شبكة الأمين السلفية - Powered by vBulletin
لا إلهَ إلاَّ اللَّه وحْدهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحمْدُ، وَهُو عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ  |  لا حول ولا قوة إلا بالله  |  أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ وأتوب إليه
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: نصيحة الألباني رحمه الله للسلفيين في عدم التحاسد والتباغض والتقاطع

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,499

    نصيحة الألباني رحمه الله للسلفيين في عدم التحاسد والتباغض والتقاطع

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الهدى والنور 23 (1) :

    نصيحة الألباني للسلفيين في عدم التحاسد والتباغض والتقاطع

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسوله، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) ،( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) ، أما بعد ، فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهديُ هديُ محمد –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار، وبعد.
    فمن المعلوم عندنا جميعاً قول النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة" قالوا: لمن يا رسول الله ؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" ونحن المسلمون اليوم من عامة الناس الذين يجب على كل ناصح أن يوجه النُصح إليهم، وبصورة أخص، نحنُ معشَر السلفيين الذين يمثلون جانباً كبيراً من هذا العدد الضخم من المسلمين، ويفخرون بأنّ الله تبارك وتعالى قد فضلهم على كثير من المسلمين بأن يسّر لهم فهم التوحيد، الذي هو أصلٌ يأتي في الآخرة من العذاب المقيم، هذا التوحيد الذي درسناه وعرفناه جيداً وتحققنا به عقيدة، ولكني أشعر والأسى يملأ قلبي بأن ما ترون بأنفسنا حينما وقفنا عند هذه العقيدة ولوازمها مما هو معلوم من العمل بالكتاب والسنة وعدم تحكيم غير كتاب الله وسنة نبيه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقد وقفنا هذا الموقف الواجب على كل مسلم من الفهم الصحيح للتوحيد والعمل بما ثبت في الكتاب والسنة فيما يتعلق في الفقه الذي تفرق إلى مذاهب شتى وطرائق قددا على مر هذه السنين الطويلة، لكن يبدو وهذا ما كررته في مناسبات كثيرة، أن هذا العالم الإسلامي -بما فيه السلفييون أنفسهم- قد شُغلوا عن ناحية هامة من هذا الإسلام الذي تبنيناه فكرياً إسلاماً عاماً شاملاً لكل شؤون الحياة، ومن ذلك السلوك والاستقامة في الطريق، فكثير منا لا يهتم بهذا الجانب من الإسلام وهو تحسين السلوك، وتحسين الأخلاق، ونقرأ في كتب السنة الصحيحة قول النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : "إن الرجل ليُدرك بحسنِ خلقه درجةَ قائم الليلِ وصائمَ النهارِ" ونقرأ في القرآن الكريم أنه ليس من الخلق الإسلامي أن يختلف المسلمون –وبخاصة نحن السلفيون- بين أنفسِهم بأمور لا توجب الخلاف والنزاع، نقرأ في ذلك قوله تبارك وتعالى:( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) ، وإن مما يؤسف حقاً أن نسمع -ليس فقط في البلاد الإسلامية- أن المسلمين يتفرقون إلى طوائف كثيرة وأحزاب عديدة، حتى وفي المعرفة القائمة بينهم وبين الكفّار المستبيحين لبعض البلاد كإخواننا مثلاً الأفغانيين، فكلنا يعلم أنهم الآن في معركة مع الشيوعيين، لكن مع الأسف، لقد انقسموا إلى طوائف وما سبب ذلك إلا الإعراض عن بعض ما جاء في الإسلام من التوجيه إلى الإتفاق ونبذ الشقاق والنزاع، والآية السابقة صريحة في ذلك، ( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) أقول هذا الاختلاف وهذا النزاع لم يقف عند حدود البلاد البعيدة عنهم، ولكنه قد وصل أيضاً إلينا نحنُ أنفسنا ونحن السلفيين الذين نزعم أننا نتمسك بالكتاب والسنة الصحيحة، و ننكر فضل الله تبارك وتعالى علينا مما تفضّل به من هدايته لنا إلى التوحيد وإلى العمل بما ثبت من الكتاب والسُّنّـة، ولكن أليس من الثابت في الكتاب والسنة أن لا نتحاسد وأن لا نتباغض وأن نكون إخواناً كما أمرنا الله عز وجل في كتابه ونبيه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في سنته ؟! نعم ذلك مما عرفناه معرفة ولم نطبقه عملياً ، وعسى أن نطبق ذلك ونسعى إليه حثيثاً.
    من المؤسف أن هناك شيء من التفرق، وشيء من التنزاع لأسباب تافهة جداً، ولذلك فيجب أن نضع نصب أعيننا ما يسمى اليوم في لغة العصر الحاضر بالتسامح الديني لكن بالمعنى الذي يُسمح به الإسلام، التسامح الديني قد توسع دائرته إلى حيث لا يسمح الإسلام، ولكن نحن نعني التسامح بالمعنى الصحيح، وذلك لأننا إذا رأينا شخصاً من غير السلفيين –فضلاً عما إذا كان من السلفيين- أن له رأياً خاصاً، أو اجتهاداً خاصاً، أو بل رأيناه فعلاً قد أخطأ فعلاً في شيء من تصرفاته، أما نبادر إلى نهره ثم إلى مقاطعته، بل يجب علينا أن نسلك طريق النُصح الذي ابتدأنا هذه الكلمة بالحديث : "الدين النصيحة ، الدين النصيحة" ، فإن نصحناه وتجاوب معنا فذلك ما نبغي، وإن لم يستجب فليس لنا عليه من سبيل، ولا يجوز لنا أن ندابره و أن نقاطعه بل علينا أن نظلّ معه نتابعه بالنصيحة ما بين الفينة والفينة، ما بين آونة وأخرى، حتى يستقيم على الجادّة.
    نحن نلاحظ في كثير من جلساتنا الخاصة فضلاً عن غيرها، بأن شخصين متنازعين في مسألة كل واحد يريد أن يجرّ الموضوع إلى صالحه، فهو لا يطرحه متجرداً عن أن يكون له أو عليه كما هو المفروض أن يكون البحثُ للوصولِ إلى الحقيقةِ التي أمرنا الله تبارك وتعالى، وليس لأظهر أنا أنّي أنا المحُق وذاك هو المخطئ ، لذلك يجب أن نتذكر في هذه المناسبة بعض الآيات وبعض الأحاديث الصحيحة التي ما أظنُ أن أحداً منّا تخفى عليه علماً ولكنه تخفى عليه تطبيقاً وعملاً ، ولذلك فإني قد استحضرت استعانةً أو إعانةً لذاكرتي الضعيفة لبعض النصوص من الآيات الكريمة التي تفيدنا في هذا السبب وتعود بنا -إن شاء الله- إلى أن نكون يداً واحدةً ، وصفاً واحداً ، لا يقاطع أحدنا أحداً من إخوانه، بل يتابعه بالموعظة والنصيحة، فكلنا يعلم قول الله عز وجل: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) ، التقوى هنا هي أمرٌ عام بالابتعاد عن كل مخالفة لله عز وجل ولنبيه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ، ومن ذلك الاتباع لما أمر الله عزّ وجل ونبيه من الهدى والنور ومنه ما قدمه بين يدي الأمر بالتقوى ( فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) ، فينبغي محاولة الإصلاح بين الإخوة إذا ما بدر بادرة تدلُ على أن هناك يعني شيء مما يحوي بفُرقة، والفُرقة هذ ليست محصورة بمخالفة العقيدة فقط، بل بمخالفة أحكام الشريعة التي جاء بها الإسلام الكريم، فهذه آية ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) فالرحمة التي نرجوها جميعاً من الله تبارك وتعالى إنما تكون بتقوى الله عز وجل ، ومن ذلك أن يُصلح بين المختَلفين، كذلك جاء في القرآن الكريم: ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) لا شك أن هذه الآية وُجهت إلى أصحاب النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مباشرةً فإنه تعالى خاطبهم بقوله:  وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا  بماذا كان الإنقاذ ؟ لا شك بإرسال النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إليهم بكتاب الله –عز وجل- وببيانه –عليه الصلاة والسلام- ، ترى هل لنا نصيب من هذه الآية ؟ نحمدُ الله أن لنا نصيباً لا يستهان به في مخاطبة الله – عز وجل – في هذه الآيةِ الكريمة، وخاصّه في وسطها، ( وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ) ، ما الذي ألّف بيننا وجمعنا هنا وهناك إنما هو الإيمان بوجوب الرجوع إلى الكتاب وإلى السنة والتحاكم إليهما دائماً وأبداً، فيما إذا بدر أو ظهر ما يوحي بالإختلاف والإفتراق، كما قال تعالى في الآية التي تعرفونها جيداً: ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) ، هذا مما أنعم اللهُ تبارك وتعالى علينا وامتن بها قوله عز وجل مخاطباً إلينا بعموم النصِ، بينما خاطب الصحابة بخصوصِ النص، ألا وهو قوله: ( وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا) ، كُنّا كما يعيش اليوم أكثر المسلمون وهم مسلمون، لكنهم كثيرون منهم إن لم نقل أكثرهم يصدُق فيهم قول الله تبارك وتعالى: ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) فنحن والحمدُ لله قد أنقذنا الله –عزّ وجل- من الشركِ ، بل من كلِّ أنواع الشِّرك ، فهذه من أكبر النِّعم علينا، ولكن علينا أن نُحقق تمامَ نعمةِ الله علينا بأن نتفق وأن لا نختلف، كما تأمرنا هذه الآية في مقدِمتها: ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) .
    مما يؤكُد، أو مما يكون سبباً للمحافظة على وحدةِ الصفِّ و وحدة الكلمة ولو صدر من هناك ما يوحي بالخلاف، قُلت آنفاً التناصح في دين الله -عز وجل- ، لكن هذه النصيحة يجب أن تكون كما أمرنا الله –عز وجل- في الآية التالية: ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)  ،  (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) هذا نقرأهُ في القرآن دائماً وأبداً ، لكننا مع الأسف كثيراً ما نخرج عن هذه الآية ولا نطبقها ، ولا ندعُ إخواننا في المشرب وفي المنهج السلفي –فضلا عن غيرهم- نادراً ما نسلك هذا السبيل وهذا الطريق الذي أمرنا الله -تبارك وتعالى- به، ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) المجادلة بالتي هي أحسن تتطلب ما قلناه آنفاً شيء من التسامح، شيء من التسامح ، وهذا التسامح يستلزم منا شيئين اثنين:
    الشيء الأول :- أن نخطّر في بالنا ، أن يخطّر كل منا في باله، أنه لم ينزل عليه الوحي بما عنده من رأي، فهو ممكن أن يكون المخطئ وأن يكون الشخص الذي يجادلُه و يناقشه هو المصيب، ينبغي كل منا حينما أن يناقش صاحبه أن يستحضر هذه البدهية، أننا لسنا معصومين مهما كان كلٌ منا متعلم أو عالم، فكثير ما يتحقق قولُ العلماء: [قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل]، قد يكون العالم على خطأ والمتعلم على صواب، قد يكون المتعلم على خطأ والأميّ الذي لا يعلم يكون على صواب، وهذا الإستحضار لهذه الحقيقة مما يجعل الإنسان متأنياً متلطفاً مع صاحبه في مناقشته، وهذا أدبٌ مأخوذ من القرآن الكريم، لأن الله –عز وجل- قد ذكر في كتابه أن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يخاطب قومه المشركين، وشتان بين المشركين في ضلالهم وبين النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه في هداهم، مع ذلك قد أدبّه الله –عز وجل- بهذا الأدب السامي الذي عبرنا عنه بالتسامح، فقال في القرآن الكريم: ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ *قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) فهذا منتهى التسامح في أثناء المناقشة، ليس فيه أن يتنازل المسلمُ عن عقيدته، ولكن فيه افتراض أن أحد الفريقين هو على خطأ والآخر على ضلال(1)، من هذا الفريق ؟ لم يحدده هنا، لكنه دائماً وأبداً حينما يدعوهم إلى الإيمان ويقولُ لهم أنهم إن كفروا بما جاء به من عند الله –عز وجل- يقول لهم: ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ) في الوقت الذي يفصح لهم بعقيدته، وبمصيرهم فيما إذا استمروا في مخالفته، يقول لهم حينما يجادلهم: ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) ، هذا خطاب النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- للمشركين، فكيف ينبغي في مخاطبةِ أحدِنا لواحد منا ؟ لا شك أنه يجب أن يتواضع له، وأن يتسامح معه وأن لا يُحمل عليه حملة شعواء فيتباعد عنه كما يتباعد العدو عن عدوه، هذه الآية هامة جداً وعلينا أن نتذكرها جيداً ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) .
    وهناك بعض الأحاديث الصحيحة التي أيضاً نحن بحاجة إلى أن نتذكرها عملياً وليس فقط فكراً وعلماً، وهو قوله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلمٍ أن يهجرَ أخاهُ فوقَ ثلاث" لماذا يهجره ؟ تباغُضاً وتحاسداً ، لا لأمر شرعي ، لا لأنه عصى الله ورسوله، وإنما أسوأ ما يقالُ أنه عصى اللهَ ورسولَه بسوء فهمِه عندي، لكن هو لم يجاهر بالمعصية، لم يعتقد أنها معصية فهو يعصي الله –عز وجل- فجاء أحدنا وقاطعه، هذه مقاطعة مشروعة لا شك ، لكن التقاطع في سبيل اختلاف الأفكار وفي المفاهيم هذا هو التدابر المنهي في أول هذا الحديث: "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا" ، أيضاً هذه الخليقة أو هذا الخلق وهو التحاسد مما دبّ بين بعضِ إخواننا السلفيين، فهناك تخاصم أحياناً في بعض المواطن هالذي يتولى إلقاء الكلمة أو إلقاء الدرس هو بكر وأنا عمر !! ، لا أنا أولى لا هذاك أولى، يا جماعة اتقوا الله في أنفسكم، إذا كان هناك إنسان له شيء من المعرفة و من العلم ، وأراد أن يلقي ما يعلمه بين الناس فدعوه فليتكلم، وأعينوه على ذلك ، ولا تنظروا إلى أنفسكم بنظرات الإستعلاء والإستكبار عليه، لأنك أنت تنظر أنه دونَك في العلم وقد يعكس هو القضية، فيبدأ الشقاق ويحصل من وراء ذلك هذه