بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه وعلى من لنهجهم اعتقد واقتفى .
أما بعد :
أولا : أنصح أخي وغيره ... بأن لا يجعلوا همهم في المسائل العويصة، والحرص على الخوض فيها ، كما أنصحكم بالوقوف عند الواضحات وتحقيقها ، واترك عنكم المشكلات التي غيب النبي عنا التفصيل فيها ...
وإذا كان لابد من جواب لهذا السؤال فيقال : إن الأثر الذي رواه طلق بن حبيب عن جابر- رضي الله عنه – إسناده صحيح ، وهو موقوف على جابر رضي الله عنه ،ولكن ليس فيه دليل على أن النار في الأرض حتى لو صح ، فهو يخبر أنه رأى أن المسجد الذي بني ضرارا يخرج منه الدخان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي أمر بهدمه وإحراقه.. ثانيا :أثر عبد الله بن سلام فهو موقوف عليه كما قال الحافظ ابن حجر في المطالب العالية ، وإن كان الحاكم في المستدرك صححه وقال هو ليس بموقوف لأن عبد الله بن سلام أسنده ، ولم أجد بعد البحث في حدود علمي الرواية التي أشار إليها الحاكم مسندة ، ولذلك يبقى موقوفا حتى تثبت الرواية التي أسند فيها الحكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .وتثبت صحتها .
وعلى فرض صحته -وهو الصواب - مع أثر علي رضي الله عنه ، فإنه لا يقال : أن النار في من منطقة من الدنيا ، وإنما يقال ، أن النار في الأرض باطنا ، ويؤكد هذا أحاديث صحيحة أخرى منها حديث : أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها في نفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء ، فإن شدة ما تجدون من الحر فإنه من حرها ، وشدة ما تجدون من البرد فإنه من زمهريرها ، فحرها وبردها نجده في الأرض ، ولا ندري أين هي ، ولا مكانها منه ، وقال صلى الله عليه وسلم :(( إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم)) أخرجاه ففيح جهنم يأتينا في شدة الحر منها فلو كانت في الآخرة أو في السماء غير سماء الدنيا لما وصلنا من حرها وبردها شيئا .
إذا هي في الأرض على فرض صحة هذه الآثار ،لكن باطنا وليس ظاهرا ، أي وهي مما غيب عنا لكن نجد آثارها من حر وبرد ، كحال الكثير من الأمور التي هي في الدنيا ولا نراها ولا يمكن أن نراها ..كما قال تعالى في الشيطان : {{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ }} وكما قال تعالى : في الأعمدة التي تقوم السماء عليها :{{ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}} بمعنى لها أعمدة ولكن لا نراها كما نقله ابن جرير عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن وغيرهم . ومنها حديث البراء بن عازب في مآل المؤمن والكافر ، فتفتح لكل منهما نافذة إلى الجنة ونافذة إلى النار ... الحديث , فحين يوضع في القبر ، ويأتيه ملكان ، فالقبر ظاهرا من أرض الدنيا لكن باطنا هو من عالم البرزخ الذي له علاقة بالآخرة فيرى كل منهما مقعده ويفتح لكل منهما نافذة إلى مآله ، وله علاقة بالدنيا حيث نراه قبرا وأن فلانا مدفونا فيه ونعتقد يقينا أنه فيه أن يسكنه ، وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعض أهل القبور يعذبون ، في قبورهم كما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس ، التي هي في ظاهرها بلا شك من أرض دنيانا التي نعيش عليها ونحن لا نعلم عما في القبر من أمور تجري للمقبور فيه إلا ما أخبرنا به، ولا نراه ، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه ل هذه الأرض التي تبدل يوم القيامة تبدل ظاهرا وباطنا أم باطنا فقط هذا ما لم نكلف به ، كما أننا لم نلكف بمعرفة مكان النار ولكن كلفنا بالإيمان بها وبجودها وأنها سعرت حتى أصبحت سوداء مظلمة أنها يؤتى بها يوم القيامة يجرها سبعون ألف ملك وغير ذلك مما ورد في السنة الصحيحة من وصفها نؤمن به ونتوقف عنده ويكفينا ويسعنا ما وسع أسلافنا .. والله أعلم ...