رد شبهات حول عدد صلاة التراويح والتهجد في العشر الأواخر من رمضان المبارك


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..

هذا مقال كتبه : الشيخ صالح بن فوزان ، نشر في مجلة الدعوة - نقلا عن موقع الشيخ الرسمي -


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين . وبعد :

فممّا شرع الله في شهر رمضان المبارك صلاة التراويح ، سميت بذلك لأنهم كانوا يصلون أربع ركعات ثم يستريحون ، ثم يصلون أربعاً ثم يستريحون حتى يكملوها ، ومعنى يصلون أربعاً ، أي : مثنى كل ركعتين بسلام - والتراويح في شهر رمضان سنة مؤكدة بإجماع المسلمين سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاها بأصحابه ليالي ، وصلاها أصحابه من بعده ، واستمر عمل المسلمين على إقامتها جماعة في المساجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه ، وأما عدد ركعاتها فليس فيه حد محدود ، ولذلك اختلف العلماء في عددها .

والنبي صلى الله وعليه وسلم كان يرغب في قيام الليل ولم يحدد ركعات معينة ، وكان صلى الله وعليه ويسلم يقوم بإحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ركعة في رمضان وغيره ، وكان الصحابة في زمن عمر يقومونه بثلاث وعشرون ركعة في صلاة التراويح ، والعلماء منهم من يكثر ومنهم من يقل ، والصحيح أن ذلك راجع لنوعية الصلاة فمن كان يطيل الصلاة فإنه يقلل من عدد الركعات كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلُ ، ومن كان يخفف الصلاة رفقاً بالمأمومين فإنه يكثر عدد الركعات كما فعل الصحابة ، وأما من يقول : إن الزيادة على إحدى عشرة ركعة في التراويح بدعة فهو قول مجازف فيه ، وقائله لا يعرف ضابط البدعة ، وقد حكم على فعل الصاحبة بأنه بدعة - ولا حول ولا قوة إلا بالله . وهذا من شؤم التسرع والقول على الله بلا علم .

وأما في العشر الأواخر من رمضان فإن المسلمين يزيدون من اجتهادهم في العبادة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وطلباً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، فالذين يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة في أول الشهر يقسمونها في العشر الأواخر فيصلون عشر ركعات في أول الليل يسمونها تراويح . ويصلون عشراً في أخر الليل يطيلونها مع الوتر بثلاث ركعات ويسمونها قياماً . وهذا اختلاف في التسمية فقط ، وإلا فكلها يجوز أن تسمى تراويح أو تسمى قياماً . وأما من كان يصلي في أول الشهر إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة فإنه يضيف إليها في العشر الأواخر عشر ركعات يصليها في آخر الليل ويطيلها اغتناماً لفضل العشر الأواخر وزيادة اجتهاد في الخير وله سلف في ذلك من الصحابة وغيرهم ممن كانوا يصلون ثلاثاً وعشرين كما سبق ، فيكونون جمعوا بين القولين : القول بثلاث عشرة في العشرين الأول ، والقول بثلاث وعشرين في العشر الأواخر ، وهم في كلتا الحالتين لم يخرجوا عن السنة - ولله الحمد - عكس ما يدعيه بعض المتسرعين في الأحكام من إنكار الزيادة على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة في كل رمضان ، وقد وقفوا في حيرة من أمرهم في العشر الأواخر فلا يدرون هل يصلون إحدى عشرة أو الثلاث عشرة التي لا يرون الزيادة عليها في أول الليل ويعطلون آخره أو يصلونها في آخره ويعطلون أوله أو يقسمونها بين أوله وآخره فيكون نصيب كل من الوقتين قليلاً .

وقد شوشوا على الناس وحصل بسبب ذلك نزاعات بين جماعات المساجد ، وهذا الصنف من الأئمة لو أنهم سلكوا منهج السلف في ذلك والذي كان يتمشى عليه هذه البلاد وعلماؤها وهو صلاة ثلاث وعشرين ركعة في العشر الأواخر تقسم بين أول الليل وآخره ، لزال الإشكال وحصل الخير الكثير ، وأما العشرون الأول فالأفضل لمن يطيل الصلاة أن يقتصر على ثلاث عشرة ركعة ، أو إحدى عشرة ومن يخفف أن يصلي ثلاثاً وعشرين ركعة .

هذا ولا بد من التنبيه على خطأ يرتكبه بعض أئمة المساجد عن اجتهاد منهم ، وهو أن بعضهم يصلي أربع ركعات من التراويح أو التهجد بسلام واحد محتجاً بقول عائشة رضى الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن " أخرجه البخاري رقم 1147 ، ومسلم رقم " 738 " الحديث . وظنوا أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع الأربع بسلام واحد فصاروا يفعلونه ، وهذا غلط منهم ، لأن مراد عائشة رضي الله عنها أنه كان يصلي الأربع بسلامين ثم يستريح ، ثم يصلي الأربع الأخرى بسلامين ثم يستريح . بدليل حديثها الآخر : كان النبي صلى الله وعليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة . وقوله صلى الله عليه وسلم : صلاة الليل مثنى مثنى [ أخرجه البخاري رقم 1137 ، ومسلم رقم 749 ، 751 ] . والأحاديث يفسر بعضها بعضاً - والله أعلم وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين