إلزام الزبائن شراء سلعة غير مرغوب فيها
السؤال:
معاملةٌ تجاريّةٌ تعمُّ بها البلوى، وهي: أن تكونَ لتاجرٍ ما سلعةٌ غيرُ مرغوبٍ فيها لرداءتِها أو لعيبٍ فيها أو لغيرِ ذلك، وتكون عنده سلعةٌ على عكسِها (مرغوبٌ فيها ويُقْبِلُ الناسُ على شرائِها بكثرةٍ)، فيشترط على مَنْ يريد شراءَ هذه السلعةِ المرغوبِ فيها أنْ يأخذَ معها السلعةَ غيرَ المرغوبِ فيها طوعًا أو كرهًا.
فما حكمُ هذا الشّرطِ؟
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ، أمَّا بعد:
فاعلمْ وفَّقك اللهُ أنَّ مِثْلَ هذه الشروطِ فاسدةٌ تُبْطِلُ العقدَ مِنْ أصلِه لأنَّ فيها اشتراطَ عقدٍ في عقدٍ، ووجهُ فسادِه اشتراطُه على صاحبِه عقدًا آخَرَ ضِمْنَه، كأنْ يبيعَه شيئًا بشرطِ أن يبيعَه شيئًا آخَرَ، أو يُقْرِضَه، أو يُزَوِّجَه، أو يَشترِيَ منه ونحو ذلك.
ودليلُ الفسادِ قولُه صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم: «لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ»(١)، وقد ورد النهيُ عنِ البيعتين في بيعةٍ مِنْ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وحديثِ أبي هريرةَ وابن عمرَ رضي الله عنهم كما في «سنن أبي داود» وغيرِه(٢).
غيرَ أنه إذا كان تعدُّدُ العقدِ مِنْ طرفٍ واحدٍ جاز، كأنْ يقولَ له: بِعْتُك السيَّارةَ وأجَّرْتُك البيتَ بكذا دينارًا، وإذا كان اللفظُ الفاسدُ لا يُلْتَفَتُ إليه -عند الجمهورِ- إذا كان معلومًا حلالاً؛ فمِنْ بابٍ أَوْلى إذا كان فاسدًا أو رديئًا أو معيبًا.
أمَّا إذا اشترط أحدُ الطرفين نفعًا معلومًا في البيعِ، سواءٌ كان الاشتراطُ مِنَ البائع كأنْ يسكنَ الدارَ المبيعةَ شهرًا، أو مِنَ المشتري كاشتراطِ إيصالِ المبيعِ إلى محلِّ إقامتِه ونحوِ ذلك إذا كانتْ تلك المنفعةُ ممَّا يجوز استبقاؤها في مِلْكِ غيرِه؛ فإنّ البيعَ صحيحٌ مع الشروطِ العائدةِ للبائعِ أوِ المشتري مِنْ مَنَافِعَ معلومةٍ في المبيع، وهو مذهبُ المحقِّقين مِنْ أهلِ العلمِ، وبه قال ابنُ تيمية وتلميذُه ابنُ القيِّم وغيرُهما(٣).
إذِ «الأَصْلُ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ الإِبَاحَةُ وَالْجَوَازُ»، ولا يُصْرَفُ عن هذا الأصلِ لغيرِ دليلٍ شرعيٍّ، والأدلَّةُ توافق هذا الأصلَ ولا تخالفه منها: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»(٤)، وحديثُ جابرٍ عند الشيخين في قولِه: «...فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي»(٥)، وحديثُه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم «نَهَى عَنِ الثُّنُيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ»(٦).
وعليه، فإنَّ مِثْلَ هذه الشروط التي لا تتضمَّن أيَّ محذورٍ، ولا مفسدةَ فيها مطلقًا، وليستْ وسيلةً إلى مفسدةٍ؛ فهي باقيةٌ على الأصلِ المقرَّرِ في المعاملاتِ.
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في : ٢٦ رمضان ١٤١٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٢ فيفري ١٩٩٧م


رد مع اقتباس
