حديث عظيم في فضل الإسلام ، وفضل التوحيد ، وفضل الشهادتين ،وفضل التوبة ، وفضل عمل الخيرات بعد السيئات لمن حسن إسلامه وصدقت توبته وصفت نيته وسريته ، فأقبل على الله منيبا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم متبعا .
=====
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم .
وبعد :
فأصح أسانيد هذا الحديث ما رواه الطبراني من حديث أبي طويل شطب الممدود أنه أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها، فلم يترك منها شيئا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها، فهل له من توبة؟ قال: فهل أسلمت؟ قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأنك رسول الله، قال: نعم، تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك خيرات كلهن، قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال: نعم قال: الله أكبر، فما زال يكبر حتى توارى. والصواب: أن اسم الصحابي هو: أبو طويل شطب الممدود، خلافا لمن قال إنه أبو فروة.
فالحديث صحيح، قد صححه جمع من العلماء منهم الهيثمي في مجمع الزوائد، والحافظ ابن حجر في الأمالي المطلقة، والشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، وغيرهم.
وقوله: وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها.. مفسر بما قبله في قوله : أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها، فلم يترك منها شيئا.
يعني: ما تركت شيئًا من المعاصي كبيرها ولا صغيرها إلا أتيتُه ..
وهذا في كتاب الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53))
فلفظة الذنوب جاءت معرفة بالألف واللام الاستغراقية لتشمل كل الذنوب ثم أكدها بقوله سبحانه جميعا أي جميع الذنوب ثم ختمها بقوله سبحانه : إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .أي كثير المغفرة رحيم بعباده .
وقال تعالى : {{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشرِك بِاللَّهِ فَقَدِ افتَرَى إِثمًا عَظِيمًا }}
فما دون الشرك يغفره الله تعالى ، بل حتى الشرك يغه تعالى إذا تاب منه العبد واقبل على الله ودخل في الإسلام بصدق وحسن نية فإن إسلامه وتوبته يجبان ما قبلهما من الذنوب والمعاصي بل يبدلها الله حسنات وخاصة إذا اتبع السيئات بالحسنات كما قال تعالى :
{{ وَالَّذِينَ لَا يَدعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَاما يُضَاعَف لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُد فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّـئاتِهِم حَسَنَات وَكَانَ اللَّهُ غَفُورا رَّحِيما }}.
وقال تعالى : {{ وَأَقِمِ الصَّلَوةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفا مِّنَ الَّيلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّـئاتِ ذَلِكَ ذِكرَى لِلذَّكِرِينَ }}
فيا من أسرفت على نفسك بالذنوب والمعاصي فأقبل على ربك موحدا صادقا فإنه الكريم الغفور الرحيم يفرح بتوبة عبده ويغفر ذنوبه ولو كانت تبلغ عنان السماء .
قال عز وجل : ( يا ابنَ آدمَ ! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي يا ابنَ آدمَ ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ ( ولا أُبالِي ( يا ابنَ آدمَ ! لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا ثُمَّ لَقِيْتَني لاتُشْرِكْ بِيْ شَيْئًَا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً .
صحيح الترغيب والترهيب (3382).