الأمور التي نهى عنها –عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث الصحيح، "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلمٍ أن يهجرَ أخاهُ فوقَ ثلاث" ، هذا الهجرُ يجب قطعُه وإنهاءه، هذا الحديث في الواقع من رحمة الله –عز وجل- على عباده، لأنه لم يمنع الهجر مطلقاً، فقد أفسح المجال لبعض النفوس المريضة أن تشفي غيظها وحقدها وحسدها في ثلاثة أيام، يكفي للإنسان أن يروي غيظ نفسه في هذه الثلاثةِ أيام، سُمحَ له بذلك ولكن إذا جاوزها فقد ارتكب الحرام، وكما سيأتي في بعض الأحاديث الصحيحة، أنه بذلك أي إذا جاوز الأيام الثلاثة التي سمح له الشارع فيها بالمقاطعة فهو يستحق دخول النار، جاء في الحديث الآخر بعد قوله –عليه السلام- : "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيُعرضُ هذا ويعرضُ هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" أي إذا كان من الصعب على هذا المسلم الذي هجر أخاه ثلاثة أيام ترخصاً، ولكنه لم ينسى هذا الوعيد الشديد من النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه لا يحل له الإستمرار بعد الثلاثة أيام، فأقل ما يبدو من الهجر والوعيد المترتب على .... ، أن تحصل تتحق المودة بين المتهاجرين التي كان فيها متهاجرين فوراً مباشرةً، يكفي للخلاص من هذا الوعيد بأن يبدأ أخاه بالسلام، وبعد ذلك فالسلام يجر الكلام، والكلام يجر المودة والزيارة ونحو ذلك، وكما قيل: أول الغيثِ قطرٌ ثم ينهمر ، فلا أقل من أن يبادر المسلم أخاه الذي كان هجَره في ثلاثة أيام بالسلام في ذلك الخلاص من الوعيد من المهاجرة في الثلاثة أيام، اسمعوا هذا النص النبوي من النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وما فيه من الوعيد من الذي يهجرَ أخاه بغير حقٍ، قال –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "تُفتح أبوابُ الجنةِ يومُ الأثنين والخَميس، فيغفرُ لكلِ عبدٍ لا يشركُ بالله شيئا...ً" هذا نحنُ نستبشر به خيراً، لأننا نحنُ الدعاة إلى التوحيد ، ونحن الذين نرفع راية الدعوة للتوحيد، وإلى نبذ الإشراك بالله في أي نوع من أنواع الشرك، فنظن أننا دخلنا الجنة فوراً بغير حساب ولا عذاب وكما يقال اليومُ (ترانزيت) لأننا موحدون لا نشركُ بالله شيئاً، ليس الأمرُ كذلك! ، اسمع باقي الحديث و عوه وحاولوا أن تتمثلوه في منطلقكم في حياتكم، "تُفتح أبوابُ الجنةِ يومُ الأثنين والخَميس، فيغفرُ لكلِ عبدٍ لا يشركُ بالله شيئاً ، إلا رجلٌ كان بينَه وبينَ أخيه شحناء، فيقالُ: أنظروا هذين حتى يصطلحا" يعني اصبروا عليهم، لا تغفروا لهم حتى يصطلحا ويعودا إخواننا على سررٍ متقابلين، "تُفتح أبوابُ الجنةِ يومُ الأثنين والخَميس، فيغفرُ لكلِ عبدٍ لا يشركُ بالله شيئاً ، إلا رجلٌ كان بينَه وبينَ أخيه شحناء، فيقالُ: أنظروا هذين أنظروا هذين أنظروا هذين " ثم قال –عليه السلام- في حديث آخر: "ثلاثةٌ لا تُرفع صلاتُهم فوق رؤوسهم شيئاً: رجلٌ أمّ قوماً وهم له كارهون، وامرأةٌ باتت وزوجُها عليها ساخط، وأخوان متصارمان" أي متقاطعان ومتدابران، إذاً أمر المقاطعة والمهاجرة والمتاركة بدون مبرر شرعي سوى الإختلاف في الرأي هذا من آثاره السيئة أن الصلاة لا ترفع إلى الله ولا تقبل، كما قال تعالى: ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) فصلاة هذين المتصارمين لا تُرفع إلى الله تعالى ولا تُقبل.
    كثيراً ما تقع المقاطعة و المصارمة مما يخطر في بال الإنسان من الظنون والأوهام تجاه أخيه المسلم، فجاء هذا الحديث الأخير ليحذرنا وينهانا، عن أن نظنَّ بالمسلمِ ظنَّ السوءِ، فيقول –عليه الصلاة والسلام- : "إياكم والظن، فإنّ الظنَّ أكذبُ الحديث، ولا تحسّسوا ولا تجسّسوا ولا تباغضوا وكونوا عبادَ اللهِ إخواناً كما أمركم الله تبارك وتعالى"، في أول الحديث ينهانا عن الظن بالأخِ المسلم ويجعل ذلك بأنه أكذب الحديث، أن تقول فلان كذا وفلان كذا وليس عندك في ذلك برهان من الله –عز وجل- أولاً، ثم لو كان عندك على ذلك برهان يجيز لك أن تظنَ بأخيكَ ظنَّ السوء ، فلا يجوز لك أن تستغيبه بل عليك أن تبادر كما قلنا في أول الكلمة هذه إلى نصحه وإرشاده وتوجيهه الوجهة التي تراها أنت مطابقة للشريعة، وكثيراً ما يدفعُ سوءُ الظنِ هذا المسلم المسيئ ظنه بأخيه المسلم إلى ارتكاب هذه المخالفات التي أعقبها الرسول -عليه السلام- على المنهي من الظن بالمسلم بقوله: "ولا تحسسوا ولا تجسسوا" ، التجسس: هو تتبع أخطاء المسلم لغمزه ولمزه الطعن فيه، والتحسس بعض العلماء يقولون إنهما بمعنى واحد، لكن الحقيقة أن التحسس له معنى غير معنى التجسس لأنه لا يصح في بعض الأحيان أن نقيم لفظة التجسس مقام التحسس ، ففي القرآن الكريم قول يعقوب -عليه السلام- لبنيه: ( اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ ) فالتحسس: هو تتبع أخبار الشخص والإستماع إلى ذلك، فهنا التحسس كأنه في الحديث أخص من التجسس، التحسس يكون في الخير ويكونُ في الشر، أما التجسس فهو في الشر وحده، فالرسول –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في هذا الحديث ينهى عن الأمرين، ينهى عن تتبع أخبار الإنسان وعن التجسس عليه لأن للأمور مقاصدها، فإذا كان المقصود من التحسس الوصول إلى الخير فلا بأس فيه، أما التجسس فليس فيه خير إطلاقاً، لذلك لا يجوز المسلم أن يتحسس و أن يستمع لحديث المسلم لقصدِ تتبع الخطأ والعورة وإيقاعه فيما لا يرضاه، "ولا تجسسوا ولا تحاسدوا" لماذا يحسد الإنسان أخاه المسلم ؟ هذا أمر مع الأسف الشديد يكادُ يكون مفطورا في الإنسان، أقول يكاد لأنه لا أعتقد أن الله عز وجل خطر الإنسان على أن يحسد أخاه المسلم، ولذلك قُلت يكاد يكون مفطوراً لكثرة ما يغلب على الناس من الحسد، والحقيقة أن داء الحسد داءٌ عضال، وكثيراً ما يظهر بين الأغنياء الغنى المادي المالي، والغنى العلمي، فالغنيُّ مالاً يُحسَد من مثله، والغنيُّ علماً يُحسَدُ من مثلِه، ثم يكون ذلك سبباً لدخول البغضاء بين المتحاسدين، فيقول الرسول -عليه السلام- تأديباً لنا: " ولا تحسّسوا ولا تجسّسوا ولا تباغضوا وكونوا عبادَ اللهِ إخواناً كما أمركم الله تبارك وتعالى" ، يعني في قوله تعالى: ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) .
    فهذه كلمةٌ و موعظة أرجو أن ينفعنا اللهُ تبارك وتعالى بها، وأن يحقق فينا الأخوة الصادقة التي أشعر أننا بحاجة إلى تحقيقها جميعاً، نسأل الله –عز وجل- أن يعيننا على طاعته في كلَّ ما أمر، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
    منقول من
    منتدى أبحاث و فتاوى الألباني - رحمه الله


