التوسعة على العيال متى تكون مشروعة وغير مشروعة ؟؟؟
=====
الحمد لله كله ، والشكر له كله ، كما يحب ربنا ويرضى في الأولى والأخرى ، وأصلي وأسلم على سيد الحامدين ، وإمام المتقين الشاكرين وعلى آله وصحبه وسلم .
وبعد :
فالتوسعة على العيال مشروعة في الأعياد المشروعة وهي عيد الفطر والأضحى وأيام التشريق والجمعة ورمضان .
والتوسعة في الأوقات المشروعة مستحبة عند كثير من الفقهاء في المأكل والمشرب والملبس والزينة وبعض اللهو واللعب ، ولكن لا ينبغي أن يقصد بها التفاخر والتباهي والتكاثر على الأقارب والجيران بل يقصد بها تطييب نفوس العيال وجبر خواطرهم وقضاء وطرهم مما يشتهونه من الطيبات .
وتشرع التوسعة في هذه الأيام:
1- عيد الفطر لما فيه من الأمر بلبس أحسن الثياب والاغتسال والتطيب والاحتفال والاجتماع ، وإظهار الفرح والسرور والتغافر والتسامح والعفو والحبور ، والتكبير والتهليل وذكر لله عز وجل والصلاة وإخراج الزكاة وإغناء المعوزين في ذلك اليوم فكل ذلك ثابت في الصحيحين وغيرهما ، إلا قوله صلى الله عليه وسلم : ( : أَغْنُوهُم في هذا اليومِ ) إلا هذا فإنه ضعيف انظر له تمام المنة (388).
2- عيد الأضحى لما فيه مما في عيد الفطر ، ومن الذبائح زيادة على عيد الفطر ، وشيء من اللهو واللعب .
لحديث لعب الحبشة في المسجد والتفرج عليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة من ورائه . فقد قالت : ( كانَ الحَبَشُ يَلْعَبُونَ بحِرَابِهِمْ، فَسَتَرَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا أنْظُرُ، فَما زِلْتُ أنْظُرُ حتَّى كُنْتُ أنَا أنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ الحَدِيثَةِ السِّنِّ، تَسْمَعُ اللَّهْوَ ) البخاري ( 5190) ومسلم (892). وفي رواية لهما :(...والحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ في المَسْجِدِ...)
ولحديث : ( أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، دَخَلَ عَلَيْهَا وعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ في أيَّامِ مِنَى تُدَفِّفَانِ، وتَضْرِبَانِ، والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتَغَشٍّ بثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُما أبو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن وجْهِهِ، فَقالَ: دَعْهُما يا أبَا بَكْرٍ، فإنَّهَا أيَّامُ عِيدٍ، وتِلْكَ الأيَّامُ أيَّامُ مِنًى .. ) البخاري (987)ومسلم (892) .
علق الحافظ ابن حجر على حديث عائشة عند الشيخين : " دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا "
فقال : عدم إنكاره صلى الله عليه وسلم دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره إذ لا يقر على باطل ، والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل والله أعلم . الفتح (2 /443).
ونقل الأرنؤوط في التعليق على المسند ( 1 /90) كلام الحافظ ابن حجر بتمامه وفيه : وفي هذا الحديث من الفوائد : مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة ،وأن الإعراض عن ذلك أولى ، وفيه أن إظهار ذلك في الأعياد من شعار الدين ...إلى أن قال : وفيه أن التلميذ إذا رأى عند شيخه ما يستكره مثله بادر إلى إنكاره ، ولا يكون في ذلك افتئات على شيخه ، بل هو أدب منه ورعاية لحرمته وإجلال لمنصبه . انتهى كلامه .
أقول : قوله : فيه مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد ..
فذلك حق ، ولكن في الأعياد المشروعة وهي ثلاثة الأضحى والفطر والجمعة ، وأيام التشريق ، أما عاشوراء فهو ليس بعيد لأنه يصام ، وإن كان هو يوم صالح ويوم من أيام الله فهو ليس بعيد لأن الأعياد يحرم الصوم فيها في شرعنا .
وعند المالكية استحب ابن حبيب وغيره التوسعة على العيال في عاشوراء وقيده غيرهم منهم كما في المدخل لابن الحاج بشرطين اثنين الأول عدم التكلف في التوسعة ...
والثاني أن لا يصير ذلك سنة متبعة يستن بها ... انتهى ، المواهب الجليل في شرح خليل .
أما إذا لم يعتقد أنه عيد يجب إظهار السرور فيه ولم يقصد إلى التكلف ولم يريد اتخاذه سنة متبعة وحصل له شيء من النفقة على أولاده والضيوف وتصدق على بعض الأرحام والأقارب والجيران يريد نفعهم بذلك على وجه عارض فلا بأس به ولا حرج عليه .
2 - وفي رمضان لحديث الصحيحين : (( أنه صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل )) . وخاصة في العشر الأواخر منه .
3 - وفي أيام التشريق لقوله : ((... ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل )) . رواه مسلم (1141) وأبو داود (2813) والنسائي (4230) وابن ماجة (3160) وأحمد (20722) وقال محققه : إسناده صحيح. وفي شرح معاني الآثار ( 4096)عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل ) .
ولأنها من العيد ، فقد روى الترمذي عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب)). شرح السنة اللغوي ( 1796). باب النهي عن الصيام أيام التشريق .
وقد ورد النهي عن صيامهن لأن الأعياد لا تصام إلا للحاج الذي لم يجد الهدي كما في الموطأ (137) من رواية عبد الله بن عمروا بن العاص أنه دخل على إبيه عمرو فوجده يأكل . قال : فدعاني . قال : فقلت له : إني صائم . فقال : هذه الأيام التي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهن وأمرنا بفطرهن . قال مالك : هي أيام التشريق .
4 - يوم الجمعة لأنه عيد للمسلمين ففي صحيح الجامع (2258) وصحيح ابن ماجة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( - إنَّ هذا يومٌ جعله اللهُ عيدًا للمسلمين ، فمن جاء إلى الجمعةِ فلْيغْتَسِلْ ، و إن كان طِيبٌ فليمَسَّ منه ، وعليكم بالسِّواكِ ) .أي: يومُ سُرورٍ وفرَحٍ عندَ المُسلمينَ؛ لِمَا يشمَلُه مِن اجتماعٍ لهم ، ولبس أحسن الثياب والتنظيف والطهارة ، وما في اليومِ مِن خَيريَّةٍ على سائرِ الأيَّامِ وهذا داع أيضا للتوسعة في المطعوم والمشروب حتى تتم لهم بهجة العيد.
ويؤكد هذا المعنى قوله : (... ما علَى أحدِكُم إن وجَدَ سَعةً أن يتَّخِذَ ثوبينِ لِجُمعتِه سوى ثوبي مِهنتِه).
صحيح سنن أبي داود ( 989) وصحيح ابن ماجه ( 906) من حديث عائشة وقال الشيخ الألباني : صحيح.
أما في غير ذلك مما ابتدعه الناس وجعلوه موسما وعيدا حتى كادت السنة أن تكون أعيادا ومواسم دينية ودنيوية اجتماعية وسياسية مثل دخول شهر محرم رأس السنة الهجرية ( القمرية ) والشمسية ( الميلادية ) ، وعاشوراء والإسراء والمعراج ، والمولد النبوي ، وعيد الاستقلال، وعيد الام ، والمرأة والطفولة والشجرة ، والحب -زعموا - وغير ذلك من الأعياد الكثيرة فكل ذلك لا يشرع ، ومكروه فعله وإن استحب بعض الفقهاء بعضه فلا دليل عليه يثبت وفعل ذلك مكروه وخاصة ما له تعلق بالدين فإنه من البدع المنكرات ..
وأما الحديث الذي يستدلون به في التوسعة على العيال يوم عاشوراء فلا يصح رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم بل حكم عليه بعض أهل العلم المحققين بأنه موضوع أو منكر ، أو ضعيف جدا أو كذب أو لا أصل له ، وبعضهم حسنه لغيره بمجموع طرقه ، والصحيح أنه لا ينجبر ولا يرتقي إلى درجة الحسن لغيره فضلا عن الحسن لذاته .
وإن حسن بعضهم المرسل منه ، ولكن المرسل من قبيل الضعيف .. إلا إذا ورد من طريق صحيح أو حسن وعضده عمل الصحابة كما قرره ابن القيم في كتابه المنار المنيف ، فهذا يعمل به والأمر هنا ليس كذلك فلم يثبت العمل به عندهم .
وقد بوب الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 189)(5135) باب التوسعة على العيال يوم عاشوراء .
٥١٣٦ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَنَتَهُ كُلَّهَا».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجَعْفَرِيُّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
٥١٣٧ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَزَلْ فِي سِعَةٍ سَائِرَ سَنَتِهِ».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ الْهَيْصَمُ بْنُ الشَّدَّاخِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّ.
وفي الجامع لعلوم الإمام أحمد (407) ونسبه لكتاب العلل لاحمد وقال الإمام أحمد في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه : لا يصح هذا الحديث ، وقال مرة : لا أصل له ، وليس له إسناد يثبت إلا ما رواه سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه . وفي إسناده ضعف. وقال مرة : لم يره شيئا .
قال الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف ( 52) : قول الإمام أحمد أنه لم يره شيئا إنما أراد الحديث الذي يروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصح إسناده ، وقد روي من وجوه متعددة لا يصح منها شيء ، وأيضا قال العقيلي : لا يثبت في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء إلا شيء يروى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر مرسلا به .
وفي منهاج السنة النبوية ( 7 /39) وكما يذكرون في فضائل عاشوراء ما ورد من التوسعة على العيال وفضائل المصافحة والحناء والخضاب والاغتسال ونحو ذلك ويذكرون فيها الصلاة ، وكل هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم -لم يصح في عاشوراء إلا فضل صيامه .. ) ثم ذكر عن حرب الكرماني أنه سأل أحمد عن حديث التوسعة على العيال .. فقال : لا أصل له .
أقول فهذا أفضل وأمثل ما روي في هذا الباب وهو مرسل كما ترى وقد مر معك أن المرسل من قبيل الضعيف ، ولم يعضده عمل السلف والباقي لا يصح منه شيء فإما منكر أو لا أصل له أو موضوع أو ضعيف جدا .. فلا يلتفت إليه ولا ينبغي الفتوى به ..
وكتب : أبو بكر يوسف لعويسي غفر الله له ولوالديه ومحبيه ..