الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسوله الأمين
أما بعد
قال ابن المنذر في الأوسط (2172) : حدثونا عن إسحاق بن إبراهيم ، قال : أخبرنا محمد بن سلمة الحريري ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن حماد ، عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال : « ليس على الواحد والاثنين تكبير أيام التشريق إنما التكبير على من صلى في جماعة »
قال الشيخ صالح آل شيخ في التكميل : إسناده جيد ، إن كان مشايخ ابن المنذر الذين حدثوه ثقات ، وهو الأظهر .
وقال الطبراني في الكبير (13074) : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد ابن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن عمر بن نافع عن أبيه : أن ابن عمر كان إذا صلى وحده في أيام التشريق لم يكبر دبر الصلاة .
في هذين الآثرين تقييد التكبير أيام التشريق بدبر صلاة الجماعة
وقد ذهب جماعة من التابعين إلى أن التكبير دبر كل صلاة فريضة كانت أو نافلة ، جماعة أو غيرها :
قال ابن أبي شيبة في المصنف (5880) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَمْرٍو ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ ، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ ، أَوْ تَطَوَّعَ ، كَبَّرَ.
وقال : حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ هَمَّامٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ قَتَادَةَ صَلَّى وَحْدَهُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ، فَكَبَّرَ.
وقال أيضاً : حَدَّثَنَا حَكَّامٌ الرَّازِيُّ ، عَنْ عَنْبَسَةَ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : التَّكْبِيرُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فِي كُلِّ نَافِلَةٍ وَفَرِيضَةٍ .
وعلى كلا القولين يكون التكبير مقيداً بأدبار الصلوات -لا مطلقاً- في هذه الأيام والصواب هو القول الأول لأنه قول من سميت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم و لا أعرف لهم مخالفاً من الصحابة .
قَالَ الْأَثْرَمُ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : أَذْهَبُ إلَى فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ لَا يُكَبِّرُ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ ؟ قَالَ الإمام المبجل أَحْمَدُ بن حنبل : نَعَمْ .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : إنَّمَا التَّكْبِيرُ عَلَى مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ . ا.هــ
وقال ابن قدامة في المغني (4-267) : لَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَفِعْلُ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَكَانَ إجْمَاعًا . ا.هــ
وتكبير أيام التشريق مختلف عن التكبير في العشر وعلى هذا جاءت الآثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن أبي شيبة في المصنف (5677)حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ شَقِيقٍ ، عَنْ عَلِيِّ
(ح) وَعَنْ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَلِيٍّ : أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ بَعْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَيُكَبِّرُ بَعْدَ الْعَصْرِ.
وقال : حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَامِعٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود : أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ.
وقال أيضاً : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ أَبِي بَكَّارٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، لاَ يُكَبِّرُ فِي الْمَغْرِبِ : اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قال ابن قدامة في المغني (4-264) : لِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ...
قِيلَ لِأَحْمَدْ رَحِمَهُ اللَّهُ : بِأَيِّ حَدِيثٍ تَذْهَبُ ، إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ؟
قَالَ : بِالْإِجْمَاعِ ، عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ . ا.هــ
وفي هذه الآثار دلالة ظاهرة على أن الصحابة يفرقون بين تكبير العشر والتكبير في العيد فمن قال أن التكبير في العشر وبعده سواء فقد خالف إجماع الصحابة .
ومن قال أن تخصيص التكبير بأدبار الصلوات أيام التشريق " بدعة محدثة " فقوله محدث .
وقد جاء في المسودة ص282 : نص أحمد على هذا فى رواية عبد الله وأبى الحارث فى الصحابة اذا اختلفوا لم يخرج عن أقاويلهم أرأيت ان أجمعوا له أن يخرج من أقاويلهم ؟!
هذا قول خبيث قول أهل البدع لا ينبغي لاحد أن يخرج من أقاويل الصحابة اذا اختلفوا . ا.هــ
فكيف بمن يخالف إجماعهم ويرمي قولهم بالابتداع والإحداث .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (6-387) عن من أورد بعض آثار السلف في تفسير قوله تعالى {الله نور السماوات والأرض} ثم ضعفها قال فيه : أَنَّهُ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَى السَّلَفِ ؛ إذْ يَذْكُرُ عَنْهُمْ مَا يُضَعِّفُهُ وَأَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَتَأَوَّلُونَ لِيَحْتَجَّ بِذَلِكَ عَلَى التَّأْوِيلِ فِي الْجُمْلَةِ ... ا.هــ
فكيف بمن يرد قولهم ويرميه بالبدعية ؟ (!!)
وكيف بمن يزعم أن بعض أقوال الصحابة تشبه عقائد البراهمة ؟ (!!)
أو أنها ترهات ينبغي التنزه عنها ؟ (!!)
أو أن فيها النقيصة لأنبياء الله عليهم السلام ؟ (!!)
أو أن فيها ما لا يليق بملائكة الله تعالى ؟ (!!)
إلى آخر هذه الأقوال ... نسأل الله العافية .
وسبيل النجاة هو التمسك بما أوصانا به ودلنا عليه نبينا صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك لنا شيئاً يقربنا من الجنة ويباعدنا عن النار الإ بينه لنا وقد قال في وصف الفرقة الناجية " هي ما أنا عليه وأصحابي "
فلذا كان حقاً علينا أن نبحث ونجتهد في معرفة واتباع ما كان عليه الصحابة فإنهم والله كما قال ابن مسعود رضي الله عنه : " أَبَرُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا وَأَعْمَقُهَا عِلْمًا وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفًا ؛ قَوْمٌ اخْتَارَهُمْ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِقَامَةِ دِينِهِ فَاعْرِفُوا لَهُمْ حَقَّهُمْ وَتَمَسَّكُوا بِهَدْيِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ " رضي الله عنهم وأرضاهم وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى .
وصل اللهم على نبينا محمد وصحبه
منقول
مشاركة إبراهيم بن رجا الشمري .