بسم الله الرحمن الرحيم

سألني أحد إخواننا في المسجد النبوي عن صحة حديث صلاة الشروق التي تصلى بعد المكث في المسجد من بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ؟

فأجبته : إن شيخنا الإمام الألباني قد صحح الحديث لغيره في " الصحيحة" برقم
(3403 ) باعتبار شاهده من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بسند حسن – كما قال رحمه الله تعالى - وأنه ببقية طرقه وشواهده يكون صحيحاً لغيره كما صححه فعلاً في
" صحيح الجامع الصغير " برقم (6346 ) !
فأصر علي الأخ الفاضل أن أبحث عنه وأحققه بنفسي ؛ فقد سمع أن بعض أهل العلم يضعف الحديث ؟
فأجبته لطلبه ؛ فقمت بحمد الله تعالى بتتبع طرقه وشواهده التي ذكرها الإمام الألباني وزدت عليها بالنظر في أقوال أهل العلم ممن تكلم على الحديث تصحيحاً أو تضعيفاً للوصول إلى محض الصواب بإذن الله تعالى .
وهذه نتائج بحثي سأذكرها بعد إيراد تخريج الحديث كاملاً لشيخنا الألباني :
قال رحمه الله تعالى :
( مَن صلى الغَدَاةَ في جماعةٍ، ثمّ قعَدَ يذكرُ اللهَ حتَّى تطلعَ الشّمسُ، ثمّ صلّي، ركعتينِ؛ كانت له كأَجرِ حَجّةٍ وعُمرةٍ، تامّةٍ تامّةٍ تامّةٍ ) :
أخرجه الترمذي (586) ، والأصبهاني في "الترغيب" (2/790/1930) من طريق أبي ظلال عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال الترمذي:
"حديث حسن غريب؛ وسألت محمد بن إسماعيل (يعني: الإمام البخاري) عن أبي ظلال؟ فقال: هو مارب الحديث، واسمه هلال ".
قلت: لكن الجمهور على تضعيفه، ولذلك قال الذهبي في كتابه "المغني ":
"ضعفوه".
وكذا قال في "الكاشف "، وزاد: "سوى ابن حبان ".
وقال الحافظ:
"ضعيف"
لكن قد تابعه القاسم عن أبي أمامة به.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/209/7741) من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن موسى بن عُلَيّ عن يحيى بن الحارث عنه.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات؛ على الخلاف المعروف في القاسم صاحب أبي أمامة.
وعثمان بن عبد الرحمن: هو الحراني، وفيه كلام لا يضر هنا. ولذلك قال المنذري (1/165) ، والهيثمي (10/104) :
"رواه الطبراني، وإسناده جيد".
وله طريق أخرى؛ يرويه الأحوص بن حكيم عن عبد الله بن غابر عن أبي أمامة مرفوعاً بلفظ:
"من صلى صلاة الصبح في مسجد جماعة، يثبت فيه حتى يصلي صلاة الضحى؛ كان كأجر حاج أو معتمر، تاماً حجته وعمرته ".
أخرجه الطبراني أيضاً (8/174/7649و180-181) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (7/353- ط) .
والأحوص بن حكيم ضعيف؛ لسوء حفظه.
وعبد الله بن غابر- بالغين المعجمة-: هو أبو عامر الشامي الحمصي الألهاني،
وهو ثقة.
ثم أخرجه الطبراني (17/129/317) ، وابن عساكر أيضاً من طريقين آخرين
عن الأحوص به؛ إلا أنه قرن مع أبي أمامة: (عتبة بن عبد السلمي) . وقال المنذري (1/165/8) :
"رواه الطبراني، وبعض رواته مختلف فيه، وللحديث شواهد كثيرة".
قلت: يشير إلى الأحوص بن حكيم. وقد بين ذلك الهيثمي فقال:
"رواه الطبراني، وفيه الأحوص بن حكيم، وثقه العجلي وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف لا يضر".
انتهى النقل من " الصحيحة " (ج 7 / ص 1195 ) .
ولي على بعض كلام شيخنا الملحوظات التالية :
أبو ظلال لا يصلح في المتابعات والشواهد ؛ فإنه منكر الحديث عن أنس رضي الله عنه كما قال البخاري :
" هلال أبو ظلال القسملي عن أنس، عنده مناكير»، واعتمد العقيلي هذه الكلمة عن البخاري، وقال ابن حبان : «يروي عن أنس ما ليس من حديثه» .
فقول البخاري عن أبي ظلال الذي نقله الترمذي عنه : : " مقارب الحديث "
يجب فهمه على هذا الأساس وليس مطلقاً !
فلا قيمة لهذه الطريق .
أما السند الذي حسنه شيخنا فليس بحسن على الصحيح ؛ فقد قال ابن عدي عن عثمان بن عبد الرحمن – وهو الطرائفي - : " سمعت أبا عَرُوبة ينسبه إِلَى الصدق وَقَالَ لا بأس به متعبد ويحدث عَن قوم مجهولين بالمناكير " . ثم قال : " وَصُورَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَبد الرَّحْمَنِ أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ كَمَا قَالَ أَبُو عَرُوبة إلاَّ أَنَّهُ يُحَدِّثُ عَنْ قَوْمٍ مَجْهُولِينَ بِعَجَائِبَ وَتِلْكَ الْعَجَائِبُ مِنْ جِهَةِ الْمَجْهُولِينَ " . " الكامل " 6 / 295
والرجل الذي يروي عنه هنا هو : موسى بن علي وهو مجهول كما هو صريح كلام أبي عروبة وابن عدي ؛ بل صرح الأول بقوله : " كان الطرائفي يروي عن مجهولين، وعنده عجائب " !
وقد يُظن أن موسى هذا هو اللخمي ؛ وهذا بعيد جداً ؛ فلم يذكروا في شيوخ عثمان بن عبد الرحمن : موسى بن علي بن رباح اللخمي هذا ؛ وكذلك لم يذكروا عثمان بن عبد الرحمن هذا في تلاميذ موسى اللخمي ؛ وكفى بهذا دليلاً شبه قاطع على أن موسى بن علي مجهول من شيوخ الطرائفي : عثمان بن عبد الرحمن هذا الذي يروي عن المجاهيل كما هو نص العلماء !
ولقاء موسى اللخمي المصري بعثمان الحراني من أهل الجزيرة بعيد ؛ ومثله في البعد لقاء موسى اللخمي الذي كان أميراً لمصر بيحيى الذماري الدمشقي ؛ إذ لم يذكر أحد لقاء أحدهما بالآخر في رحلة لطلب الحديث أو غيره !
على أنهم لم يذكروا يحيى الذماري في شيوخ موسى اللخمي هذا ؛ ولا الأخير في تلاميذ الذماري ! وهذا دليل شبه قاطع أيضاً .
وهذه القرائن مع الدليلين الذين ذكرتهما قبل قليل يجعل المسألة كاليقين بحمد الله تعالى في جهالة موسى بن علي هذا وأنه ليس اللخمي .
فسقط هذا السند جملة ؛ فلا يمكن الاستشهاد بسند فيه مجهول جهالة عين !
أما طريق الأحوص بن حكيم في حديث أبي أمامة ؛ فلا قيمة لها لاضطراب الأحوص هذا على أوجه متعددة يتبين فيها قول أهل العلم في الأحوص بن حكيم هذا وأنه ضعيف ؛ بل منكر الحديث كما قال أبو حاتم . وقال أحمد : واه . وقال ابن معين : ليس بشيء . وقال أيضاً : لا يكتب حديثه . ومن كان هذا حاله فجرحه مفسر بشدة الضعف ؛ فكيف وقد اضطرب فيه جداً ؛ فمرة يروي :
الأحوص بن حكيم حدثني أبو عامر الألهاني عن عتبة بن عبد وأبي امامة .
ومرة :
الأحوص بن حكيم حدثني عبد الله بن عامر أن أبا امامة وعتبة بن عبد السلمي حدثاه به.
كما هو عند الطبراني في " المعجم الكبير " (17/ 129) .
وثالثة يقول :
الأحوص بن حكيم حدثني عبد الله بن غابر عن عتبة بن عبد السلمي عن أبي أمامة الباهلي به.
كما هو عند المحاملي في " الأمالي " ص 421 .
ورابعة : يجعله من مسند ابن عمر كما عند ابن عدي في " الكامل " (1/ 415) .
لكن هناك طريقاً بل شاهداً :
وهو ما أخرجه أبونعيم في " الحلية " (7/237) من طريق سلم بن المغيرة، حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن مسعر ، عن خالد بن معدان ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من صلى الغداة ثم جلس في مسجد حتى يصلي الضحى ركعتين ، كتبت له حجة وعمرة متقبلتين " .