    منقول من شبكة الاجري

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,499

    افتراضي رد: نصيحة الألباني رحمه الله للسلفيين في عدم التحاسد والتباغض والتقاطع

    الحسد من أمراض القلوب، لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحسد من أمراض القلوب

    لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

    ومن أمراض القلوب الحسد، كما قال بعضهم في حده‏:‏ إنه أذى يلحق بسبب العلم بحسن حال الأغنياء، فلا يجوز أن يكون الفاضل حسودًا؛ لأن الفاضل يجري على ما هو الجميل، وقد قال طائفة من الناس‏:‏ إنه تمنى زوال النعمة عن المحسود، وإن لم يصر للحاسد مثلها، بخلاف الغبطة‏:‏ فإنه تمنى مثلها من غير حب زوالها عن المغبوط‏.‏
    والتحقيق أن الحسد هو البغض والكراهة لما يراه من حسن حال المحسود وهو نوعان‏:‏
    أحدهما‏:‏ كراهة للنعمة عليه مطلقًا، فهذا هو الحسد المذموم، وإذا أبغض ذلك فإنه يتألم ويتأذى بوجود ما يبغضه، فيكون ذلك مرضًا في قلبه، ويلتذ بزوال النعمة عنه، وإن لم يحصل له نفع بزوالها، لكن نفعه زوال الألم الذي كان في نفسه، ولكن ذلك الألم لم يزل إلا بمباشرة منه، وهو راحة، وأشده كالمريض الذي عولج بما يسكن وجعه والمرض باق؛ فإن بغضه لنعمة اللّه على عبده مرض‏.‏ فإن تلك النعمة قد تعود على المحسود وأعظم منها، وقد يحصل نظير تلك النعمة لنظير ذلك المحسود‏.‏
    والحاسد ليس له غرض في شيء معين، لكن نفسه تكره ما أنعم به على النوع؛ ولهذا قال من قال‏:‏ إنه تمنى زوال النعمة، فإن من كره النعمة على غيره تمنى زوالها بقلبه‏.‏
    والنوع الثاني‏:‏ أن يكره فضل ذلك الشخص عليه، فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه، فهذا حسد وهو الذي سموه الغبطة، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حسدًا في الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود وابن عمر ـ رضي اللّه عنهما ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏لا حسد إلا في اثنتين‏:‏ رجل أتاه اللّه الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه اللّه مالا وسلطه على هلكته في الحق‏)‏ هذا لفظ ابن مسعود، ولفظ ابن عمر‏:‏ ‏(‏رجل آتاه اللّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه اللّه مالًا فهو ينفق منه في الحق آناء الليل والنهار‏)‏ رواه البخاري من حديث أبي هريرة ولفظه‏:‏ ‏(‏لا حسد إلا في اثنين‏:‏ رجل آتاه اللّه القرآن فهو يتلوه الليل والنهار، فسمعه رجل فقال‏:‏ ياليتني أوتيت مثل ما أوتي هذا، فعملت فيه مثل ما يعمل هذا، ورجل آتاه اللّه مالا فهو يهلكه في الحق‏.
    فقال رجل‏:‏ ياليتني أوتيت مثل ما أوتي هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا‏
    ‏ ‏‏.‏ فهذا الحسد الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم إلا في موضعين هو الذي سماه أولئك الغبطة، وهو أن يحب مثل حال الغير ويكره أن يفضل عليه‏.‏
    فإن قيل‏:‏ إذًا لم سمي حسدًا وإنما أحب أن ينعم اللّه عليه‏؟‏ قيل‏:‏ مبدأ هذا الحب هو نظره إلى إنعامه على الغير وكراهته أن يتفضل عليه، ولولا وجود ذلك الغير لم يحب ذلك، فلما كان مبدأ ذلك كراهته أن يتفضل عليه الغير كان حسدًا؛ لأنه كراهة تتبعها محبة، وأما من أحب أن ينعم اللّه عليه مع عدم التفاته إلى أحوال الناس، فهذا ليس عنده من الحسد شيء‏.‏
    ولهذا يبتلى غالب الناس بهذا القسم الثاني، وقد تسمى المنافسة، فيتنافس الاثنان في الأمر المحبوب المطلوب، كلاهما يطلب أن يأخذه، وذلك لكراهية أحدهما أن يتفضل عليه الآخر، كما يكره المستبقان كل منهما أن يسبقه الآخر، والتنافس ليس مذمومًا مطلقًا، بل هو محمود في الخير، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ‏.‏ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ‏.‏ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ‏.‏ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ‏.‏ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ‏}‏ ‏[‏المطففين‏:‏ 22ـ 26‏]‏‏.‏
    فأمر المنافس أن ينافس في هذا النعيم، لا ينافس في نعيم الدنيا الزائل، وهذا موافق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم فإنه نهى عن الحسد إلا فيمن أوتي العلم فهو يعمل به ويعلمه، ومن أوتي المال فهو ينفقه، فأما من أوتي علمًا ولم يعمل به ولم يعلمه، أو أوتي مالا ولم ينفقه في طاعة اللّه فهذا لا يحسد ولا يتمنى مثل حاله، فإنه ليس في خير يرغب فيه، بل هو معرض للعذاب، ومن ولي ولاية فيأتيها بعلم وعدل، أدى الأمانات إلى أهلها، وحكم بين الناس بالكتاب والسنة، فهذا درجته عظيمة، لكن هذا في جهاد عظيم، كذلك المجاهد في سبيل اللّه‏.‏
    والنفوس لا تحسد من هو في تعب عظيم؛ فلهذا لم يذكره، وإن كان المجاهد في سبيل اللّه أفضل من الذي ينفق المال، بخلاف المنفق والمعلم فإن هذين ليس لهم في العادة عدو من خارج، فإن قدر أنهما لهما عدو يجاهدانه، فذلك أفضل لدرجتهما، وكذلك لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم المصلي والصائم والحاج؛ لأن هذه الأعمال لا يحصل منها في العادة من نفع الناس الذي يعظمون به الشخص، ويسودونه ما يحصل بالتعليم والإنفاق‏.‏
    والحسد في الأصل إنما يقع لما يحصل للغير من السؤدد والرياسة، وإلا فالعامل لا يحسد في العادة، ولو كان تنعمه بالأكل والشرب والنكاح أكثر من غيره، بخلاف هذين النوعين فإنهما يحسدان كثيرًا؛ ولهذا يوجد بين أهل العلم الذين لهم أتباع من الحسد ما لا يوجد فيمن ليس كذلك، وكذلك فيمن له أتباع بسبب إنفاق ماله، فهذا ينفع الناس بقوت القلوب وهذا ينفعهم بقوت الأبدان، والناس كلهم محتاجون إلى ما يصلحهم من هذا وهذا‏.‏
    ولهذا ضرب اللّه ـ سبحانه ـ مثلين‏:‏ مثلًا بهذا، ومثلًا بهذا فقال‏:‏ ‏{‏ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏.‏ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 75، 76‏]‏‏.‏
    والمثلان ضربهما اللّه ـ سبحانه ـ لنفسه المقدسة، ولما يعبد من دونه، فإن الأوثان لا تقدر لا على عمل ينفع، ولا على كلام ينفع، فإذا قدر عبد مملوك لا يقدر على شيء، وآخر قد رزقه اللّه رزقًا حسنًا فهو ينفق منه سرًا وجهرًا هل يستوى هذا المملوك العاجز عن الإحسان وهذا القادر على الإحسان المحسن إلى الناس سرًا وجهرًا‏.‏ وهو ـ سبحانه ـ قادر على الإحسان إلى عباده، وهو محسن إليهم دائما، فكيف يشبه به العاجز المملوك الذي لا يقدر على شيء حتى يشرك به معه، وهذا مثل الذي أعطاه اللّه مالًا فهو ينفق منه آناء الليل والنهار‏.‏
    والمثل الثاني إذا قدر شخصان أحدهما أبكم لا يعقل ولا يتكلم ولا يقدر على شىء، وهو مع هذا كَلُّ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير، فليس فيه من نفع قط، بل هو كَلّ على من يتولى أمره، وآخر عالم عادل يأمر بالعدل، ويعمل بالعدل، فهو على صراط مستقيم، وهذا نظير الذي أعطاه اللّه الحكمة فهو يعمل بها ويعلمها الناس‏.‏
    وقد ضرب ذلك مثلًا لنفسه، فإنه ـ سبحانه ـ عالم عادل قادر يأمر بالعدل، وهو قائم بالقسط على صراط مستقيم‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 18‏]‏، وقال هود‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 56‏]‏‏.‏
    ولهذا كان الناس يعظمون دار العباس، كان عبد اللّه يعلم الناس وأخوه يطعم الناس، فكانوا يعظمون على ذلك، ورأى معاوية الناس يسألون ابن عمر عن المناسك وهو يفتيهم فقال‏:‏ هذا واللّه الشرف، أو نحو ذلك‏.‏
    هذا وعمر بن الخطاب ـ رضي اللّه عنه ـ نافس أبا بكر ـ رضي اللّه عنه ـ الإنفاق كما ثبت في الصحيح عن عمر بن الخطاب ـ رضي اللّه عنه ـ قال‏:‏ أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالًا عندي، فقلت اليوم أسبق أبا بكر أن سبقته يومًا‏.‏ قال فجئت بنصف مالي، قال‏:‏ فقال لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما أبقيت لأهلك‏؟‏)‏
    قلت‏:‏ مثله،
    وأتى أبو بكر ـ رضي اللّه عنه ـ بكل ما عنده، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما أبقيت لأهلك‏؟‏‏
    ‏ قال‏:‏ أبقيت لهم اللّه ورسوله فقلت‏:‏ لا أسابقك إلى شيء أبدًا‏.‏
