بسم الله الرحمن الرحيم
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله :
المسألة الثانية : قال بعض الناس عائشة رضي الله عنها خرجت على علي رضي الله عنه وتقولون : إنها متأولة فلماذا تنكرون علينا حين نتكلم بالعلن إنكارا على الحكام أو البيانات ولا تجعلون لنا تأويلا؟
الجواب : عائشة رضي الله عنها أمك فإذا انتقدتها فقد عققتها، وعائشة رضي الله عنها معها ناس من الصحابة وافقوها على تأويلها والصحابة ليست منزلتنا كمنزلتهم حتى نقول : إذا فعلوا شيأ فعلناه.
ومن ثم أوجب أهل العلم رحمه الله على الأمة ألا يتكلموا فيما جرى بين الصحابة أصلا كما قال الناظم:
ونسكت عن حرب الصحابة فالذي جرى بينهم كان اجتهادا مجردا
ولا نحتج به، وعندنا أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا شك أن عليا رضي الله عنه ومن معه أقرب إلى الصواب ممن خرج مع عائشة رضي الله عنها،
ولكن ليس المرجع فعل عائشة ولا فعل أي أحد من الصحابة رضي الله عنهم بل المرجع الكتاب والسنة وأيضا لا يصح القياس لأنه قياس مع الفارق.
فإن قال قائل : هل تنطبق عليها الأحاديث الواردة في الخوارج ؟
قلنا : هذا هو الذي جعل الأئمة يقولون نسكت عما جرى وما دل الكتاب والسنة على أنه خارجي فهو خارجي لكن يجب علينا أن نسكت ونقول : تأولت رضي الله عنها وأخطأت كما تأولت في مسائل أخرى غير هذه.
فإذا قال قائل : خرج بعض الصحابة رضي الله عنهم والسلف رحمهم الله ومع ذلك لم يعنف بعضها بعضا ولم يبدع بعضهم بعضا فهل المتأول يؤذر؟
فالجواب : لا يجوز حتى لو خرج فلان وفلان فبيننا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ( التعليق على صحيح مسلم9/269 وما بعدها.
وقال شيخ الإسلام كما منهاج السنة النبوية (4/ 321) ....أن المجتهد إذا كان دون علي (رضي الله عنه)لم يتناوله الوعيد، فعلي (رضي الله عنه) أولى أن لا يتناوله الوعيد لاجتهاده، وبهذا يجاب عن خروج عائشة - رضي الله عنها -. وإذا كان المجتهد مخطئا فالخطأ مغفور بالكتاب والسنة.
وقال في المنهاج (6/ 208)...وكذلك عائشة - رضي الله عنها - ندمت على مسيرها إلى البصرة، وكانت إذا ذكرته تبكي حتى تبل خمارها.
وكذلك طلحة ندم على [ما ظن من] تفريطه في نصر عثمان وعلى غير ذلك. والزبير ندم على مسيره يوم الجمل.
وقال أيضا (6/ 209) وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ندم على أمور فعلها من القتال وغيره، وكان يقول:
لقد عجزت عجزة لا أعتذر ... سوف أكيس بعدها وأستمر
وأجمع الرأي الشتيت المنتشر
وكان يقول ليالي صفين: " لله در مقام قامه عبد الله بن عمر وسعد بن مالك؛ إن كان برا إن أجره لعظيم، وإن كان إثما إن خطره ليسير " وكان يقول: " يا حسن يا حسن ما ظن أبوك أن الأمر يبلغ إلى هذا، ود أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة ".
ولما رجع من صفين تغير كلامه، وكان يقول: " لا تكرهوا إمارة معاوية، فلو قد فقدتموه لرأيتم الرءوس تتطاير عن كواهلها ".
وقد روي هذا عن علي - رضي الله عنه - من وجهين أو ثلاثة. وتواترت الآثار بكراهته الأحوال في آخر الأمر، ورؤيته اختلاف الناس وتفرقهم، وكثرة الشر الذي أوجب أنه لو استقبل من أمره ما استدبر ما فعل ما فعل.اهـ




رد مع اقتباس