناقضت مع نفسك، وهدمت ما بنيت؛ اتباعا للهوى، وتقليدا للرجال من غير دليل.
من عوامل صحة الحديث في نظره، والرد عليه:
قال: "ومن أهم عوامل صحة الحديث موافقته لكتاب الله؛ لقولالرسول صلى الله عليه وسلم: (ما جاءكم عني؛ فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه؛فعني، وما خالفه؛ فليس عني). رواه الإمام الربيع من طريق ابن عباس رضي اللهعنهما، وهو يرشد إليه قوله عز من قائل: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَلِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ".
والجواب عن ذلكمن وجوه:
الوجه الأول: أن نقول له: إن رؤية المؤمنين لربهم يومالقيامة لم تثبت بالسنة وحدها، بل ثبتت في القرآن أيضا في آيات كثيرة، ذكرنا بعضهافيما سبق، وثبتت بالسنة المتواترة فيكون ما ثبت بالسنة المتواترة عن رسول الله صلىالله عليه وسلم من رؤية المؤمنين لربهم موافقا لما ثبت في القرآن، فتكون الرؤية قدتضافرت بثبوتها أدلة الكتاب والسنة المتواترة، فينطبق عليها ما ذكرت من الحديث علىفرض صحته، ومع هذا؛ خالفته فتناقضت مع نفسك...
الوجه الثاني:قوله: "إن العقيدة لا تثبت إلا بالسنة المتواترة" قول غير سليم، بل تثبتالعقيدة بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سواء كان متواترا أو آحادا، لافرق؛ لأن هذا التفريق مبتدع، فما زال العلماء يعملون بأخبار الآحاد الصحيحة فيالعقائد وغيرها.
قال العلامة ابن القيم:
"ولم يكن أحد منالصحابة ولا أهل الإسلام بعدهم يشكون فيما يخبر به أبو بكر الصديق عن رسول الله صلىالله عليه وسلم ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذبن جبل وأبو ذر وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عمر... وأمثالهم من الصحابة،بل كانوا لا يشكون في خبر أبي هريرة –مع تفرده بكثير من الحديث-، ولم يقل له أحدمنهم يوما واحدا من الدهر: خبرك خبر واحد لا يفيد العلم".
الوجهالثالث: أنه لا يُتَصَوَّر أن يرد عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث صحيحيكون مخالفا للقرآن، أو ينفي ما أثبته.
قال الإمام ابن القيم في كتاب"الطرق الحكيمة"(ص73):
"والذي يجب على كل مسلم اعتقاده أنه ليسفي سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة سنة واحدة تخالف كتاب الله، بل السننمع كتاب الله على ثلاث منازل:
المنزلة الأولى: سنة موافقة شاهدة بنفسما شهدت به الكتب المنزلة.
المنزلة الثانية: سنة تفسر الكتاب، وتبينمراد الله منه، وتقيد مطلقه.
المنزلة الثالثة: سنة متضمنة لحكم سكت عنهالكتاب، فتبينه بيانا مبتدأ.
ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة،وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة... " انتهى.
وقال في"إعلام الموقعين" (2/288 – 289) بعد أن ذكر هذه المنازل، وسماها أوجهًا:
"الثالث أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه، أو محرمة لما سكت عنتحريمه.
ولا تخرج عن هذه الأقسام، فلا تعارض بوجه ما، فما كان منها زائدةعلى القرآن؛ فهو تشريع مبتدأ من النبي صلي الله عليه وسلم، تجب طاعته فيه، ولا تحلمعصيته، وليس هذا تقديما لها على كتاب الله، بل امتثال لما أمر الله به من طاعةرسوله، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطاع في هذا القسم؛ لم يكن لطاعتهمعنى، وسقطت طاعته المختصة به، وأنه إذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القرآن لا فيمازاد عليه؛ لم يكن له طاعة خاصة تختص به، وقد قال الله تعالى: {مَّنْ يُطِعِالرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}" انتهى.
الوجه الرابع: أنالحديث الذي ذكره لا يصلح للاحتجاج.
قال السيوطي في كتاب "مفتاح الجنةفي الاحتجاج بالسنة":
"قال الشافعي: احتج عليَّ بعض من رد الأخباربما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما جاءكم عني فاعرضوه على كتابالله"... الحديث. فقلت له: ما روى هذا أحد ثبت حديثه في شيء صغير ولاكبير، وإنما هي رواية منقطعة عن رجل مجهول، ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية في شيء"انتهى.
وقال في مقدمة هذا الكتاب:
"وإنما مما فاح ريحه فيهذا الزمان –وكان دارسا بحمد الله منذ أزمان– هو أن قائلا رافضيا زنديقا في كلامهأن السنة النبوية والأحاديث المروية –زادها الله علوا وشرفا– لا يحتج بها، وأنالحجة في القرآن خاصة، وأورد على ذلك حديث: "ما جاءكم عني فاعرضوه على القرآن،فإن وجدتم له أصلا فخذوا به، وإلا فردوه". هكذا سمعت هذا بجملته منه، وسمعه منهخلائق غيري، فمنهم من لا يلقي لذلك بالا، ومنهم من لا يعرف أصل هذا الكلام، ولا منأين جاء، فأردت أن أوضح للناس أصل ذلك، وأبين بطلانه وأنه من أعظم المهالك".
تعجب السيابي من كون أهل السنة لا يعملون بقول الخوارجفي الخروج على الولاة:
قال السيابي:
"والبعض من أولئكالعلماء – الذين حكى عنهم فضيلته الأقوال الحماسية الملتهبة بقتل منكر الرؤية – لميثبت عنهم أنهم قاموا بذلك وأمروا به في مواجهة الجَوَرَة الظلمة الذين استعبدواعباد الله، واتخذوهم خولا ومال الله دولاً... " الخ ما قال.
نقول: هذا القول يتمشى مع منطق الخوارج الذين يرون الخروج على الأئمة الظلمة،وأهل السنة لا يرون ذلك؛ امتثالا لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعةلولاة الأمور، وإن جاروا، وإن ظلموا؛ ما لم يصدر منهم كفر بواح.
وأيضا هوسوى بين جور الولاة وبين القول بنفي الرؤية، وهذا يدل على جهله أو على تلبيسه؛ فإنجور الولاة لا يقتضي الكفر، ونفي الرؤية يقتضي الكفر؛ لأنه تكذيب لله ولرسوله ولماعليه أئمة المسلمين.
إنكار السيابي لعلاقة الإباضيةبالجهمية والرد عليه:
قال السيابي:
"يركز صاحب الفتوى -يعني: الشيخ عبد العزيز- على أن كل من ينكر رؤية الله تعالى؛ فهو جهمي، فماعلاقة الإباضية بالجهمية؟! إن جهم بن صفوان وأصحابه لم تظهر آراؤهم إلا فيالربع الأول من القرن الثاني الهجري، وأئمة الإباضية وعلماؤهم كانوا في القرن الأولالهجري".
إلى أن قال: "وهل موافقة الجهمية للإباضية في إنكارالرؤية – ولعلها المسألة الوحيدة التي وفق الله الجهمية إلى قول الحق فيها – تجعلالجهمية من الإباضية أو الإباضية من الجهمية؟".
والجواب عن ذلك:
أولا: إن الذي قال: "من لم يؤمن بالرؤية؛ فهو جهمي " ليس هو صاحبالفتوى، وإنما هو سفيان بن عيينة والإمام أحمد، والشيخ عبد العزيز نقل ذلك عنهم.
ثانيا: إن الجهمية هم الذين شهروا ونشروا القول بنفي الأسماء والصفات منالرؤية وغيرها، فنسب القول إليهم بهذا الاعتبار، وإن كان الإباضية – كما قالالمعترض – لهم السبق في نفي الرؤية قبل وجود الجهمية، وأن الله وفق (!)الجهمية لاتباعهم في هذا الضلال؛ فهو شر لا يحسدون عليه كلهم، وبئس التابع وبئسالمتبوع في مخالفة كتاب الله وسنة رسوله، وما عليه أئمة المسلمين، {لِيَحْمِلُواْأَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَيُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ}.
وقد ذكرالله عن الأحزاب الضالة أنها تفرح بما عندها من الضلال، فقال: {كُلُّ حِزْبٍبِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
نظرة السيابي إلىأدلة أهل السنة على إثبات الرؤية والرد عليها:
قال السيابي:"إن الحجة التي يستند إليها الكثير من أولئك العلماء الذين ذكرهم الشيخ ابن بازنقلا عن ابن القيم هي قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىرَبِّهَا نَاظِرَةٌ}.
والشيخ ابن باز يستأنس بهذا الاحتجاج أيمااستئناس، والسؤال هو: أي دليل له في هذه الآية بثبوت رؤية الله عز وجل، ومذهبهقائم على إنكار المجاز في القرآن، والمتأمل يرى أن الآية الكريمة قد أسندت النظرإلى الوجوه؟ فهل تكون الرؤية بالوجه؟ إن هذا لم يثبت في كلام العرب على الإطلاقوإنما تكون الرؤية بالعين... " الخ ما قال.
والجواب عن ذلك أننقول:
أولا: ليست الحجة التي يستند إليها العلماء في إثبات الرؤيةمقصورة على الآية المذكورة، وإن كانت كافية، بل هناك آيات وآيات وأحاديث متواترة فيإثبات الرؤية.
ثانيا: قوله: "إن الآية الكريمة قد أسندت النظر إلىالوجوه، فهل تكون الرؤية بالوجه؟"؛ هذا من المغالطة المضحكة؛ لأن أحدا مهما بلغمن الغباوة لا يفهم هذا الفهم الذي ذكره، وإنما يفهم كل أحد أن الوجوه تنظربأعينها؛ كما إذا قلت: رأيت زيدا ونظرت إليه، فهل يفهم أحد أنك رأيته بجسمك؟!أو لا يفهم إلا أنك رأيته بعينيك؟!
لكنها المغالطة الفارغة.
اعتراض بارد ورده:
قال السيابيمتسائلا:
"ما هي المناسبة التي بين هذه الآية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍنَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، وبين الآية التي بعدها: {وَوُجُوهٌيَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} إذا فسر قولهتعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} بالرؤية، وإن خير ما يفسر القرآن هوالقرآن، فالله تعالى يقول في أخر سورة عبس: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ}؛ مفسرا لقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍنَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ".
والجواب على ذلك منوجهين:
الوجه الأول: أن المناسبة بين قوله تعالي: {وُجُوهٌيَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وبين الآية التي بعدها:{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ}: أنه سبحانه لما ذكر ما يكرم به أولياءه مننضرة الوجوه وحسنها وما تنعم به زيادة على ذلك من النظر إلى وجهه الكريم؛ ذكر حالةأعدائه، وما يلقونه من العذاب الأليم الذي يظهر أثره على وجوههم، وأعظم ذلك حرمانهممن رؤية ربهم عز وجل؛ كما قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْيَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}.
وكثيرا ما يقارن الله سبحانه في كتابهبين حال أهل السعادة وحال أهل الشقاوة في الآخرة؛ ليذكر عباده، حتى يأخذوا بأسبابالسعادة، ويتركوا أسباب الشقاوة.
الوجه الثاني: أن آية عبس:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} ليست مفسرة لقوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَانَاظِرَةٌ}؛ كما يقول؛ لأن النظر غير الإسفار، فالنظر يكون بالعين، والإسفار لونيظهر على الوجه، وربما يكون نتيجة للنظر إلى الشيء السار المفرح، فالمؤمنون يجمعالله لهم بين نضرة الوجوه وإسفارها، ونظر العيون إلى وجهه الكريم.
ثم إنذا التفسير الذي ذكره لم يقل به أحد يعتمد على قوله من المفسرين.
تعلقه بنفي عائشة رضي الله عنها رؤية النبي صلى اللهعليه وسلم لربه ليلة المعراج؛ ليحتج على نفي الرؤية في الآخرة:
ثميمضي السيابي في مغالطاته فيقول:
"كما أن عائشة أم المؤمنين رضي اللهعنها استدلت بقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُالأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} على نفي رؤية النبي صلي الله عليهوسلم ربه في جوابها لمسروق في الحديث الذي رواه الربيع والبخاري ومسلم".
ثم إنه أراد دفع الإجابة الصحيحة عن هذه المغالطة، فقال:
"فإنقيل: إن ذلك الاستدلال كان على نفيها في الدنيا لا في الآخرة.
فالجوابعن ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن صفات الله تعالى لا تتغير ولا تتبدل،فهي في الأزل، وفيما لا يزال، إذ إن التغير من سمات الحدوث، وهو شأن المخلوقين.
الثاني: أن منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم في قاب قوسين أو أدنى يمكنأن تقاس على منزلته في الآخرة؛ لأن رحلة الإسراء والمعراج كانت نقلة من جو إلى جوآخر، ومن مقام إلى مقام آخر، فلو كانت رؤيته تعالى ممكنة وجائزة؛ لرأى الرسول صلىالله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء والمعراج ".
- والجواب عن ذلك منوجوه:
الوجه الأول: أن عائشة رضي الله عنها قطعا تريد من هذا النفي نفيرؤيته في الدنيا ولا تريد نفي ما ثبت بالأدلة القاطعة من رؤيته في الآخرة، وصانهاالله عما نَسَبْتَه إليها من مخالفة كتاب الله وسنة نبيه، وقد ظننت بها سوءا،وحمَّلْتَها ما لم تقل، ولو كانت أرادت ما ذكرت – وحاشاها من ذلك -؛ لرد عليهاالصحابة بالآيات والأحاديث المثبتة للرؤية في الآخرة، فهم أجلّ من أن يسكتوا على مايخالف الكتاب والسنة، وأن يجاملوا أحدا في ذلك.
قال الإمام ابن كثير رحمهالله:
"ولهذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تثبت الرؤية فيالدار الآخرة وتنفيها في الدنيا، وتحتج بهذه الآية ".
الوجه الثاني:أن نفي رؤية الله في الدنيا وإثباتها في الآخرة ليس تغيرا أو تبدلا في صفات الله؛كما توهمت، وإنما هو تغير لصفات المخلوق؛ من كونه لا يقوى على رؤية الله في الدنيا؛لضعف قواه وحواسه، ثم يقوى على ذلك في الآخرة؛ لما يمنحه الله من الاستعداد لذلك،وأحوال الآخرة غير أحوال الدنيا، فقياسك لحالة الدنيا على حالة الآخرة قياس معالفارق، والقياس إذا كان مع الفارق؛ فهو قياس باطل بالإجماع.