وسلم بن المغيرة قال الدارقطني : " ليس بالقوي " .
وفي سماع خالد بن معدان من ابن عمر نظر كما قاله الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " 2/ 320 ؛ وقد توبع سلم
تابعه :
عباد بن وليد ، ثنا أبو معاوية الضرير ، عن مسعر ، عن خالد بن معدان ، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً بنحوه :
أخرجه ابن حجر في " نتائج الأفكار " (2/320) من طريق إسماعيل بن العباس ، ثنا عباد بن الوليد به .
وقال ابن حجر رجاله ثقات ؛ لكن علة الانقطاع قائمة بين خالد وابن عمر على قول الحافظ ؛ ولم أقف على من ذكر أن رواية خالد عن ابن عمر مرسلة أو منقطعة إلا من قول الحافظ هنا !
لكن سند الحافظ فيه : أبو العرب أحمد بن محمد التيمي ؛ وهو وإن ترجمه ابن حجر في " طبقات الحفاظ " وفي " السير " لكن ليس فيه توثيق أصلاً ؛ فمثله لا يحتمل منه تفرده بهذا السند الذي فيه متابعة : عباد بن وليد لسلم بن المغيرة .
ومع هذا فأين هم تلاميذ أبي معاوية الضرير الثقات وهم كثيرون جداً حتى ينفرد الضعيف
( سلم بن المغيرة ) والآخر ( عباد بن الوليد ) - وهو حسن الحديث فقط على التحقيق -
أقول : أين الثقات من تلاميذ الضرير حتى ينفرد عنهما هذان اللذان يعتبر تفردهما هنا دون بقية الثقات هو الحديث المنكر على تعريف الإمام مسلم في " مقدمة صحيحة " ص 6
: " فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ فِي جَلَالَتِهِ، وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ، أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ، قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا حَدِيثَهُمَا عَلَى الِاتِّفَاقِ مِنْهُمْ فِي أَكْثَرِهِ، فَيَرْوِي عَنْهُمَا، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا الْعَدَدَ مِنَ الْحَدِيثِ مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا، وَلَيْسَ مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ، فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ وَاللهُ أَعْلَمُ " .
فهذا السند منكر .
ويعجبني – أخيراً - قول ابن حبان عن طرق هذا الحديث كلها في " المجروحين " 1 / 175 ( وهو الحديث الثالث ) :
" والحَدِيث الثَّالِث وَإِن روى من غَيْر هَذَا الطَّرِيق فَلَيْسَ يَصح " .

والخلاصة : لا يثبت هذا الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ؛ فإن طرقه وشواهده لا تجعله حسناً فضلاً عن الصحة ؛ فيحول من " الصحيحة " إلى " الضعيفة " .
تنبيه : لا غضاضة على شيخنا الإمام الألباني في ما وصلت إليه
من نتائج تخالف أحكامه رحمه الله تعالى في بعض أعماله ؛ فإنه هو نفسه الذي كان يفرح جداً بملحوظاتي عليه ويقول : أنا أستفيد من ملحوظاتك ورجاع إلى الحق إذا تبين لي .
وإمام كالألباني مكثر من التحقيق جداً ؛ سيكون بلا شك - كغيره من الأئمة السابقين - له بعض الأوهام ؛ فالمهم – كما قاله هو نفسه لي - : " أن يغلب صواب العالم على خطئه ؛ فإن لكل جواد كبوة ؛ بل كبوات " .
أقول هذا كله حتى يتبين الأمر لطائفتين من الناس :
1-إخواننا السلفيين الخلص فهم يعلمون ما تعنيه مثل هذه الملحوظات من غاية هي الوصول إلى الحق .
2-أولئك الحاقدين من الحزبيين أو غيرهم من أعداء السلفية
الذين يتربصون ويتحينون كل فرصة للنيل من الإمام الألباني بحجة أن محبيه يطعنون فيه .

وكتب / علي رضا بن عبد الله
منقول