ـ الآية الثانية :
قال الله تعالى : ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ))[سورة البقرة:آية 185]
ـ قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره : {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}
قال الإمام أحمد:
حدثنا أبو سلمة الخزاعي، حدثنا ابن هلال، عن حميد بن هلال العدوي، عن أبي قتادة، عن الأعرابي الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره"./المسند (3/479) .
وقال أحمد أيضا: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا عاصم بن هلال، حدثنا غاضرة بن عروة الفقيمي، حدثني أبي عروة، قال: كنا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم فخرج رجلا يقطر رأسه من وضوء أو غسل، فصلى، فلما قضى الصلاة جعل الناس يسألونه: علينا حرج في كذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن دين الله في يسر" ثلاثا يقولها./ المسند (5/69) .
ورواه الإمام أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الآية من حديث مسلم بن إبراهيم، عن عاصم بن هلال، به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو التياح، سمعت أنس بن مالك يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يسروا، ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا". أخرجاه في الصحيحين ./ صحيح البخاري برقم (69) وصحيح مسلم برقم (1734) .
وفي الصحيحين أيضا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن: "بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا". وفي السنن والمسانيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "بعثت بالحنيفية السمحة" ./ صحيح البخاري برقم (4341، 4342) وصحيح مسلم برقم (1733) .
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم، حدثنا يحيى ابن أبي طالب، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا أبو مسعود الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن محجن بن الأدرع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي فتراءاه ببصره ساعة، فقال: "أتراه يصلي صادقا؟ " قال: قلت: يا رسول الله، هذا أكثر أهل المدينة صلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسمعه فتهلكه". وقال: "إن الله إنما أراد بهذه الأمة اليسر، ولم يرد بهم العسر"./ورواه أحمد في المسند (5/32) من طريق حماد عنالجريري، عن عبد الله بن شقيق عن محجن نحوه.
ومعنى قوله: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة} أي: إنما أرخص لكم في الإفطار للمرض والسفر ونحوهما من الأعذار لإرادته بكم اليسر، وإنما أمركم بالقضاء لتكملوا عدة شهركم. أ هـ
ـ قال السعدي رحمه الله : {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} أي: يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهلها أشد تسهيل- في ب: أبلغ تسهيل -، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله.أ هـ [ص:87]
ـ قال الشيخ العثيمين رحمه الله :قوله تعالى: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } تعليل لقوله تعالى: { ومن كان مريضاً أو على سفر} إلخ؛ و{ يريد } أي يحب؛ فالإرادة شرعية؛ والمعنى: يحب لكم اليسر؛ وليست الإرادة الكونية؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو أراد بنا اليسر كوناً ما تعسرت الأمور على أحد أبداً؛ فتعين أن يكون المراد بالإرادة هنا الشرعية؛ ولهذا لا تجد - والحمد لله - في هذه الشريعة عسراً أبداً.
الفوائد:
منها: إثبات الإرادة لله عز وجل؛ وإرادة الله تعالى تنقسم إلى قسمين:
إرادة كونية: وهي التي بمعنى المشيئة؛ ويلزم منها وقوع المراد سواء كان مما يحبه الله، أو مما لا يحبه الله؛ ومنها قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء} [الأنعام: 125] ؛ وهذه الآية، كقوله تعالى: {من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم} [الأنعام: 39] .
وإرادة شرعية: بمعنى المحبة؛ ولا يلزم منها وقوع المراد؛ ولا تتعلق إلا فيما يحبه الله عز وجل؛ ومنها قول الله تبارك وتعالى: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً * يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً} [النساء: 27، 28] .
ــــ ومن فوائد الآية: أن شريعة الله سبحانه وتعالى مبنية على اليسر، والسهولة؛ لأن ذلك مراد الله عز وجل في قوله تعالى: { يريد الله بكم اليسر }؛ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه»؛ وكان صلى الله عليه وسلم يبعث البعوث، ويقول: «يسروا ولا تعسروا؛ وبشروا ولا تنفروا»{ أخرجه البخاري ص8، كتاب العلم، باب 11: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة، حديث رقم 69، وأخرجه مسلم ص985، كتاب الجهاد والسير، باب 3: في الأمر بالتيسير وترك التنفير، حديث رقم 4528 [8] 1734، واللفظ للبخاري. }؛ «فإنما بعثتم ميسرين؛ ولم تبعثوا معسرين » { أخرجه البخاري ص20، كتاب الوضوء، باب 58: صب الماء على البول في المسجد، حديث رقم 220. }. أ هـ