(سلسلة)
الدرر السنية في العلوم الشرعية
الدرر السنية في أحكام الذكاة والأضحية
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وبعد:
فهذا مختصر انتقيته من قراءتي لكتاب الإمام ابن عثيمين "أحكام الأضحية والذكاة" راجيا من الله التوفيق والسداد لي ولكل المسلمين في مشارق الارض ومغاربها.
عبدالله الصبحي
29ذو القعدة 1431
5 نوفمبر 2010
1. تعريف الأضحية وحكمها
الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى بسبب العيد؛ تقرباً إلى الله عز وجل.
وهي من العبادات المشروعة في كتاب الله وسنة رسوله النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم وإجماع المسلمين.
فأما كتاب الله : فقد قال الله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2)
وأما سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم : فقد ثبت مشروعية الأضحية فيها بقول النبي صلي الله عليه وسلم وفعله وإقراره، فاجتمعت فيها أنواع السنة الثلاثة: القول، والفعل، والتقرير.
وأما إجماع المسلمين :على مشروعية الأضحية فقد نقله غير واحد من أهل العلم .
قال في (( في المغني )) : أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية . وجاء في (( فتح الباري شرح صحيح البخاري )) : ولا خلاف في كونها من شرائع الدين .
وبعد إجماعهم على مشروعية الأضحية اختلفوا :
أواجبة هي أم سنة مؤكدة ؟ على قولين :
القول الأول : أنها واجبة ، وهو قول الأوزاعي ، والليث ، ومذهب أبي حنيفة ، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد ، قال شيخ الإسلام : وهو أحد القولين في مذهب مالك ، أو ظاهر مذهب مالك .
القول الثاني : أنها سنة مؤكدة ، وهو قول الجمهور ، ومذهب الشافعي ، ومالك ، وأحمد في المشهور عنهما ، لكن صرح كثير من أرباب هذا القول بأن تركها يكره للقادر .
2. ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها ، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله ، قال ابن القيم ـ وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه البارزين ـ : (( الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ، ولو زاد ( يعني ولو زاد في ثمنه فتصدق بأكثر منه ) كالهدايا والضحايا ، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود ، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة كما قال تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) ، وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) ، ففي كل ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرهما مقامهما ، ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقران أضعاف القيمة ؛ لم يقم مقامه ، وكذلك الأضحية . اهـ .
3. الأصل في الأضحية أنها للحي كما كان النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم خلافا لما يظنه بعض العامة أنها للأموات فقط .
وأما الأضحية عن الأموات ؛
فهي ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن تكون تبعا للأحياء ، كما لو ضحى الإنسان عن نفسه وأهله وفيهم أموات ، فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يضحي ويقول : (( اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد )) وفيهم من مات سابقا .
القسم الثاني : أن يضحي عن الميت استقلالا تبرعا ، مثل : أن يتبرع لشخص ميت مسلم بأضحية ولم ير بعض العلماء أن يضحي أحد عن الميت إلا أن يوصي به .
القسم الثالث : أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه تنفيذا لوصيته ، فتنفذ كما أوصى بدون زيادة ولا نقص.
4. وقت الأضحية
الأضحية عبادة موقتة لا تجزئ قبل وقتها على كل حال ، ولا تجزئ بعده إلا على سبيل القضاء إذا أخرها لعذر .
وأول وقتها بعد صلاة العيد لمن يصلون كأهل البلدان ، أو بعد قدرها من يوم العيد لمن لا يصلون كالمسافرين وأهل البادية ، فمن ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم ، وليست بأضحية ويجب عليه ذبح بدلها على صفتها بعد الصلاة ؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ، وليس من النسك في شيء )).
والأفضل أن لا يذبح حتى يذبح الإمام إن كان الإمام يذبح في المصلى اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى .
وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق ، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، فيكون الذبح في أربعة أيام : يوم العيد ، واليوم الحادي عشر ، واليوم الثاني عشر ، واليوم الثالث عشر . وثلاث ليال : ليلة الحادي عشر ، وليلة الثاني عشر ، وليلة الثالث عشر .
هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم ، وبه قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -في إحدى الروايتين عنه ، قال ابن القيم : وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن البصري ، وإمام أهل الشام الأوزاعي ، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي ، واختاره ابن المنذر .
5. في جنس ما يضحى به
الجنس الذي يضحى به : بهيمة الأنعام فقط لقوله تعالى : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) (الحج: 34) . وبهيمة الأنعام هي : الإبل ، والبقر ، والغنم من ضأن ومعز ، جزم به ابن كثير وقال : قاله الحسن وقتادة وغير واحد ، قال ابن جرير : وكذلك هو عند العرب . اهـ . ولقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )) . رواه مسلم.
والأفضل من كل جنس أسمنه ، وأكثره لحما ، وأكمله خلقة ، وأحسنه منظراً .
6. عمن تجزئ الأضحية
وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد ، ويجزئ سبع البعير أو البقرة عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم ؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال : نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة . رواه مسلم.
فأما اشترك عدد في واحدة من الغنم أو في سبع بعير أو بقرة ؛ فعلى وجهين :
الوجه الأول : الاشتراك في الثواب ، بأن يكون مالك الأضحية واحد ويشرك معه غيره من المسلمين في ثوابها فهذا جائز مهما كثر الأشخاص فإن فضل الله واسع .
الوجه الثاني : الاشتراك في الملك ، بأن يشترك شخصان فأكثر في ملك أضحية ويضحيا بها ، فهذا لا يجوز ، ولا يصح أضحية إلا في الإبل والبقر إلى سبعة فقط ، وذلك لأن الأضحية عبادة وقربة إلى الله تعالى ، فلا يجوز إيقاعها ولا التعبد بها إلا على الوجه المشروع زمناً وعدداً وكيفية .
وقد صرح الشافعية بمنع التشريك في الملك دون الثواب فقال النووي في (( المنهاج وشرحه )) : لو اشترك اثنان في شاة لم تجز ، والأحاديث كذلك كحديث : (( اللهم هذا عن محمد ، وآل محمد )) ، على أن المراد التشريك في الثواب لا الأضحية . اهـ .
يتبع...


رد مع اقتباس
