التنبيه على :
بدعة ترك الكلام في أهل البدع في شهر رمضان
تعبداً لله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين ...أما بعد
فهذه مقالة مختصرة في التنبيه على بدعة محدثة وطريقة مخترعة تتكرر في كل عام في رمضان،ملخص هذه البدعة=ترك الكلام في أهل البدع في شهر رمضان لأن الإنسان يكون صائماً في النهار قائماً في الليل والكلام في أهل البدع يجرح هذه العبادة !،وهذا الورع البارد المزعوم ينطلي على بعض الجهلة الذين لم ترسخ السنة في صدورهم،فتراهم يقبلون على مبتدع هذه البدعة والواقع فيها ويظنوه أنه الورع الزاهد وهذا لعمري ورع باطل وزهد يشبه زهد الصوفية الطرقية الذين أنكروا على الأئمة كلامهم في الرجال،فلهذا حرصت على أن أنبه على بطلان هذه الطريقة وأنها من محدثات الأمور التي يشملها تحذير النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال :((إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)).
فصل في بيان أن الكلام في أهل البدع من الجهاد في سبيل الله
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:((الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله ويرضاه من الإيمان والعمل الصالح،ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان))([1])
وقال الإمام ابن القيم –رحمه الله-:(( والمقصود أن سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم ودعوة الخلق به إلى الله،ولهذا قال معاذ رضي الله عنه عليكم بطلب العلم فإن تعلمه لله خشية ومدارسته عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد ولهذا قرن سبحانه بين الكتاب المنزل والحديد الناصر كما قال تعالى:﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)﴾([2])))([3])
والجهاد المتضمن معنى مواجهة العدو والخصم ينقسم إلى قسمين؛قال ابن القيم رحمه الله:(( الجهاد نوعين:جهاد باليد والسنان وهذا المشارك فيه كثير،والثاني الجهاد بالحجة والبيان وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل وهو جهاد الأئمة وهو أفضل الجهادين لعظم منفعته وشدة مؤنته وكثرة أعدائه قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكية:﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) ﴾([4])كبيرا فهذا جهاد لهم بالقرآن وهو أكبر الجهادين وهو جهاد المنافقين أيضا فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين بل كانوا معهم في الظاهر وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم ومع هذا فقد قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾([5])ومعلوم أن جهاد المنافقين بالحجة والقرآن))([6])
وهذا الجهاد أي جهاد المنافقين وأهل البدع هو أفضل الجهادين؛قال ابن القيم رحمه الله:((فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل والقائمون به أفراد في العالم والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددا فهم الأعظمون عند الله قدراً))([7]).
ومؤكد أنه وقت تعين جهاد اليد والسنان لا يعدله عمل ولا يفضل عليه غيره؛قال الوزير ابن هبيرة رحمه الله:((لو دعي الناس إلى النفير،وخيف على بيضة الإسلام،وتعين الجهاد في كل مطيق له،فذهب بعض المطيقين له إلى بعض المساجد،فصام تطوعاً،وصلى وسرد الصيام،وجدَّ في التعبد،فهل يخفى على من له أدنى عقل وأبرز حس أن تلك الصلاة في ذلك الوقت ليست مع ترك الجهاد في وقت إقبال العدو وهجومه على ديار المسلمين واقعةُ موقعها، بل ربما حينئذ مخرج المعاصي))([8])
فالخلاصة في هذا الفصل : أن الرد على أهل البدع وكشف عوارهم وبيان حالهم وفضحهم وتسميتهم وتعيينهم ليتم اجتنابهم هو من الجهاد في سبيل الله،ولا أطيل في بيان هذا المعنى واكتفي بما نقلته عن أهل العلم خاصة وأن هذا المعنى متقرر عند أهل السنة.
فصل في بيان :أن ترك العبادة في وقت معين تعبداً لله إن لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو بدعة.
قد تقرر في الفصل السابق أن الرد على أهل البدع والكلام فيهم من الجهاد في سبيل الله،فهو عبادة جليلة عظيمة،وفي هذا الفصل أسعى لبيان أن ترك هذه العبادة هو ترك محدث مبتدع حتى لو كساه صاحبه بالورع والخوف فإنه ورع وخوف على غير هدى.
-الحد الفاصل بين الترك السني والترك البدعي للعبادة في زمن معين:
من أشهر الأمثلة في هذا الباب للترك السني هو ترك الصلاة في أوقات النهي،فإن من ترك الصلاة في هذا الوقت تركها إتباعاً لأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال:(( صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ))([9])
الشاهد من الحديث: قوله :ثم أقصر عن الصلاة أي كف عن الصلاة،فمن ترك الصلاة في هذا الوقت تعبداً لله فقد فعل سنة وجانب بإذن الله النهي والبدعة.
