فصل
طعن عبد السلام ياسين في عقيدة السلف الصالح
طعن عبد السلام ياسين في فقه الصحابة والتابعين ومن تبعهم
يقول عبد السلام ياسين :
( قاعدون خاملون جاهلون يستشهدون بالصحابي فلان والتابعي فلان والعالم علان الذين صلوا خلف الفسّاق , وكتبوا بيعتهم للظّلمة , سكتوا سكوتا جميلا .)
نظرات في الفقه والتاريخ ص 47
1 التمسك بعقيدة و فهم السلف هو اعتصام بحبال مشتبكة ، لا اعتصام بحبل الله
يقول عبد السلام ياسين :
( فإذا تعلق الأمر بالعقيدة التي عليها سلامة أصل الدين، وإذا تعلق الأمر بسلامة القلب التي تنفع وحدَها عند لقاء الله، فإن تقليد صيغة عقدية رجَّحَتْ وأقامت المحاكم في دائرتها الضيقة ومحنِها التاريخية إنما هو اعتصام بحبال مشتبكة، لا الاعتصام بحبل الله. )
تنوير المومنات ص 120
2 طعنه في أقسام التوحيد , وأنّ العقيدة أصبحت عقدة
يقول عبد السلام ياسين :
( ...، ومع ذلك يأبى إلا أن يجعل الكلمة الطيبة فلسفة، فلا يُسلم لك إسلامَك حتى تسرُدَ عليه حقيقة إسلامك من خلال الخلاف العقائدي الكدر، وحتى تتبرأ من الجَهم بن صفوانَ والمعتزلة والقدرية والجبرية، وحتى تحفظ توحيد الربوبية وفرق ما بينه وبين توحيد الإلهية. علمُ العقائد أصبح عقدة، والكلمة العالية الطيِّبة التي بعث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وأمره بها ووعده عليها الجنة كلمة منسوخة بفلسفة التوحيد، وعلم الكلام. أضابيرُ وملفات عثر عليها بعض الضاربين في أرض الفهم ملؤها الكلام والجدلُ والخلاف والضِّرار، تَبَنَّوْا قضاياها، وزحفوا يتأبطونها على مواقع المسلمين، يؤججون حروبا يعتبرونها جهادا من أجل تحرير العقيدة، ويرفعون إلى عنان السماء أزيز مُرافعاتهم المتفرقعة. )
الإحسان مقالة " سبق المفردون "
3 ردّ الشيخ ابن عثيمين على من زعم أن أقسام التوحيد بدعة
يقول الشيخ إبن عثيمين رحمه الله تعالى :
( واعلم أن العلماء رحمهم الله قسموا التوحيد إلى ثلاثة أقسام توحيدالربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد السماء والصفات . قسموه على هذا التقسيم بناء على التتبع والإستقراء واستئناسا بقول الله تعالى :
" رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا " فإن هذه الآية الكريمة تضمنت أنواع التوحيد الثلاثة . " رب السماوات والأرض وما بينهما " : الربوبية . " فاعبده واصطبر لعبادته " : العبودية . " هل تعلم له سميا ": الأسماء والصفات . لأن معنى هل تعلم له سميا أي لا تعلم له نظيرا ومساويا في أسماءه وصفاته
وقد قال بعض الناس إن تقسيم التوحيد إلى هذه الأقسام الثلاثة بدعة لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما كان من أمور الدين لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه بدعة ولكننا نجيب عن هذا فنقول : إن أشياء كثيرة رتبها العلماء لم تكن مرتبة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فهذا لا يعدو أن يكون بيانا وتوضيحا , فالذين قسموه إلى ثلاثة أقسام لم يأتوا ... بل جاءوا بما جاء به الكتاب والسنة , ولكن قسموه باعتبار إختلاف الناس فيه ...
ولو أننا سلكنا هذا المسلك الذي سلكه هذا الشاذ لقلنا أيضا إن عدّ شروط الصلاة وأركانها وواجباتها وأركان الحج وواجباته ومحضوراته وما أشبه ذلك لقلنا أنه من البدع ونحن لا نذكر هذا متعبدين لله به ولكن نذكر هذا مقربين للعلم إلى طلابه فهو إذا وسيلة وليس قصدا فالصواب بلا شك أن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام وذكر الشروط والأركان والواجبات والمفسدات في العبادات كل هذا جائز لأنه من باب الوسائل والتقريب وحصر الأشياء لطالب العلم .
ونحن نذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكر الأشياء محدودة بالعدد مثل سبعة يظلهم الله في ظله ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة وأشبه ذلك وهذا نوع من التقسيم .)
شرح عقيدة أهل السنة والجماعة : الشيخ العلامة إبن عثيمين
4 أقسام التوحيد للشيخ العلامة إبن عثيمين رحمه الله تعالى :
( والتوحيد في اللغة : مشتق من وحد الشيء إذا جعله واحداً ؛ فهو مصدر وحد يوحد ؛ أي : جعل الشيء واحداً . وفي الشرع : إفراد الله ـ سبحانه ـ بما يختص به من الربوبية والألوهية والسماء والصفات .
* أقسامه : ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام :
1 ـ توحيد الربوبية. 2ـ توحيد الألوهية. 3ـ توحيد الأسماء والصفات.
وقد اجتمعت في قوله تعالى : ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم:65)
* القسم الأول : توحيد الربوبية:
هو إفراد الله – عز وجل - بالخلق، و الملك، و التدبير.
فإفراده بالخلق : أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله ، قال تعالي : ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر)( الأعراف: من الآية54) فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر؛ إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر ، وقال تعالى : (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)(فاطر: من الآية3) فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله ، لأن الاستفهام فيها مشرب معنى التحدي.
أما ما ورد من إثبات خلق غير الله ؛ كقوله تعالى : ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(المؤمنون: من الآية14) وكقوله صلى الله عليه وسلم في المصورين : يقال لهم أحيوا ما خلقتم) (1) 0
فهذا ليس خلقاً حقيقة ، وليس إيجاداً بعد عدم ، بل هو تحويل للشيء من حال إلى حال ، وأيضاً ليس شاملاً ، بل محصور بما يتمكن الإنسان منه ، ومحصور بدائرة ضيقة ؛ فلا ينافي قولنا : إفراد الله بالخلق.
وأما إفراد الله بالملك :
فأن نعتقد أنه لا يملك الخلق إلا خالقهم ؛ كما قال تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض) (آل عمران:189) وقال تعالى : (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ)(المؤمنون: من الآية88).
وأما ما ورد من إثبات الملكية لغير الله ؛ كقوله تعالى : (إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)(المؤمنون:6) وقال تعالى : (أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ )(النور: من الآية61) فهو ملك محدود لا يشمل إلا شيئاً يسيراً من هذه المخلوقات ؛ فالإنسان يملك ما تحت يده ، ولا يملك ما تحت يد غيره ، وكذا هو ملك قاصر من حيث الوصف ؛ فالإنسان لا يملك ما عنده تمام الملك ، ولهذا لا يتصرف فيه إلا على حسب ما أذن له فيه شرعاً ، فمثلاً : لو أراد أن يحرق ماله أو يعذب حيوانه ؛ قلنا : لا يجوز ، أما الله ـ سبحانه ـ ؛ فهو يملك ذلك كله ملكاً عاماً شاملاً.
وأما إفراد الله بالتدبير :
فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده ؛ كما قال تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)(يونس:31).
وأما تدبير الإنسان ؛ فمحصور بما تحت يده ومحصور بما أذن له فيه شرعاً. وهذا القسم من التوحيد لم يعارض فيه المشركون الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل كانوا مقرين به ، قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)(الزخرف:9) فهم يقرون بأن الله هو الذي يدبر الأمر ، وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض ، ولم ينكره أحد معلوم من بني آدم ؛ فلم يقل أحد من المخلوقين : إن للعالم خالقين متساويين.