الوجهالثالث: أن قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} ليس نفيا للرؤية،وإنما هي نفي للإدراك، وهو الإحاطة، فالأبصار تراه في الآخرة، ولا تحيط بهسبحانه.
ولهذا استدل أهل السنة بهذه الآية على إثبات الرؤية؛ لأن نفيالإدراك يلزم منه وجود الرؤية، والإدراك أخص من الرؤية، ولا يلزم من نفي الأخصانتفاء الأعم.
قال الإمام ابن كثير:
"ونفي الإدراك الخاص لاينفي الرؤية يوم القيامة. يتجلى لعباده المؤمنين كما يشاء، فأما جلاله وعظمته علىما هو عليه تعالى وتقدس وتنزه؛ فلا تدركه الأبصار، ولهذا كانت أم المؤمنين عائشةرضي الله عنها تثبت الرؤية في الدار الآخرة وتنفيها في الدنيا، وتحتج بهذه الآية:{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}، فالذي نفتهالإدراك الذي هو بمعنى رؤية العظمة والجلال على ما هو عليه؛ فإن ذلك غير ممكن للبشرولا للملائكة ولا لشيء... " انتهى.
والمؤمنون وإن رأوا ربهم فيالآخرة؛ فإنهم لا يدركون جلاله وعظمته إدراك إحاطة؛ كما إن من رأى القمر لا يدركحقيقته وكنهه وماهيته، فالعظيم أولى بذلك، وله المثل الأعلى.
قيللعكرمه: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}. قال: ألست ترى السماء؟ قال:بلى.
قال: فكلها ترى؟
الوجه الرابع: وأما قوله: "فلوكانت رؤيته تعالى ممكنه وجائزة؛ لرأى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراءوالمعراج".
نقول: لا تلازم بين هذا وهذا، فلا يلزم من عدم رؤيته ليلةالمعراج عدم رؤيته في الآخرة؛ لأن المعراج وقع في الدنيا قبل الموت، ورؤية المؤمنينله تقع في الآخرة بعد الموت، وحالة الدنيا غير حالة الآخرة كما سبق.
رد ادعائه أن الأدلة دلت على نفي الرؤية في الدنياوالآخرة:
قال السيابي:
"وهناك الكثير من الأدلةالنقلية والعقلية على نفي رؤية الله تعالى دنيا وآخرة".
أقول: أمانفي رؤيته في الدنيا؛ فهو صحيح، فقد دلت عليه الأدلة.
وأما نفي رؤيته فيالآخرة؛ فالأدلة تدل عليه في حق الكفار، أما المؤمنون؛ فالأدلة تدل على ثبوتها لهم،والواجب نفي ما نفاه الله وإثبات ما أثبته.. هذا هو سبيل المؤمنين.
زعمه أن سؤال رؤية الله فكرة يهودية، والرد عليه:
ثم استمر السيابي في مغالطته وتضليله، فقال ما ملخصه:
"إن سؤالالرؤية قد صدر عن اليهود، حيث قالوا لموسى عليه السلام: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَحَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}، وعن المشركين حيث قال تعالى: {وَقَالَالَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْنَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّاكَبِيرًا}، وقد حذر الله عباده المؤمنين ونهاهم عن سؤال الرؤية، فقال: {أَمْتُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَنيَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}".
قال: "فعلق سبحانه تعالى على سؤال الرؤية والطمع فيها استبدال الكفربالإيمان الذي يتحتم عليه الضلال عن الطريق السوي، ألا وهو دين الله، وكفى بذلكتنفيرا للمؤمنين.
فإن قيل: امتناع وقوعها إنما هو في الدنيا؛ فالجوابقد تقدم بأن صفات الله لا تتغير؛ فهي هي في الأزل وفيما لا يزال.
فإنقيل: إن امتناعها عن اليهود والمشركين إنما هو لكفرهم؛ فالجواب أيضا أن الله لميعدهم بها لو اهتدوا واستقاموا، وإنما وجه إليهم الزجر والتوبيخ، وأرسل على اليهودالصاعقة".
- والجواب عن ذلك نقول:
ما أعظم تلبيس هذا الرجل،حيث جعل سؤال المؤمنين ربهم أن يمن عليهم برؤية وجهه الكريم يوم القيامة محبة لهوشوقا إليه مثل سؤال اليهود والمشركين لأنبيائهم أن يروهم الله جهرة في الدنيا منباب التكبر والعناد.
هل هذا إلا عين المكابرة؟!
{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}.
إن كلامه هذا باطلمن عدة وجوه:
الوجه الأول: أن المراد بالآية – كما قال المفسرون – النهي عن أسئلة التعنت التي كان يوجه مثلها اليهود إلى موسى، ومنها السؤال عنالأشياء قبل وقوعها.
ولم يكن المؤمنون يسألون النبي صلى الله عليه وسلمأن يريهم الله في الدنيا حتى يصح له حمل الآية عليه.
الوجه الثاني: أنطلب اليهود والمشركين رؤية الله في الدنيا هو من باب التحدي للرسل، وعدم الإيمانبرسالتهم: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}، {وَقَالَالَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْنَرَى رَبَّنَا}، والمطلوب منهم الإيمان بالغيب، وتصديق الرسل؛ لأنهم إذا رأواالله تعالى في الدنيا لم يكن إيمانهم به إيمانا بالغيب، ولا تصديقا للرسل.
الوجه الثالث: أن سؤال رؤية الله تعالى في الآخرة والنظر إلى وجهه الكريمليس من جنس سؤال اليهود والمشركين رؤيته في الدنيا، فالأول مشروع، وهذا ممنوع.
وقد سأل النبي صلي الله عليه وسلم في دعائه ربه النظر إلى وجهه الكريم؛ كماروى الإمام أحمد وابن حبان والحاكم في "صحيحيهما" أنه قال:
(اللهمبعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق؛ أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا علمتالوفاة خيرا لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا،والقصد في الفقر والغنى، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك؛ من غير ضراء مضرة،ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين).
فيكونالرسول على مقتضى قول السيابي قد طلب من الله ما لا يجوز له طلبه، واعتدى في دعائهكاعتداء اليهود والمشركين لما طلبوا أن يروا الله جهرة !!
ما أعظمهذه الفرية!
نسأل الله العافية.
الوجه الرابع: أما قوله:"فإن قيل: إن امتناعها عن اليهود والمشركين إنما هو لكفرهم... فالجوابأيضا أن الله لم يعدهم بها لو اهتدوا واستقاموا".
فعنه جوابان:
الأول: أن امتناعها عنهم ليس لكفرهم فقط، بل ولأنها غير ممكنة لا لهم ولالغيرهم.
الثاني: قوله: "أن الله لم يعدهم لو اهتدوا واستقاموا"قول باطل، وكذب على الله، فقد وعد الله من آمن به واهتدى أن يكرمه بالنظر إلى وجههالكريم، ورؤيته يوم القيامة؛ كما دل على ذلك القرآن، والسنة المتواترة، وإجماع أهلالحق، ونفيها تكذيب لهذه النصوص، وإهدار لتلك الأدلة، وتعطيل لها.
زعمه أن القول بعدم تخليد العصاة في النار فكرةيهودية، والرد عليه:
ثم انتقل السيابي إلى مسألة تخليد أهلالكبائر من المؤمنين في النار، فقال:
"إن الإباضية يقولون بخلود مرتكبالكبيرة في نار جهنم إذا مات ولم يتب، ولنظرهم الفاحص ولرؤيتهم العميقة بأن عقيدةخروج العصاة من النار أو وعدهم بمغفرة ذنوبهم من غير توبة وإقلاعٍ عن ارتكاب المعاصيتترتب عليها مفاسد اجتماعية خطيرة، وعدمُ الالتزام بمنهج الإسلام وتعاليمه، وأيفائدة من إسلام مسلم وهو لا يمتثل أوامر الإسلام ولا ينتهي عن نواهيه؟!
والإباضية يقولون بأن عذاب النار دركات؛ كما أن نعيم الجنة درجات، والمنشأالتاريخي لهذه الفتنة تبينه لنا الآيات الكريمة التالية: {وَقَالُواْ لَنتَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَاللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِمَا لاَ تَعْلَمُونَ بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُفَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، {أَلَمْ تَرَ إِلَىالَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِلِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًامَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ فَكَيْفَ إِذَاجَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْوَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} ".
قال: "لقد بينت الآية الكريمةالسالفة الذكر أن أماني اليهود – أخزاهم الله تعالى – هي كانت المنشأ والمبدأ لفكرةالتعلق بوعد الله للحصول على ثوابه وهم يرتكبون المعاصي: {أَمْ نَجْعَلُالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْنَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}، {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواالسَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِسَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}.
وجاء قولالرسول صلى الله عليه وسلم مؤكدا لهذا المعنى:(الكيس من دان نفسه وعمل لما بعدالموت، والأحمق -كذا يقول، والصواب: العاجز- من أتبع نفسه هواها وتمنى على اللهالأماني)".
قال: "فهل يليق بالمسلم أن يعتقد عقيدة اليهودالباطلة التي أنكرها الله عليهم إنكارا شديدا، وشنع عليهم فيها، حيث اعتبرها ناشئةعن افترائهم وغرورهم؟!".
انتهى كلامه، وقد نقلته بطوله؛ ليعلمالناظر فيه ما عند الرجل من الجهل والتخليط والتغليط ولبس الحق بالباطل، فيكون فيذلك عبرة لأولي الأبصار.