أما الترك البدعي فمن الأمثلة عليه حديث النفر الثلاثة الذين قال بعضهم :(( لَا آكُل اللَّحْم))([10]) فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما علِمَ بأمرهم وما قالوا:((من رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي))،وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة في هذا الباب فقال:((ترك رسول الله ض مع وجود ما يعتقد مقتضيا، وزوال المانع، سنة، كما أن فعله سنة))([11])
بذلك يُعرف الفرق بين الترك السني والترك المبتدع والحمد لله.
-بيان بدعية ترك الكلام في أهل البدع في رمضان تعبداً لله: لا يوجد دليل على أن الكلام في المنافقين والمبتدعة المخالفين يُترك في رمضان تعبداً لله فدل عدم وجود مثل هذا الدليل على بدعية هذا الترك لأن الأصل في العبادات المنع وصاحب هذه البدعة يترك الكلام في أهل البدع في رمضان تعبداً لله، ثم كيف لا تكون بدعة وقد ثبت الدليل على استحباب صيام المجاهد كما في قوله صلى الله عليه وسلم:(( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)) قال بعض أهل العلم في معنى هذا الحديث :أي من صام وهو يجاهد في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً،والكلام في أهل البدع والرد عليهم داخل في معنى الحديث لأنه من الجهاد،فالمتكلم في أهل البدع والراد عليهم في رمضان له نصيب من هذا الحديث بإذن الله.
وقد ثبت عن السلف أنهم لم يجدوا حرجاً في الكلام على أهل البدع وهم صائمون فقد قال الخلال في كتابه السنة:أخبرني حرب :ثنا محمد بن عبد الرحمن ثنا أبو أسامة عن زائدة بن قدامة قال:(( قلت لمنصور:يا أبا عتاب اليوم الذي يصوم فيه أحدنا ينتقص الذين ينتقصون أبا بكر وعمر؟ قال:نعم))([12])
وفي هذه البدعة معنى خطير وهو أنه يلزم من ترك الكلام في أهل البدع في رمضان تعبداً لله وتعليل ذلك بأن لا يُجرح الصوم إبطال مشروعية الكلام في أهل البدع من أصلها! فإذا كان الكلام في أهل البدع والرد عليهم يجرح الصوم فإن ذلك يدخله ضمن قول الزور والكذب الذي يجب على الإنسان تركه ويتأكد هذا الوجوب في رمضان ! بل يلزم من ذلك أن لا يُتكلم في أهل البدع ولا يرد عليهم مطلقاً واعتباره من المنكرات والله المستعان،وقد صدق السلف إذا قالوا: إن البدعة تأتي بأختها،بل وفي هذه البدعة طعن في السلف فلم يرد عنهم مثل هذا التورع المزعوم بل ورد خلافه، فكأن صاحب هذه البدعة ينادي على نفسه بأنه أورع وأخوف لله من أئمة السنة وعلمائها !!
-تنبيه:
لا يعني تقرير بدعية هذا الترك أن من لم يتكلم في أهل البدع في رمضان أنه واقع في البدعة!إنما الكلام عمن ترك الكلام في أهل البدع في رمضان تعبد لله وتورعاً وخوفاً من أن يجرح صيامه وقيامه !لذا وجب التنبيه حتى لا يستدرك من يتعجل في قراءة الكلام أو لا يقرأ إلا العنوان ثم يحكم والله المستعان.
هذا ما لدي فإن أصبت فالحمد لله على توفيقه وإن أخطأت فمن نفسي المقصرة والشيطان فأستغفر الله وأتوب إليه .
------------------
([1]) الفتاوى الكبرى(5/182).
([2]) الحديد: ٢٥
([3]) مفتاح دار السعادة ص 101 ط.دار ابن حزم
([4]) الفرقان: ٥١ - ٥٢
([5]) التحريم: ٩
([6]) المصدر السابق ص 100-101.
([7]) زاد المعاد (3/5).
([8]) الإفصاح عن معاني الصحاح(7/284-285)بواسطة كتاب"الجهاد أنواعه وأحكامه والحد الفاصل بينه وبين الفوضى" لشيخنا حمد بن إبراهيم العثمان حفظ الله .
([9]) رواه مسلم.
([10]) رواه مسلم وغيره.
([11]) اقتضاء الصراط المستقيم ص 287 ط.مكتبة الصفا
([12]) السنة (3،1/495-496) ط. دار الراية.قال المحقق:إسناده حسن،وهو كما قال.