فلم يجحد أحد توحيد الربوبية ، لا على سبيل التعطيل ولا على سبيل التشريك، إلا ما حصل من فرعون ؛ فإنه أنكره على سبيل التعطيل مكابرة ؛ فإنه عطل الله من ربوبيته وأنكر وجوده ، قال تعالى حكاية عنه : (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)(النازعـات:24) ، (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)(القصص: من الآية38). وهذا مكابرة منه لأنه يعلم أن الرب غيره ؛ كما قال تعالى : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً)(النمل: من الآية14)، وقال تعالى حكاية عن موسى وهو يناظره : (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض)(الاسراء: من الآية102) ؛ فهو في نفسه مقر بأن الرب هو الله ـ عز وجل ـ .
وأنكر توحيد الربوبية على سبيل التشريك المجوس ، حيث قالوا : إن
للعالم خالقين هما الظلمة والنور ، ومع ذلك لم يجعلوا هذين الخالقين متساويين ، فهم يقولون : إن النور خير من الظلمة ؛ لأنه يخلق الخير ، والظلمة تخلق الشر ، والذي يخلق الخير خير من الذي يخلق الشر.
وأيضاً فإن الظلمة بفرق ثالث ، وهو : أن النور قديم على اصطلاح الفلاسفة، واختلفوا في الظلمة : هل هي قديمة ، أو محدثة ؟ على قولين.
دلالة العقل على أن الخالق للعالم واحد :
قال الله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ)(المؤمنون: من الآية91) ، إذ لو أثبتنا للعالم خالقين ؛ لكان كل خالق يريد أن ينفرد بما خلق ويستقل به كعادة الملوك ؛ إذ لا يرضى أن يشاركه أحد ، وإذا استقل به ؛ فإنه يريد أيضاً أمراً آخر ، وهو أن يكون السلطان له لا يشاركه فيه أحد.
وحينئذ إذا أرادا السلطان ؛ فإما أن يعجز كل واحد منهما عن الآخر ، أو يسيطر أحدهما على الآخر ؛ فإن سيطر أحدهما على الآخر ثبتت الربوبية له ، وإن عجز كل منهما عن الآخر زالت الربوبية منهما جميعاً ؛ لأن العاجز لا يصلح أن يكون رباً.
القسم الثاني : توحيد الألوهيــة :
ويقال له : توحيد العبادة باعتبارين ؛ فباعتبار إضافته إلى الله يسمى : توحيد الألوهية ، وباعتبار إضافته إلى الخلق يسمى توحيد العبادة.
وهو إفراد الله ـ عز وجل ـ بالعبادة.
فالمستحق للعبادة هو الله تعالى ، قال تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِل)(لقمان: من الآية30).
والعبادة تطلق على شيئين :
الأول : التعبد: بمعنى التذلل لله ـ عز وجل ـ بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ محبة وتعظيماً .
الثاني : المتعبد به ؛ فمعناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : (إسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة).
مثال ذلك : الصلاة ؛ ففعلها عبادة ، وهو التعبد ، ونفس الصلاة عبادة ، وهو المتعبد به.
فإفراد الله بهذا التوحيد : أن تكون عبداً لله وحده تفرده بالتذلل ؛ محبة وتعظيماً ، وتعبده بما شرع ، قال تعالى:(لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً)(الاسراء:22) وقال تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(الفاتحة:2) ؛ فوصفه سبحانه بأنه رب العالمين كالتعليل لثبوت الألوهية له؛ فهو الإله لأنه رب العالمين، وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(البقرة: من الآية21) ؛ فالمنفرد بالخلق هو المستحق للعبادة.
إذ من السفه أن تجعل المخلوق الحادث الآيل للفناء إلهاً تعبده؛ فهو في الحقيقة لن ينفعك لا بإيجاد ولا بإعداد ولا بإمداد ، فمن السفه أن تأتي إلى قبر إنسان صار رميماً تدعوه وتعبده ، وهو بحاجة إلى دعائك ، وأنت لست بحاجة إلى أن تدعوه ؛ فهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ؛ فكيف يملكه لغيره ؟!
وهذا القسم كفر به وجحده أكثر الخلق ، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل، وأنزل عليهم الكتب ، قال الله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)(الانبياء:25).
ومع هذا ؛ فأتباع الرسل قلة ، قال عليه الصلاة والسلام : (فرأيت النبي ومعه الرهط ، والنبي ومعه الرجل والرجلان ، والنبي وليس معه أحد) (1) .
* تنبيه :
من العجب أن أكثر المصنفين في علم التوحيد من المتأخرين يركزون على توحيد الربوبية ، وكأنما يخاطبون أقواماً ينكرون وجود الرب ـ وإن كان يوجد من ينكر الرب ـ ، لكن ما أكثر المسلمين الواقعين في شرك العبادة !!
ولهذا ينبغي أن يركز على هذا النوع من التوحيد حتى نخرج إليه هؤلاء المسلمين الذين يقولون بأنهم مسلمون ، وهم مشركون ، ولا يعلمون.
القسم الثالث : توحيد الأسماء والصفات :
وهو إفراد الله ـ عز وجل ـ بما له من الأسماء والصفات.
وهذا يتضمن شيئين :
الأول : الإثبات ، وذلك بأن نثبت لله ـ عز وجل ـ جميع أسمائه وصفاته التي أثبتها لنفسه في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
الثاني : نفي المماثلة ، وذلك بأن لا نجعل لله مثيلاً في أسمائه وصفاته ؛ كما قال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11) . فدلت الآية على أن جميع صفاته لا يماثله فيها أحد من المخلوقين؛ فهي وإن اشتركت في أصل المعنى ، لكن تختلف في حقيقة الحال، فمن لم يثبت ما أثبته الله لنفسه ؛ فهو معطل ، وتعطيله هذا يشبه تعطيل فرعون ، ومن أثبتها مع التشبيه صار مشابهاً للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره ، ومن أثبتها بدون مماثلة صار من الموحدين.
وهذا القسم من التوحيد هو الذي ضلت فيه بعض الأمة الإسلامية وانقسموا فيه إلى فرق كثيرة ؛ فمنهم من سلك مسلك التعطيل ، فعطل ، ونفى الصفات زاعماً أنه منزه لله ، وقد ضل ؛ لأن المنزه حقيقة هو الذي ينفي عنه صفات النقص والعيب ، وينزه كلامه من أن يكون تعمية وتضليلاَ ، فإذا قال : بأن الله ليس له سمع ، ولا بصر ، ولا علم ، ولا قدرة ؛ لم ينزه الله ، بل وصمه بأعيب العيوب ، ووصم كلامه بالتعمية والتضليل ؛ لأن الله يكرر ذلك في كلامه ويثبته ، (سميع بصير) ، (عزيز حكيم) ، (غفور رحيم) ، فإذا أثبته في كلامه وهو خال منه ؛ كان في غاية التعمية والتضليل والقدح في كلام الله ـ عز وجل ـ ، ومنهم من سلك مسلك التمثيل زاعماً بأنه محقق لما وصف الله به نفسه ، وقد ضلوا لأنهم لم يقدروا الله حق قدره ؛ إذ وصموه بالعيب والنقص ؛ لأنهم جعلوا الكامل من كل وجه كالناقص من كل وجه.
وإذا كان اقتران تفضيل الكامل على الناقص يحط من قدره ؛ كما قيل :
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
فكيف بتمثيل الكامل بالناقص ؟! هذا أعظم ما يكون جناية في حق الله ـ عز وجل ـ ، وإن كان المعطوف أعظم جرماً ، لكن الكل لم يقدر الله حق قدره.
فالواجب:أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل.
هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيميه وغيره من أهل العلم.
فالتحريف في النصوص ، والتعطيل في المعتقد ، والتكييف في الصفة ، والتمثيل في الصفة ، إلا أنه أخص من التكييف ؛ فكل ممثل مكيف ، ولا عكس ، فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه الأمور الأربعة.
ونعني بالتحريف هنا : التأويل الذي سلكه المحرفون لنصوص الصفات ؛ لأنهم سموا أنفسهم أهل التأويل ، لأجل تلطيف المسلك الذي سلكوه ؛ لأن النفوس تنفرد من كلمة تحريف ، لكن هذا من باب زخرفة القول وتزيينه للناس ، حتى لا ينفروا منه.
وحقيقة تأويلهم : التحريف : التحريف ، وهو صرف اللفظ عن ظاهره؛ فنقول: هذا الصرف إن دل عليه دليل صحيح ؛ فليس تأويلاً بالمعنى الذي تريدون، لكنه تفسير.
وإن لم يدل عليه دليل ؛ فهو تحريف ، وتغيير للكلم عن مواضعه ؛ فهؤلاء الذين ضلوا بهذه الطريقة ، فصاروا يثبتون الصفات لكن بتحريف ؛ قد ضلوا ، وصاروا في طريق معاكس لطريق أهل السنة والجماعة.
وعليه لا يمكن أن يوصفوا بأهل السنة والجماعة ؛ لأن الإضافة تقتضي النسبة ، فأهل السنة منتسبون للسنة ؛ لأنهم متمسكون بها ، وهؤلاء ليسوا متمسكين بالسنة فيما ذهبوا إليه من التحريف.
وأيضاً الجماعة في الأصل : الاجتماع ، وهم غير مجتمعين في آرائهم ففي كتبهم التداخل ، والتناقض ، والاضطراب ، حتى إن بعضهم يضلل بعضاً ، ويتناقض هو بنفسه.
وقد نقل شارح (الطحاوية) عن الغزالى ـ وهو ممن بلغ ذروة علم الكلام ـ كلاماً إذا قرأه الإنسان تبين له ما عليه أهل الكلام من الخطأ والزلل والخطل ، وأنهم ليسوا على بينة من أمرهم.
وقال الرازي وهو من رؤسائهم :
نهاية إقدام العقول عقــــال وأكثر سعي العالمين ضـلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبـــال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
ثم قال : لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية ؛ فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً ، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن ، أقرأ في الإثبات : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(طـه:5) ، (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)(فاطر:من الآية10) ؛ يعني:فأثبت، وأقرأ في النفي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )(الشورى: من الآية11) ، (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(طـه: من الآية110) ؛ يعني : فأنفي المماثلة ، وأنفي الإحاطة به علماً ، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي. فتجدهم حيارى مضطربين ، ليسوا على يقين من أمرهم ، وتجد من هداه الله الصراط المستقيم مطمئناً منشرح الصدر ، هادئ البال ، يقرأ في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات ؛ فيثبت ؛ إذا لا أحد أعلم من الله بالله ، ولا أصدق خبراً من خبر الله ، ولا أصح بياناً من بيان الله ؛ كما قال تعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ)(النساء: من الآية26) (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)(النساء: من الآية176) ، (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً)(النحل: من الآية89) ، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً)(النساء: من الآية122) (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً)(النساء: من الآية87).
فهذه الآيات وغيرها تدل على أن الله يبين للخلق غاية البيان الطريق التي توصلهم إليه ، وأعظم ما يحتاج الخلق إلى بيانه ما يتعلق بالله تعالى وبأسماء الله وصفاته حتى يعبدوا الله على بصيرة ؛ لأن عبادة من لم نعلم صفاته ، أو من ليس له صفة أمر لا يتحقق أبداً ؛ فلابد أن تعلم من صفات المعبود ما تجعلك تلتجئ إليه وتعبده حقاً.
ولا يتجاوز الإنسان حده إلى التكييف أو التمثيل ؛ لأنه إذا كان عاجزاً عن تصور نفسه التي بين جنبيه ؛ فمن باب أولى أن يكون عاجزاً عن تصور حقائق ما وصف الله به نفسه ، ولهذا يجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ (لم) و (كيف) فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته ، وكذا يمنع نفسه من التفكير بالكيفية.
وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيراً ، وهذه حال السف رحمهم الله ، ولهذا لما جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله قال : يا أباعبدالله ! (الرحمن على العرش استوى) ، كيف استوى ؟ فأطرق برأسه وقال : (الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وما أراك إلا مبتدعاً).
أما في عصرنا الحاضر ؛ فنجد من يقول : إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة ، فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدنيا ؛ لأن الليل يمشي على جميع الأرض ؛ فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى المكان الآخر ، وهذا لم يقله الصحابة رضوان الله عليهم ، ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن ؛ لبينه الله إما ابتداءً أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو يقيض من يسأله عنه فيجاب ، كما سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين كان الله قبل أن يخلق السماوات والأرض ؛ فأجابهم (1) .
فهذا السؤال العظيم يدل على أن كل ما يحتاج إليه الناس فإن الله يبينه بأحد الطرق الثلاثة.
والجواب عن الإشكال في حديث النزول (2) : أن يقال : ما دام ثلث الليل الأخير في هذه الجهة باقياً ؛ فالنزول فيها محقق ، وفي غيرها لا يكون نزول قبل ثلث الليل الأخير أو النصف ، والله ـ عز وجل ـ ليس كمثله شيء ، والحديث يدل على أن وقت النزول ينتهي بطلوع الفجر.
وعلينا أن نستسلم ، وأن نقول : سمعنا ، وأطعنا ، واتبعنا ، وأمنا ؛ فهذه وظيفتنا لا نتجاوز القرآن والحديث. )
مجموع فتاوي ورسائل ـ الجزء التاسع : الشيخ العلامة محمد صالح العثيمين
5 أهل السنة والجماعة عند عبد السلام ياسين حشوية
يقول عبد السلام ياسين :
( لا أريد أن أُفيض في ذكر معاركه مع الشيخ الإمام تقي الدين السبكي فيما سمي بـ "مسائل ابن تيمية" وما اتُّهم به وأُلزِم من القول بالتجسيم، وما أُخِذ عليه من الاجتهاد الشاذ في الفقهيات، وما تنابز به مع خصومه الأشاعرة هو يسميهم جهمية وهم يسمونه وأصحابه حشوية. )
الإحسان مقالة " الخلاف على الصوفية "
ويقول عبد السلام ياسين :
( دافع أبو الحسن الأشعري، ومثله الإمام أبو المنصور الماتريدي مع خلاف يسير، عن ما جاء من عقائد في الكتاب والسنة بكل وسائل الإقناع العقلي وإلزام الخصم بالحجة العقلية والنقلية. وسلك في مسائل الصفات مسلكا وسطا بين الجهمية والمعتزلة المعطلين وبين المشبهة والحشوية المجسمين. )
الإحسان مقالة " الحنابلة أهل الحديث والأشاعرة "
ويقول عبد السلام ياسين :
( والفقهاء، منهم ابن تيمية والشاطبي، يحملون حملة شعواء على الرجل وعقيدته. وإذا علمنا أن ابن تومرت اتهم المرابطين، وهم أرباب الدولة التي حاربها وهزمها، بأنهم مجسمة، وعلمنا أن ابن تيمية نفسه كان يقول بالجهة فألزمه خصومه القول بالتجسيم، أمسكْنَا بخيط لتفسير عدائه لابن تُومرت ومذهبه. )
الإحسان مقالة " المهدوية "
يقول عبد السلام ياسين :
( من بلاء الله للعباد، ومن مظاهر الحراسة المشددة على أبواب الإنابة، هذا الفقه السطحي المقلد. قرأتَ يا هذا كتيبا أو اثنين، ومقالتين أو ثلاثا، في ثلب الصوفية، وطرحت القضية من حسابك! )
تنوير المومنات ص 118
يقول عبد السلام ياسين :
( لكن المكروه الغليظ، والمصيبة الجُلَّى، هو أن يَتهم الفقه المعتز بنفسه، الذي نصب نفسه محتسبا على المسلمين، كل من خالف رأيا من آرائه بالمروق عن الدين وفساد العقيدة. أصبح هذا الإرهاب الفقهي غولا يخافها المسلمون وينفر المسلمون من دينهم لما تعيث في الأرض من تهويل وتكفير وتبديع )
تنوير المومنات ص 119
8 السلف تركوا لنا جثت فقهية ورِمَمٍ اجتهادية
يقول عبد السلام ياسين :
( ويعيش المقلدون على جثت فقهية ورِمَمٍ اجتهادية، ينظرون بأعين الموتى إلى واقع حي يحركه غيرهم فينزعجون ويغضبون ويصرخون: "لا يجوز".)