والجواب عنه من وجوه:
الوجه الأول:أنه جعل منشأ القول بعدم تخليد العصاة المؤمنين بالنار ناشئا عن مقالة اليهود، وهذاجحد لما في كتاب الله وسنة رسوله من الأدلة على هذه المسألة كما نبينه.
الوجه الثاني: أنه سوغ القول بتخليد مرتكب الكبيرة من المؤمنين في الناربأن هذا فيه دفع مفاسد اجتماعية، وحث على التزام منهج الإسلام وتعاليمه، وهذهالتسويغ باطل؛ لأنه في مقابله النصوص الصحيحة الصريحة الدالة على خروج مرتكبالكبيرة من النار إذا كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، وقد يعفو الله عنه،فلا يدخلها أصلا؛ قال تعالى:
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَاصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُممُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَالْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} الآية.
فأخبر أنكل هذه الأصناف الثلاثة تدخل الجنة، ومنهم الظالم لنفسه، وهو العاصي معصية دونالشرك.
وان كان دخول هذه الأصناف في الجنة يتفاوت.
وقالتعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَادُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}.
فوعد بمغفرة ما دون الشرك من المعاصي لمنيشاء، وهذا يدخل فيه أصحاب الكبائر.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلمفي الحديث المتفق على صحته أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.قال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق؟! وكررها. قال رسول الله صلى الله عليهوسلم: (وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي ذر).
وأما التنفير من المعاصيوالتحذير منها؛ فهو مطلوب، لكنه لا يكون بجحود ما أنزل الله وبينه رسوله من سعةمغفرة الله وعفوه عن العصاة، وإخراج أصحاب الكبائر من النار، وإنما يكون بالوعظ،والتذكير، وتنفيذ الحدود الشرعية؛ برجم الزاني، أو جلده، وجلد الشارب والقاذف، وقطعيد السارق، وقتل القاتل قصاصا، وتفسيق أصحاب الكبائر، وإسقاط عدالتهم حتى يتوبوا،وتعزير أصحاب المعاصي التي لا حد فيها، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليمالجاهل... وغير ذلك.
ودخول النار -والعياذ بالله- ليس بالهين، ولوأخرج منها بعد ذلك؛ فإنه شديد وخطير، يحمل المسلم على الابتعاد عن المعاصي.
الوجه الثالث: مساواته بين قول أهل السنة بخروج عصاة الموحدين من الناروعدم الخلود فيها – كما تقتضيه نصوص الكتاب والسنة – وبين قول اليهود: {لَنتَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً}، و{أَيَّامًامَّعْدُودَاتٍ}!! وهذا باطل من وجهين:
الأول: أن اليهود كفار،والكافر مخلد في النار، وأما عصاة الموحدين؛ فهم مؤمنون ناقصو الإيمان وموحدون، ولامساواة بين مشرك وموحد ومؤمن وكافر؛ قال تعالى:
{أَفَنَجْعَلُالْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}.
والثاني: أن اليهود -لعنهم الله- ليس لهم حجة فيما قالوه، ولهذا قالسبحانه: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُعَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
وأماعصاة الموحدين؛ فقد وردت الأدلة من الكتاب والسنة، وقامت الحجة لهم على عدم تخليدهمفي النار، فأين هذا من ذاك؟!
والذي يسوي بين مؤمن وكافر قد سوى بين مافرق الله، وحاد الله في أمره.
الوجه الرابع: أنه لا حجة له في قولهتعالى: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَأَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}؛ لأن المراد بالخطيئة المحيطة خطيئةالكفر، لا مطلق الخطيئة؛ لأن الله قيدها بقوله: {وَأَحَاطَتْ بِهِخَطِيئَتُهُ}، فدل على أن الخطيئة غير المحيطة - وهي ما دون الكفر - لا يخلدصاحبها في النار.
ففي الآية رد عليه.
وهكذا؛ لا يستدل مبطلبدليل من الشرع؛ إلا وفيه رد عليه، فسبحان العليم الحكيم الذي جعل كلامه لا يأتيهالباطل من بين يديه ولا من خلفه.
الوجه الخامس: أنه لا حجة له في قولالرسول صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز منأتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)؛ لأن معناه الحث على العمل الصالح،والتحذير من الكسل، وليس فيه أن العاصي يخلد في النار.
تحذيره من عقيدة أهل السنة ووصفها بالتجسيم والإرجاء:
ثم وقف السيابي موقف الناصح والمحذر للمسلمين من عقيدة أهل السنة، فقال:
"إن المسلمين في حرب دائمة ومستمرة مع أعداء الله اليهود، وعليهم أنيتخلصوا أولًا من عقائدهم الفاسدة؛ فإن تصحيح العقيدة عامل مهم من عواملالنصر".
ثم بين العقيدة التي يحذر منها، حيث قال:
"ويحذرواعقيدة التجسيم والإرجاء".
- وهو يقصد بذلك عقيدة أهل السنة الذينيثبتون رؤية الله - عز وجل - ويسمى هذا تجسيمًا، ويقولون بعدم تخليد المؤمن العاصيفي النار، يسمى هذا إرجاء. وهذا من جهله بمعنى الرجاء، وبمن قال به؛ فإن الإرجاءمعناه تأخير الأعمال عن مسمى الإيمان، وليس هو عقيدة أهل السنة، وإنما هو عقيدةالجهمية، وهو القول بأن الإيمان مجرد المعرفة بالقلب، ولو لم يحصل عمل، أو أنالإيمان هو التصديق بالقلب فقط؛ كما يقوله الأشاعرة، أو هو التصديق بالقلب مع النطقباللسان، وهذا الأخير قد يقول به بعض أهل السنة، وجمهورهم على خلافه، يقولون: إنالإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقصبالمعصية.
وأما قول أهل السنة: إن مرتكب الكبيرة من المؤمنين لا يخلدفي النار؛ فليس إرجاء – وإن سماه إرجاء - وكذلك رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامةكما أثبتها الله في كتابه، وأثبتها رسوله - صلى الله عليه وسلم في سنته – وإن سماهاتجسيمًا - فهو لا يغير من الحق شيئًا.
فأهل السنة لا يهمهم مثل هذهالتشنيعات ما داموا على الحق، متمسكين بالكتاب والسنة، فما زال أهل الحق في كل زمانيلقبون بأشنع الألقاب، وهذا مما يرفع درجاتهم عند الله، {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُالسَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنتَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}[فاطر: 43].
زعمه أن الحنابلة هم الذين اهتموابإنكار القول بخلق القرآن تعصبًا لإمامهم:
ثم قال السيابي تحتعنوان خلق القرآن:
"إن الحنابلة يهتمون بهذه المسألة اهتمامًابالغًا".
وأرجع هذا الاهتمام عندهم إلى أنه مسألة عاطفة؛ لكون الإمامأحمد عذب عليها؛ قال:
"ومن الخطأ أن تكون العاطفة مقياس الخطأ والصواب،وربما عاب الحنابلة على بعض المذاهب عاطفتهم وتقديسهم للأشخاص، ولكنهم وقعوا فيأنفسهم فيما عابوا به الآخرين".
وجوابنا على ذلك أن نقول: إن الذينأنكروا القول بخلق القرآن ليسوا هم الحنابلة فقط، بل جميع أهل السنة؛ من المحدثين،وفقهاء المذاهب الأربعة، وغيرهم، غيرةً لكتاب ربهم - عز وجل - ومؤلفاتهم في ذلككثيرة مشهورة.
قال الإمام الطحاوي الحنفي - رحمه الله - في "عقيدته"ما نصه:
" وإن القرآن كلام الله؛ منه بدأ بلا كيفية قولًا، وأنزله علىرسوله وحيًا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقًا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة؛ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر؛ فقد كفر، وقد ذمه اللهوعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ}[المدثر: 25]؛ علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر"انتهى.
وهذه العقيدة متلقاة بالقبول عند جميع أهل السنة.
قالالسبكي الشافعي:
"جمهور المذاهب الأربعة على الحق يقرون عقيدة الطحاويالتي تلقاها العلماء بالقبول".
وقال شارحها ابن أبي العز الحنفي علىهذه الجملة التي نقلناها:
"هذه قاعدة شريفة، وأصل كبير من أصول الدين،ضل فيه طوائف كثيرة من الناس، وهذا الذي حكاه الطحاوي - رحمه الله - هو الحق الذيدلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة لمن تدبرها، وشهدت به الفطرة السليمة التي لمتتغير بالشبهات والشكوك والآراء الباطلة".
وقال الإمام محمد بن جريرالطبري إمام المفسرين - رحمه الله - في عقيدته المشهورة:
"وإن ما نبدأالقول به من ذلك عندنا أن القرآن كلام الله وتنزيله، إذا كان من معاني توحيده،فالصواب من القول في ذلك عندنا أنه كلام الله؛ غير مخلوق، كيف كتب، وحيث تلى، وفيأي موضع قرئ، في السماء وجد وفي الأرض حفظ، في اللوح المحفوظ أو في القلب حفظ،وباللسان لفظ، فمن قال غير ذلك أو ادعى أن قرآنًا في الأرض أو في السماء سوى القرآنالذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد ذلك بقلبه، أو أضمره في نفسه، أوقاله بلسانه داينًا؛ فهو بالله كافر، حلال الدم والمال، بريء من الله، والله منهبريء" انتهى.
وقال إمام الأئمة أبو بكر محمد بن خزيمة - رحمه الله - فيكتاب "التوحيد":
"باب: ذكر البيان من كتاب ربنا المنزل على نبيهالمصطفى - صلى الله عليه وسلم - ومن سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - علىالفرق بين كلام الله - عز وجل - الذي به يكون خلقه، وبين خلقه الذي يكون بكلامهوقوله، والدليل على نبذ قول الجهمية الذين يزعمون أن كلام الله مخلوق جل ربنا وعزعن ذلك "...
ثم ساق الأدلة، وقال أيضًا:
"باب: منالأدلة التي تدل على القرآن كلام الله الخالق، وقوله غير مخلوق، لا كما زعمت الكفرةمن الجهمية المعطلة" انتهى.
وقال أبو الحسن الأشعري في كتاب"الإبانة":
"ومن قال: (إن القرآن غير مخلوق، وإن من قال بخلقهكافر) من العلماء وحملة الآثار ونقلة الأخبار لا يحصون كثرة؛ منهم: الحمادان،والثوري، وعبد العزيز بن أبي سلمة، ومالك بن أنس، والشافعي وأصحابه، والليث بن سعد،وسفيان بن عيينة، وهشام، وعيسى بن يونس، وحفص بن غياث، وسعد بن عامر، وعبد الرحمنبن مهدي، وأبو بكر بن عايش، ووكيع، وأبو عاصم النبيل، ويعلى بن عبيد، ومحمد بنيوسف، وبشر بن المفضل، وعبد الله بن داود، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ويزيد بنهارون ... وغيرهم.
ولو تتبعنا ذكر من يقول بذلك؛ لطال الكلامبذكرهم، وفيما ذكرنا من ذلك مقنع، والحمد لله رب العالمين.
ولو احتججنالصحة قولنا: "إن القرآن غير مخلوق" من كتاب الله - عز وجل - وما تضمنه منالقرآن، وأوضحه من البيان.
ولم نجد أحدًا ممن تحمل عنه الآثار، وتنقل عنهالأخبار، ويأتم به المؤتمون من أهل العلم يقول بخلق القرآن، وإنما قال ذلك رعاعالناس، وجهال من جهالهم، لا موقع لقولهم" انتهى.
فهل هؤلاء حنابلةحملتهم العاطفة كما يقول السيابي لإمامهم، أو أنهم قالوا ذلك غيرة على كتاب ربهم منأقوال الزنادقة والمبتدعة؟!
وقوله: "فالقضية هي قضية عاطفية نفسية،ليست إلا".
نقول: هذا اتهام لعلماء المسلمين بأنهم يغارون للأشخاص،ولا يغارون لكتاب الله.
ذكر مقابلتهم للشيخ ابن باز وماجرى فيها، والرد عليه:
ثم ختم السيابي حديثه الممل بذكر مقابلةشيخه الخليلي مفتي عمان بالشيخ عبد العزيز بن باز، وما جرى بينهما من المناقشة حولهذه المسائل، وقال: "إن الشيخ ابن باز جعل يسب، فضلل وكفر، وعبس وبسر، ولمادعاه الخليلي إلى المباهلة؛ احرنجم وتلوى".
والجواب عن ذلك أننقول: مهما وصفت الشيخ عبد العزيز بن باز بصفات السوء؛ فإن الناس يعرفونه،ويعرفون أخلاقه الكريمة، وعلمه الغزير، وأنه لا يعجز - بحول الله - أن يفحم شيخكوغيره بكلمة الحق، ولا سيما في هذه المسائل التي يعرف الحكم فيها طلاب المدارسعندنا.
وقد بين الشيخ عبد العزيز السبب منعه من المناظرة، وهو أنه كرهالمناظرة المعلنة التي تضر بعض الناس، وتدخل عليهم بعض الشكوك؛ لأنه والحمد لله فيمجتمع سالم من هذه الأفكار المنحرفة، فلا يريد أن يفتح على الناس باب شرٍ هم فيسلامة وعافية منه. وهذا غاية الحكمة.
وإذا كان باستطاعة السيابي وشيخهالخليلي أن يجيبا عما كتبه علماء أهل السنة في هذه المسألة: مسألة ثبوت الرؤية،ومسألة عدم تخليد عصاة المؤمنين في النار، ومسألة بطلان القول بخلق القرآن...وغيرها من المسائل التي خالف فيها الإباضية أهل السنة والجماعة ؛ إذا كان باستطاعةالمذكورين أن يجيبا عما كتب في ذلك من مؤلفات مستقلة – وهي بالمئات والحمد لله - وعما في كتب عقائد أهل السنة التي تدرس في المساجد والجامعات وغيرها؛ فالمجالأمامهما مفتوح.
ولكن أنى لهما ذلك ودونه خرط القتاد، والعلماء لهمبالمرصاد؟!
وخير لهما الرجوع إلى الصواب، يدل اللجاج والمنازعة اللتينلا طائل تحتهما... والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد.
- انتهت الرسالة بحمد الله تعالى –
نسقها في ملف وراد :أبو عبد المصور مصطفى