    فكان ما فعله عمر من المنافسة والغبطة المباحة، لكن حال الصديق ـ رضي اللّه عنه ـ أفضل منه وهو أنه خال من المنافسة مطلقًا لا ينظر إلى حال غيره‏.‏
    وكذلك موسى صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج حصل له منافسة وغبطة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى لما تجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له‏:‏ ما يبكيك‏:‏ فقال‏:‏ ‏(‏أبكي، لأن غلامًا بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي‏)‏، أخرجاه في الصحيحين، وروى في بعض الألفاظ المروية غير الصحيح‏:‏ ‏(‏مررنا على رجل وهو يقول ويرفع صوته‏:‏ أكرمته وفضلته، قال‏:‏ فرفعناه إليه فسلمنا عليه فرد السلام، فقال‏:‏ من هذا معك يا جبريل ‏؟‏ قال‏:‏ هذا أحمد، قال‏:‏ مرحبًا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته، قال‏:‏ ثم اندفعنا فقلت‏:‏ من هذا يا جبريل ‏؟‏ قال‏:‏ هذا موسى بن عمران، قلت‏:‏ ومن يعاتب ‏؟‏ قال‏:‏ يعاتب ربه فيك، قلت‏:‏ ويرفع صوته على ربه‏؟
    ‏‏!‏ قال‏:‏ إن اللّه ـ عز وجل ـ قد عرف صدقه‏)‏‏.‏
    وعمر ـ رضي اللّه عنه ـ كان مشبهًا بموسى، ونبينا حاله أفضل من حال موسى، فإنه لم يكن عنده شيء من ذلك‏.‏
    وكذلك كان في الصحابة أبو عبيدة بن الجراح ونحوه، كانوا سالمين من جميع هذه الأمور، فكانوا أرفع درجة ممن عنده منافسة وغبطة، وإن كان ذلك مباحًا؛ ولهذا استحق أبو عبيدة ـ رضي اللّه عنه ـ أن يكون أمين هذه الأمة، فإن المؤتمن إذا لم يكن في نفسه مزاحمة على شيء مما اؤتمن عليه، كان أحق بالأمانة ممن يخاف مزاحمته؛ ولهذا يؤتمن على النساء والصبيان الخصيان، ويؤتمن على الولاية الصغرى من يعرف أنه لا يزاحم على الكبرى، ويؤتمن على المال من يعرف أنه ليس له غرض في أخذ شيء منه، وإذا أؤتمن من في نفسه خيانة شبه بالذئب المؤتمن على الغنم، فلا يقدر أن يؤدي الأمانة في ذلك لما في نفسه من الطلب لما اؤتمن عليه‏.‏
    وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنس ـ رضي اللّه عنه ـ قال‏:‏ كنا يومًا جلوسًا عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة‏)‏، قال‏:‏ فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوء، قد علق نعليه في يده الشمال، فسلم، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله، فلما كان اليوم الثالث، قال النبي صلى الله عليه وسلم مقالته فطلع ذلك الرجل على مثل حاله، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اتبعه عبد اللّه بن عمرو بن العاص ـ رضي اللّه عنه ـ فقال‏:‏ إني لاحيت أبى، فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت‏.‏ قال‏:‏ نعم، قال أنس ـ رضي اللّه عنه ـ‏:‏ فكان عبد اللّه يحدث أنه بات عنده ثلاث ليال، فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تعار انقلب على فراشه ذكر اللّه ـ عز وجل ـ وكبر حتى يقوم إلى صلاة الفجر، فقال عبد اللّه‏:‏ غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما فرغنا من الثلاث وكدت أن أحقر عمله قلت‏:‏ يا عبد اللّه لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات‏:‏ ‏(‏يطلع عليكم رجل من أهل الجنة‏)‏، فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوى إليك لأنظر ما عملك، فأقتدى بذلك، فلم أرَك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ قال‏:‏ ما هو إلا ما رأيت، غير أنني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشًا ولا حسدًا على خير أعطاه اللّه إياه‏.‏ قال عبد اللّه‏:‏ هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق‏.‏ فقول عبد اللّه ابن عمرو له‏:‏ هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق، يشير إلى خلوه وسلامته من جميع أنواع الحسد‏.‏
    وبهذا أثنى اللّه ـ تعالى ـ على الأنصار فقال‏:‏ ‏{‏وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 9‏]‏، أي‏:‏ مما أوتي إخوانهم المهاجرون، قال المفسرون‏:‏ لا يجدون في صدورهم حاجة أي‏:‏ حسدًا وغيظًا مما أوتي المهاجرون، ثم قال بعضهم‏:‏ من مال الفيء، وقيل‏:‏ من الفضل والتقدم، فهم لا يجدون حاجة مما أتوا من المال ولا من الجاه، والحسد يقع على هذا‏.‏
    وكان بين الأوس والخزرج منافسة على الدين، فكان هؤلاء إذا فعلوا ما يفضلون به عند اللّه ورسوله أحب الآخرون أن يفعلوا نظير ذلك، فهو منافسة فيما يقربهم إلى اللّه كما قال‏:‏ ‏{‏خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ‏}‏ ‏[‏المطففين‏:‏ 26‏]‏‏.‏
    وأما الحسد المذموم كله، فقد قال تعالى في حق اليهود ‏:‏ ‏{‏وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 109‏]‏، يودون‏:‏ أي‏:‏ يتمنون ارتدادكم حسدًا، فجعل الحسد هو الموجب لذلك الود من بعد ما تبين لهم الحق؛ لأنهم لما رأوا أنكم قد حصل لكم من النعمة ما حصل، بل ما لم يحصل لهم مثله حسدوكم، وكذلك في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا‏.‏ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 54، 55‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ‏.‏ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ‏.‏ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ‏.‏ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ‏.‏ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ‏}‏ ‏[‏ سورة الفلق ‏]‏‏.‏
    وقد ذكر طائفة من المفسرين أنها نزلت بسبب حسد اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم حتى سحروه‏:‏ سحره لبَيِد بن الأعصم اليهودي، فالحاسد المبغض للنعمة على من أنعم اللّه عليه بها ظالم معتد، والكاره لتفضيله المحب لمماثلته منهى عن ذلك إلا فيما يقربه إلى اللّه، فإذا أحب أن يعطي مثل ما أعطى مما يقربه إلى اللّه فهذا لا بأس به، وإعراض قلبه عن هذا بحيث لا ينظر إلى حال الغير أفضل‏.‏
    ثم هذا الحسد، إن عمل بموجبه صاحبه كان ظالمًا معتديًا مستحقًا للعقوبة إلا أن يتوب، وكان المحسود مظلومًا مأمورًا بالصبر والتقوى، فيصبر على أذى الحاسد ويعفو ويصفح عنه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 109‏]‏، وقد ابتلى يوسف بحسد إخوته له حيث قالوا‏:‏ ‏{‏لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 8‏]‏، فحسدوهما على تفضيل الأب لهما؛ ولهذا قال يعقوب ليوسف‏:‏ ‏{‏لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 5‏]‏‏.‏
    ثم إنهم ظلموه بتكلمهم في قتله وإلقائه في الجب وبيعه رقيقًا لمن ذهب به إلى بلاد الكفر فصار مملوكًا لقوم كفار، ثم إن يوسف ابتلى بعد أن ظلم بمن يدعوه إلى الفاحشة ويراود عليها، ويستعين عليه بمن يعينه على ذلك فاستعصم، واختار السجن على الفاحشة، وآثر عذاب الدنيا على سخط اللّه، فكان مظلومًا من جهة من أحبه لهواه، وغرضه الفاسد‏.‏
    فهذه المحبة أحبته لهوي محبوبها شفاؤها وشفاؤه إن وافقها، وأولئك المبغضون أبغضوه بغضة أوجبت أن يصير ملقى في الجب، ثم أسيرًا مملوكًا بغير اختياره، فأولئك أخرجوه من إطلاق الحرية إلى رق العبودية الباطلة بغير اختياره، وهـذه ألجأته إلى أن اختار أن يكون محبوسًا مسجونًا باختياره، فكانت هذه أعـظم في محنته، وكان صبره هنا صبرًا اختياريًا اقترن به التقوى، بخلاف صبره على ظلمهم فإن ذلك كان من باب المصائب التي من لم يصبر عليها صبر الكرام سلا سلو البهائم، والصبر الثاني أفضل الصبرين؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينََ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 90‏]‏‏.‏
    وهكذا إذا أوذي المؤمن على إيمانه، وطلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان، وإن لم يفعل أوذي وعوقب، فاختار الأذى والعقوبة على فراق دينه‏:‏ إما الحبس، وإما الخروج من بلده، كما جرى للمهاجرين، حيث اختاروا فراق الأوطان على فراق الدين، وكانوا يعذبون ويؤذون‏.‏
    وقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم بأنواع من الأذى فكان يصبر عليها صبرًا اختياريًا، فإنه إنما يؤذى لئلا يفعل ما يفعله باختياره، وكان هذا أعظم من صبر يوسف؛ لأن يوسف إنما طلب منه الفاحشة وإنما عوقب إذا لم يفعل بالحبس، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طلب منهم الكفر وإذا لم يفعلوا طلبت عقوبتهم بالقتل فما دونه‏.‏ وأهون ما عوقب به الحبس، فإن المشركين حبسوه وبني هاشم بالشعب مدة، ثم لما مات أبو طالب اشتدوا عليه، فلما بايعت الأنصار وعرفوا بذلك صاروا يقصدون منعه من الخروج ويحبسونه هو وأصحابه عن ذلك ولم يكن أحد يهاجر إلا سرًا، إلا عمر بن الخطاب ونحوه، فكانوا قد ألجؤوهم إلى الخروج من ديارهم ومع هذا منعوا من منعوه منهم عن ذلك وحبسوه‏.‏
    فكان ما حصل للمؤمنين من الأذى والمصائب هو باختيارهم طاعة للّه ورسوله، لم يكن من المصائب السماوية التي تجرى بدون اختيار العبد من جنس حبس يوسف، لا من جنس التفريق بينه وبين أبيه، وهذا أشرف النوعين، وأهلها أعظم درجة ـ وإن كان صاحب المصائب يثاب على صبره ورضاه وتكفر عنه الذنوب بمصائبه ـ فإن هذا أصيب وأوذي باختياره طاعة للّه يثاب على نفس المصائب ويكتب له بها عمل صالح، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 120‏]‏‏.‏
    بخلاف المصائب التي تجرى بلا اختيار العبد، كالمرض وموت العزيز عليه وأخذ اللصوص ماله، فإن تلك إنما يثاب على الصبر عليها لا على نفس ما يحدث من المصيبة، لكن المصيبة يكفر بها خطاياه، فإن الثواب إنما يكون على الأعمال الاختيارية، وما يتولد عنها‏.‏
    والذين يؤذون على الإيمان، وطاعة اللّه ورسوله، ويحدث لهم بسبب ذلك حرج، أو مرض، أو حبس، أو فراق وطن وذهاب مال وأهل، أو ضرب أو شتم أو نقص رياسة ومال هم في ذلك علي طريقة الأنبياء وأتباعهم كالمهاجرين الأولين، فهؤلاء يثابون على ما يؤذون به ويكتب لهم به عمل صالح، كما يثاب المجاهد على ما يصيبه من الجوع والعطش والتعب وعلى غيظه الكفار، وإن كانت هذه الآثار ليست عملًا فعله يقوم به لكنها متسببة عن فعله الاختياري، وهي التي يقال لها متولدة‏.‏
    وقد اختلف الناس‏:‏ هل يقال‏:‏ إنها فعل لفاعل السبب، أو للّه أو لا فاعل لها، والصحيح أنها مشتركة بين فاعل السبب، وسائر الأسباب؛ولهذا كتب له بها عمل صالح‏.‏
    والمقصود أن الحسد مرض من أمراض النفس، وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا قليل من الناس؛ ولهذا يقال‏:‏ ما خلا جسد من حسد، لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه، وقد قيل للحسن البصري‏:‏ أيحسد المؤمن‏؟‏ فقال‏:‏ ما أنساك إخوة يوسف لا أبا لك‏!‏ ولكن عمه في صدرك، فإنه لا يضرك ما لم تعد به يدًا ولسانًا‏.‏
    فمن وجد في نفسه حسدًا لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر، فيكره ذلك من نفسه، وكثير من الناس الذين عندهم دين لا يعتدون على المحسود، فلا يعينون من ظلمه، ولكنهم أيضًا لا يقومون بما يجب من حقه، بل إذا ذمه أحد لم يوافقوه على ذمه ولا يذكرون محامده، وكذلك لو مدحه أحد لسكتوا، وهؤلاء مدينون في ترك المأمور في حقه مفرطون في ذلك، لا معتدون عليه، وجزاؤهم أنهم يبخسون حقوقهم فلا ينصفون أيضًا في مواضع، ولا ينصرون على من ظلمهم كما لم ينصروا هذا المحسود، وأما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب‏.‏
    ومن اتقى اللّه وصبر فلم يدخل في الظالمين، نفعه اللّه بتقواه؛ كما جرى لزينب بنت جحش ـ رضي اللّه عنها ـ فإنها كانت هي التي تسامى عائشة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وحسد النساء بعضهن لبعض كثير غالب، لا سيما المتزوجات بزوج واحد، فإن المرأة تغار على زوجها لحظها منه، فإنه بسبب المشاركة يفوت بعض حظها‏.‏
    وهكذا الحسد يقع كثيرًا بين المتشاركين في رئاسة أو مال، إذا أخذ بعضهم قسطًا من ذلك وفات الآخر، ويكون بين النظراء لكراهة أحدهما أن يفضل الآخر عليه، كحسد إخوة يوسف، وكحسد ابني آدم أحدهما لأخيه، فإنه حسده لكون أن اللّه تقبل قربانه، ولم يتقبل قربان هذا، فحسده على ما فضله اللّه من الإيمان والتقوى ـ كحسد اليهود للمسلمين ـ وقتله على ذلك؛ ولهذا قيل‏:‏ أول ذنب عصى اللّه به ثلاثة‏:‏ الحرص، والكبر، والحسد، فالحرص من آدم، والكبر من إبليس، والحسد من قابيل حيث قتل هابيل‏.‏
    وفي الحديث‏:‏ ‏(‏ثلاث لا ينجو منهن أحد‏:‏ الحسد، والظن، والطِّيرة، وسأحدثكم بما يخرج من ذلك‏:‏ إذا حسدت فلا تبغض، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض‏)‏ رواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة‏.‏
    وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏دب إليكم داء الأمم قبلكم‏:‏ الحسد، والبغضاء وهي الحالقة، لا أقول‏:‏ تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين‏)‏ فسماه داء، كما سمى البخل داء في قوله‏:‏ ‏(‏وأي داء أدوأ من البخل‏؟
    ‏‏!‏‏)‏ فعلم أن هذا مرض، وقد جاء في حديث آخر‏:‏ ‏(‏أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء، والأدواء‏)‏ فعطف الأدواء على الأخلاق والأهواء‏.‏
    فإن الخلق ما صار عادة للنفس، وسَجِيَّة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏ 4‏]‏، قال ابن عباس، وابن عيينة، وأحمد بن حنبل ـ رضي اللّه عنهم ـ على دين عظيم، وفي لفظ عن ابن عباس‏:‏ على دين الإسلام، وكذلك قالت عائشة ـ رضي اللّه عنها ـ‏:‏ كان خلقه القرآن‏.‏ وكذلك قال الحسن البصري‏:‏ أدب القرآن هو الخلق العظيم‏.‏
    وأما الهوى، فقد يكون عارضًا، والداء هو المرض، وهو تألم القلب والفساد فيه، وقرن في الحديث الأول الحسد بالبغضاء؛ لأن الحاسد يكره أولًا فضل اللّه على ذلك الغير، ثم ينتقل إلى بغضه، فإن بغض اللازم يقتضى بغض الملزوم، فإن نعمة اللّه إذا كانت لازمة وهو يحب زوالها، وهي لا تزول إلا بزواله أبغضه وأحب عدمه، والحسد يوجب البغي، كما أخبر اللّه ـ تعالى ـ عمن قبلنا‏:‏ أنهم اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم، فلم يكن اختلافهم لعدم العلم، بل علموا الحق ولكن بغى بعضهم على بعض، كما يبغى الحاسد على المحسود‏.‏
    وفي الصحيحين عن أنس بن مالك ـ رضي اللّه عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد اللّه إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيصدّ هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام‏)‏، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من رواية أنس أيضًا‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه‏)‏‏.‏
    وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا‏.‏ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَالَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 72، 73‏]‏‏.‏
    فهؤلاء المبطئون لم يحبوا لإخوانهم المؤمنين ما يحبون لأنفسهم، بل إن أصابتهم مصيبة فرحوا باختصاصهم، وإن أصابتهم نعمة لم يفرحوا لهم بها، بل أحبوا أن يكون لهم منها حظ، فهم لا يفرحون إلا بدنيا تحصل لهم، أو شر دنيوي ينصرف عنهم، إذا كانوا لا يحبون اللّه ورسوله والدار الآخرة، ولو كانوا كذلك لأحبوا إخوانهم، وأحبوا ما وصل إليهم من فضله وتألموا بما يصيبهم من المصيبة، ومن لم يسره ما يسر المؤمنين، ويسوؤه ما يسوء المؤمنين فليس منهم‏.‏
    ففي الصحيحين عن عامر قال‏:‏ سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالحُمَّى والسَّهَر‏)‏، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ـ رضي اللّه عنه ـ قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا‏)‏ وشبك بين أصابعه‏.‏
    والشح مرض، والبخل مرض، والحسد شر من البخل، كما في الحديث الذي رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار‏)‏ وذلك أن البخيل يمنع نفسه، والحسود يكره نعمة اللّه على عباده، وقد يكون في الرجل إعطاء لمن يعينه على أغراضه وحسد لنظرائه، وقد يكون فيه بخل بلا حسد لغيره والشح أصل ذلك‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏ الحشر‏:‏ 9‏]‏، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إياكم والشح، فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا‏)‏، وكان عبد الرحمن بن عوف يكثر من الدعاء في طوافه يقول‏:‏ اللّهم قني شح نفسي، فقال له رجل‏:‏ ما أكثر ما تدعو بهذا‏.‏ فقال‏:‏ إذا وقيت شح نفسي وقيت الشح والظلم والقطيعة‏.‏ والحسد يوجب الظلم‏.