تنوير المومنات ص 20
9 فقه السلف فقه إنكسرت مرآته
يقول عبد السلام ياسين :
( ... ولماذا يحارب العقل المنحبس والفقه الواقف البدع والشرك في صفوف الجَهلة من ضعاف المسلمين، ...
منطق متجزِّئ مكسور، وفقه انكسرت مرآته فهو لا يستطيع النظر الكلي المباشر إلى الرسالة الإسلامية جميعة، وإنما يقرأها في شظايا الفقه الموروث شتيتة )
تنوير المومنات ص 113
10 السلف الصالح كانوا رهائن مقهورة في قبضة الحاكم وما خلفوا لنا إلا نثارا من العلم لا يجمعه مشروع متكامل
يقول عبد السلام ياسين :
( ولأن فقه سلفنا الصالح الذين عاشوا رهائن مقهورة في قبضة العض والجبر لم يخلفوا لنا إلا نثارا من العلم لا يجمعه مشروع متكامل ... )
نظرات في الفقه والتاريخ ص 11
11 العقيدة الإسلامية عند عبد السلام ياسين عقيدة جافة
يقول عبد السلام ياسين :
( فلما ورد على المسلمين أقوام يسألون ويتفرعون في السؤال ويشكون ويبذرون بذور الفلسفة المشككة , طلع علماء المسلمين بعقيدة جافة ,..., فمنذئذ يجب على المسلم أن يعتقد كذا وكذا .)
الإسلام غدا ص 265
12 معنى الشرك الخفي عند عبد السلام ياسين
يقول عبد السلام ياسين :
( ينخر في كياننا , في عمق ذاتنا , شرك بالله , واستكبار على الله وعلى رسل الله , وعبادة المستكبرين منا الطاغين , نتخذهم أربابا من دون الله .
هذا الشرك الخفي المتلون في مظاهر الخنوع المعهود الموروث للحاكم , وفي انفصال طبقة الناس عن الدين , وفي انتصاب زعامات قاهرة باغية ,... )
الشورى والديمقراطية ص 182
(1) البخاري : كتاب اللباس/ باب عذاب المصورين يوم القيامة، ومسلم : كتاب اللباس والزينة/ باب تحريم تصوير صورة الحيوان.
(1) البخاري : كتاب الطب/ باب من اكتوى أو كوى غيره، ومسلم: كتاب الإيمان/ باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب.
(1) البخاري : كتاب بدء الخلق / باب ما جاء في قول الله تعالى : (وهو الذي يبدأ الخلق).
(2) البخاري : كتاب التهجد / باب الدعاء والصلاة آخر الليل، ومسلم: كتاب صلاة المسافر/ باب الترغيب في الدعاء والذكر آخر الليل
يتبع إنشاء الله تعالى