المتعصب بالهوى المقلد دينه ليس من العلماء ولا هو على الجادة :
=====
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم .
وبعد :
قال ابن القيم - رحمه الله - : ثم خلف من بعدهم خلوف ( ..
فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا غ– كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم.
تقطعوا أمرهم بينهم زبرا ، وكل إلى ربهم راجعون وجعلوا التعصب (لآرائهم) ومذاهبهم (وطوائفهم) ديانتهم التي يدينون بها ، ورؤوس أموالهم التي بها يتاجرون ، وآخرون منهم قنعوا بمحض التقليد ولسان حالهم يقول : (( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىظ° أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىظ° آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22) الزخرف.
والفريقان بمعزل عما ينبغي اتباعه من الصواب ولسان الحق يتلو عليهم : (( لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ غ— )) النساء.
قال الشافعي - قدس الله روحه - اجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها ( لقوله أو ) قول أحد من الناس .
وقال أبو عمر وغيره من العلماء : أجمع الناس على أن المقلد ليس معدودا من أهل العلم ، وأن العلم معرفة الحق بدليله .
قال ابن القيم فقد تضمن هذا الإجماعان إخراج المتعصب بالهوى ، والمقلد الأعمى عن زمرة العلماء ، وسقوطهما باستكمال من فوقهما الفروض من ورثة الأنبياء . انتهى كلامه رحمه الله إعلام الموقعين ..
قلت : ولأن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا من أسباب التعثر واتباع الهوى والتقاليد وإنما ورثوا العلم ، والعلم كما قال أبو عمر هو معرفة الحق بدليله ، وهذان الصنفان لم يعرفا الحق أو عرفاه ولكن خلطاه بشيء من الباطل تقليدا وتعصبا واتباعا للهوى.
وقال الشَّوكانيُّ- رحمه الله - : (المُتعَصِّبُ وإن كان بصَرُه صحيحًا فبصيرتُه عَمياءُ، وأذُنُه عن سماعِ الحَقِّ صَمَّاءُ، يدفَعُ الحَقَّ وهو يظُنُّ أنَّه ما دفع غيرَ الباطِلِ، ويحسَبُ أنَّ ما نشَأ عليه هو الحَقُّ؛ غَفلةً منه وجَهلًا بما أوجَبه اللهُ عليه من النَّظَرِ الصَّحيحِ) .فتح القدير (2/277).
- وقال الزُّرقانيُّ: (واعلَمْ أنَّ هناك أفرادًا بل أقوامًا تعَصَّبوا لآرائِهم ومذاهبِهم، وزَعَموا أنَّ من خالف هذه الآراءَ والمذاهِبَ كان مبتَدِعًا مُتَّبِعًا لهواه، ولو كان مُتأوِّلًا تأويلًا سائغًا يتَّسِعُ له الدَّليلُ والبُرهانُ، كأنَّ رأيَهم ومَذهَبَهم هو المقياسُ والميزانُ، أو كأنَّه الكِتابُ والسُّنَّةُ والإسلامُ! وهكذا استزَلَّهم الشَّيطانُ وأعماهم الغُرورُ ) ( هذا هو اتباع الهوى والتعصب الشديد عليه) .مناهل العرفان(2/35).
أقول : والمتعصب لرأيه أو فكره أو حزبه أو طائفته متبع الهوى ، مقلد لضلال الجاهلية الذين يستمدون نصرتهم الشديدة للباطل المزين من إمامهم إبليس .. وإلا كيف يسوغ لنفسه أن ترد الحق وقد استبانت له سنة النبي صلى الله عليه وسلم وحجه علماء عصره وأبطلوا رأيه وتقليده ..
فقد قيل: إنَّ إبليسَ (اعتَرَضَتْه الحَمِيَّةُ ، فافتَخَر على آدمَ بخَلْقِه ، وتعصَّبَ عليه لأصلِه؛ فعَدُوُّ اللهِ إمامُ المتَعَصِّبين، وسَلَفُ المُتكَبِّرين، الذي وَضَع لهم أساسَ العَصَبيَّةِ) حتى لا تجتمع لهم كلمة ولا تكن للحق نصرة .
وقال تعالى يذُمُّ هذا المنطِقَ البَليدَ : (( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ )) [الزخرف: 22] . إنَّه لا مَنطِقَ ولا عَقَلَ، ولا دليلَ ولا بُرهانَ، وإنَّما هي عَصَبيَّةٌ عَمياءُ ونصرة للباطل وعزة بالنفس على منهج الجاهلية .
وقال تعالى: (( فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا )) [النساء: 135] .
قال ابنُ كثيرٍ: أي: فلا يحمِلَنَّكم الهوى والعَصَبيَّةُ وبِغضةُ النَّاسِ إليكم على تَرْكِ العَدْلِ في أمورِكم وشُؤونِكم، بل الزَموا العَدلَ على أيِّ حالٍ كان . ( وقولوا بالحق ولو كان عليكم ) حتى لا يؤتى الإسلام من قبلكم ولا تتفرق كلمة الأمة بسببكم .
فهذا الشديد التّعصّب لأفكاره وآرائه، الشديد التّعنّت لها ، لا يتنازل عنها ولو مع ظهور بطلانها ، وهو ينظر إليها بإعجاب شديد ،وغرور مديد ، ونشوة الاستعلاء كيف يكون على الجادة وكيف يكون من ورثة الأنبياء ؟!؟!