    المصدر :
    مجموع فتاوى ابن تيمية رحمه الله ج 5 ص 235‏

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,499

    افتراضي رد: نصيحة الألباني رحمه الله للسلفيين في عدم التحاسد والتباغض والتقاطع

    الى الله المشتكى اين نحنون من نصحية العلماء والمشايخ

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,499

    افتراضي رد: نصيحة الألباني رحمه الله للسلفيين في عدم التحاسد والتباغض والتقاطع

    اسئل الله العظيم رب العرشي العظيم ان يحفظ لنا علماء ومشايخ الدعوة اللسلفية ... اللهم امين

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,499

    افتراضي رد: نصيحة الألباني رحمه الله للسلفيين في عدم التحاسد والتباغض والتقاطع

    اللهم بارك

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,499

    افتراضي رد: نصيحة الألباني رحمه الله للسلفيين في عدم التحاسد والتباغض والتقاطع

    للرفع

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,499

    افتراضي رد: نصيحة الألباني رحمه الله للسلفيين في عدم التحاسد والتباغض والتقاطع



    شرح حديث << لا حسد إلا في اثنتين >> للشيخ العثيمين رحمه الله

    شرح حديث << لا حسد إلا في اثنتين >>

    1377 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فيسلط على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها متفق عليه.
    والمراد بالحسد الغبطة وهو أن يتمنى مثله.

    [الشَّرْحُ]
    قال الإمام النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب فضل العلم تعلما وتعليما لله في الأحاديث الواردة في فضل العلم سبق حديث معاوية رضي الله عنه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
    ثم ذكر حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا حسد إلا في اثنتين الحسد يطلق ويراد به الحسد المحرم الذي هو من كبائر الذنوب وهو أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على غيره هذا الحسد أن تكره ما أنعم الله به على غيرك تجد إنسانا عنده مال فتكره تقول: ليت الله ما رزقه عنده علم تكره ذلك وتتمنى أن الله لم يرزقه العلم عنده أولاد صالحون تكره ذلك وتتمنى أن الله لم يرزقه وهلم جرا هذا الحسد هذا النوع هذا من كبائر الذنوب.
    وهو من خصال اليهود كما قال الله تعالى عنهم: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله وقال عنهم: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد

    إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} .
    أما النوع الثاني من الحسد فهو حسد الغبطة يعني الذي تغبط به غيرك أن أنعم الله عليه بمال أو علم أو ولد أو جاه أو غير ذلك الناس يغبط بعضهم بعضا على ما آتاهم الله من النعم يقول: ما شاء الله فلان أعطاه الله كذا فلان أعطاه الله كذا لكن لا غبطة إلا في شيئين الغبطة الحقيقية التي يغبط عليها الإنسان شيئان الأول: العلم العلم النافع وهو المراد بقوله: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقض بها ويعلمها هذا العلم إذا من الله على إنسان بعلم فصار يقضي به بين الناس سواء كان قاضيا أو غير قاضي وكذلك يقضي به في نفسه وعلى نفسه ويعلم الناس فهذا هو الغبطة لأن العلم هو أنفع شيء أنفع من المال أنفع للإنسان من الأعمال الصالحة العلم لأنه إذا مات وانتفع الناس بعلمه جرى ذلك عليه إلى يوم القيامة كل ما انتفع به أي إنسان من الناس فله أجر العلم كل ما أنفقت منه وعلمته ازداد ولهذا من أقوى ما يثبت العلم ويبقي حفظه أن يعلمه الإنسان غيره لأن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه فإذا علمت غيرك علمك الله وإذا علمت غيرك ثبت العلم في نفسك لكن لا تتقدم للتعليم إلا وأنت أهل له حتى ينفع الله بك وحتى لا تفشل أمام الناس لأن الذي يتقدم للتعليم وليس أهلا له بين أمرين: إما أن يقول بالباطل وهو لا يشعر وإما أن يفشل وإذا سئل عجز عن الإجابة مثلا فهذا العلم كل ما أنفقت منه ازداد أيضا العلم لا يحتاج إلى

