وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة (هدية لكل من يدعي اتباع مذهب مالك و هو يخالفه)...!

« قال مالك في الموطأ: [ (وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة) حدثني يحيى عن عبد الله بن أبي المخارق البصري أنه قال: (من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة، يضع اليمنى على اليسرى، وتعجيل الفطر، وتأخير السحور).
وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهيل بن سعد أنه قال: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينهى عن ذلك) ] . انتهى.

قال محمد تقي الدين: ألف الإمام مالك رحمه الله كتاب الموطأ ودرسه ستين سنة وتواتر عنه كل ما فيه. فكل قول ينسب إليه خلاف ما في الموطأ فإما أن يتفق الرواة عنه لذلك القول وإما أن يختلفوا عنه، فإن اتفقوا وذلك محال فرواية الموطأ مقدمة على اتفاقهم، لأن رواته أكثر وأحفظ ولأنه كتبه بيده، وهو متواتر عنه. فيرد كل ما خالفه وأما إذا اختلفوا فلا يحل لأحد أن ينسب إليه شيئاً مما اختلفوا فيه إلا إذا عرف التاريخ. فحينئذ يمكنه أن ينسب إليه آخر القولين أو الأقوال وحينئذ تتعارض تلك الرواية مع ما في الموطأ إن كانت مخالفة له فتسقط، ويقدم عليها ما في الموطأ.

والآن نذكر ما قال الأئمة في المسألة:
عن وائل بن حجر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم (رفع يديه حين دخل في الصلاة وكبر ثم التحف بثوبه، ثم وضع اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما وكبر فركع، فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه، فلما سجد سجد بين كفيه). رواه أحمد ومسلم.

وفي رواية لأحمد وأبي داود: (ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد) .

وعن ابن مسعود أنه (كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى). رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
قال الشوكاني في النيل: (جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في وضع اليمنى على اليسرى عشرون حديثاً عن ثمانية عشر صحابياً وتابعياً).

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال أبو عمر: (لم يرد فيه خلاف عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني لم يرو أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم سدل اليدين لا في حديث صحيح ولا ضعيف).

قال صاحب كتاب (المتوني والبتار) : (فإن وضع اليمين على الشمال في الصلوات كلها فرضاً ونفلاً هو مذهب مالك وقوله الذي لم يقل غيره ولا نقل أحد عنه سواه وهو المذكور في الموطأ الذي ألفه بيده وقرئ عليه طول عمره ورواه عنه الآلاف من تلامذته وأصحابه، واستدل عليه بالحديث الصحيح الذي نقله عنه رواة الفقه وحملته من أصحابه المدنيين كمطرف بن عبد الله وعبد الملك ابن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشوني وعبد الله بن نافع المخزومي وأصحابه المصريين كأشهب بن عبد العزيز وعبد الله بن عبد الحكم وأصحابه العراقيين كمحمد بن عمر الواقدي وغيره، وهو مقتضى رواية على بن زياد التونسي عن أصحابه القيروانيين وهو الذي نقله ابن المنذر الإمام الحافظ الذي تصدر لنقل المذاهب بالأسانيد الصحيحة والطرق المتعددة عن الأئمة المجتهدين، وهو الذي لم ترد السنة المطهرة والأحاديث النبوية إلا به عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطاهرين) أهـ.


قال محمد تقي الدين: قد تبين لك أن مذهب النبي صلى الله عليه وسلم ومذهب مالك هو وضع اليمنى على اليسرى بلا شك، وليس مقصودنا أن ثبوت هذه السنة ومشروعيتها لجميع المسلمين يتوقف على رواية مالك لها أو عمله بها فإن الذي أوجب الله على جميع المسلمين قبل وجود مالك وفي زمان صباه وجهله وفي زمان علمه وإمامته هو اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الواجب على جميع المسلمين إلى يوم القيامة ولم يجعل الله حجة على أحد من الناس - رجلاً بعينه - إلا رجلاً واحداً، هو محمد رسول الله، فمن اتبعه نجا وإن لم يسمع بمذهب أصلاً، ومن خالفه هلك وشقي ولا ينقذه زعمه أنه يتمسك بمذهب مالك لأن مالكاً قد تبرأ منه كما تقدم في كلام ابن عبد البر». اهـ

[الإمام أبو شكيب محمد تقي الدين الهلالي المغربي - رحمه الله - الحسام الماحق لكل مشرك و منافق ص65-68 ط.دار الفتح للطباعة والنشر والتوزيع، الشارقة ،الطبعة الأولى 1415 هـ )]