    تعب إلا في تعلمه & لا يحتاج مثلا إلى خزائن كالمال المال يحتاج إلى خزائن وإلى محاسبين وإلى حسابات وإلى تعب لكن العلم لا يحتاج إلى هذا خزينته قلبك هذا الخزينة وهي معك أينما كنت فلا تخشى عليه لا تخشى أن يسرق ولا أن يحرق لأنه في قلبك فالمهم أن العلم هو أفضل نعمة أنعم الله بها على الإنسان بعد الإسلام والإيمان ولهذا قال: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها.
    أما الثاني: فهو رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق يعني صار يبذل ماله فيما يرضي الله عز وجل لا يبذله في حرام ولا يبذله في لغو وإنما يبذله فيما يرضي الله سلطه الله على هلكته يعني على إنفاقه في الحق هذا أيضا ممن يغبط نحن لا نغبط من عنده مال عظيم لكنه بخيل لا ينفع المال لا نغبطه بعد بل هذا نتأوى له ونقول هذا المسكين كيف يستطيع الجواب على حساب يوم القيامة على هذا المال من أين اكتسبه وفيما أنفقه وكيف تصرف فيه لكن إذا رأينا رجلا آتاه الله مالا وصار ينفقه فيما يرضي الله نقول ما شاء الله هذا يغبط لا نغبط إنسانا آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في القصور والديكورات والسيارات الفخمة نحن لا نغبطه على هذا بل نقول هذا مسرف إذا كان تجاوز الحد فيما ينفق نقول هذا مسرف والله لا يحب المسرفين.
    كذلك لا نغبط شخصا عنده مال فصار ينفق منه جوائز في أشياء لا ينتفع الناس بها لا في دينهم ولا في دنياهم فإن بعض الناس يعطي جوائز على ألعاب وأشياء من الأمور التي ليس بها خير لا في الدنيا ولا في

    الآخرة هذا لا نغبطه لأنه لم يسلط على هلكة ماله في الحق إنما الذي يغبط من سلطه الله هلكة ماله في الحق أيضا لا نحسد إنسانا آتاه الله مالا فصار كل ما عن له أن يتزوج تزوج وجمع عنده من النساء الحسان ما لا يجمعه غيره هذا لا نغبطه أيضا إلا إذا كان سلطه الله على هلكته في الحق وأراد بذلك تحصين فرجه وتحصيل السنة وكثرة النسل هذا مقصود شرعي يغبط عليه الإنسان.
    الشاهد في هذا الحديث في باب فضل العلم هو الجزء الأول منه: من آتاه الله الحكمة يعني العلم فقضى بها وعلمها وهذا خير الرجلين يعني خير من صاحب المال الذي سلط على هلكته في الحق نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,499

    افتراضي رد: نصيحة الألباني رحمه الله للسلفيين في عدم التحاسد والتباغض والتقاطع

    أخطاء يرتكبها بعض طلبة العلم : ** الحــســد **

    يقول الشيخ العثيمين -رحمه الله تعالى -


    وهناك أخطاء يرتكبها بعض طلبة العلم:
    منها الحسد:
    وهو: كراهة ما أنعم الله به على غيره، وليس هو تمني زوال نعمة الله على الغير،
    بل هو مجرد أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على غيره، فهذا هو الحسد سواء تمنى زواله أو أن يبقى ولكنه كاره له.



    كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- فقال: (( الحسد كراهة الإنسان ما أنعم الله به على غيره)).
    والحسد قد لا تخلو منه النفوس، يعني قد يكون اضطراريًا للنفس، ولكن جاء في الحديث: (( إذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق )) ، يعني أن الإنسان يجب عليه إذا رأى من قلبه حسدًا للغير ألا يبغي عليه بقول أو فعل، فإن ذلك من خصال اليهود الذين قال الله عنهم: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} (النساء الآية:54)


    ثم إن الحاسد يقع في محاذير:
    أولاً: كراهته ماقدره الله، فإن كراهته ما أنعم الله به على هذا الشخص كراهة لما قدره كوناً ، ومعارضة لقضاء الله – عز وجل –
    ثانيًا: أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛ لأن الغالب أن الحاسد يعتدي على المحسود بذكر ما يكره وتنفير الناس عنه، والحط من قدره وما أشبه ذلك ، وهذا من كبائر الذنوب التي قد تحيط بالحسنات.
    ثالثًا: مايقع في قلب الحاسد من الحسرة والجحيم والنار التي تأكله أكلاً ، فكلما رأى نعمة من الله على هذا المحسود اغتم وضاق صدره؛ وصار يراقب هذا الشخص كلما أنعم الله عليه بنعمة حزن واغتم وضاقت عليه الدنيا.
    رابعًا: أن في الحسد تشبهًا باليهود ، معلوم أن من أتى خصلة من خصال الكفار صار منهم في هذه الخصلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من تشبه بقوم فهو منهم ))
    خامسًا: أنه مهما كان حسده ومهما قوي لا يمكن أبدًا أن يرفع نعمة الله عن الغير، إذا كان هذا غير ممكن فكيف يقع في قلبه الحسد.
    سادسًا: أن الحسد ينافي كمال الإيمان لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) ولازم هذا أن تكره أن تزول نعمة الله عن أخيك، فإذا لم تكن تكره أن تزول نعمة الله عليك فأنت لم تحب لأخيك ما تحب لنفسك وهذا ينافي كمال الإيمان.
    سابعًا: أن الحسد يوجب إعراض العبد عن سؤال الله تعالى من فضله، فتجده دائمًا مهتمًا بهذه النعمة التي أنعـم الله بها على غيره ولا يسأل الله من فضله، وقـد قال الله تعالى: ( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِه) (النساء الآية: 32) .
    ثامنًا : أن الحسد يوجب ازدراء نعمة الله عليه، أي أن الحاسد يرى أنه ليس في نعمة ، وأن هذا المحسود في نعمة أكبر منه، وحينئذ يحتقر نعمة الله عليه فلا يقوم بشكرها بل يتقاعس.
    تاسعًا: الحسد خلق ذميم؛ لأن الحاسد يتتبع نعم الله على الخلق في مجتمعه، ويحاول بقدر ما يمكنه أن يحول بين الناس وبين هذا المحسود بالحط من قدره أحيانًا، وبإزدراء ما يقوم به من الخير أحيانًا إلى غير ذلك.
    عاشرًا: إن الحاسد إذا حسد فالغالب أن يعتدي على المحسود وحينئذ يأخذ المحسود من حسناته، فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاته فطُرح عليه ثم طُرح في النار.
    والخلاصة: أن الحسد خلق ذميم، ومع الأسف أنه أكثر ما يوجد بين العلماء وطلبة العلم،
    ويوجد بين التجار فيحسد بعضهم البعض،
    وكل ذي مهنة يحسد من شاركه فيها،
    لكن مع الأسف أنه بين العلماء أشد وبين طلبة العلم أشد مع أنه كان الأولى والأجدر أن يكون أهل العلم أبعد الناس عن الحسد وأقرب الناس إلى كمال الأخلاق.
    وأنت يا أخي إذا رأيت الله قد أنعم على عبده نعمة ما فاسع أن تكون مثله ولا تكره من أنعم الله عليه فقل: اللهم زده من فضلك وأعطني أفضل منه، والحسد لا يغير شيئًا من الحال لكنه كما ذكرنا آنفًا فيه هذه المفاسد وهذه المحاذير العشرة، ولعل من تأمل وجد أكثر والله المستعان.


    """""""""
    المصدر
    مـن هـنـا

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. نصيحة للشيخ زيد المدخلي -حفظه الله- للسلفيين في ليبيا 4-1-1430
    بواسطة أبو يوسف عبدالله الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-Dec-2020, 08:38 PM
  2. نصيحة للسلفيين في الجزائر بالاجتماع وعدم الافتراق / العلامة ربيع المدخلي حفظه الله
    بواسطة كمال بن طالب زيادي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-Feb-2018, 04:27 PM
  3. نصيحة مهمة للسلفيين للإمام ربيع المدخلي
    بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-Jan-2015, 09:47 PM
  4. [نصيحة] نصيحة قيِّمة للسلفيين من الشيخ عايد الشمري
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 13-Dec-2012, 10:19 PM
  5. نصيحة الشيخ الألباني يرحمه الله في عدم التباغض والتحاسد والتقاطع
    بواسطة أبو يوسف عبدالله الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31-Mar-2010, 08:22 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •